3 مشترك
دماء وأحلام في بلاد الشام
الجزائرية- مشرف القسم الرياضى
- زقم العضويه : 13
عدد المساهمات : 1016
نقاظ : 6753
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
العمر : 39
الموقع : الجزائر
- مساهمة رقم 1
دماء وأحلام في بلاد الشام
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
http://www.awu-dam.org/book/05/novel05/408-n-h/408-n-h.zip
أرجو من أعضاء الشلة الذين لهم معلومات حول المناطق التي ذكرة في الرواية أن يساعدونا
من أجل الاستمتاع أكثر بالرواية
من أجل الاستمتاع أكثر بالرواية
http://www.awu-dam.org/book/05/novel05/408-n-h/408-n-h.zip
عدل سابقا من قبل الجزائرية في الثلاثاء أغسطس 31, 2010 4:13 pm عدل 1 مرات
الجزائرية- مشرف القسم الرياضى
- عدد المساهمات : 1016
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
- مساهمة رقم 26
رد: دماء وأحلام في بلاد الشام
ستردد ليلى فيما بعد: ماأحلى أيام المدرسة،
وكم مرت مسرعة! وكانت السنوات الأخيرة أحلاها، لأن ليلى ورفيقاتها اقتربن من
المعلمات، وزرنهن في بيوتهن. ستتزوج واحدة فقط من صف ليلى قبيل البكالوريا،
وستنتسب بقية الفتيات العشرين إلى كليات العلوم والآداب والطب. سيكن قلة في صفوف
أكثريتها ذكور، وسيلزمهن ذلك بأن يتفوقن. لكن الجامعة لن تقطع علاقتهن بمعلمات
المدرسة.
وكانت رشيقة، أستاذة التاريخ، أقرب المعلمات إلى
الطالبات. تتجاوز الكتاب المدرسي المقرر وتتحدث بلغة صافية كمن يروي حكاية، عن
الأمة العربية المظلومة: لاتضيعوا ياأولاد في التفاصيل كأن كلا منها منفصل عن
الآخر. بل افهموا الأحداث في سياقها الذي يجري إلى هدف. واستنتجوا محورها المركزي.
تساءلوا ماهو جوهر الأحداث منذ بداية القرن حتى اليوم، وماهي القوى التي رسمتها
والمصالح التي دافعت عنها؟ كانت رشيقة تفصّل في المعاهدات الاستعمارية التي قسّمت
الوطن العربي. وتقرأ على طالباتها قرار الأمم المتحدة الذي اتفق فيه الغرب والشرق
على اختراع بلد لاعلاقة له بدول المنطقة وشعبها. وتقول إن المهاجرين الصهيونيين
غرباء عن المنطقة لأنهم من اليهود الخزر. وتعبر عن دهشتها لأن الاتحاد السوفييتي
وافق على التقسيم واعترف بإسرائيل بعد إعلانها، مع أنها قاعدة للغرب الاستعماري!
تساءلوا إذن عن مراكز النفوذ التي يحتلها اليهود في الشرق والغرب! ماالحل؟ تجمّع
الوطنيين في تنظيم يخلّص الوطن من الإقطاعية والرأسمالية ويبني الاشتراكية
العربية، ويوحد الوطن المجزأ ليصبح قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية. لم تنجز أحزاب
البورجوازية برنامج التحرر الوطني الاقتصادي والثقافي والسياسي، بعد إنجازها
الاستقلال. لذلك يجب أن تنجزه تجمعات أو قوى أخرى!
كان درس الأستاذة رشيقة ممتعا لأنه متصل
بالواقع، ومليء بالأحلام. كانت تمازح تلميذاتها، وتدعوهن إلى بيتها, وتنظم لهن
أحيانا رحلات إلى الغوطة. كانت امرأة فريدة. تلبس ملابس طويلة حتى الأرض كأنها من
عصر مضى، وتطلق شعرها في ضفيرة ثخينة تصل إلى خصرها. ولم تكن تلبس أحذية بكعوب
أبدا. وبدا أنها يمكن أن تصبح رياضية لو صرفت بعض الوقت في الرياضة. لكن وقتها كان
مكرسا للكتب ومناقشة مؤلفيها واستقبال السياسيين أو زيارتهم.
في الرحلة التي اشتركت فيها ليلى وغادة التقت
الطالبات بالأستاذة رشيقة قرب الباب الشرقي في السادسة صباحا. فحدثتهن رشيقة عنه
وعن سور دمشق والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين: "هم عرب البلاد
الأصليين". ثم مشين في طريق الغوطة
إلى خرابو. قالت لهن: أتعرفن أن حلم فخري البارودي في أيام الدولة العربية كان
تأسيس مدرسة زراعية تعلّم أصول الزراعة الحديثة؟ كان الطريق ملكهن لاتقطعه أحيانا
غير دواب محملة بالخضار متجهة إلى أسواق المدينة. قالت: انظرن إلى هؤلاء الفلاحين!
هم المنتجون، لكنهم لايملكون الأرض التي يعملون فيها! ركضت الأستاذة رشيقة وسابقت
تلميذاتها تحت أشجار الجوز التي تظلل الطريق في خرابو. سبقتهن واستدارت إليهن
وانتظرتهن. قالت: أتعرفن يابنات أن المهاجرين اليهود يفرضون التدريب الرياضي! ذلك
جزء من التدريب العسكري الذي يؤهلهم للحرب علينا! يجب ألا تهملن الرياضة. انتسبن
إلى نادي الفتيان أو إلى النادي الغساني. العبن في الملعب البلدي! لاتتصورن أن
إسرائيل ستكتفي بالقطعة التي احتلتها من فلسطين! حدثني الأستاذ أكرم الحوراني عن
وحشية الاحتلال اليهودي التي خبرها بنفسه خلال الحرب في فلسطين. أنتن من الجيل
الذي يجب أن يرد ذلك الخطر. وستكون سورية دائما في خطر. لأنها قلب العروبة النابض.
هنا شنق شهداء أيار، وهنا قال يوسف العظمة لن يدخل المحتلون إلى دمشق دون مقاومة!
وهنا استكمل نور الدين الشهيد توحيد الإمارات العربية وأسس الشروط لتحرير القدس
وطرد الفرنجة!
كانت الأستاذة رشيقة تتوهج عندما تتحدث. فيحمر
خداها وتتألق عيناها. فتقنع المستمع إليها بصدقها وتُعديه باندفاعها. وكانت
بالمقدار نفسه تظهر الحماسة للخلاص من التخلف الذي تعاني منه المرأة. وتقول هذا
نتيجة الاستعمار والوضع الذي يلائم الإقطاع. فالمرأة العربية شاركت الرجل في
الحرب، وأنشدت الشعر، وكانت تصلي في المساجد مع الرجل وتناقش الخلفاء، وكانت تدير
صالونات أدبية. تذكرن أن غزالة الحرورية كانت تحارب دولة! وأن سكينة كانت تحاور
المفكرين!
سحرت الطالبات بساطة رشيقة وصدقها. وشعرن لأول
مرة بأنهن أفراد في مجموعة، وأن لهن دورا في مصير الوطن العربي كله. أصبح الحلم
بالحب والزواج مقطعا يواكب حياة واسعة. وصارت المهنة نفسها وسط تلك السعة. لكن
الحق في الحب واختيار الزوج بدا من شروط أن تكون المرأة ندا. مع احترام رضا الوالدين.
قرأت رشيقة بعض قصائد نزار قباني وأثنت على لغته البسيطة التي تقرب الناس من
الشعر، وارتقائه بالعواطف الذي أذلها المغنون السوقيون! بدا نزار قباني من التفتح
الذي تحمست له رشيقة.
هل انتقلت طالباتها بعد البكالوريا إلى الجامعة
لأنها حدثتهن عن العلم كواجب نحو النفس ونحو المجتمع، وخاصة للنساء؟ أم كانت رشيقة
نفسها من مزاج عام رفع قيمة العلم والعمل، وأغرى ببناء وطن متنور يتفتح فيه
الإنسان!
شاركت ليلى الطالبات في زيارة الأستاذة رشيقة في
بيتها. وشربت معهن الشاي وتفرجت على مكتبة أستاذتها. كانت المكتبة تغطي جدارا
كاملا، مع أن رشيقة قالت إنها لاتحب الاحتفاظ بالكتب، وتمارس توزيعها كي يقرأها
غيرها. هذه المكتبة إذن بعض ماكان لديها! عرضت رشيقة على الطالبات أن يخترن مايحلو
لهن منها. فأخذت غادة روايات دستويفسكي التي ترجمها سامي الدروبي وروايات غوركي
التي نشرتها دار اليقظة. واختارت ليلى ديوان عمر أبي ريشة. شربت ليلى الشاي مع
زميلاتها وذاقت الكاتو الذي حضرته رشيقة لطالباتها. لم تكرر ليلى الزيارة إلا مرات
قليلة صادفت خلالها رجال الأدب والسياسة الذين تنشر الجرائد أسماءهم. لكن غادة
وبعض التلميذات بقين يترددن عليها. ثم صرن يحضرن اجتماعات في مكتب حزب البعث في
الشهداء. وصارت ليلى تراهن فيما بعد في صدر مظاهرات الجامعة. وستتساءل: هل كسبت
غادة من رشيقة فيما بعد بعض الكتب التي استخدمتها في مناقشة مديحة؟
قالت غادة: سأزور زوجة أكرم الحوراني. تعالي
معي! ورافقتها ليلى. سترى بيت الرجل الذي تتحدث البلد عنه، وستعرف زوجته! كانت
رشيقة قد حدثت غادة عنه منذ بداية تقاربهما. كان أكرم الحوراني قد عرف في شبابه
بيروت ودمشق وفلسطين. درس في معهد الحقوق في دمشق وانتسب إلى الحزب القومي السوري
مجذوبا بعلمانيته وتنظيمه ومشروع وحدة سورية. وتركه بعد سنتين وترأس حزب الشباب في
حماة فسند الفلاحين ضد الإقطاعيين. كان من شعارات ذلك الحزب "هاتوا القفة
والكريك لنعش الآغا والبيك". حمل الحوراني مزاج الحموي الزكرت، ونقله إلى
مستوى سياسي. دافع عن الفلاحين بالقوة، فكسب سمعة لن يبددها انصرافه إلى مشروع
سياسي واسع. في سنة 1941 هبّ لنجدة الضباط الثوار ضد الإنكليز في العراق، وجرّ معه
ضباطا سوريين. فعاد بعمق عربي في مشروعه. محملا بتجربة الرد الاستعماري الوحشي على
الضباط الذين أرادوا حياد العراق بين المتحاربين في الحرب العالمية الثانية.
فانتخبته حماة نائبا في البارلمان سنة 43
وهاجم العشائر والإقطاع. ثم دخل إلى فلسطين مع المتطوعين واشترك في مقاومة
الصهيونيين. وقوى هذا المسار علاقاته بالضباط الجدد في كلية حمص العسكرية.
