من تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم
????- زائر
- مساهمة رقم 1
من تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم
عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه أنه قال: "دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم- قاعدٌ فى بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه </A>وسلم-: ( وما أردت أن تعطيه؟ ) ،قالت: أعطيه تمرا!!، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه </A>وسلم-: ( أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبت عليك كذبة) رواه أبو داود .
معاني المفردات
ها: أداة نداء، فهي بمعنى: يا فلان.
تفاصيل الموقف
على الرغم من كثرة المشاغل وتعدّد المسؤوليّات التي أُلقيت على عاتق النبي –صلى الله عليه وسلم- في أواخر حياته بعد أن وضعت المعركة مع الباطل أوزارها وتحقّق النصر على قريش ومن تبعها، إلا أنّه لم تغب عن باله لحظةً كوكبة المؤمنين الذين هاجروا من مكّة، وشاركوه المصاعب التي أحاطت بالدعوة عند بداية ظهورها، وقاسوا معه الآلام العديدة والابتلاءات المتنوّعة التي حفرت في جبين الذاكرة أخاديد عميقة لا يمحوها الزمن، ومن بين الأسر الكريمة التي حظيت بالرعاية النبويّة أسرة عامر بن ربيعة رضي الله عنه.
إنها أسرةٌ فاضلة "مهاجريّة" من الطراز الأوّل، فعامر بن ربيعة رضي الله عنه الذي أسلم قديماً بمكّة، كان قد هاجر مع امرأته إلى الحبشة ثم عاد منها بعد ذلك، وزوجه: ليلى بنت أبي حثمة رضي الله عنها تُعدّ أوّل من هاجر إلى المدينة من النساء على قول جمعٍ من المؤرّخين، ومع توالي الأيام وتلاحق الأحداث لم تزدد هذه الأسرة المباركة إلا اكتمالاً، ودفاعاً عن النبي –صلى الله عليه </A>وسلم- ومساندةً له، حتى في أحلك الظروف.
لهذه الأسباب حظيت هذه الأسرة الكريمة باهتمام رسول الله –صلى الله عليه </A>وسلم-، فكان يتعاهدهم بالزيارة بين الحين والآخر، ليقف على أخبارهم، ويُلبّي احتياجاتهم، ويتفقّد شؤونهم، ويشاطرهم الحديث.
ونتناول اليوم موقفاً نبويّاً دارت أحداثه في إحدى تلك الزيارات التي كان النبي –صلى الله عليه </A>وسلم- فيها عندهم، ويرويه لنا صغيرهم عبدالله بن عامر رضي الله عنه؛ فقد سجّل لنا ما دار ذلك اليوم وما شاهده بنفسه وما سمعه بأذنه بالرغم من أنه لم يتجاوز في ذلك الحين الخمس سنوات من العمر.
يذكر عبدالله بن عامر رضي الله عنه، دخول رسول الله –صلى الله عليه </A>وسلم- وجلوسه عندهم، وكعادة الأطفال لا يقرّون في موضع واحد، بل يذرعون البيت وينطلقون في أرجائه لعباً ولهواً.
ولعلّ والدته رضي الله عنها أرادت تقديمه للنبي –صلى الله عليه وسلم- كي يُبارك عليه </A>ويلاطفه، فأغْرتْه بالقدوم مقابل أن تعطيه هديّة صغيرة كانت عبارة عن شيءٍ من التمر، فنادته قائلة: " ها، تعال أعطيك"، أو أنها أرادت منه أن يتناول التمر ليتغذّى به.
المهم هنا هو أن النبي –صلى الله عليه </A>وسلم- استوقفه هذا الكلام من أم عبدالله ، وأراد الاستفصال أكثر فقال لها: ( وما أردت أن تعطيه؟ ) ، فأجابته قائلةً : أعطيه تمراً!.
فألقى رسول الله -صلى الله عليه </A>وسلم- من جواهر الحكمة عبارةً علقت في ذهن الغلام الصغير، فكانت من أعظم الدروس التي ظلّ يذكرها طيلة حياته: ( أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبت عليك كذبة) .
إضاءات حول الموقف
من السهل على المرء أن يتكلّم كثيراً عن أصول التربية ومنهاجها وضروراتها، ومن الممكن جدّاً تحديد القيم الفاضلة والمباديء السامية التي ينبغي غرسها في نفوس الناشئة، لكن في المقابل يصعب جدّاً الارتقاء بالدور التربوي ليكون قدوةً قبل أن يكون إرشاداً، وعملاً قبل أن يكون قولاً، وواقعاً قبل أن يكون مُثُلاً نظريّة.
هذا هو المعنى العميق الذي انطوى تحت مظلّة الموقف النبوي سالف الذكر؛ فإنّ المربّي -سواءٌ أكان والداً في البيت، أو معلّماً في المدرسة، أو ناشطاً في حقلٍ دعوي، أو شيخاً في الحلقة- تحت المجهر دائماً من قِبَل المتربّين خصوصاً عندما يكونون في المراحل العمريّة المبكّرة.
وما دام الأمر كذلك، فإن أي فعلٍ يصدر من المربّين إنما هو بمثابة التوجيه الفعلي للمتلّقي، الذي لو تعارض عنده قول المربّي وفعله فلعلّه أن يُقدّم الفعل لاشعوريّاً، لذلك كان على المربّين استشعار خطورة الأمر والتنبّه لقول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف:2-3).
ولربما ظنّ البعض أن المسألة أهون من ذلك، وأن الأمر ليس سوى كذبة صغيرة، لكنّ الطرف الآخر لا ينظر إليها كذلك، خصوصاً وأن الأطفال يحبون المحاكاه من تلقاء أنفسهم، فينشأون على هذا الخلق الذميم.
ويظهر الأثر المدمّر للكذب على الأطفال في صورة فقدان الطفل للثقة بأبويه جرّاء عدم التزامهما بالوعد المقطوع، الأمر الذي يجعله يشكّك في أي وعدٍ مستقبلي صادرٍ منهما، وحبل الثقة بين الوالد والولد إذا انقطع فإنه يصعب وصله.
ومن اللطائف التي ينبغي التوجيه إليها -غير ما تقدّم-، عدم استخدام المعاريض والتورية أثناء التعامل مع الأطفال إلا على أضيق نطاق؛ والتورية هي النطق بالكلمة أو الجملة يكون لها معنى قريب يرتسم في ذهن المتلقّي ومعنى بعيد يقصده القائل، والسبب في المنع هو أن الأطفال لا ينظرون إليها إلا كحيلة أو كذبة، ولا يفهمون حقيقتها.
والمقصود من مثل هذه التوجيهات أن تُغرس فضيلة الصدق فى نفوس الأطفال وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) متفق عليه </A>واللفظ لمسلم