4 مشترك
لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 1
لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
الاول احب اقول ان دى اول مشركة لى
هى قصة عالمية مترجمة قرأتها فى موقع وعجبتنى حبيت انقلها هنا
ياااااارب تعجبكم
********
وميض آلات التصوير جعلت عقله يومض من جديد ..عاد تفكيره أسابيع للوراء .. حيث كان واقفا في قاعة المطار.. عندما لمحت عيناه امرأة.. ظن للوهلة الأولى بأنها لا تستطيع أن تراه .. لكن عندما ابتسمت له أيقن بأنه وقع في غرامها ..
إذا لقد أحب نفس الشخص مرتين .. فهل هذا منطقي؟!!
لم لورا و الفتاة الهيفاء هما شخص واحد .. لم أحب من يجب أن لا يحب .. إن الأمور تزيد خناقها عليه و لم يعد يعرف كيف يتصرف حيالها .. هل يتبع قلبه أم يسمع عقله ؟!
و من تكون لورا ؟!!
*******
حجرة مليئة بالملابس الملونة الزاهية الفاخرة و الحقائب و الأحذية ذات العلامات التجارية المعروفة كديور و برادا و غوتشي و غيرها و على التسريحة وضعت أنواع من مساحيق التجميل ذات الجودة العالية .. و حجرة أخرى بيضاء مليئة بالأدوات الثقيلة و الأجهزة السوداء و والمصابيح العملاقة و أسلاك كهربائية ممتدة إلا مالا نهاية .. و فيها شخص يصرخ في كل ثانية و أخرى أما منتقدا أو مادحا .. هذا بالإضافة إلى الومضات ساطعة تزيد الحجرة بياضا و تعمي العيون .. . هذا المكان يطلق عليه (الأستوديو)!!!
كانت واقفة تقوم بحركات مختلفة حتى تتلقاها الومضات في كل الأجناب .. على اليمين و الشمال .. جالسة و واقفة .. متخصرة و منبسطة .. ترتدي فستان سهرة ابيض فأحمر فالأخضر و الأسود و الملون .. أو فستان قصير .. أو آخر بلا أكمام .. و من ثم تخلعها لترتدي ملابس رياضية مريحة أو ملابس عملية أخرى .. و من ثم تخلعها لترتدي جينز و قميصا ... فساتين.. و إما ترفع شعرها الأشقر بأكمله .. أو تسدله أو جزء منه ... أو ترتدي قبعة و على هذا المنوال تقريبا كل يوم خلال أربع ساعات متواصلة أو أحيانا تصل إلى يوم كامل ..
صاح بصوته المبحوح
- " يكفي .. "
و أخيرا نطق بها .. تركت الحجرة البيضاء و ألقت بجسدها المنهمك على الكنبة في غرفة التبديل الغير مرتبة .. أغمضت عيناها لخمس دقائق حتى شعرت به يندفع داخلا مزعزعا هدوئها و سكينتها
- " غدا موعدنا في الثامنة صباحا أرجوك لا تتأخري مثل اليوم "
فتحت عيناها و هي لا تصدق بأنه اتهمها بالتأخير
- " لكنني لم أتأخر اليوم يا سام بالله عليك لقد دخلت بعدك بخمسة دقائق "
- " نعم و أنا اعتبر من يدخل بعدي بخمسة ثواني متأخر و مقصر أيضا .. أنني أقول ذلك لمصلحتك يا عزيزتي .. يجب أن تصدر الصور و ترسل إلى المجلة بأسرع وقت ممكن .. "
- " اعرف ذلك اعرف .. لا ينبغي لان تكرر ذلك في كل مرة .. "
- " إنني ..."
قاطعته و استقامت واقفة .. ارتدت معطفها و قالت قبل أن تهم بالخروج
- " سأذهب .. أراك غدا .. "
صاح بصوت عال حتى تسمعه و هي خارجة
- " لا تنسي أن تهتمي بذلك الوجه الجميل فهو مصدر رزقنا "
لم تستطيع أن تغادر دون أن تبتسم و هي تسمع هذا التعليق الصادر من سام ديكاري صديقها المصور و مدير أعمالها أيضا ..
قادت طول الطريق حتى توقفت أمام ملهى ليلي ..تعطرت و أصلحت من احمر شفاها الفاقع و رتبت من هندامها و شعرها قبل أن تغادر السيارة ..
سمعت تعليقات الشباب الذين مرت بالقرب منهم التي اعتادت عليها على منظرها المثير لذلك تجاهلتهم و دخلت القاعة الكبيرة التي تقام فيها حفل عيد ميلاد صديقتها المقربة جاكلين روبرت .. لم ينتبه أحد لدخولها فالمكان صاخب و الأضواء خافتة و الحضور يملئون القاعة .. دارت بعينيها على المكان و لم تجد أثرا لجاكلين فقررت أن تجلس على البار و تترك أمر صديقتها لوقت آخر بعد أن تحتسي كأسا أو اثنين ..
- " كيف أخدمك يا آنسة ؟! "
سألها عامل البار بنظرات إعجاب و كأنه تعرف عليها أو شبه على ملامحها ..
- " تكيلا من فضلك "
سكب لها و ناولها إياها و وقف يحدق بملامحها ..
- " ماذا ؟! أليس لديك زبائن أخرى غيري ؟ "
قالت بانزعاج ..فقهقه ساخرا و ابتعد عنها .. رأته يهمس إلى زميله و ينظرا إليها و يبتسما .. تركت شرابها و ابتعدت لتبحث عن جاكلين .. و أخيرا وجدتها بالقرب من دورات المياة الخاصة بالنساء .. عبطتها بقوة
- " آه و أخيرا وجدتك !! عيد سعيد "
ثم ناولتها كيس صغير يحوي هدية بسيطة لكنها قيمة
- " لم أتوقع مجيئك .. إنها لمفاجأة سارة ..شكرا لك يا عزيزتي "
كانت تتحدث بصوت يشبه الصراخ حتى تستطيع سمعاها إثر هذه الضجة الصادرة من مكبرات الصوت ..
- " و أنا لم أتوقع كل هذا الحضور .. "
- " أغلب الحضور لا أعرفهم .. "
ضحكتا بالفعل فبالكاد يستطع الشخص الحركة .. جذبتها جاكلين من يدها و هي تقول لها
- " هيا تعالي لنمرح قليلا .. لنرقص .. "
ضحكت من تصرف جاكلين العفوي و سألتها
- " مع من ؟!! "
- " ستجدينه .. هيا .. لنستمتع إنه عيد ميلادي "
- " لكن .."
- " لا تندرج هذه الكلمة في قاموسي "
دفعتها إلى شخص واقف يتحدث مع براد صديق جاكلين و قالت له و هي تجذب براد لترقص معه قاطعة بذلك حديثهما..
- " توقف عن النقاشات التي لا تأتي بنتيجة يا بروس و راقص صديقتي "
وضعت لورا يدها على وجهها إثر الموقف المحرج الذي وضعتها فيه جاكلين .. مد ذلك الشاب الطويل يده و قال مبتسما و قد بدا عليه الإحراج بدوره فتناولت يده و بدأت تتمايل معه راقصة ..
لم تستطع أن تنظر في عينيه لأنه كان يحدق فيها و هو يبتسم .. قالت بصوت مرتجف
- " إن جاكلين مجنونة .. لقد جذبت يدي و ألقتني عليك "
- " لا بأس .. إني أشكرها .. فلقد وفرت علي جهدا لان أبحث عن فتاة جميلة و أسألها لترقص معي"
رفعت بصرها لتنظر إلى عينيه و ابتسمت له بامتنان ..
- " إن وجهك مألوف .. هل رأيتك من قبل ؟! "
- " لا أعرف .. لكني متأكدة بأني لم أقابلك "
- " حقا ؟!! اممم .. و لا حتى في منزل ستيوارت ليلة رأس السنة ؟! "
ضحكت .. و نفت بحركة من رأسها
- " إذا ما اسمك ؟! "
- " لورا .. "
قاطعها و أكمل قائلا مع ابتسامة عريضة فلقد تعرف عليها
- " آغنر .. نعم لورا آغنر يا لي من مغفل ..كيف لم أعرف ذلك ؟!"
ابتسمت و سألته بمكر
- " و الآن عرفت .. فهل أحدث ذلك فرقا ؟ "
كان متحمسا و سعيدا فتوقف عن الرقص
- " آه بالطبع يحدث فرقا .. و كيف لا .. أنت عارضة الأزياء الجديدة التي أحدثت ضجة في هوليوود و الولايات بأكملها "
انزعجت من ردة فعله لكنها مع ذلك رسمت ابتسامة ودودة و قالت تهدئه ..