كان الضباط الذين ساهموا في الانقلابات قد
حاربوا في فلسطين قبيل خسارتها. فكان عجز الجيوش العربية عن الحرب من أسباب
الانقلابات التي عصفت بمصر وسورية. فهل كان الحوراني يتصور أن المساهمة فيها تحقق
مشروعه بسرعة؟ مع ذلك كان يتقدم في تنظيم الشباب. وكان أعضاء حزب الاشتراكي العربي
في سنة 1950 أكثر من عشرة آلاف. في سنة 1952 وحد حزبه مع حزب البعث، حزب ميشيل
عفلق وصلاح الدين البيطار. كانت رشيقة قد استمعت إلى ميشيل عفلق وتابعته. بدا لها
أنه يصوغ النظرية. لكن الحوراني هو رجل العمل، رجل الواقع والجماهير. أحدهما رجل
المدرسة الفكرية والآخر رجل السياسة. أحدهما ينغمس في الانتخابات النيابية ويمارس
ماتفتحه له من اتصالات ونشاط وقرارات، والآخر يرى أن اللعبة البارلمانية يجب ألا
تشغل عن المشروع الواسع. بدا لها أن الحوراني يفهم بدقة دور الجيوش في العالم
الثالث ويفيد من ذلك الدور. ولايبالي بأن يقال عنه إنه من أنصار
"الاستعجال". يجب تركيز العمل في قطاعي التعليم والجيش فهما القطاعان الحاسمان
في القرار. وستتبين رشيقة فيما بعد أن ملاحظاتها لمست الاختلاف الذي أثر في مسار
الحياة العامة في سورية والعراق. لم يتردد الحوراني في الاعتماد على الانقلاب
العسكري، مع أنه سيرفض فيما بعد نفوذ العسكريين. لكن الرزاز سيسمي ذلك خطوة في
الظلام تلغي دور المنظمات الشعبية والعمل الشعبي. وستقرأ في الأيام الصعبة فيما
بعد قوله "خطر الحكم العسكري يزداد حين تضعف القوة الشعبية". وستتأمل
رأيه في ضرورة أن تحكم القيادة الحزبية المدنية المنظمة الحزبية العسكرية. ساقت
الحماسة والأحلام رشيقة وبهرت بها تلميذاتها. كان الانتباه يومذاك مسددا إلى حلف
بغداد الذي سيغير أسماءه فيصبح حلف السنتو، ويصبح فراغ ايزنهاور. وإلى حشد الأصوات
لقائمة الاشتراكيين في انتخابات حرة. وتأسيس منظمات قوية مثقفة.
كانت غادة تعتد بأنها أصبحت ضيفة أليفة في بيت
أكرم الحوراني. فالتفاهم ألغى الفرق في سنوات العمر. وصارت تطل على جانب آخر في
علاقة السياسي بزوجته. وتعرف القدَر الذي يحرمهم من المتع العادية. قالت نزيهة
ضاحكة مرة: قصصت شعري وعدت مزهوة من صالون الحلاق. كان أكرم مستعجلا فصادفته قرب
الباب. سألته ماذا تلاحظ؟ نظر إلي وقال إنه لم يلاحظ شيئا غير عادي. سألته ألا يعجبك
شعري القصير؟ سألني وهل كان طويلا؟ لكن نزيهة حملت واجبات السياسي المعقدة. بدت
لغادة ربة بيت، وسيدة أنيقة جميلة، ومعلمة تحب مهنتها، وحاضنة أزمات عامة، ورحالة
تتنقل مع زوجها إلى حيث سيقدر له أن يرحل راغبا ومضطرا. ولن تلتقي بها إلا بعد
عقود وهي مريضة تقاوم السرطان في شجاعة. وستتبين العينين الحلوتين الخضراوين،
وبريقهما الأخاذ، والابتسامة الساحرة نفسها، والذكاء. لكنها ستتبين الحكمة التي
كنزتها نزيهة من السنوات الطويلة الصعبة.
كان يسعد غادة خلال الدراسة في الجامعة أن تصطحب
معها إلى بيت نزيهة بعض زميلاتها أحيانا. مشت مع ليلى في طريق تحف به بساتين
الصالحية. وبعد ربع ساعة فقط وصلتا إلى بناء جديد في عين الكرش. استقبلتهما شابة
خضراء العينين، حلوة، لطيفة. كانت معلمتهما القديمة رشيقة في انتظارهما عندها.
وأظهرت فرحها بلقاء ليلى بعد غياب طويل. تأملت ليلى نزيهة الحمصي، زوجة السياسي
الذي انتخب نائبا في البارلمان في أيام الاحتلال الفرنسي، ورحل إلى العراق لنجدة
ثورة الكيلاني، وتطوع في حرب فلسطين، وكتب البيان الأول في انقلاب حسني الزعيم.
ولم يغب عن انقلاب الحناوي والشيشكلي. وهاهو الآن في المجلس النيابي السوري رئيس
مجموعة ذات رأي حاسم.
خمنت ليلى أن غادة تجاوزت مرحلة فحص المجموعة
التي تلتقي بها عند رشيقة. فقد عرضت آراءها لمنور خلال الغداء. اشتراكيتنا ليست
شيوعية ياخالتي! لأنها مفصّلة للواقع العربي. يفيدنا الاطلاع على كتب الماركسيين
لنفهم شرط الثورات وظروفها. الماركسية مصدر مهم من مصادرنا. تجربة تيتو مصدر آخر،
وكذلك الصين والهند. لكن نظرتنا مؤسسة على واقع بلادنا. وليست لنا مرجعية خارجية
تفرض علينا قرارها كما تفرض على الشيوعيين. لذلك نختلف عنهم في أمر آخر هو الموقف
من فلسطين. فقد قبلوا قرار التقسيم لأن الاتحاد السوفييتي قبله. مع أن الأمة
العربية تعرف أن المستوطنين اليهود غرباء فرضهم الانتداب البريطاني ثم احتلوا
بالقوة مايتجاوز حتى حدود التقسيم!
استمعت منور إلى غادة في حنان. تأملت حماستها
التي تنقل أحداثا لم تعرفها لكنها تصدق ماروي لها عنها. وأثار شفقتها اندفاع غادة
إلى مصير تستعد فيه لأية تضحية تطلب منها. متى اجتازت هذه الصبية حدود أسرتها
وأصبحت وسط هيئة في سعة خريطة تمتد من الخليج إلى المحيط؟ هل تجهل منور التي عاشت
أيام الانتداب أن الأسرة البعيدة عن الأحداث العامة قد تحمي أفرادها، لكن الفرد
الذي يصبح عضوا في منظمة عامة يوسع قدره بها! قالت لها: عرفت عكا ويافا اللتين
لاتعرفينهما! مدينتان عربيتان. فمن يستطيع أن يقبل التقسيم الذي وضعهما في خريطة
يهود غرباء! وهل تعرفين من اولئك المستوطنون؟ أنا عرفت بعضهم! كان الواحد منهم
يشتري السمكة في طبرية ويضعها في عبّه!
في ذلك الغداء الطويل الذي قدمت منور فيه ورق
العنب والكوسا المحشي المطبوخ مع الجانرك والشرحات والعصاعيص، استمعت إلى غادة.
تركتها تقول مافي قلبها. ثم قالت لها: موفقة! لكن ليلى ابنة شهيد قتل في الجليل.
ولذلك يجب ألا تنحاز إلى حزب ولو كان برنامجه تحرير الوطن العربي من التخلف
والإقطاع، كما قلتِ، وبناء الاشتراكية التي تمنع الاستغلال، كما قلتِ! يفيد ليلى
أن تلتقي بأشخاص متنوعين، وأن تفهم البلاد التي قاوم أبوها فيها الاحتلال، وأنجد
فيها جياع الحرب العالمية، واستشهد ليرد المستوطنين اليهود عنها! لكنها يجب ألا
تنحاز لحزب من الأحزاب التي تنظمكم في الجامعة!
لم تعترض ليلى على كلام منور. لأنهما تحدثتا عن
ذلك مرات. فالإخلاص لذكرى أبيها أمر لايناقش. والإخلاص له يعني أن تكون مثله، مع
المجموعة لامع قسم منها. ولكنها لم تخمن أنها ستميز، فيما بعد، سعة انحياز عواطفها
وفكرها من ضيق التزام الأحزاب المقيد بالولاء لبرنامج وترتيب تنظيمي! وستقنع نفسها
بأنها كطبيبة لايمكن أن تميز مريضا من آخر. وستؤكد ذلك وهي تسعف الجرحى في حرب
تشرين!
وقت أخبرت أمها بأنها ستزور زوجة أكرم الحوراني
مع غادة. سألتها منور: ستحضرين اجتماعا هناك؟ لا، سنلتقي بها وستكون السيدة رشيقة
هناك. لايغيب عن منور أن الشباب يلبون حاجة روحية بالانتساب إلى الأحزاب الوطنية.
يحتاجون إلى مشروع واسع يسددون حيويتهم فيه، ويحملون منها هدفا كبيرا وقضية عامة.
يكتشفون الحرارة في عمل المجموعة، ويستقوون بأنهم منها. ويتبينون مافي أنفسهم من
القوى ويتعودون التنظيم. ألم تعرف منور ذلك بعد عملها في الهلال الأحمر؟ ألم تجد
فيه خلاصا من وحدتها وهواجسها؟ ألم تتبين فيه قوة الروح والجسم التي ظنتها خبت بعد
مقتل ابنها وزوجها؟
كم بدا الوطن لليلى جميلا خلال الحديث عنه في
بيت الحوراني! كم بدت الأحلام نقية وقريبة! لاشيء يمكن أن يمنع وحدة الأمة العربية
المجزأة في أقطار باتفاقيات استعمارية. وحدة الأمة قدر يجب أن يحمل تنفيذه شباب
مؤمن بقدرة الأمة العربية وحيويتها. أما الاشتراكية فستكون عربية نابعة من حاجات
محلية عربية. تتمايز البلاد العربية بسبب التجزئة، لكن التصميم يمكن أن يزيل
الفروق بينها. مع ذلك بدا كل ذلك غائما متداخلا في الحلم. لكن الحقيقة المتوهجة أن
الأشخاص الذين التقت بهم ليلى مخلصون وصادقون ومتحمسون.
وكانت نزيهة الحمصي، فوق ذلك، صافية الوجه،
أنيسة، جميلة، هادئة، متفائلة، تبدو سعيدة وابتسامتها ساحرة. قدمت للفتاتين سكاكر
وقهوة. وتحدثت مع صديقتها رشيقة عن كثافة الاجتماعات التي تحرمها من اللقاء بزوجها
تقريبا. لكنها لم تكن تشكو. بل بدت كمن يروي واقعا لايدينه بل يعتز به.
سألت منور ابنتها: أعجبتك زوجة أكرم الحوراني؟
ردت: نعم، كثيرا! لايحسد الإنسان المتعب المشغول. لكني غبطتها! قالت منور: لكن
تذكري مكانك! لاتستسلمي لإغراء أي حزب! لاأقول لك ذلك لأني أخاف عليك. بل لأن
الأحزاب التي ترينها متفقة اليوم قد تختلف غدا. وابنة الشهيد يجب ألا تنغمس في
المنافسة أو في الصراع بين الجماعات والأحزاب!
ستكون ليلى شاهدا على حوار بين مديحة وغادة.
وستسألهما: هذا تنافس أم صراع؟ وسترد مديحة: بل اختلاف في إطار التجمع! قالت غادة:
تطبقون على بلادنا نظرية مجردة. تتحدثون عن بروليتاريا غير موجودة، وعن فلاحين لم
نعرف مثلهم إلا في الأفلام والكتب. الاطلاع على نتاج الفكر السوفييتي ضروري
لاستكمال ثقافة أي مواطن. لكننا لن نقتلع من هويتنا. تفرجي، تتحدثون عن الواقعية
الاشتراكية وفي بلادنا لايزال الفلاح يمشي أمام زوجته والرجل يمكن أن يطرد زوجته
من البيت! نحن نستقي من أية نظرية اشتراكية في العالم. نستفيد من أسلوب ماركس
العلمي في تحليل القوى الفاعلة في المجتمع وسياق حركة التاريخ والمراحل التاريخية.
نأخذ بهذه المقدمات كوسيلة علمية. أنتم تنقلون صورة التطبيق السوفييتي للاشتراكية
كصيغة مقدسة! ردت مديحة في هدوء: حاجات الإنسان واحدة، أكان أبيض أم أسود أم أصفر.
والماء يغلي في الدرجة مئة! فقالت غادة: لكن العرب يعيشون في ظروف معينة ياحبيبتي!
والتاريخ يبين أنكم التفتم إلى الصراع الطبقي عندما كانت الثورة على الاستعمار هي
المسألة في الوطن العربي. وأكبر أخطائكم أنكم رأيتم أن مقاومة الصهيونية حركة
رجعية تقودها الرجعية العربية، وأن وحدة المصلحة تجمع بين البروليتاريا العربية
واليهودية. وعندما غيرتم نظرتكم لم يكن ذلك التغيير نابعا منكم بل بسبب قرارات
المؤتمر العشرين في الاتحاد السوفييتي وانتباه السوفييت إلى حركات التحرر القومية
والحق في تعدد الطرق إلى الاشتراكية. أضيف إلى ذلك أننا نختلف معكم في مسألة
الحرية والحق في التعبير وتنوع التنظيم. تحددونها أنتم بالطبقة ونراها نحن متصلة
بحق الإنسان في التجمع والتعبير. ياغادة! أنت التي تتوهمين أن الإنسان يعيش خارج
شروط الزمان والمكان! لذلك فالحرية عندك مطلقة خارج الطبقات. والأمة عندك كتلة
واحدة ثابتة لاأغنياء وفقراء فيها. والعالم لديك معسكر واحد يستوي فيه المعسكر
الاشتراكي الذي يساعدنا والمعسكر الرأسمالي الذي يعادينا! ستقول لهما ليلى وهي
تتركهما غارقتين في الحوار: سأنصرف لأعدّ الاحتفال باتفاقكما! وسترد غادة مداعبة:
هذا خلاف في إطار الاتفاق!
الجزائرية- مشرف القسم الرياضى
- عدد المساهمات : 1016
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
- مساهمة رقم 27
رد: دماء وأحلام في بلاد الشام
في السنة الاولى من الدراسة في
الجامعة التقت ليلى وغادة ومديحة بعمر. سبقت غادة زميلتيها في معرفته. قدمه لها
رفاقها: عمر بطل من أبطالنا، صمد في سجون الشيشكلي. خيل إليها أن عمرا ارتبك فقال:
لاتصدقيهم! أنا طالب في كلية الطب خسر أكثر من سنة من الدراسة ويحاول أن يعوّضها!
وشعرت غادة بضيقه بريش الطاووس الذي يزينونه به. وكم بدا لها لطيفا ودمثا!
أتى عمر من الحسكة في شمال سورية ليدرس
الطب. ومنذ وصل تسرب كسواقي الماء في دمشق. استأجر غرفة في زقاق الصخر، ثم انتقل
إلى غرفة في الشعلان دلّه إليها طالب أردني. قال له أبوه: ادرس، لكن مع الدراسة اعرف
الدنيا! في العاصمة رجال السياسة وموظفو الدولة! عش، صر رجلا ياابني، ولاتفكر في
المصروف، بل في العمر الذي يهرب فلايبقى لك إلا ماتكسبه منه! يزرع أبوه القمح،
ويرسل قطعان الخرفان مع الرعيان إلى البادية، والدنيا في خير.
لم يخطر لأبيه أن عمرا سيبدأ نضجه في
السجن. وجد عمر نفسه بين طلاب يرفضون اللعب بالقوانين وحكم الفرد، ويتوجسون من
اتصالات سرية أمريكية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين. دون مؤسسات ديمقراطية يمكن أن
يقرر كل شيء في السرّ! التنازل عن فلسطين التي حارب فيها الحوراني والمالكي
والشيشكلي نفسه، وقتل في سبيلها القسام وسعيد العاص ومئات المتطوعين العرب؟ ذلك من
الكبائر! قال عمر لزملائه الطلاب أنا معكم! لن ينتسب إلى أي حزب فيقيد نفسه بنظامه
وأوامره ويحاسب على كلمة زائدة وكلمة ناقصة. لكنه لايوافق على إلغاء الأحزاب. لم
يعتقل، لكنه لايوافق على اعتقال الناس، بل يتمنى أن تكون السجون حتى للمجرمين من
زجاج شفاف. مرّ خلال نزهته في شارع بغداد ببيت الشيشكلي. بيت بسيط. لمح مقابله على
الرصيف الآخر بيتا تبدو من نوافذه وفي شرفاته فتيات جميلات. ذهل. رجع فرآهن مرة
أخرى. تساءل: لإفساد الضباط بمكافآت صغيرة؟ مكان للعمل ومقابله مكان للراحة؟
صرخ عمر مع زملائه الطلاب: تسقط
الديكتاتورية، يسقط الإرهاب! ووجد نفسه معتقلا مع مجموعة منهم. اكتشف خلال
الاعتقال مهانة الإنسان في السجن. لم يتحمل بعنفوانه الريفي أن يضربه جندي ويقول
له ياكلب. فأضرب عن الطعام. وعندئذ تلقى أول دروس السجن: لايجوز الإضراب عن الطعام
إلا بعد الاتفاق على برنامج يوافق عليه المعتقلون ويستطيعون الدفاع عنه. هل ندمّر
أجسامنا بإضراب عن الطعام لاهدف له؟ كرامة الإنسان؟ من حسنات اعتقالنا أن نطّلع
على معاملة المواطنين الفقراء الذين لاسند لهم! هل سمعت نحيب تلك الأسرة التي سجنت
مع أطفالها؟ التحقيق ضرب وفلقة وسياط! هل رأيت المحامين الذين حلقت شعورهم؟ في سجن
تدمر ضباط معتقلون، أيضا! أفاد عمر من خبرة السياسيين في السجن، لكنه بقي حرا دون
ولاء لحزب!
يوم نقل مع الطلاب المعتقلين بشاحنة عسكرية
مغلقة إلى تدمر، رأى تسليم المعتقلين واستلامهم في المخافر كأنهم بضاعة. من هذا
الذي خفف عنهم في عتمة الشاحنة بحكايا مضحكة وقال لهم احتفلوا، فلو لم تكونوا
مهمين لما شحنوكم إلى الصحراء؟! في تدمر صُلب عمر وضرب. وهناك بدا له أن كرامته في
عناده فحاول ألا يصرخ من الألم. حتى نصحه أحد المعتقلين: بل يجب أن تصرخ كيلا تزيد
من حقدهم عليك. لكنه ظل دهشا من اندفاع الجلادين الذين ضربوه: كأن بيني وبينهم
أحقاد! كأني أكلت مال أبيهم!
انتهى الاعتقال بمسرحية. بعد الاستفتاء
الذي جعل الشيشكلي رئيس جمهورية استقبل، كمنتصر، الطلاب المعتقلين واعتذر لهم. لكن
مارآه عمر في السجن كان أكثر عمقا من مسرحية العفو. وبدا له أن زمن الشيشكلي
انتهى. اجتمع السياسيون في أيلول سنة 953 في مؤتمر في حمص برئاسة هاشم الأتاسي
واتفقوا على استعادة الديمقراطية والدستور. وفي بداية السنة الجامعية كان الطلاب
جاهزين للإضرابات، وجروا إليها المدارس الثانوية. كانت قوات الشيشكلي تقصف جبل
العرب كأنما لتستبق تمردا فيه. وأنجز الشيشكلي قائمة لتسريح الضباط البعثيين
والمعارضين. كان الوقت ملائما لإبعاده، ويبدو أن الحوراني نبّه الضباط إلى ضرورة
أن يستبقوا التسريح. فأعلن الضابط مصطفى حمدون العصيان من إذاعة حلب في 24 شباط
ودعا القطعات العسكرية إلى مساندته. فانضمت إليه بمن فيها من المستقلين وحزب
الشعب، ومنها القوات التي كانت في جبل العرب. نزل عمر مع المتظاهرين الذين سندوا
الضباط المتمردين في حلب. واحتل مع الناس محطة الإذاعة.
هل كانت سطوة القوة تغطي هشاشة النظام؟!
سقط الشيشكلي في سهولة! وفهم الحقيقة فتفادى المقاومة الخاسرة وكتب استقالة متزنة:
"حقنا لدماء الشعب الذي أحبه، والجيش الذي أفتديه، والوطن العربي الذي أردت
أن أخدمه بتجرد وإخلاص، أقدم استقالتي من رئاسة الجمهورية السورية إلى الشعب
السوري العزيز الذي انتخبني ومنحني ثقته الغالية، راجيا أن يكون ذلك خدمة لبلادي
وأن يحقق وحدتها ومنعتها، ويأخذ بيدها إلى قمة المجد والرفعة". تذكر عمر أن
القوتلي لم يقدم استقالته لحسني للزعيم بل قدمها للشعب السوري! لكن أية رفعة وأي
مجد حيث يهان الإنسان ويضرب ويعذب؟ من وهب فردا أو مجموعة الوصاية على الناس
ليختار لهم مايظن أنه مجد وسعادة؟
يوم دخل عمر قاعة المحاضرات بعد السجن
استقبله أساتذته وزملاؤه بالتصفيق. واستقبلوه بالتصفيق عندما دخل إلى المكتبة.
عزّوه في مرح: صرت مثل ناظم القدسي! ستقول أمك يوم تخطب لك: "مستقيم، من
السجن إلى القصر ومن القصر إلى السجن"! لكن هل ألزمته حفاوتهم بمتابعة
الأحداث كبطل من أبطالها؟ كانت قاعة المكتبة تهدأ بعد الساعة العاشرة مساء فلايبقى
فيها غير الغرباء عن دمشق. وكان هؤلاء الطلاب يخترعون لأنفسهم محطات من الراحة
فيأتي أحدهم ببور كاز كأنه يريد أن يحضّر الشاي فيعترض آخر ويدافع عنه ثالث وينعقد
حوار مرح. خلال تلك المحطات دفعوا عمرا إلى الوقوف على الكرسي ليلقي كلمة. سعل،
واصطنع الجد، ثم شكرهم على تتويجه بالزعامة. لكنه أكد لهم أنه لايرغب في انتزاعها
من "الدوتشي"، طالب الحقوق، الذي يرفعون له الأذرع تحية كلما مرّ بهم.