- " لا أرى ضجة كبيرة .. "
- " صورك ملئ الشوارع و الجرائد و المجلات .. و تقولين لا ترين ضجة كبيرة "
تلفتت يمين و شمالا و هي ترى وجوه الراقصين ينظران إليهما فابتسمت بتوتر و قالت له بنبرة معاتبة ..
- " أنت من يحدث ضجة الآن و يجعل الجميع يحدقون "
- " بالطبع هذا ما يجب أن يفعلونه .. أنت لورا آغنر "
رفع صوته حتى يسمع الموجودين من يراقص ..
- " أرجوك توقف .."
ابتعدت عن الراقصين و ابتعدت و أخذت مقعدا لتجلس عليه فجلس بالقرب منها
- " لم أعرف بأنك صديقة جاكلين .."
- " نعم صديقتها منذ سنوات "
- " ألم يعرض عليك تصوير فيلم ؟! "
- " بلى .. لكن ..."
- " هذا رائع .. أنا أعمل مخرج أفلام قصيرة .. ما رأيك أن تقومي بتمثيل دور في فيلمي الجديد ؟؟!! "
إنه يمطرها بأسئلة محرجة و مزعجة .. بلا توقف و لا يترك لها مجالا للإجابة .. تجمهر بعضا من الحاضرين حولها فشعرت بالاضطراب و الانزعاج .. و حاولت أن تفلت من ذلك الرجل بطريقة لبقة دون جدوى حتى تدخلت جاكلين و أبعدت بروس و أسألته و أخرجت لورا من تلك الجمهرة ..
جلست على البار و ناولتها جاكلين كأسا.. كانت تنظر إلى صديقتها المنزعجة من تصرف بروس فمسحت على يدها و قالت مبتسمة
- " هاي .. جاكي عزيزتي لا عليك أنا بخير "
- " لا لست كذلك لقد أزعجك بروس بتصرفه و أسألته .. و أنا السبب "
- " لا تكترثي .. كل شيء على ما يرام هيا ابتهجي انه يومك .. "
- " اعذريني يا لورا "
- " لا بأس هيا اذهبي و ارقصي ... أرجوك لا تقفي هنا .. انه شيء طبيعي إن يحدث معي هذا .. لقد بدأت اعتاد عليه "
- " هل أنت متأكدة بأنك ستكونين بخير ؟ "
- " بالطبع و ما عساه إن يحدث ؟! انظري انه براد.. ينتظرك .."
- " حسنا .. أرجوك اخبريني إذا أزعجك أحدا آخر "
- " لا تقلقي اعرف كيف اعتني بنفسي "
عندما ابتعدت جاكلين استدارت لورا ناحية البار لتصطدم بعين العامل الذي كان يحدق فيها و ابتسامة ملتوية على شفتيه و قال بخبث
- " بالطبع .. لقد قلت في نفسي بأن وجهك مألوف .. إذا أنت هي لورا آغنر تلك الشقراء الجميلة "
لم تعر لتعلقه اهتماما بل مدت كأسها و قالت
- " هل لك أن تسكب لي المزيد ؟! "
- " لك ما شئت "
سكب لها ثم وقف ينظر إليها بافتتان و بدأ يمطرها بالأسئلة
- " كيف هي حياة المشاهير ؟! لم لا أرى معك حارس شخصي ؟! أو ماذا تفعلين في حفلة متواضعة كهذه ؟! مثلك يذهب في مواعيد مع نجوم هوليوود أو لاعبين مشهورين أو أي كائن ذو مركز مرموق و يرتادون حفلات الايمي و الأوسكار و... لكن ليس كهذه الحفلة "
احمر وجهها لكن هذه المرة بفعل الغضب و قالت بعصبية
- " ليس من شانك أن تعرف لكنني سأجيبك حتى أريح فضولك .. جاكلين صديقتي المقربة.. و شكرا على الشراب "
ابتعدت عنه و اقتربت من صديقتها قبلتها و تمنت لها سنة سعيدة
- " لكن يا لورا لم أطفأ الشموع بعد "
- " أرجوك اعذريني فانا متعبة و لم أعد إلى البيت منذ خروجي هذا الصباح .. "
- " حسنا .. سأحضر لك قطعة من الكعكة "
- " شكرا لك يا عزيزتي "
- " اعتني بنفسك .."
- " سأفعل .. و أنت كذلك .. استمتعي بوقتك .. و عيد سعيد "
جاء الصباح بسرعة البرق و كأنها قد غطت لدقائق معدودة و ليس لساعات .. تثاءبت و هي تقاوم النوم و تدفع الغطاء عنها لتغسل وجهها بماء بارد ينعشها و من ثم ترتدي ثياب عملية و ترفع شعرها و تخرج من المنزل .. تمر بطريقها على المقهى و تأخذ اسبريسو ساخنة حتى تبعث فيها الدفء و يوقظها الكافيين ..
عندما دخلت وجدت سام يبحث عنها كالمجنون و يسأل العاملين عنها و يطلب منهم أن يتصلوا بلورا .. وقفت تنظر إلى جنونه مستمتعة و هي تحتسي قهوتها .. عندها استدار و رآها واقفه عند الباب ترمقه .. و تضحك على الجنون الذي أصابه .. فهذا هو سام .. ديكاري
- " آه يا لورا .. لقد رفعتي ضغطي .. أنت هنا تتفرجين علي و أنا مصاب بالهستيريا ؟! "
- " أكمل .. لقد أعجبني منظرك و أنت تفتعل مشهدا .. و جائزة الأوسكار من نصيب المصور الفرنسي سام ديكاري "
صفقت بيدها و هي تبتسم ببرود أمام الحرارة المنبعثة من سام ..
- " مضحك جدا .. و الآن هيا إلى العمل ..."
أخذ من يدها كوب القهوة و هو يؤنبها
- " آه لا .. لا .. لا يا لورا .. القهوة مضرة .. ليس لك أنت .. يجب أن تهتمي لجمالك يا عزيزتي ... ستقتليني يوما .."
- " يوما ؟؟ حقا ؟!! ليس الآن ؟؟! يا للأسف "
- " من الجيد أن أراك في مزاج يسمح لك بإطلاق النكات المضحكة ... و الآن هيا .. غيري ثيابك و شعرك .. الكل ينتظرك بالداخل "
تحركت رغما عنها لأنه كان يدفعها إلى داخل غرفة التبديل .. حيث ارتدت فستان ذهبي طويل يصل الأرض من الدانتيل و له ذيل يمتد إلى الخلف و يليق بلون شعرها الذهبي الذي قام مصفف الشعر برفعه إلى الأعلى و من ثم تمويجه على جانب واحد كتصفيفات الشعر التي اشتهرت بالخمسينيات .. و قام مصمم الماكياج بوضع لمساته على وجهها و كان لون البرونز بالذهبي و الأسود هو اللون المناسب مع طلتها و ابرز عينيها الواسعة كحجر الزمرد في لونه الأزرق.. و احمر الشفاه ذو اللون العنابي الغامق هو الذي أكمل سحرها بالإضافة إلى الحلق الذهبي المتدلي من أذنها إلى عنقها من الأعلى ...كل هذه التجهيزات فقط تطلبت ساعتين من الوقت و التصوير مع سام يأخذ أكثر من ذلك .. تموضعت أمام الكاميرا .. و قام سام بأخذ لقطات لها ... حيث كان الموضوع او الفكرة عبارة عن فصل الخريف حيث سيكون غلاف مجلة ( اكسبلوجر ) التي ستصدر في بداية الشهر القادم ...
هى قصة عالمية مترجمة قرأتها فى موقع وعجبتنى حبيت انقلها هنا
ياااااارب تعجبكم
********
وميض آلات التصوير جعلت عقله يومض من جديد ..عاد تفكيره أسابيع للوراء .. حيث كان واقفا في قاعة المطار.. عندما لمحت عيناه امرأة.. ظن للوهلة الأولى بأنها لا تستطيع أن تراه .. لكن عندما ابتسمت له أيقن بأنه وقع في غرامها ..
إذا لقد أحب نفس الشخص مرتين .. فهل هذا منطقي؟!!