وقال في نهاية كلمته المرحة: ضاعت مني أشهر من الدروس. يجب أن أتصوف كي ألحقكم
يازملائي الغالين!
لكنه وجد نفسه يحتفي بأول انتخابات حرة في
خريف سنة 954 ويغضب على تفريق الضباط المسرحين الذين أعيدوا إلى الجيش، في قطعات
بعيدة، مع أن لهم الفضل في سقوط الشيشكلي. قال: ليس ذلك مسألة وطنية فقط، بل مسألة
عدالة! فأثنى عليه البعثيون، لكنه ذكّرهم في مرح: إذا مشيت على هذا الرصيف فامشوا
على الرصيف الآخر! الدراسة!
لاحظ عمر أنه بعد السجن لم يعد يتحمل
البقاء في غرفته، ولايطيق الستائر المسدلة، ولايغلق الباب على نفسه إلا وقت النوم.
وينهض أحيانا وسط الليل ضيّق الصدر. داوى نفسه بالمشي. وكم يحلو المشي في دمشق!
سحرته دمشق منذ نزل فيها. وبدت له بعد السجن أكثر فتنة. كانت مدينة صغيرة بيضاء
وسط غوطة هائلة من الأشجار المثمرة، تنعم بأنهارها التي تتسلق جبليّ الربوة، يتدفق
فيها بردى قويا وهادرا، يغمر في الشتاء ساحة المرجة وتصبح مياه أنهاره شلالات
تتقافز على الطريق تحت المقاهي في الربوة. كانت بعض البيوت الجديدة قد بدأت تخرج
إلى بساتين أبي رمانة في الغرب، وإلى بساتين "ماوراء الدور" في عين
الكرش على ضفة شارع بغداد. لكن البساتين كانت تمتد متصلة من شارع بغداد حتى
قاسيون. وكانت البساتين تمتد خلف بيت فخري البارودي في كيوان، كثيفة حتى قاسيون.
فيرتعش عمر من البرد في عزّ الصيف عندما يمرّ من هناك. بهرت عمرا السبلان المنتشرة
في أنحاء دمشق. هذه مدينة لايمكن أن يعطش فيها الإنسان! ينحني في أية حارة على
سبيل الماء ويغرف منه بيديه! مدينة سعيدة بمائها، بالتناسب بين سكانها وعمارتها
وبساتينها. مدينة تشبع من خضارها وفواكهها وترسل مايفيض عنها إلى ما حولها. أهلها
مثال الرقة والتهذيب. ذاق فيها عمر طعاما لم يذق مثله في حياته، وعرف فيها أنواعا
من الشراب لم يتصور أن توجد مثل نكهتها. كان زملاؤه الدمشقيون يحتفون به فيدعونه
أحيانا إلى الغداء في بيوتهم فيتبين في الطعام الأناقة والنكهة والعبق. صار يرى
الشاهد على الحضارة في الطعام والصوت واللهجة والملابس والحركة، ويقول: ذلك
لايكتسب إلا في قرون وعصور! وبدا له أن دمشق بدّلته فتساءل مازحا: تدمشقتُ؟
كان في السنة الثالثة من كلية الطب عندما
رأى طالبة جديدة ذكّرته بالغزلان التي ألفها في الشمال. كان يحدّث زميله عن حضارة
دمشق التي اكتشفها. فقال لنفسه وهو ينظر إلى الشابة: هاهي! مرت به دون أن تراه.
وعرف فيما بعد أن اسمها ليلى وأنها انتسبت إلى كلية الطب. فطمأن نفسه: سأجد من
يقدّمني إليها! لكنه لم يخمّن أن أصحابه سيستعجلون ذلك فيقدمونه لها مرات ثم سيقدم
نفسه لها في المكتبة مداعبا، وأن غادة ستجمعهما في شرفة الضيوف في المجلس النيابي،
وأنه سيكون قريبا من ليلى في تلك السنة نفسها!
بدت له دمشق في تلك السنوات رخيّة وارفة. يمد
يده ويتناول منها مايشاء. من يأكل في مطعم سقراط في جسر فيكتوريا ومطعم الريّس في
بوابة الصالحية وبريمو في البارلمان؟ موظفون، صحفيون، كتاب، وسياسيون! وكان عمر حرا،
يختار مقامه ومساره. لاعشيرة نعه ولاأهل، وفي الشباب المنتصر من يشعر بالوحدة! كأنما
كان السجن له بوابة إلى صداقة الرجال. وبصحبتهم عرف البلد. جلس معهم في المقاهي،
واستمع إلى المناقشات السياسية، وخرج في النزهات، وتذوق الشوارع في الليل. كم مرة
مشى في شارع بغداد بعد منتصف الليل حتى وصل إلى قصر البللور في باب توما! كم مرة
ركب عربة الخيل من الربوة إلى دمشق مفتونا بايقاع حوافر الخيل على الطريق! وكم مرة
مشى تحت شجر الجوز في شارع الربوة مالئا جيبيه بثمار الجوز التي جمعها من الرصيف
المزدوج تحت الأشجار!
ركب عمر الترام مع
مجموعة من أصحابه من المرجة ووصل إلى دوما! كان الترام ممتلئا بالناس. فتناول
الكمساري المال وناول "البيليتات" لأصحابها فوق رؤوس الركاب. طاشت السكة
من شريط الكهرباء، فنزل الكمساري وأعادها إلى مجراها. ومد الجالسون رؤوسهم من
النوافذ وراقبوه وهو يعدّل وضعها بالحبل ثم يربط الحبل في مكانه. وكأنما احتفل السائق
بذلك فصار يضغط بقدمه جرس الترام في ايقاع يعلن أن النزهة بدأت. تدفقت على عمر
سعادة بتلك التفاصيل. كان مع أصحابه في مؤخرة الترام فأحاط بما يعبره من البساتين
التي بدأت بعد القصاع. قطع جوبر وعربين وزملكا وحرستا ونزل في محطة مسيجة بالورد
الجوري. مشى كالناس يبحث عن بستان مناسب. الغوطة في أيام زهر المشمش بساتين خضراء
وأشجار بيضاء. والسواقي تعبر أشجار الجوز على حوافّ البساتين وتتسرب حصصا مرة إلى
هنا ومرة إلى هناك. غرّدت الشحارير، وعبرت السماء أسراب من السنونو، وقاقت
الغربان. كان الهواء منعشا نظيفا والشمس دافئة. توقف عمر: هنا! اختار البستان
المناسب. جلس أصحابه على كتف ساقية. نظَموا اللحم في الأسياخ. قدم لهم البستاني
حصيرا يجلسون عليه. وقدم لهم الماء والملح الذي نسوه. سيخيل إلى عمر أنه أحب
أصدقاءه أكثر من قبل، وأنه اقترب من ليلى، وهو مستلق على البساط تحت شجرة مشمش
مزهرة، تتساقط منها عليه تويجات بيضاء مع النسيم. ولكن هل كان يدري أنه سيكون أحد
ثلاثة رجال أحبوها وحملوا الشقاء والسعادة من ذلك الحب؟
في أول الصيف قبيل الامتحانات، كان عمر يختار
مع أصحابه مقاهي القصاع ليدرس مستمتعا بهدوئها. يجلس تحت أشجار مقهى "جناين
الورد" أو في مقهى "السلوى". من يفتقده في النهار يطلبه هناك! وقت
عرف قيسا صار يتغدى معه أحيانا في مطعم الريّس، ويتعشى مثله في مطعم بريمو في
البارلمان. لكن بقيت لعمر مساربه الخاصة. ففي بعض الأماسي يفضل قصر البللور في باب
توما. وبعد الظهر يجلس أحيانا في مقهى الكمال المكشوف. يختار أحيانا المطاعم
الصغيرة خلف السرايا، ويعبر خمّارة فريدي على شاطئ بردى، ومشرب المنتدى، والكوكب،
ثم مطعم سقراط، والصفا، و"لوازيز". وأحيانا يستهويه البرج الفضي أو مطعم
الشموع الجديدان في الصالحية. ويعجبه أحيانا أن يتناول الشاورما من
"الصدّيق" في بناء المنزل في المرجة، فالشاورما فيه طيبة ونظيفة مثل
اللحم المشوي عند أواديس في باب توما!
لكن من ير عمرا جالسا في مقهى الهافانا
يظنه من زبائنه. فضّله على مقهى البرازيل حيث يلتقي الزعماء السياسيون وقادة
اللاجئين السياسيين الأردنيين والعراقيين. لذلك رمى عمر نفسه في الحوار بين جماعة
البرازيل وجماعة الهافانا. وكان مصير مقهى البرازيل حدَثا. لم يخطر لأحد أن ذلك
بداية تغيير مدينة صغيرة مستقرة لاشبيه لها. احتل دكان "للنيشان" مكان
مقهى يجمع السياسيين، فغيّر هيأته ورواده. وسيحتل مخزن مكان مطعم
"لوازيز" بجانب الهافانا. وسيقول عمر فيما بعد: في تلك الأيام كانت دمشق
ماتزال غنية تستطيع أن تنفق الكثير من ملامحها!
قيل لعمر عندما وصل إلى الهافانا في طريقه
إلى الجامعة: لم يتحمل مقهى البرازيل السياسيين فأفلس. صار دكانا "للنيشان"!
سأل مرحا: مامصير الزعماء؟ وانشغل مع رواد الهافانا بمراثي "البرازيل".
نشرت المقالات والقصائد التي كتبت على طاولاته، وعلق الرواد عليها، وكتبوا الرد.
ونفدت الجرائد التي تابعت المتبارين.
اجتمع عمر وأصحابه حول رجل قرأ عليهم
مقالته، وقاطعوه بالتعليق. قرأ: كان لنا مكان واحد نفضل أن نلتقي فيه ونرفع الصوت
المباح وغير المباح، أن نرمي في ساحته أشلاء الدول وبقايا الحكومات، أن نمضغ فيه
السياسيين من عيار الكيخيا إلى عيار أبي طوق. وكانت كراسيه مثل سحاحير هايدبارك
وكل مناضده كمشرحة الجامعة، وكل حيطانه في الصمم كآذان المديون أمام إلحاح
الدائنين. كان مقهى لكنه كبرلمان. كان مقهى لكنه كدار الندوة. وكانت أحاديثنا تجمع
في قلبه بين فيضي الأتاسي الحمصي الشعبي الفرنسي البيان، وخليل كلاس الحموي الواضح
المنطق..
جلس قرب عمر في الهافانا رجل من أصحابه،
سحب قلمه من جيبه كأنه يستل سيفا وطلب ورقة، فقصّ له عمر ورقة من دفتره، وشهد مولد
القصيدة واشترك في تصحيحها. قال الرجل: اسمعوا، أرفع باسم رواد مقهى الهافانا
قصيدتي إلى اللاجئين إلينا من البرازيل:
يامرحبا، ألف تأهيل وتسهيل | | باللاجئين زبونات البرازيل |
تفضلوا إنكم من أهل شارعنا | | زين الكلاحيس جيران الزناكيل |
إنا سمعنا بأمجاد لكم سلفت | | في الزندقات وفي نصب الأحابيل |
لاتخجلوا وادخلوا أهلا بلا طلب | | أو قدموا طلبا لكن بلا بُول |
مقابل عمر واحد من اولئك
"اللاجئين". أشرق وجهه وهو يستمع إلى القصيدة. قال طربا: وقعت البقرة
فكثرت السكاكين!
في اليوم التالي حمل عمر جريدة الفيحاء
ودخل الهافانا. وسعّوا له مكانا إلى طاولة عامرة بالجالسين. وضع الجريدة على الطاولة
وقال: اسمعوا! كان قد أحاط بالقلم الأحمر قصيدة بتوقيع سليم سلامة. واستمع إليه
الجالسون في شوق.
نفسي فداؤك عج لي بالبرازيل | | وقبّل الأرض فيها أي تقبيل |
واسأل جوانبها السوداء مافعلت | | أيدي الزمان بهاتيك الدراكيل |
كانوا ملوكا على الفنجان يجمعهم | | نشر الإشاعات أو بث الأضاليل |
لم يرحموا أحدا من ظلمهم أبدا | | ولم يراعوا حقوقا للجرانيل |
جار الزمان عليهم ثم فرّقهم | | تحت الكواكب تفريق البهاليل |
قال عمر: لن يسكت البرازيليون! سيشهرون
الرمح وينزلون إلى الساحة! وكان على حق. ردوا بتوقيع بديع الزمان.
قف بالطلول وقل يادمعتي سيلي | | أخنى الزمان على مقهى البرازيل |
كأن أركانه لم تحو ندوتنا | | ولاتضارب فيه القال بالقيل |
ولاسقانا خليل فيه قهوته | | ملوطة بشعير الهند والفول |
تلك الموائد كم حيكت بجانبها | | مقالب وأعدت من أحابيل |
مقلاية الحق في أرجائها نصبت | | لكل منتفخ بالعرض والطول |
قالوا تدسون، قلنا ذاك ديدننا | | إن ساد في الناس أصحاب الأباطيل |
تحارب الظلم والطغيان ألسننا | | إذا تقاعس كتاب الجرانيل |
الشامتون بنا لادرّ درّهم | | من ساسة الحكم أو أهل الرساميل |
بدا الجو منعشا عندما خرج عمر من الهافانا.
أحقا يسعده أن يشترك في تلك المعركة الأدبية؟ نعم، نعم! مشى راضيا على الدنيا. أين
سيتعشى الليلة؟ لم يقرر بعد. لكنه مشى في اتجاه طريق الصالحية. سيتذكر عندما
يستعيد ذلك اليوم بعد عقود أن حواره مع ليلى استغرق الطريق كله. قال لنفسه: تبدو ليلى
وهي تتلفت كأنها تستطلع جوهر ماتراه! وأنت؟ ماجوهر ذلك الحوار الذي استسلمت له؟ ورد
على نفسه: المتعة! سعيد! نعم، ولكن ماالجوهر، ياعمر؟ آه، كأن ليلى عدتني! أعيش
مستمتعا بالحوار بين الهافانا والبرازيل! يكفي ذلك! لكنه عاد يتساءل: ماالجوهر؟
الجوهر أن المدينة للطبقة الوسطى! يستطيع أي إنسان فيها أن يدخل إلى أي مكان يشاء
فيشعر بأنه يملك البلد! ماأكثر المقاهي والمطاعم في دمشق، مكشوفة في البساتين، أو
مغطاة. يتحادث فيها الناس عن كل مايخطر لهم دون خوف. يتناولون أي حدث وأي شخص كمن
يمارس حقا. يجلس الوزراء والسياسيون في المقاهي كأي عابر! ألم تلاحظ أن بعض الناس يقصدهم
هنا؟ البال خلي! والعلاقة حية بالمكان، ولو كان في مساحة مقهى البرازيل! المثقفون
وجه البلد! هذه التجمعات سمة الزمن! وهل انتبهت إلى القرب من شعر القدماء، وسهولة
النظم؟ لكن هذا الجيل ينتهي. نحن ياعمر لانستطيع ذلك!
لم تكن ليلى موجودة مع عمر يومذاك، ولم يرو
لها شيئا عن غرقه تلك الأيام في الحوار بين رواد الهافانا ورواد البرازيل. لكنه
استمتع بأن يتصورها ماشية معه إلى طريق الصالحية، لذلك عبر مطعم البرج الفضي ومطعم
الريّس ومقهى الكرنك ولم يتوقف. نعم، ممتع أن يتصور ليلى إلى جانبه ويسمع صوتها
فيتمنى ألا ينتهي الطريق!
سيقول عمر بعد عقود لم تكن تلك السنوات
لمقاومة حلف بغداد والحلف المركزي، والتضامن مع بور سعيد والأردن، وحفر الخنادق
والتدريب على السلاح في جبال المزة، فقط! كانت سنوات النزهات والأفراح، سنوات الحوار
بين أهل البرازيل وأهل الهافانا. سنوات معرض دمشق الدولي والحفلات الفنية والترجمة
والكتب. السنوات التي أصبح فيها صوت ليلى دائم الحضور في سمع عمر. وتساءل هل
يستطيع أن يعود إلى بلدته الصغيرة في الشمال، ويترك دمشق؟ وكان يقصد: هل أستطيع أن
أبتعد عن ليلى؟
الجزائرية- مشرف القسم الرياضى
- عدد المساهمات : 1016
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
- مساهمة رقم 28
رد: دماء وأحلام في بلاد الشام
ألم
يبالغ عمر عندما وزن تلك السنوات بالذهب؟ لم يمر يوم في هدوء منذ سقط الشيشكلي،
فلماذا شعر بأنها أيام انتصار؟ لا، لم يبالغ! لأن الناس كانوا مندفعين في تلك
الأحداث ولاأحد منهم يتفرج عليها من الرصيف! لأن الناس كانوا يؤمنون بأنهم قوة
وحَكَم وليسوا رعية، كما سيشعرون فيما بعد! لأنهم لم يبايعوا مجموعة بالحق في أن
تقرر لهم مصيرهم بل اندفعوا إلى صياغته بأنفسهم!
قال
فوزي لعمر: محظوظ ياعمر! من تحت الدلف إلى تحت المزراب! لم يمض على خروجك من السجن
زمنا كافيا للراحة! ولم يمض على التحرر من الشيشكلي زمنا كافيا تستريح فيه البلاد!
قد يحدث عدوان على سوريا أو مصر! رد عمر مداعبا: نحن هنا! ولكن كيف عرفت؟ العدوان المحدود
أمر عادي. وهل توقف؟ لكن كم تتلاحق الأحداث! في 28 شباط 1955 احتلت إسرائيل العوجا
المنزوعة السلاح وعجزت مصر عن الرد. وصلت الأسلحة التشيكية في 27 أيلول 1955 وفي تشرين
الثاني 1955 أقر المجلس النيابي السوري اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، وردت مصر القوات
الإسرائيلية التي هاجمت موقعا مصريا في منطقة صبحة بين سيناء والنقب. في ليلة 22-
23 تشرين الأول 1955 دخلت قوة إسرائيلية مع أسلحة ثقيلة كيلومترا في الأراضي السورية
وقطعت الطريق الموازي لخط الحدود بين جسر بنات يعقوب والبطيحة. في الاصطدام قتل ضابط
وجنديان سوريون وأسر خمسة سوريين. وفي 22 تشرين الأول وصلت عشر قطع بحرية من الأسطول
السادس إلى بيروت. فهل العدوان إسرائيلي فقط؟!
أعلن
في تشرين الثاني 1955 أسبوع التسلح في سوريا. فطرقت غادة الأبواب. وفاجأتها عواطف النساء!
خلعن خواتمهن وأساورهن أمامها دون تردد وقمنها لها. قالت لها أمها: في زمن جدتك تبرعت
النساء بحليهن للأسطول العثماني. خذي خاتمي.. كنت سأقدمه لك ذات يوم! قدمت ليلى
سوارها المطعم بالياقوت وطوقها الذهبي. وقالت لأمها: بلدنا في خطر الآن! فردت منور:
الآن؟ متى لم يكن في خطر ياحبيبتي؟! وقال فوزي لعمر: قد يدفع إلى العدوان على
سورية أن التمثيل الديبلوماسي مع الاتحاد السوفييتي رفع إلى سفارة. وأن مرشح الجبهة
الشعبية التقدمية في حمص، أحمد الحاج يونس، نجح. وصدّق المجلس النيابي الاتفاقية السورية
البولونية. فسأله عمر مداعبا: انتزعتم حمص من اليمين "العفن"؟!
في
ليلة 11 - 12 كانون الأول 1955 هاجمت إسرائيل مخافر الجيش السوري الأمامية في منطقة
بحيرة طبرية وقتلت 25 سوريا منهم ثلاثة ملازمين. كلهم شباب! ووصل فجأة تمبلر رئيس أركان
حرب القوات البريطانية إلى عمان ليربط الأردن بحلف بغداد، بعد زيارة عامر قائد القوات
السورية المصرية المشتركة إلى المراكز الأمامية في الأردن، مع ضباط سوريين. ملأت المظاهرات
شوارع الأردن. واستقالت حكومة سعيد المفتي احتجاجا على زيارة تمبلر. جاءت حكومة هزاع
المجالي وقابلت المتظاهرين بالرصاص فسقط جرحى وقتلى. واستقال هزاع المجالي. حمل المتظاهرون
صور رجاء أبو عماشة التي قتلها رصاص الإنكليز في القدس. ورُفعت الصورة نفسها في مظاهرات
دمشق وحلب تضامنا مع الأردن. استقالت حكومة ابراهيم هاشم وشكل سمير الرفاعي في 9 كانون
الثاني حكومة، وتعهد بألا يدخل أي حلف. لكن الاعتقالات استمرت، واستمرت المظاهرات.
مُنع مؤتمر الهيئات الوطنية فطلب المتظاهرون حل البارلمان، وانتخابات حرة، وتنظيف الجيش
من الانكليز. فأعلن غلوب حالة الطوارئ. هجم المتظاهرون على مراكز النقطة الرابعة والمفوضيات
الأمريكية والإنكليزية والتركية. وأنزلوا العلم الأمريكي في القدس وأحرقوه. وطاردتهم
قوات البادية.
اشترك
عمر في تنظيم مظاهرة جامعية، فدعا أصحابه الطلاب المستقلين إليها. وكان ذلك مناسبة
من المناسبات التي اقترب بها من ليلى. استوقفها قرب قاعة المحاضرات وقال: في الأردن
الآن مظاهرات كبيرة. أضربت نقابة المحامين في دمشق تضامنا مع المحامين الأردنيين المعتقلين.