لم لورا و الفتاة الهيفاء هما شخص واحد .. لم أحب من يجب أن لا يحب .. إن الأمور تزيد خناقها عليه و لم يعد يعرف كيف يتصرف حيالها .. هل يتبع قلبه أم يسمع عقله ؟!
و من تكون لورا ؟!!
*******
حجرة مليئة بالملابس الملونة الزاهية الفاخرة و الحقائب و الأحذية ذات العلامات التجارية المعروفة كديور و برادا و غوتشي و غيرها و على التسريحة وضعت أنواع من مساحيق التجميل ذات الجودة العالية .. و حجرة أخرى بيضاء مليئة بالأدوات الثقيلة و الأجهزة السوداء و والمصابيح العملاقة و أسلاك كهربائية ممتدة إلا مالا نهاية .. و فيها شخص يصرخ في كل ثانية و أخرى أما منتقدا أو مادحا .. هذا بالإضافة إلى الومضات ساطعة تزيد الحجرة بياضا و تعمي العيون .. . هذا المكان يطلق عليه (الأستوديو)!!!
كانت واقفة تقوم بحركات مختلفة حتى تتلقاها الومضات في كل الأجناب .. على اليمين و الشمال .. جالسة و واقفة .. متخصرة و منبسطة .. ترتدي فستان سهرة ابيض فأحمر فالأخضر و الأسود و الملون .. أو فستان قصير .. أو آخر بلا أكمام .. و من ثم تخلعها لترتدي ملابس رياضية مريحة أو ملابس عملية أخرى .. و من ثم تخلعها لترتدي جينز و قميصا ... فساتين.. و إما ترفع شعرها الأشقر بأكمله .. أو تسدله أو جزء منه ... أو ترتدي قبعة و على هذا المنوال تقريبا كل يوم خلال أربع ساعات متواصلة أو أحيانا تصل إلى يوم كامل ..
صاح بصوته المبحوح
- " يكفي .. "
و أخيرا نطق بها .. تركت الحجرة البيضاء و ألقت بجسدها المنهمك على الكنبة في غرفة التبديل الغير مرتبة .. أغمضت عيناها لخمس دقائق حتى شعرت به يندفع داخلا مزعزعا هدوئها و سكينتها
- " غدا موعدنا في الثامنة صباحا أرجوك لا تتأخري مثل اليوم "
فتحت عيناها و هي لا تصدق بأنه اتهمها بالتأخير
- " لكنني لم أتأخر اليوم يا سام بالله عليك لقد دخلت بعدك بخمسة دقائق "
- " نعم و أنا اعتبر من يدخل بعدي بخمسة ثواني متأخر و مقصر أيضا .. أنني أقول ذلك لمصلحتك يا عزيزتي .. يجب أن تصدر الصور و ترسل إلى المجلة بأسرع وقت ممكن .. "
- " اعرف ذلك اعرف .. لا ينبغي لان تكرر ذلك في كل مرة .. "
- " إنني ..."
قاطعته و استقامت واقفة .. ارتدت معطفها و قالت قبل أن تهم بالخروج
- " سأذهب .. أراك غدا .. "
صاح بصوت عال حتى تسمعه و هي خارجة
- " لا تنسي أن تهتمي بذلك الوجه الجميل فهو مصدر رزقنا "
لم تستطيع أن تغادر دون أن تبتسم و هي تسمع هذا التعليق الصادر من سام ديكاري صديقها المصور و مدير أعمالها أيضا ..
قادت طول الطريق حتى توقفت أمام ملهى ليلي ..تعطرت و أصلحت من احمر شفاها الفاقع و رتبت من هندامها و شعرها قبل أن تغادر السيارة ..
سمعت تعليقات الشباب الذين مرت بالقرب منهم التي اعتادت عليها على منظرها المثير لذلك تجاهلتهم و دخلت القاعة الكبيرة التي تقام فيها حفل عيد ميلاد صديقتها المقربة جاكلين روبرت .. لم ينتبه أحد لدخولها فالمكان صاخب و الأضواء خافتة و الحضور يملئون القاعة .. دارت بعينيها على المكان و لم تجد أثرا لجاكلين فقررت أن تجلس على البار و تترك أمر صديقتها لوقت آخر بعد أن تحتسي كأسا أو اثنين ..
- " كيف أخدمك يا آنسة ؟! "
سألها عامل البار بنظرات إعجاب و كأنه تعرف عليها أو شبه على ملامحها ..
- " تكيلا من فضلك "
سكب لها و ناولها إياها و وقف يحدق بملامحها ..
- " ماذا ؟! أليس لديك زبائن أخرى غيري ؟ "
قالت بانزعاج ..فقهقه ساخرا و ابتعد عنها .. رأته يهمس إلى زميله و ينظرا إليها و يبتسما .. تركت شرابها و ابتعدت لتبحث عن جاكلين .. و أخيرا وجدتها بالقرب من دورات المياة الخاصة بالنساء .. عبطتها بقوة
- " آه و أخيرا وجدتك !! عيد سعيد "
ثم ناولتها كيس صغير يحوي هدية بسيطة لكنها قيمة
- " لم أتوقع مجيئك .. إنها لمفاجأة سارة ..شكرا لك يا عزيزتي "
كانت تتحدث بصوت يشبه الصراخ حتى تستطيع سمعاها إثر هذه الضجة الصادرة من مكبرات الصوت ..
- " و أنا لم أتوقع كل هذا الحضور .. "
- " أغلب الحضور لا أعرفهم .. "
ضحكتا بالفعل فبالكاد يستطع الشخص الحركة .. جذبتها جاكلين من يدها و هي تقول لها
- " هيا تعالي لنمرح قليلا .. لنرقص .. "
ضحكت من تصرف جاكلين العفوي و سألتها
- " مع من ؟!! "
- " ستجدينه .. هيا .. لنستمتع إنه عيد ميلادي "
- " لكن .."
- " لا تندرج هذه الكلمة في قاموسي "
دفعتها إلى شخص واقف يتحدث مع براد صديق جاكلين و قالت له و هي تجذب براد لترقص معه قاطعة بذلك حديثهما..
- " توقف عن النقاشات التي لا تأتي بنتيجة يا بروس و راقص صديقتي "
وضعت لورا يدها على وجهها إثر الموقف المحرج الذي وضعتها فيه جاكلين .. مد ذلك الشاب الطويل يده و قال مبتسما و قد بدا عليه الإحراج بدوره فتناولت يده و بدأت تتمايل معه راقصة ..
لم تستطع أن تنظر في عينيه لأنه كان يحدق فيها و هو يبتسم .. قالت بصوت مرتجف
- " إن جاكلين مجنونة .. لقد جذبت يدي و ألقتني عليك "
- " لا بأس .. إني أشكرها .. فلقد وفرت علي جهدا لان أبحث عن فتاة جميلة و أسألها لترقص معي"
رفعت بصرها لتنظر إلى عينيه و ابتسمت له بامتنان ..
- " إن وجهك مألوف .. هل رأيتك من قبل ؟! "
- " لا أعرف .. لكني متأكدة بأني لم أقابلك "
- " حقا ؟!! اممم .. و لا حتى في منزل ستيوارت ليلة رأس السنة ؟! "
ضحكت .. و نفت بحركة من رأسها
- " إذا ما اسمك ؟! "
- " لورا .. "
قاطعها و أكمل قائلا مع ابتسامة عريضة فلقد تعرف عليها
- " آغنر .. نعم لورا آغنر يا لي من مغفل ..كيف لم أعرف ذلك ؟!"
ابتسمت و سألته بمكر
- " و الآن عرفت .. فهل أحدث ذلك فرقا ؟ "
كان متحمسا و سعيدا فتوقف عن الرقص
- " آه بالطبع يحدث فرقا .. و كيف لا .. أنت عارضة الأزياء الجديدة التي أحدثت ضجة في هوليوود و الولايات بأكملها "
انزعجت من ردة فعله لكنها مع ذلك رسمت ابتسامة ودودة و قالت تهدئه ..
- " لا أرى ضجة كبيرة .. "
- " صورك ملئ الشوارع و الجرائد و المجلات .. و تقولين لا ترين ضجة كبيرة "
تلفتت يمين و شمالا و هي ترى وجوه الراقصين ينظران إليهما فابتسمت بتوتر و قالت له بنبرة معاتبة ..
- " أنت من يحدث ضجة الآن و يجعل الجميع يحدقون "
- " بالطبع هذا ما يجب أن يفعلونه .. أنت لورا آغنر "
رفع صوته حتى يسمع الموجودين من يراقص ..