وسيتظاهر طلاب الجامعة تضامنا معهم. ألا تشتركين في هذا العمل الوطني؟ وقفت حائرة:
سيضيع يوم آخر! قال عمر: سيضيع علي أيضا! لكني لست المذنب! غلوب وتمبلر هما
المذنبان! ابتسمت ليلى واستدارت معه. كانت تحب الصفوف الخلفية فتجرها غادة إلى
الصفوف الأمامية. فتبطئ خطواتها وتتراجع إلى الصف الثالث أو الرابع. مشت المظاهرة إلى البارلمان. قفز إلى سور المجلس
النيابي طالب وخطب في المظاهرة، ثم تحدث طالب آخر. بعد القصيدة التي ألقيت في رجاء
أبو عماشة عادت ليلى إلى الجامعة، ولحقها عمر. ماأحلى الشوارع بعد المظاهرة! فاترة
وهادئة، لايكاد يعبرها غير الشباب الراجعين من المظاهرة. قال عمر: هدفهم الآن ياليلى
ضم الأردن إلى حلف بغداد، ثم ضم لبنان، وحصار سوريا ثم كسرها. أنزلت بريطانيا قوات
جديدة في الأردن لتمنع المدّ الشعبي! في الأردن انتفاضة وطنية حقيقية. تقع في ذلك السياق
فظائع غلوب. حكى عمر عن بعضها: دخلت الشرطة إلى بيت فواز الروسان عضو محكمة التمييز
العليا تطلب أخاه. فقال إذا كنتم تروّعون أسرتي وأنا عضو محكمة فماذا تفعلون بالمواطنين
العاديين؟ يحكم غلوب الأردن. بأمره أبقي فلاح في الرمثا تحت المطر طول الليل فمات.
اعتقل رئيس بلدية الرمثا والمجلس البلدي لأن سيارة عسكرية أحرقت في البلد. بأمره ضرب
الضابط المتوحش كريشان قيسا في إربد، بقضيب من الحديد على رأسه. قتل بالرصاص على المتظاهرين ثلاثة طلاب رجاء واحدة
منهم. لاحظت ليلى أن الطالبات في مقدمة المظاهرة فخورات بموتها وبطولتها! نعم،
ياليلى! ماأعجب أن يكون الموت بوابة الحب العام!
ماالعمل؟
أدان المندوب السوفييتي في مجلس الأمن عدوان إسرائيل على سورية. واحتج الشقيري مندوب
سوريا على المساعدة الأمريكية لإسرائيل وطلب عقوبات اقتصادية عليها! لكن الصراع الآن
على الأردن، وفيه. يجب أن نمنع ضم الأردن إلى حلف بغداد. سألته ليلى: كيف؟ رد: نتضامن
مع إخوتنا، ونقدم المساعدة البديلة عن المساعدة البريطانية! حزب الشعب، المشترك في
الوزارة السورية، مع حلف بغداد روحيا. لكن الحكومة لاتستطيع أن تتجاهل مزاج الشارع
ومزاج الجيش. لابد أن يعبّر بيان الحكومة عن ذلك. سأحضر جلسة المجلس لأستمع إليه. سألته:
هل هذه المظاهرات في دمشق ضغط على الحكومة السورية، إذن؟ ردّ: أوسع من ذلك! التعبير
العاطفي تعبير عن موقف وطني يقوي إخوتنا في الأردن! خلال ذلك نقول لحزب الشعب الذي
لايريد أن يغضب العراق والإنكليز، نحن هنا! مُنع الأردنيون اللاجئون إلى سوريا من الوصول
إلى دمشق. تركوهم في درعا. فاتصلنا بوزير الداخلية،
كي يسمح لهم بالوصول إلى دمشق. الجيش يسند الوطنيين. سألها عمر فجأة: هل أقول
كلمات موزونة أم ترين أني "أهبش" فكرة من هنا وأخرى من هناك؟ التفتت إليه:
لا! بل تضع التفاصيل في سياق. وتقدم لي معلومات أجهلها! احمر. لو تعرف كم يقاوم
ارتباكه عندما يتحدث إليها! يشعر بأنه ينشر ريش الطاووس كي تُعجب به، ويخشى من
انتباهها إلى ذلك! قال: أخشى أن أكون أسير لغة أدّاها غيري مئات المرات! لاتوجد
كلمات شعرية للتعبير عن الأحداث! سألته: ولماذا تحتاج لغة شعرية للتعبير عنها؟
فلتبقها لقصائدك! لو تدري ليلى كم أوجعته! ذكّرته بما يهمله!
استمع
عمر في ذلك المساء من شرفة الزوار في مجلس النواب إلى بيان الغزي. لم يجد كرسيا فارغا
فبقي واقفا. قال الغزي: "الأردن جزء من الوطن العربي، كما أنه في الوقت نفسه جزء
من الوطن السوري نريد له الخير والاستقلال التام.. الأردن مرتبط بدستور ومجلس وحكومة
وأوضاع شرعية لتلك المنظمات.. نحن لانتدخل في أموره الداخلية. لكن واجبنا القومي أن
نقدّم إلى الأردن الشقيق المساعدة والمعونة التي تمكنه في ظل حكم نيابي شرعي صحيح من
أن يتخلص من القيود التي تحد سلطاته الشرعية. وقد تشاورت هذه الحكومة مع الحكومتين
الشقيقتين مصر والسعودية في أمر تقديم المساعدة المالية للأردن. وبعد المشاورات التي
بدأت بعد الحوادث الاولى في الأردن وانتهت اليوم، قدّمت الحكومات الثلاث مذكرة رسمية
إلى الأردن جاء فيها أن الحكومات الثلاث ترغب في أن تتشاور مع الحكومة الأردنية في
الطريقة التي تقدّم بها الدول العربية المساعدة والمعونة للأردن.. أما المساعدة الأخوية
التي علينا أن نقدّمها نحو أبنائنا وإخواننا من أبناء الأردن الشقيق الذين جاؤونا مستغيثين،
فقد فتحنا لهم أبواب بلدنا وحدودنا وقدّمنا وسنقدّم إليهم كل المساعدات التي يفرضها
علينا واجب الإخاء".
مشى
عمر بعد الجلسة مع فوزي. سأله عمر: مارأيك في البيان؟ ردّ: لبق! طلبت الهيئات الوطنية
الأردنية ولجان التوجيه الوطني في نابلس من الملك أن يسعى إلى المساعدة العربية بدل
الأجنبية! جوهر البيان الوزاري أنه يقترح تلك المساعدة العربية!
كانت
الجلسة فرصة لعمر للحديث مع ليلى. روى لها ماسمعه في الجلسة. ابتسمت: كأنك كنت تعرف
مافي البيان! لكن الفرق بيننا وبينه واسع. هو يتحدث عن أوضاع دستورية في بلد شقيق،
وعن إمكانيات المساعدة استنادا إلى ذلك. ونحن الطلاب نبدأ من أن تقسيم البلاد العربية
غير شرعي، ولا حدود لمساعدة عربي لآخر. أين يبدأ التدخل وأين تبدأ المساعدة؟ تحب ليلى
أن توجز ماتراه في نتائج! ردّ عمر لها الابتسامة وقال: يختلف موقف طلاب غير مسؤولين،
عن موقف سياسي يجب أن تكون كلماته في شكل قانوني. نؤمن بأننا شعب واحد! لانمارس
إذن التدخل! لكن بيان الغزي يتضمن احترام حدود سايكس بيكو، واحترام عواطف الجيش والشعب.
بعد
أيام نظم اجتماع في دار نقابات العمال تحدث فيه الخطباء عن الغضب الشعبي، والغرامات
الجماعية، ومنع التجول، وإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وجرائم "أبو حنيك"
وباتريك مدير المباحث البريطاني! ثم قرئ بيان جبهة النضال العربي، وبيان تضامن المجتمعين
مع الأردن. وسافر عمر إلى حمص ليشترك في اجتماع للتضامن مع الأردن. قال: في بلد الأتاسي
الذي عرقل دخول الأردنيين إلى دمشق! وعاد ليحضر اجتماعا في سينما بلقيس لدعم الأردن
ألقى فيه سليمان العيسى قصيدة وتكلم فيه الدكتور عبد الرحمن شقير الذي وصل من الأردن،
وقرئ فيه بيان المجتمعين الذين طلبوا تنظيف الجيش الأردني من البريطانيين.
انساقت
غادة في الاجتماعات وبقيت ليلى على ضفتها. بدت غادة سعيدة مؤمنة بأن التضامن سيثمر.
يجب أن يحكم الناس الذين يجتمعون ويقاومون الأحلاف، قدر بلادها! لكنها بالغت في
دور النخبة، فسخر منها عمر: كل هؤلاء الآلاف نخبة؟ أين الشعب إذن؟ كانت غادة كمن
يسبح في انتصار، فلم تتساءل يومذاك لماذا قدر أن تبدأ حياة أجيال وتنتهي وهم يقاومون
حلفا أو عدوانا أو خطرا ما! وأن يقتل الشباب، أو يكون السجن مرحلة في حياتهم! لماذا
ستتمنى الفتيات أن يكن كرجاء أبو عماشة المقتولة في القدس، أو كجميلة بو حيرد،
وينسين أمنيات الحياة الواسعة!
في ذلك التوهج لم تفكر غادة وعمر وليلى ومديحة وفوزي بأن المشاريع
التي ترمى للبلاد تهدر الوقت وتبدّد القوى. وبأن المقاومة تستنفد أجيالا. هاهو بيان
ثلاثي أمريكي انكليزي فرنسي يهدد بإرسال جيوش إلى المنطقة لتمنع الحرب بين العرب واسرائيل!
فتردّ عليه وزارة الخارجية السوفيتية ببيان: دخول جيوش إلى منطقة الشرق الأدنى والأوسط
يناقض مصلحة السلام، ولايمكن أن يقف الاتحاد السوفييتي لامباليا. قال عمر: هل يستغرب
أن تمتلئ روح جيلنا بالكره للغرب وبالامتنان للشرق؟ مزاج جيلنا فقط؟ لا! مزاج بلدنا!
فرض الغرب المعركة علينا. خذي اقرئي بيان خالد العظم! يجيب عنا جميعا! تناولت ليلى
منه الورقة وقفزت بين الجمل: "قد يكون تهديد اسرائيل حقيقة أو لدفع العرب إلى
صلح مع اليهود.. يجب الاستعداد لمقاومة الاعتداء.. لولا أمريكا ومساعداتها لما استطاعت
اسرائيل التهديد.. اسرائيل مدينة بوجودها لأمريكا وحلفائها.. اجتماع واشنطن بين أمريكا
وانكلترا للتدخل في الشرق الأوسط، جرّوا إليه الفرنسيين.. لاأحد له الحق في تقرير مصير
العرب غيرنا.. إذا أراد الغربيون الذين اجتمعوا في واشنطن توفير السلام هنا فعليهم
أن يكفوا عن تسليح الصهيونيين. الروس بعيدو نظر لأنهم يرون أن استقلال العرب أضمن لمصلحتهم
من اسرائيل.. بيان السوفييت أمس واضح وقوي ويجب أن نقوي صلاتنا بهم. محادثاتي مع مولوتوف
صريحة، لسنا شيوعيين ولانعتبر النظام الشيوعي النظام المثالي لسوريا، لكننا نقبل التعاون
النزيه. أجوبة مولوتوف صريحة. لايعملون على التدخل في الشؤون الداخلية وفي نظامنا..