- " أرجوك توقف .."
ابتعدت عن الراقصين و ابتعدت و أخذت مقعدا لتجلس عليه فجلس بالقرب منها
- " لم أعرف بأنك صديقة جاكلين .."
- " نعم صديقتها منذ سنوات "
- " ألم يعرض عليك تصوير فيلم ؟! "
- " بلى .. لكن ..."
- " هذا رائع .. أنا أعمل مخرج أفلام قصيرة .. ما رأيك أن تقومي بتمثيل دور في فيلمي الجديد ؟؟!! "
إنه يمطرها بأسئلة محرجة و مزعجة .. بلا توقف و لا يترك لها مجالا للإجابة .. تجمهر بعضا من الحاضرين حولها فشعرت بالاضطراب و الانزعاج .. و حاولت أن تفلت من ذلك الرجل بطريقة لبقة دون جدوى حتى تدخلت جاكلين و أبعدت بروس و أسألته و أخرجت لورا من تلك الجمهرة ..
جلست على البار و ناولتها جاكلين كأسا.. كانت تنظر إلى صديقتها المنزعجة من تصرف بروس فمسحت على يدها و قالت مبتسمة
- " هاي .. جاكي عزيزتي لا عليك أنا بخير "
- " لا لست كذلك لقد أزعجك بروس بتصرفه و أسألته .. و أنا السبب "
- " لا تكترثي .. كل شيء على ما يرام هيا ابتهجي انه يومك .. "
- " اعذريني يا لورا "
- " لا بأس هيا اذهبي و ارقصي ... أرجوك لا تقفي هنا .. انه شيء طبيعي إن يحدث معي هذا .. لقد بدأت اعتاد عليه "
- " هل أنت متأكدة بأنك ستكونين بخير ؟ "
- " بالطبع و ما عساه إن يحدث ؟! انظري انه براد.. ينتظرك .."
- " حسنا .. أرجوك اخبريني إذا أزعجك أحدا آخر "
- " لا تقلقي اعرف كيف اعتني بنفسي "
عندما ابتعدت جاكلين استدارت لورا ناحية البار لتصطدم بعين العامل الذي كان يحدق فيها و ابتسامة ملتوية على شفتيه و قال بخبث
- " بالطبع .. لقد قلت في نفسي بأن وجهك مألوف .. إذا أنت هي لورا آغنر تلك الشقراء الجميلة "
لم تعر لتعلقه اهتماما بل مدت كأسها و قالت
- " هل لك أن تسكب لي المزيد ؟! "
- " لك ما شئت "
سكب لها ثم وقف ينظر إليها بافتتان و بدأ يمطرها بالأسئلة
- " كيف هي حياة المشاهير ؟! لم لا أرى معك حارس شخصي ؟! أو ماذا تفعلين في حفلة متواضعة كهذه ؟! مثلك يذهب في مواعيد مع نجوم هوليوود أو لاعبين مشهورين أو أي كائن ذو مركز مرموق و يرتادون حفلات الايمي و الأوسكار و... لكن ليس كهذه الحفلة "
احمر وجهها لكن هذه المرة بفعل الغضب و قالت بعصبية
- " ليس من شانك أن تعرف لكنني سأجيبك حتى أريح فضولك .. جاكلين صديقتي المقربة.. و شكرا على الشراب "
ابتعدت عنه و اقتربت من صديقتها قبلتها و تمنت لها سنة سعيدة
- " لكن يا لورا لم أطفأ الشموع بعد "
- " أرجوك اعذريني فانا متعبة و لم أعد إلى البيت منذ خروجي هذا الصباح .. "
- " حسنا .. سأحضر لك قطعة من الكعكة "
- " شكرا لك يا عزيزتي "
- " اعتني بنفسك .."
- " سأفعل .. و أنت كذلك .. استمتعي بوقتك .. و عيد سعيد "
جاء الصباح بسرعة البرق و كأنها قد غطت لدقائق معدودة و ليس لساعات .. تثاءبت و هي تقاوم النوم و تدفع الغطاء عنها لتغسل وجهها بماء بارد ينعشها و من ثم ترتدي ثياب عملية و ترفع شعرها و تخرج من المنزل .. تمر بطريقها على المقهى و تأخذ اسبريسو ساخنة حتى تبعث فيها الدفء و يوقظها الكافيين ..
عندما دخلت وجدت سام يبحث عنها كالمجنون و يسأل العاملين عنها و يطلب منهم أن يتصلوا بلورا .. وقفت تنظر إلى جنونه مستمتعة و هي تحتسي قهوتها .. عندها استدار و رآها واقفه عند الباب ترمقه .. و تضحك على الجنون الذي أصابه .. فهذا هو سام .. ديكاري
- " آه يا لورا .. لقد رفعتي ضغطي .. أنت هنا تتفرجين علي و أنا مصاب بالهستيريا ؟! "
- " أكمل .. لقد أعجبني منظرك و أنت تفتعل مشهدا .. و جائزة الأوسكار من نصيب المصور الفرنسي سام ديكاري "
صفقت بيدها و هي تبتسم ببرود أمام الحرارة المنبعثة من سام ..
- " مضحك جدا .. و الآن هيا إلى العمل ..."
أخذ من يدها كوب القهوة و هو يؤنبها
- " آه لا .. لا .. لا يا لورا .. القهوة مضرة .. ليس لك أنت .. يجب أن تهتمي لجمالك يا عزيزتي ... ستقتليني يوما .."
- " يوما ؟؟ حقا ؟!! ليس الآن ؟؟! يا للأسف "
- " من الجيد أن أراك في مزاج يسمح لك بإطلاق النكات المضحكة ... و الآن هيا .. غيري ثيابك و شعرك .. الكل ينتظرك بالداخل "
تحركت رغما عنها لأنه كان يدفعها إلى داخل غرفة التبديل .. حيث ارتدت فستان ذهبي طويل يصل الأرض من الدانتيل و له ذيل يمتد إلى الخلف و يليق بلون شعرها الذهبي الذي قام مصفف الشعر برفعه إلى الأعلى و من ثم تمويجه على جانب واحد كتصفيفات الشعر التي اشتهرت بالخمسينيات .. و قام مصمم الماكياج بوضع لمساته على وجهها و كان لون البرونز بالذهبي و الأسود هو اللون المناسب مع طلتها و ابرز عينيها الواسعة كحجر الزمرد في لونه الأزرق.. و احمر الشفاه ذو اللون العنابي الغامق هو الذي أكمل سحرها بالإضافة إلى الحلق الذهبي المتدلي من أذنها إلى عنقها من الأعلى ...كل هذه التجهيزات فقط تطلبت ساعتين من الوقت و التصوير مع سام يأخذ أكثر من ذلك .. تموضعت أمام الكاميرا .. و قام سام بأخذ لقطات لها ... حيث كان الموضوع او الفكرة عبارة عن فصل الخريف حيث سيكون غلاف مجلة ( اكسبلوجر ) التي ستصدر في بداية الشهر القادم ...
عدل سابقا من قبل HAMS في الأربعاء فبراير 10, 2010 11:08 am عدل 1 مرات
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 2
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
[center]-2-
رفع رأسه عن مجلة ( اكسبلوجر) التي يتصفحها بيده و التفت ناحية الرجل الهائج الذي دخل عليه .. فسأله بهدوئه المعتاد ..
- " سيدي .. سيدي .. "
- " ماذا هناك يا ماريو ؟ "
توقف الرجل حتى يرتد أنفاسه المتقطعة و قال و هو يلهث
- " سيدي .. احمل لك أنباء... غير سارة "
قهقه مستهزأ و أعاد بصره إلى المجلة التي بيده و أخذ يقلب أوراقها و قال غير مكترثا و هو ينظر إلى فتاة شقراء تعرض فساتين لمختلف مصممي الأزياء الذين تصورت معهم .. ثم قلب الصفحة .. و هو يقول ..