الغربيون يثيرون المخاوف من الشيوعية ويطلبون منا مكافحتها ولايجوز أن ننفذ ذلك".
حشود،
مشاريع، أحلاف، مؤامرات، انقلابات، اعتقالات واضطهاد. تدمير القوة البشرية. يُستنفد
السياسيون والضباط الوطنيون والشباب. لو كانت الحرب التي تبيد هذه الشعوب ممكنة الآن
لرتبوها. وكل ذلك لأجل موقع جغرافي وآبار نفط! ماأرخص البشر!
هل
تعرفين ياليلى أن دالاس، وزير الخارجية الأمريكية، صاحب مكتب سيلفيان آند كرومويل،
مدير شركة أميريكان اوف كندا، قريب من شركة الفواكه؟ افهمي إذن لماذا أعلن في مؤتمر
الحزب الجمهوري في آب 1956: حلف بغداد يحمي الموارد البترولية العظيمة التي تتعلق بها
القوة الصناعية والعسكرية في العالم الحر..
الحرمة الإقليمية لاسرائيل هدف من أهم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية..!
هل
مرّت لحظات نظر فيها عمر إلى حياته في أسى؟ هل أحس هو الذي عرف القسوة في سجن تدمر
بالحزن على الحياة التي تهشّم، فملأه الشجن؟ تدمّر حياة الشباب، لكن هذه الأجيال ترى
هذه السنوات عمرها الجميل! وسينشد الشعراء السين وسوف، ويقول عمر في ثقة: طابع زمننا
نهضة آسيا وإفريقية!
شاركت
ليلى وعمر وغادة ومديحة وفوزي في مظاهرات التضامن مع الأردن قبل أن يسمح لقيس بالوصول
إلى دمشق من درعا. نظم عمر وفدا من طلاب الجامعة حمل فواكه وحلويات وزهورا إلى الأردنيين
الذين وصلوا إلى درعا، والتقى هناك بقيس.
عندما
سمح وزير الداخلية لقيس بالوصول إلى دمشق زار عمرا في الجامعة. وهناك رأى ليلى. وفي
تلك الأيام ألقى قصيدة في بيت عربي في حي الميدان وكانت ليلى من الطلاب الذين حضروا
ذلك الاحتفال.
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- عدد المساهمات : 720
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
- مساهمة رقم 29
رد: دماء وأحلام في بلاد الشام
فى منتهى الروعة يا منى
الجزائرية- مشرف القسم الرياضى
- عدد المساهمات : 1016
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
- مساهمة رقم 30
رد: دماء وأحلام في بلاد الشام
تعرفي يا همس أنو أكثر شيء عجبني في الرواية
أنها تصور حقبة من الزمن و هي فترة الوحدة السورية المصرية
و تقدم الرواية نظرة مختلفة لسبب فشل الوحدة
بالإظافة إلى ذلك انها تقدم صورة عن الواقع بكل إيجابياتو و سلبياتو
و حنا كعرب متعودين نعرض فقط الإيجابيات و بعدين نقع في اشكالية ما سبب فشلنا
فمثلا تعودنا في المسلسلات السورية التاريخية أن يعرض علينا شهامة أهل السورية و الحفاظ على كل ما يتعلق بدين و الشرف و هذا لا شك فيه و لكن يوجد أيضا خروج عن هذا الإطار و هذا ما لا يتم عرضه
مع أنهم في المسلسلات التي تتعلق بالحياة الحالية يقدمون الواقع كما هو و لذلك هنالك إقبال كبير على مشاهدتها و هذا لوجود مصداقية في طرح المواضيع
و لكن تعقيبي على الرواية أن الكاتبة تصور الفساد الأخلاقي بشكل يسمحلك حتى تتصور المشاهد المخلة بالأخلاق و في إعتقادي كان على الكاتبة أن تذكرها و حسب و لكن لا تتمعن كثيرا في الحديث عنها
أما بالنسبة للحب في قدرة غير عادية في إصال المشاعر للقارء هذا على حسب رأي
و ذلك لأن الكابة تمكنت من التحدث عن كل من الحب العفيف و الحب الماجن و هذين الأحساسين متناقضين و أن تتمكن الكاتبة من إصال المشاعر الخاصة بكليهما فهذا شيء يحسب لها
و لكن إنتقادي للرواية الأساسي يكمن في جوهر تفكير الكاتبة الخاص بحب الوطن
و لي كلام أخر في هذه النقطة
أنها تصور حقبة من الزمن و هي فترة الوحدة السورية المصرية
و تقدم الرواية نظرة مختلفة لسبب فشل الوحدة
بالإظافة إلى ذلك انها تقدم صورة عن الواقع بكل إيجابياتو و سلبياتو
و حنا كعرب متعودين نعرض فقط الإيجابيات و بعدين نقع في اشكالية ما سبب فشلنا
فمثلا تعودنا في المسلسلات السورية التاريخية أن يعرض علينا شهامة أهل السورية و الحفاظ على كل ما يتعلق بدين و الشرف و هذا لا شك فيه و لكن يوجد أيضا خروج عن هذا الإطار و هذا ما لا يتم عرضه
مع أنهم في المسلسلات التي تتعلق بالحياة الحالية يقدمون الواقع كما هو و لذلك هنالك إقبال كبير على مشاهدتها و هذا لوجود مصداقية في طرح المواضيع
و لكن تعقيبي على الرواية أن الكاتبة تصور الفساد الأخلاقي بشكل يسمحلك حتى تتصور المشاهد المخلة بالأخلاق و في إعتقادي كان على الكاتبة أن تذكرها و حسب و لكن لا تتمعن كثيرا في الحديث عنها
أما بالنسبة للحب في قدرة غير عادية في إصال المشاعر للقارء هذا على حسب رأي
و ذلك لأن الكابة تمكنت من التحدث عن كل من الحب العفيف و الحب الماجن و هذين الأحساسين متناقضين و أن تتمكن الكاتبة من إصال المشاعر الخاصة بكليهما فهذا شيء يحسب لها
و لكن إنتقادي للرواية الأساسي يكمن في جوهر تفكير الكاتبة الخاص بحب الوطن
و لي كلام أخر في هذه النقطة
عبدو- مشرف
- عدد المساهمات : 1381
تاريخ التسجيل : 11/07/2010
- مساهمة رقم 31
رد: دماء وأحلام في بلاد الشام
تصدقي ما قريت شئ خالص خالص
الا سطر واحد بالاول
بس استمري يا منى موضوع طويل وجميل
اكتبي تاني
الا سطر واحد بالاول
بس استمري يا منى موضوع طويل وجميل
اكتبي تاني
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6282
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 32
رد: دماء وأحلام في بلاد الشام
بجد
فى منتهى الروعة يا منى
وكمان بيعجبنى جداً تعليئك على الافكار الاساسية للرواية
وطريئة الكاتبة فى سردها
فى منتهى الروعة يا منى
وكمان بيعجبنى جداً تعليئك على الافكار الاساسية للرواية
وطريئة الكاتبة فى سردها
الجزائرية- مشرف القسم الرياضى
- زقم العضويه : 13
عدد المساهمات : 1016
نقاظ : 6753
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
العمر : 39
الموقع : الجزائر
- مساهمة رقم 33
رد: دماء وأحلام في بلاد الشام
شكرا لك يا همس
برغم من أنك اصغر سن مني
و لكن رأيك يهمني جدا
لأنك و على حسب ما أعتقد قرأتي روايات اكتر مني بكتير
***********
أما بالنسبة للفكرة الرئيسية لرواية فهي تتحدث عن حب الوطن و التضحية من أجله
سواء بالجهاد المسلح أو بالإنظمام إلى أحزاب سياسية
و الروية توظح أنه من أسباب فشل الوحدة بين مصر و سوريا هو قتل أي صوت أو أي رأي يعارض الوحدة أو احتجازهم في المعتقلات مما أدى إلى فوضى كبيرة أدت بأبناء الوطن الواحد إلى القتال و هذا ما ساعد إسرائل في الفوز
و لقد حاولت الكاتبة أن لا تتحيز إلى أي حزب سياسي و هي تتحدث عن أبطاله ( و أكيد العشق الذي جمع بينهم فهنالك الحب من طرف واحد و هنالك الحب المتبادل و العفيف و هنالك الحب الساقط )
ولكن في إعتقادي السبب الرئيسي لفشل الوحدة هو الإبتعاد عن الله
و يستطيع أن يلاحظ ذلك أي شخص يتصفح الرواية
فنجد حب الوطن في الرواية حب مجرد متعلق فقط بالتراب الأشجار البيوت الشاميلة
لا نجد في الرواية أن المناضلين من أجل الوطن يدافعون عنه من أجل أن الأراضي العربية أراضي يذكر فيها إسم الله و فيها مساجد و عادات مربطة بإسلامنا
و كذلك بالنسبة لحكايات قيس ( قيس من أهم أبطال الرواية و هو مناظل سياسي كما أنه اشتغل بالإذاعة و شاعر رمنسي من الدرجة الاولى و كل نشاطاته و جهاده كان في سبيل الوطن )
فمثلا عندما تروي لنا الكاتبة قصة قيس عندما و قع في فاحشة الزنى مقابل حفنة من المال أعطاه لزوج المرأة الفقير
نجد أن قيس تعرض لتأنيب الظمير و ليعاقب نفسه كتب كل شيء حصل في رسالة و بعتها لرؤساء الاحزاب و لكن لانهم لم يردو عليه و في ما بعد قالو له أنت حر فستنتج من ذلك أن ما قام به شيء عادي و تغلغل أكثر في الفساد الاخلاقي في حين كان لا بد عليه أن يتوجه إلى الله ليكفر عن ذنبه
كما أن الكاتبة عرضت فكرة أخرى و هي أن المرأة تعد الهدية التي من حق المعتقلين السياسين الذين تعذبو في السجون من أجل الوطن
و عند خروجهم من المعتقلات فيحق لهم الذهاب للبيوت السرية .
هنا الخلل
ليس الخلل في التعدد الحزبية أو في سياسة الحزب الواحد الخلل يكمن في بعدنا عن الله
من الممكن لقارىء كلامي أن يظن أن الرواية مملة و هي تتحدث عن السياسة فقط و لكن العكس الرواية رائعة و فيها تصوير خلاب لكل من الاماكن و المشاعر
و لمن ليس له الوقت أنصح من بدأ الرواية من ذهاب ليلى إلى بيتها الجديد و مرحلة الجامعة من الصفحة 79
لأن كل ما قبله ذلك يتحدث عن نور و هي ام ليلى و هي ارملة كما هنالك حديث كثير عن الانقلابات العسكرية انا عن نفسي دخت و أنا أقرأه .