- " و ما عساه أن يكون أسوأ من خسارتنا للصفقة مع ريس ؟! "
لكن ماريو كان جادا فيما يقول فهو لم يتأثر بكلام سيده فقال بصوت متوتر
- " للأسف يا سيدي إنه أسوأ.. "
استطاع توتر ماريو و جديته أن يؤثر عليه فأصابه القلق و خشي من ما سيسمعه فترك المجلة التي بيده و استقام واقفا ليقترب من ماريو الصغير الحجم بالنسبة لضخامة سيده
- " هل ستخبرني يا ماريو الآن أم يتوجب علي أن انتظر دقائق أخرى حتى يهتز بدني بأكمله و أشعر بالغثيان؟ "
لا يعرف ماريو لم يشعر بالرهبة كلما اقترب منه الدون باتريك ليس فقط لضخامة جسده بل أيضا لشخصيته المهيبة .. بلل ريقه و قال بصوت مرتجف
- " إنها الكونتيسة .. لقد ..لقد توفيت بالأمس إثر حادث "
سكت ليأخذ نفس آخر ثم أضاف
- " و نقل زوجها إلى المستشفى و هو الآن في غيبوبة .. "
لم تعد رجله تستطيع تحمل جسده .. فجر نفسه بصعوبة و جلس على الكرسي الذي كان يتمدد عليه قبل قليل .. وضع يده على رأسه إثر الصدمة التي تلقاها فرأسه لم يستحمل تلك الصدمة الكبيرة ..
- " دون باتريك .. أنا آسف لفقدك والدتك ..و أكثر من ذلك أنا آسف لأني من نقل لك هذا الخبر "
نظر إليه دون أن يعلق منتظرا ماريو أن يكمل كلامه ..فقال بحزن و هو ينظر إلى سيده الذي بالفعل اهتز بدنه و لم تحمله رجليه ليجلس ذلك الرجل الضخم و يصبح منكسرا
- " لقد رتبنا لك للعودة إلى أسبانيا اليوم لدفان الكونتيسة و لتكون المضيف في الجنازة يا سيدي "
فتح عيناه على اتساع .. فلقد استوعب الأمر لتوه .. لقد توفيت والدته .. و هذا الأمر حقيقي .. لكنه لم يتخيل يوما ما بأنه سيفقدها بل اعتقد دائما بان الأمور ستصلح بينهما و ليس بان تغادر هذه الحياة و الأمور بينهما معقدة .. فهو لم ير والدته منذ ستة سنوات غادر فيها إلى لوس أنجلوس و لم يتحدثا خلالها لأنه كان مغتاظا و معترضا تزوجها من رجل لا يستحقها و ليس من مستواها فهي كونتيسة و زوجها السابق دوق ألبا و كذلك ابنها الوحيد ...
- " دون باتريك .. هل تسمعني ؟! "
قاطعه صوت ماريو من أفكاره .. استقام واقفا و دخل إلى حجرته و أغلق الباب خلفه ..
وقف ماريو مع داني صديق باتريك ينظران إلى الباب و ينتظران أن يفتح و يخرج منه لعله يتحدث إليهما ...
- " هل تعتقد بأنه سيخرج ؟! "
وجه ماريو السؤال إلى داني .. صديق باتريك ..
- " ليس لدي أدنى فكرة .. "
- " لم اعهد الدون هكذا من قبل.. "
- " إنها والدته يا ماريو و هو لم يتحدث معها منذ سنوات .. اعتقد بأنه سيأخذ وقتا طويلا"
- " إذا يجب أن أخبر كابتن الطائرة بأننا سنتأخر قليلا .. فهو سيقلع بعد ساعتين "
رفع ماريو الهاتف الأسود الذي يحمله بيده ليتصل بكابتن الطائرة الخاصة الذي سيأخذهم إلى أسبانيا و يخبره بتأخرهم ...
- " لا بل سنبكر "
التفتت الاثنان ناحية الصوت و إلا به باتريك واقفا و هو يدفع حقيبته بيده موشحا بالسواد ببذلته و قميصه و ربطة عنقه السوداء و قد بدا عليه الحزن و اليأس و مع ذلك كان واثقا و قويا و مهيبا ..
أبتسم ماريو .. فهذا هو سيده رغم الصعاب هو كالجبال .. أسرع بأخذ الحقيبة منه ليحملها إلى السيارة .. فماريو يقوم بكل شيء .. كل صغيرة و كبيرة تتعلق بالدوق .و كما يقولون ذراعه الأيمن ..أي لا يمكن أن يقوم الدوق بشيء دون أن يكون ماريو على علم به .. ماريو شخصية مهمة على الرغم من منظره اللطيف فهو هزيل البينة و صغير الحجم ذو شعر أسود خفيف و ذقن مرتب .. و هو من الرجال الدائمي لبس البذل الرسمية السوداء و الذين يتحدثون بالهاتف لأربع و عشرين ساعة ...
و بعد ساعة كانوا جالسين في قاعة الانتظار للدرجة الأولى فقد اخبرهم الكابتن بأنهم لم يسمحوا له بالإقلاع قبل الموعد المحدد بسبب زحمة الطائرات ففتحوا للدوق القاعة حتى يستريح فيها لساعة و بعدها يغادر إلى أسبانيا ..و في هذه الأثناء كان جالسا لوحده بعيدا عن ماريو و داني ينظر من النافذة إلى الناس و حركتهم داخل المطار .. انتبه لامرأة شقراء جميلة تسير و تسير قافلة خلفها ..تتبعها و هي تتحرك و تتحدث مع من حولها .. كانت توشوش في أذن الرجل الذي معها ثم تبتسم ..ابتسم باتريك بدوره .. و لا شعوريا رفعت عيناها لتنظر إليه .. كان غير متأكدا بأنها تستطيع رؤيته .. لكنها عندما ابتسمت له أدرك بأنها قد رأته بالفعل .. و للأسف.. بسرعة جذبها الرجل الذي معها ليدخلوا حيث الباب المؤدي إلى سوق المطار .. ثم اختفوا ...
وقف و هم بالخروج فانتبه له ماريو .. و أسرع داني يقترب منه قائلا
- " باتريك .. إلى أين ؟ "
- " أريد أن أحرك ساقي قليلا "
- " أين ؟! "
أشار إلى سوق المطار في الأسفل .. ففغر داني فاه و أشار إلى ماريو أن يقترب منهما
- " سنذهب معك .. نحتاج لان نحرك ساقينا أيضا "
- " حسنا "
كان يسير و ينظر إلى الناس ..يبحث من بين الوجوه .. عن تلك الجميلة التي ابتسمت له من بعيد ثم اختفت بين الحشود .. و الناس من حوله بعضهم من يضحك مع آخر وثاني يتقافز فرحا و طفل يبكي و آخر يصرخ و أطفال يركضون و يكادون يصطدمون برجليه فيوقفهم ماريو .. و فتيات ينظرن إلى باتريك و يتهامسن و يرسلون له ابتسامات و نظرات إعجاب .. فيبادلهما بإيماء برأسه .. و امرأة كبيرة بالسن تضحك في وجهه .. و رجل يهرول و آخر ينادي على عائلته فيركضون مسرعين للحاق بالطائرة .. و كل لاهي بمشاكله و همومه .. حتى رأى تجمهر في إحدى الزوايا و آلات تصوير ..
أغلق ماريو الهاتف و وجه كلامه للدوق
- " سيدي يجب أن نذهب "
- " لا .. انتظر ماذا هناك ؟ "
كان يقترب ناحية التجمع فقال له داني
- " لعلهم الإعلام و قد عرفوا بأمرك يا باتريك "
- " لا .. انظر .. إنها هي .. "
- " من ؟! "
نظر إليه داني مستغربا .. فأشار باتريك .. و انتبه بأنه قد يكون أفضى عن مكنونه أكثر من اللازم فقال مصححا
- "امرأة يجتمع حولها المصورين و المعجبين "
أشار ناحية امرأة هيفاء ترتدي فستان رمادي ضيق يفصل جسدها الرشيق .. شعرها أشقر كثيف يتساقط على كتفيها كالشلال و كانت تضع ماكياج يتماشى و لون ثيابها الأنيقة تسير بكل ثقة و تبتسم للملتمين حولها .. سمعها تجيب أحد المعجبين عن سؤال ما
- " إلى أين أنت ذاهبة ؟ "
فابتسمت له قائلة
- " سألف أوروبا كلها "
- " هل تأخذيني معك ؟"
صاح احد الشباب فضحكت تلك الجميلة و سارت مودعة إياهم حتى اختفت داخل قاعة الانتظار للدرجة الأولى .. أحس برغبة في أين يتبعها و ما أن دخل خلفها القاعة حتى أوقفه رجال الأمن فاخبره ماريو بأنه دون باتريك و انه من الدرجة الأولى أيضا .. فسمح له بالدخول .. لكن و للأسف .. تأخر .. اختفت مرة أخرى و لم يجد إلا أمتعتها على الأرض .. انتظر قليلا علها تعود .. و لكن رجل أصلع طويل القامة و هو الذي كانت توشوش في أذنه عندما كان يرقبها أتى ليحمل أمتعتها و آلات التصوير .. فشعر بخيبة أمل .. عندها أتى ماريو و أخبره بأن يصعد إلى الطائرة لأنها ستقلع خلال دقائق ..
و في الطائرة كان مشغول البال لم يعرف هل يفكر بتلك الشقراء الهيفاء التي أسرت قلبه المحطم و هو الذي لم يلمحها إلا من بعيد !! .. حتى أنه لم يركز في ملامحها .. أم يفكر بوالدته التي خرجت عن العادات و التقاليد التي اشتهرت بها عائلتهم المحافظة و طعنت برأي ابنها الوحيد و تزوجت من رجل ليس من مستواها فيغادر و يتركها لمدة ست سنوات و لا يتحدث إليها لا في الأعياد و لا في المناسبات .. فهل الحزن هنا ينفع بعد فوات الأوان .. بعد أن غادرت دون أن يراها و تراه دون يسمع صوتها .. كان نادما لفقدها و محزونا أكثر لأنها لم تكن تبالي أو تكترث بالخصام الذي بينها و بينه بل فضلت الرجل الغريب عليه حتى بأنها لم تبادر بإرضائه أو التحدث إليه فلطالما عرف عن الكونتيسة مارسيلا بقسوتها و صلابتها ... و لكن مع هذا فقد أحبها بصدق فهي والدته .. و الأكثر من شعوره بالندم و الحقد عليها في نفس الوقت إلا أنه يشتاق لها الآن مثل كل طفل يرجو أن يغفو في حضن أمه..
- " دون باتريك لقد وصلنا .. هل نمت يا سيدي ؟! "
رفع رأسه عن النافذة و التفتت إلى ماريو
- " لا يا ماريو .. أنا مستيقظ "
- " جيد .. أرجو أن لا تكون متعبا يا سيدي فلدينا رحلة أخرى من مدريد إلى مطار ألبا و من ثم إلى القصر "
- " لا لست متعبا .. استطيع أن أتحمل خمس ساعات أخرى"
التفت إلى صديقه داني الذي كان نائما بطريقة مضحكة فشعره الأصفر قد تبعثر فوق جبهته و يده اليمنى أسفل خده الأيمن و فمه مفتوح و كان يشخر بصوت مرتفع .. فأخذ باتريك هاتفه و قام بالتقاط صورة له .. انفجر الجميع ضاحكين موقظين بصوتهم داني المسكين الذي قفز مفزوعا
- " ها .. ما .. ماذا يجري ؟! "
لم يستطع احد الرد عليه فالكل كان يضحك .. و الذي أضحكهم أكثر بان ماريو سقط أرضا من كثرة الضحك .. ملامح داني الجدية بأنفه الدقيق و شعره الأشقر تجعل من الصعب أن يتخيل أحد نائما بطريقة مضحكة و غريبة .. فداني تغلب على ملامحه الجينات الأمريكية على جيناته الأسبانية .. فوالدة داني أمريكية انتقلت مع والدها السفير الأمريكي إلى ألبا و هناك وقع في غرامها والد داني الذين كان يعمل كمدير لمصانع ألفاريز دي تيلدو ..
وضع يده على شعره الأشقر
- " يا إلهي يا باتريك هل أنت بخير ؟! لم تضحك ؟! "
توقف باتريك عن الضحك ليسترد أنفاسه قائلا
- " آه يا داني .. و لم لا أضحك و أنت نائم تزأر كالأسد .. آه لم أضحك هكذا منذ يومان .."
-
استقام داني واقفا و كان منزعجا و في نفس الوقت كان سعيدا لأنه استطاع أن يدخل البهجة في نفس صديقه المقرب و كذلك العاملين عنده الذين اكتأبوا لحزنه و الآن ضحكوا معه عليه .. هذا جيد ..
توقفت الليموزين عند مدخل القصر الريفي في ألبا في الساعة الثانية عشر صباحا و كان الجميع منهمكين بسبب الرحلة الطويلة .. دخل باتريك المنزل الذي عاش فيه طفولته و مراهقته و غادره و هو في الرابعة و العشرين أي قبل ست سنوات .. و عاد إليه ليدفن والدته غدا صباحا و يكون المضيف في حدادها .. انه يشعر بالعار فوالدته لو كانت على قيد الحياة لأرسلته من حيث أتى ..لقالت له ( هل عدت فقط لدفني !! ) يا له من عار .. يعود إلى موطنه و أصله و نسبه فقط من أجل أن يقف على رجليه و يصافح الناس المقربين و الأصدقاء المعزين بوفاة والدته التي لم يعرف عنها شيئا منذ سنوات طويلة ..
تمشى في القصر القديم و أخذ يتلفت يمينا و شمالا لعله يجد والدته جالسة على أحد المقاعد إما تقرأ كتابا أو تكتب رسالة لأبيه أو تفتح ذراعيها حتى تحضنه و تمسح دموعه عندما يبكي .. أو تقف في إحدى زواياه تغني مع الأصدقاء في كل عيد و يقوم هو بالعزف على البيانو الذي كانت تعلمه كيفية العزف عليه ... إنه يكره هذا البيانو الآن .. فأين والدته لتعزف عليه ؟!!
أو أين هي لتلم العائلة على المائدة الكبيرة في غرفة الطعام .. أم تسقي الزهور في مشتلها الصغير .. أم تقف أمام التل لتنظر إلى الكروم الكبير و تخبره بأنه سيغدو مثل والده يوما ما فارسا شهما نبيلا .. و أنه سيهتم بالمصانع و بصنع أفضل أنواع النبيذ الذي اشتهرت فيه عائلة ( آلفاريز دي تيلدو ) لقرون ...
و في آخر المطاف و هو يأخذ جولة في المكان الذي ولد فيه و عاش فيه نصف عمره ليقف أمام حجرتها و تردد في فتح بابها .. لأنه يعلم بأنه سيتألم عندما لا يجدها ..و أخيرا مد يده و فتح الباب تخيلها جالسة على تسريحتها تسرح شعرها و تلقي نظرة أخيرة على ثيابها و تأنقها و تأخذ برأيه
- " باتريشو .. ما رأيك بأمك ؟! "
فأجابها بكل فخر ..
- " أنت أجمل النساء يا أمي و أنقهن "
اقترب منه و تخيلها تحضنه بقوة مبتسمة ..
- " لو سمعت زوجتك هذا الكلام .. ستغار مني حتما "
- " دعيها تفعل ما تشاء .. أنا صادق .. أنت أجمل أمرأة في أسبانيا كلها "
طبعة قبلة على رأسه مازال يشعر برطوبتها و حرارتها ..
سار حتى توقف عند النافذة التي كانت تقف عندها والدته .. تطل على الكروم و الإسطبل الكبير حتى تتأكد من سلامة ابنها كل يوم عندما يذهب لركوب الخيل حتى عندما غدا شابا و اشتد ساعده.. كانت تصيح على سائس الخيل أن يشد من الرباط و يتأكد من تثبيته على ظهر الخيل ...
سالت دمعته و هو يتذكر المواقف السعيدة مع والدته تلك المواقف التي تمحي الضغينة من قلبه و تجعله اليوم نادما اشد الندم لهجره إياها كل تلك السنوات .. لكن هل ينفع الندم الآن ؟؟
- " دون باتريشو هل هذا أنت يا عزيزي ؟! "
استدار ناحية الصوت الموسيقي الحنون الذي اعتاد النوم عليه و قال بصوت مخنوق
- " نانيرا إيزابيلا "
حضنها بقوة و استطاع أن يحكم على ضلوعها بساعديه .. آه لقد غدت تلك المرأة القوية عجوز ضعيفة و نحيلة ..
- " لقد أصبحت رجلا ضخما يا بني .. اشتقت لك "
- " و أنا كذلك يا نانيرا .."
اشتاق لان ينطق باسمها .. نانيرا .. أي (مربيتي).. أضاف و هو ينظر إليها بشوق
- " لم أنت مستيقظة حتى الآن ؟ "
- " لقد علمت بقدومك و سمعت أصواتكم .. و كنت متأكدة بأنك ستكون هنا يا حبيبي "
أمسكت بوجهه بين يديها و مررت أصابعها الضعيفة تتحسس ملامحه الحادة ..