أردت أن أنهي ما بدأت في التحدث عنه بالنسبة لهذه الرواية قبل أن اودعكم
و سوف تجدون الرواية كاملة في هذا الرابط
http://www.awu-dam.org/book/05/novel05/408-n-h/408-n-h.zip
*************
و لكن أكثر شيأ أحزنني و أنا أقرأ الرواية هو أنه في الوقت التي كانت الدول العربية تسعى للوحدة كانت الجزائر تعانيث من و يلات الأستعمار استعمار دام 132 سنة
مرة قلتي يا همس أنك تتضايقين من تحدث الجزائريين باللغة الفرنسية مدة الاحتلال كانت طويلة جدا و شملت عدة اجيال
فرنسا ٌفلت كل المدارس العربية و لم تجعل سوى بعض المدارس الفرنسية في ذلك الوقت أما بالنسبة للمساجد فقد حول بعضها إلى اسطبلات و كانت هنالك حملاة تنصير كبيرة بالخصوص بالنسبة للأيتام الذين توفي أباءهم من أجل الدفاع عن و طني الحبيب و لكن ما يحزنني اكثر أنه بعد 132 سنة من الاحتلال قام الشعب و افتك الاستقلال بعده 9 سنوات تم تأميم و الأن الشعب غارق في أوهام الخرافات
خرافات الإرتباط بالغرب و سياساته الاستعمارية الفكرية
و ليكن في علمك يا همس أنه بالرغم من كل ما قامت به فرنسا في الجزائر كان ارئيس هواري بمدين أول زعيم عربي تحدث بالعربية في هيئة الامم المتحدة و ذلك المشهد من أكثر المشاهد التي تعجبني فجأة يتكلم رئيس بالعربية و كل الرؤساء الاجانب يسارعون لو ضع جهاز الترجمة مندهشين و متوترين مما فعله
و لكن للأسف و مهما قيل عن موته فهو قتل و هذه هي الحقيقة التي يريدو ن اخفاءها ليئتي فيما بعد رئساء الفساد و شعب مستهتر مثل ما هو حاصل في كل الدول العربية
ولكن ليكن في علمك أن الفرنسية الان يتكلم بها في مناطق محدودة في الجزائر و هي العاصمة و الولايات الامازيغية و في نفس الوقت لتلك المناطق و باقي الجزائر لها لهجات مختلفة متأتية من اللغة العربية ( ما عدى بالنسبة للامزيغ لأنه في الأص ليسو عرب ) مع التحدث ببعض الكلمات الفرنسية و أعتقد أن باقي الدول العربية تدخل أيضا في كلامه كلمات غير عربية مثل هاي و باي .
برغم من أنك اصغر سن مني
و لكن رأيك يهمني جدا
لأنك و على حسب ما أعتقد قرأتي روايات اكتر مني بكتير
***********
أما بالنسبة للفكرة الرئيسية لرواية فهي تتحدث عن حب الوطن و التضحية من أجله
سواء بالجهاد المسلح أو بالإنظمام إلى أحزاب سياسية
و الروية توظح أنه من أسباب فشل الوحدة بين مصر و سوريا هو قتل أي صوت أو أي رأي يعارض الوحدة أو احتجازهم في المعتقلات مما أدى إلى فوضى كبيرة أدت بأبناء الوطن الواحد إلى القتال و هذا ما ساعد إسرائل في الفوز
و لقد حاولت الكاتبة أن لا تتحيز إلى أي حزب سياسي و هي تتحدث عن أبطاله ( و أكيد العشق الذي جمع بينهم فهنالك الحب من طرف واحد و هنالك الحب المتبادل و العفيف و هنالك الحب الساقط )
ولكن في إعتقادي السبب الرئيسي لفشل الوحدة هو الإبتعاد عن الله
و يستطيع أن يلاحظ ذلك أي شخص يتصفح الرواية
فنجد حب الوطن في الرواية حب مجرد متعلق فقط بالتراب الأشجار البيوت الشاميلة
لا نجد في الرواية أن المناضلين من أجل الوطن يدافعون عنه من أجل أن الأراضي العربية أراضي يذكر فيها إسم الله و فيها مساجد و عادات مربطة بإسلامنا
و كذلك بالنسبة لحكايات قيس ( قيس من أهم أبطال الرواية و هو مناظل سياسي كما أنه اشتغل بالإذاعة و شاعر رمنسي من الدرجة الاولى و كل نشاطاته و جهاده كان في سبيل الوطن )
فمثلا عندما تروي لنا الكاتبة قصة قيس عندما و قع في فاحشة الزنى مقابل حفنة من المال أعطاه لزوج المرأة الفقير
نجد أن قيس تعرض لتأنيب الظمير و ليعاقب نفسه كتب كل شيء حصل في رسالة و بعتها لرؤساء الاحزاب و لكن لانهم لم يردو عليه و في ما بعد قالو له أنت حر فستنتج من ذلك أن ما قام به شيء عادي و تغلغل أكثر في الفساد الاخلاقي في حين كان لا بد عليه أن يتوجه إلى الله ليكفر عن ذنبه
كما أن الكاتبة عرضت فكرة أخرى و هي أن المرأة تعد الهدية التي من حق المعتقلين السياسين الذين تعذبو في السجون من أجل الوطن
و عند خروجهم من المعتقلات فيحق لهم الذهاب للبيوت السرية .
هنا الخلل
ليس الخلل في التعدد الحزبية أو في سياسة الحزب الواحد الخلل يكمن في بعدنا عن الله
من الممكن لقارىء كلامي أن يظن أن الرواية مملة و هي تتحدث عن السياسة فقط و لكن العكس الرواية رائعة و فيها تصوير خلاب لكل من الاماكن و المشاعر
و لمن ليس له الوقت أنصح من بدأ الرواية من ذهاب ليلى إلى بيتها الجديد و مرحلة الجامعة من الصفحة 79
لأن كل ما قبله ذلك يتحدث عن نور و هي ام ليلى و هي ارملة كما هنالك حديث كثير عن الانقلابات العسكرية انا عن نفسي دخت و أنا أقرأه .
أردت أن أنهي ما بدأت في التحدث عنه بالنسبة لهذه الرواية قبل أن اودعكم
و سوف تجدون الرواية كاملة في هذا الرابط
http://www.awu-dam.org/book/05/novel05/408-n-h/408-n-h.zip
*************
و لكن أكثر شيأ أحزنني و أنا أقرأ الرواية هو أنه في الوقت التي كانت الدول العربية تسعى للوحدة كانت الجزائر تعانيث من و يلات الأستعمار استعمار دام 132 سنة
مرة قلتي يا همس أنك تتضايقين من تحدث الجزائريين باللغة الفرنسية مدة الاحتلال كانت طويلة جدا و شملت عدة اجيال
فرنسا ٌفلت كل المدارس العربية و لم تجعل سوى بعض المدارس الفرنسية في ذلك الوقت أما بالنسبة للمساجد فقد حول بعضها إلى اسطبلات و كانت هنالك حملاة تنصير كبيرة بالخصوص بالنسبة للأيتام الذين توفي أباءهم من أجل الدفاع عن و طني الحبيب و لكن ما يحزنني اكثر أنه بعد 132 سنة من الاحتلال قام الشعب و افتك الاستقلال بعده 9 سنوات تم تأميم و الأن الشعب غارق في أوهام الخرافات
خرافات الإرتباط بالغرب و سياساته الاستعمارية الفكرية
و ليكن في علمك يا همس أنه بالرغم من كل ما قامت به فرنسا في الجزائر كان ارئيس هواري بمدين أول زعيم عربي تحدث بالعربية في هيئة الامم المتحدة و ذلك المشهد من أكثر المشاهد التي تعجبني فجأة يتكلم رئيس بالعربية و كل الرؤساء الاجانب يسارعون لو ضع جهاز الترجمة مندهشين و متوترين مما فعله
و لكن للأسف و مهما قيل عن موته فهو قتل و هذه هي الحقيقة التي يريدو ن اخفاءها ليئتي فيما بعد رئساء الفساد و شعب مستهتر مثل ما هو حاصل في كل الدول العربية
ولكن ليكن في علمك أن الفرنسية الان يتكلم بها في مناطق محدودة في الجزائر و هي العاصمة و الولايات الامازيغية و في نفس الوقت لتلك المناطق و باقي الجزائر لها لهجات مختلفة متأتية من اللغة العربية ( ما عدى بالنسبة للامزيغ لأنه في الأص ليسو عرب ) مع التحدث ببعض الكلمات الفرنسية و أعتقد أن باقي الدول العربية تدخل أيضا في كلامه كلمات غير عربية مثل هاي و باي .
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6282
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 34
رد: دماء وأحلام في بلاد الشام
بجد بجد انا مئدرش فعلاً غير انى احي طرئة تفكيرك
وواضح انك تملكى من الثقافة ما لا يملكة معظم البنات اللى فى سنك او اكبر منك كمان
حتى ولو كانوا قرأه كتير
مش مهم انك تقرأى كتير المهم انك تفهمى وتحسى اللى بتقرأه وتستفيدى منه
ممكن واحد يقرأ كتبان فى اليوم بس بيقرأ من هنا ويطلع من النحيه التانية
وواحد تانى ممكن يفضل يقرأفى الكتاب اللى معاه شهر
بس بعد سنة مثلاً لو سأليه عن شئ فى الكتاب هتلئيه بيكلمك عنه كأنه لسا قرأه الاسبوع اللى فات
و بتعرفى توصلى فكرتك بذكاء للشخص اللى بتكلميه
وعندك سعة اطلاع بتاريخ الدول العربية
اما انا بصراحة معرفش فى تاريخ الدول العربية غير اللى درسته فى مادة التاريخ فى المدرسة وده طبعاً لا يقارن بالمجلدات اللى المفروض اطلع عليه
انما انتى بجد ارائك وثقفتك تخلينى احيكى
واتمنى مستقيلا لما اتناقش فى موضوع مهم اتناقش وانا عندى المعلومات والثقافة اللى تساعدنى على كدة
زيك يعنى
تقبلى تحياتى يا منى
وواضح انك تملكى من الثقافة ما لا يملكة معظم البنات اللى فى سنك او اكبر منك كمان
حتى ولو كانوا قرأه كتير
مش مهم انك تقرأى كتير المهم انك تفهمى وتحسى اللى بتقرأه وتستفيدى منه
ممكن واحد يقرأ كتبان فى اليوم بس بيقرأ من هنا ويطلع من النحيه التانية
وواحد تانى ممكن يفضل يقرأفى الكتاب اللى معاه شهر
بس بعد سنة مثلاً لو سأليه عن شئ فى الكتاب هتلئيه بيكلمك عنه كأنه لسا قرأه الاسبوع اللى فات
و بتعرفى توصلى فكرتك بذكاء للشخص اللى بتكلميه
وعندك سعة اطلاع بتاريخ الدول العربية
اما انا بصراحة معرفش فى تاريخ الدول العربية غير اللى درسته فى مادة التاريخ فى المدرسة وده طبعاً لا يقارن بالمجلدات اللى المفروض اطلع عليه
انما انتى بجد ارائك وثقفتك تخلينى احيكى
واتمنى مستقيلا لما اتناقش فى موضوع مهم اتناقش وانا عندى المعلومات والثقافة اللى تساعدنى على كدة
زيك يعنى
تقبلى تحياتى يا منى