- " يا إلهي كم أنت تشبه الدون آليخاندرو في شبابه "
ابتسم و استطاع ان يصطاد يدها و يقبلها بسرعة ثم قال
- " كيف حالك ؟ "
- " كما تراني يا حبيبي .. مازلت على قيد الحياة .."
- " هذا أفضل .. فلن أستطيع تحمل أن افقد والدتي الأخرى .. "
قبل رأسها ثم وضع رأسه على صدرها فأخذت تمسح على شعره الأسود الكثيف ..
- " غني لي يا نانيرا .. كما كنت تفعلين عندما كنت صغيرا "
قهقهت و قالت
- " لم يعد صوتي مثل ما كان يا حبيبي "
- " لا بأس .. أنا متأكد بأنك مازلت تملكين أجمل صوتا في أسبانيا .. غني لي "
بدأت تغني له أغنية المباركة بصوت شجي فبدأت تبكي لذلك الطفل الذي غدا رجلا بسرعة ..و سالت دمعته هو بسبب الذكريات التي أثارتها تلك الأغنية و صوت نانيرا إيزابيلا .. ضمته بقوة إلى صدرها و همست في أذنه ..
- " أنت متعب يا حبيبي .. هيا اذهب إلى غرفتك يا باتريشو لقد جهزتها لك "
قبل يديها فرفعتها لتمسح دموعه المتلألئة على وجنتيه فقال ضاحكا
- " أتعرفين يا نانيرا لم يعد أحدا يناديني بباتريشو .. فاسمي الجديد في الانجليزية هو باتريك "
- " لكنك أسباني يا بني .. و سأظل أناديك بباتريشو أو باتي "
- " نعم أفضل ذلك منك .. شكرا لك نانيرا "
- " يا بني الصغير .. عمت مساءا "
قبل رأسها الأبيض و دخل حجرته القديمة التي لم تتغير فهذا الفراش الأبيض الكبير و تلك الألعاب الخشبية على الأرفف البيضاء و قصصه و كتبه القديمة التي يصفها على المنضدة بالقرب من فراشه و يقرأها كلما شعر بالأرق ..
خلع سترته و حذائه و ألقى بنفسه على الفراش و ما أن وضع رأسه على الوسادة الوثيرة حتى غط بسبات عميق ...
و لم يستفيق في الصباح إلا على صوت صهيل الخيول .. فتح عينيه يصارع أشعة الشمس التي تخللت من الستائر الخفيفة .. وقف و كان جسده متكسرا بسبب رحلة أمس و اختلاف الوقت عليه اغتسل و ارتدى ( التكسيدو ) الأسود و صفف شعره للخلف ثم نظر إلى شكله للمرة الأخير قبل أن يخرج من حجرته ..
وجد نانيرا إيزابيلا تتناول الإفطار على المائدة الكبيرة فجلس بالقرب منها و صب لنفسه قهوة و تناول قطعة خبز محمص
- " كيف كانت ليلتك يا بني ؟ "
- " لقد نمت بملابسي من التعب .. و استيقظت للتو .. "
حدقت في ملامحه و فجأة وضعت يدها على يده قبل أن يقطع لنفسه قطعة من الجبن
- " هل أنت مستعد لليوم ؟ "
ترك الذي بيده و ضغط على يدها
- " نعم .. لقد ذكرت نفسي أكثر من مرة بأنني أعيش في الواقع و أن هذه الحياة .. و اعترفت لنفسي بخطأي و لا نفع للندم الآن "
- " أرى النبالة تسرى في عروقك يا بني فهذه هي المروءة .. أحب فيك الصبر و الهدوء الذي عرفت بهما "
- " شكرا لك نانيرا .. و أنا كذلك أحبك كثيرا كما أحببت أمي أو أكثر فأنت من رباني و اعتنى بي و أنت من إليها ألجأ عندما تغضب والدتي .. احبك "
ضمته إلى صدره و ربتت على ظهره .. عندما دخل ماريو
- -" دون باتريك .. الحمد لله لقد استيقظت .. هل أنت جاهز للذهاب ؟ "
نظر إلى نانيرا إيزابيلا و ابتسم
- " نانيرا .. هل أنت مستعدة لتوديع والدتي ؟ "
ارتجف حنكها و سقطت دمعتين من عينها ثم أومأت
- " نعم .. أعتقد بأني مستعدة .. "
أمسك يدها و ساعدها على نزول الدرجات ثم ساعدها لركوب الليموزين التي أخذتهم إلى الكنيسة الكبيرة التي تقام فيها مراسيم الجنازة .. رأى نصف سكان ألبا و بعض من نبلاء المدن المجاورة و كذلك أنسباه و أقربائه الذين أتوا لتوديع الكونتيسة مارسيلا .. اقترب بهدوء ناحية التابوت و كان يمسك بيد نانيرا و يشد عليها لاشعوريا فتلتفت عليه في كل لحظة .. رفع غطاء التابوت لينظر إلى وجه امرأة عجوز قد ازرق لونها و رفع شعرها الأبيض بنفس الطريقة التي تصفف بها إياه في كل مناسبة و قد ارتدت فستانها الأزرق الذي تحبه و وضع على صدرها وشاح ابيض من الحرير .. تراقصت الدموع في عينيه و لم يستطع كبحها فترك إحداها تسقط على جبين والدته فنزل ليقبل جبينها و قال هامسا
- " سامحيني يا أماه فلقد أخطأت بحقك .. إني اشتاق لك في كل يوم و كل وقت و كل حين .. احبك"
لم تستطع نانيرا أن تمنع نفسها من البكاء و هي تسمع الحزن في صوت باتريشو.. فتركت المنصة و جلست بالقرب من داني و انهارت باكية..
همس ماريو بشيء في أذن باتريك الذي وقف لفترة يستوعب بأن الموجود في هذا التابوت هي والدته التي كانت مفعمة بالحياة .. ما بها الآن ؟؟ لا تتحرك ؟؟
حبس الحزن في قلبه و اعتلى المنصة ليلقي كلمته
- " مرحبا.. أنا الدوق باتريشو أليخاندرو آلفاريز دي تيلدو و أنا هنا لأودع والدتي الكونتيسة مارسيلا غارسيا آلفاريز دي تيلدو لحياة أفضل من هذه التي نعيشها .. لحياة الخلود .. و لأعاهدها و أعاهدكم بأني سأسعى لتحقيق أمانيها و أحلامها و أكون مكملا لمسيرتها و مسيرة والدي و أجدادي لعلي أعوض عنها و عن نفسي سنين الغياب .. فأرجوا منها أن تقبل عذري .. و اخبرها بأنها ستكون هنا في ألبا بين أهلها و أصدقائها و بالأخص في قصرها و قلب ابنها ... احبك يا أمي .. و سأظل أحبك أبدا"
صفق له المعزون و وقفوا له احتراما و تقديرا .. و ما أن توقف التصفيق حتى صعد ماريو المنصة و همس بأذن الدوق .. ظل باتريك صامتا فأثار الحاضرين الذي أخذوا يتساءلون عن ما همسه ماريو في إذنه .. فهدأو عندما فغفر فاه و أضاف قائلا
- " و أنا آسف لأن أعلن لكم بان زوجها كارلوس دي بابلو قد فارق الحياة قبل ساعة و سنقوم بدفنه بطريقة تليق به كزوج كونتيسة بعد أن ندفن والدتي .. و شكرا لكم و لحضوركم إنني اقدر لكم تعازيكم "
نظر إلى وجه والدته للمرة الأخيرة قبل أن يقوم الكاهن بإغلاقه ثم وضع التابوت في الليموزين و حمل حتى المقبرة حيث دفنت الكونتيسة و بعدها أحضرت جثمان زوجها و وقف المعزون و قاموا بدفنه ليكون مع زوجته رفيقا تحت الثرى ...
عدل سابقا من قبل HAMS في الأربعاء فبراير 10, 2010 11:24 am عدل 1 مرات
sarrah- صديق درجة اولى
- زقم العضويه : 33
عدد المساهمات : 297
نقاظ : 5779
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
- مساهمة رقم 3
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
يا خرااااااااااااااااااااشى ع الجمال
ايه العسل ده
وانا من موقعى هذا
احب انبه على كل الناس اللى فى الشلة
ان الامورة اللى نقلة الموضوع ده
تبقى اختى الصغير سلوى
بس هى عاملة نفسها همس
عايزين تشجيييييييييييييييييييع
لحسن البنت تحبط ولا حاجة
هحملكم المسئولية كااااااااااااااااااااااملة
ايه العسل ده
وانا من موقعى هذا
احب انبه على كل الناس اللى فى الشلة
ان الامورة اللى نقلة الموضوع ده
تبقى اختى الصغير سلوى
بس هى عاملة نفسها همس
عايزين تشجيييييييييييييييييييع
لحسن البنت تحبط ولا حاجة
هحملكم المسئولية كااااااااااااااااااااااملة
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 4
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
-3-
استيقظ في صباح اليوم التالي و هو يشعر بالإرهاق بسبب اختلاف الوقت و بسبب الأحلام و الكوابيس المزعجة و الأفكار التي تداعت إلى رأسه فحرمته لذة النوم .. رأى والدته تأتي لتمسح على رأسه ثم تتركه و تمسك بيد زوجها كارلوس و تغادر بعيدا .. فقرر أن يغادر هو بدوره و يغفر لنفسه و هذا سيتطلب مجهودا كبيرا .. ارتدى ثياب عملية و خرج من حجرته ليقابل داني في طريقة للنزول لتناول الإفطار
- " صباح الخير باتريك .. كيف كانت ليلتك ؟ "
- " لا بأس بها .. ماذا عنك هل نمت جيدا ؟! "
- " ما أن وضعت رأسي على الوسادة "
- " هنيئا لك "
- " ماذا تنوي أن تفعل اليوم ؟! "
- " سأذهب لألقي نظرة على الكروم و الإسطبل و أرى كيف تسير الأمور في المصنع .. هل تحب أن ترافقني ؟! "
- " نعم و لم لا "
- " إذا بعد الإفطار سنذهب على ظهر الخيل "
- " فكرة جيدة "
اقترب من وانيتا الخادمة و أخبرها بأنه يود تناول الإفطار في الحديقة .. فجلس هو و داني لتناول فشاركتهم نانيرا و بعدها انضم إليهم ماريو ..
- " فكرة رائعة يا دون باتريشوا لتناول الإفطار في الهواء الطلق .. أن الجو رائع و نحن نحتاج للتغير .. آه كم تذكرني بالدون آليخاندروا كان دائما يحب أن يغير بين حين و أخر "
ابتسم لها و أومأ برأسه موافقا على كلامها ..
- " دون باتريك .."
- " ماذا يا ماريو ؟! "
- " لقد اتصل محامي العائلة يريدك أن تحدد موعدا له لمناقشة الوصية .. فماذا أجيبه "
- " غدا ..هو الأنسب .. اليوم أريد أن أمر على المصنع و أرى سير العمل و ألقي نظرة على الكروم و الإسطبل و نحب أن نمارس أنا و داني ركوب الخيل إن أردت مرافقتنا "
- " نعم بالطبع يا سيدي .. "
بعد الإفطار كان الثلاثة على ظهر الخيل فوق التل ينظرون إلى الكروم الأخضر الممتد إلى الوادي .. أوقف باتريك جواده و ترجل عن ظهره و تمشى بين الكروم فتبعه ماريو و داني .. أخذ يتلمس الأوراق و يقطف العنب ليتذوقه .. ثم ابتسم
- " لا يزال لذيذا كما كانت أعهده سابقا .. كنت اهرب إلى هنا و أنا صغير و أقطف العنب ثم أنزل إلى الوادي لأغسله و أتناوله و أقوم بتوسيخ ثيابي فتنهرني والدتي "
مد حبات من العنب إلى داني و ماريو
- " تذوقوه .. "
دفع داني ثلاث حبات إلى فمه فتغيرت ملامحه لاستيطابه طعمه فقال مبتسما
- " إنه مليء بالعصارة و لذيذ جدا "
- " انتظر حتى تتذوق النبيذ .. ستعشقه "
ضحك داني و قال
- " إنني أتحرق شوقا لأن أرى الفتيات يتقافزون فوقه لعصره .... "
ابتسم باتريك و أضاف معلقا
- " أوافقك الرأي .. سيكون ألذ .. أليس كذلك يا ماريو؟؟ "
شعر ماريو بالإحراج .. فأومأ برأسه .. و ضحك الاثنان عليه لأن ماريو لا يحب أن يناقش أمور الجنس الآخر مع باتريك و داني ...
مر بالقرب من المزارعين فأشار لهم محيا و ربت على ظهر أحدهم
- " أحسنتم عملا .. "
- " شكرا لك دون باتريشيو "
صعد على ظهر الخيل ليذهب إلى المصنع حيث يؤخذ العنب اللذيذ و يعصر بآلات العصر العملاقة ثم تصب العصارة في أفخر أنواع الزجاج الذي تحول إلى قناني فاخرة التي تصنع هنا و من ثم تسد في سدادة من فلين و توضع في صناديق ليتم شحنها إلى باقي أرجاء البلاد .. و يعتبر نبيذ آلفاريز أشهر نبيذ في أسبانيا و أفخرها .. فهو معروف منذ قرون طويلة .. فعمر هذا المصنع يعود إلى القرن السادس عشر لكن قام أجداد باتريك بترميم المصنع و تطوير آلاته مع السنين ..
بعد أن تأكد من حسن سير العمل دخل إلى مكتب مدير المصنع و أخبره بأنه سيقوم بترميمه و تحديثه بالأجهزة المتطورة و كل ما يحتاجه من المدير هو إعطاءه قائمة بالمستلزمات و أحسن الأجهزة و المعدات حتى يباشر هو بعملية الشراء ...
بعد الجولة في الكروم و المصنع اتجه إلى الإسطبل و تفقد الخيول و أمر المسئول عنها أن يرسل له تقرير عن الإسطبل و صحة الخيول و ما يحتاجه كل منهم ..
قرر بعد هذه الرحلة و الجولة الصغيرة في الكروم و المصنع و الإسطبل أن يركب الخيل و يركض به و هو يضحك و يصيح بصوت عال على داني و ماريو خلفه
- " هيا .. من يستطيع أن يسبقني ؟! "
- " إنك غشاش .. "
- " أثبتي لي ذلك .. هيا "
تسابق مع داني و ماريو حتى مدخل القصر و لأنه ركض بالخيل قبلهم استطاع أن يسبقهم و هو ضاحكا .. كانت نانيرا واقفة تطل عليه من نافذتها و هي تبتسم فلوح لها بيده و دخل المنزل ...
سألته و هي تناوله المنشفة
- " ماذا فعلت يا بني ؟! كيف كانت جولتك ؟! "
- " كل شيء يسير على ما يرام لكني أريد أن أغير في الإستراتيجية و أقوم بتحديث كل شيء بما فيهم القصر .. "
- " ماذا ستفعل بالقصر ؟! "
جلس على كرسيه و قام بإشعال سيجارة .. و أجابها قائلا
- " يحتاج إلى بعض التغيرات و الترميمات و سأنتقل أنا إلى جناح والدي و ستقفل حجرة والدتي و نهدم حجرتي فندخلها بجناح والدي و بالتالي يكون أوسع و سنبني بالخارج منزلين صغيرين لماريو و داني و عائلتهما المستقبلية.. و أنت يا نانيرا .. أنت سيكون عليك التأثيث .. "
- " يسعدني ذلك يا بني "
- " لديك كل ما تحتاجينه و داني سيقوم بمساعدتك "
التفتت إلى داني فقال ضاحكا
- " سنشكل ثنائيا رائعا يا نانيرا .. و أكثر شيء سنهتم به هو منزلي الصغير الجديد .. "
ضحكوا جميعا .. فأطرقت عليهم بسؤالها ..
- " و متى ستحضر عائلتيكما ؟! "
قال ماريو مبتسما
- " أنا عما قريب .. ما أن ينتهي المنزل الصغير سأقوم بعمل حفلة زفافي في القصر"
- " هذا رائع .. نحتاج إلى الاحتفالات هنا .. فمنذ زمن طويل و هذا القصر يعيش حالة من الحزن "
- ساد الصمت المكان .. حتى قال داني مغيرا الجو و مضيفا بعض المرح
- " أما أنا فمازلت عازبا .. و بينما نقوم أنا و أنت يا نانيرا بالاهتمام بتأثيث منزلي سنضيف إلى ذلك مهمة أخرى و هو البحث عن فتاة أسبانية أصيلة تليق بي "
ضحكت نانيرا و ربتت على كتفه
- " سيسعدني ذلك يا بني .."
ثم التفتت إلى باتريك و مسحت على رأسه
- " و ماذا عنك يا بني ؟ متى سأفرح بك ؟ "
- " عندما يحين الوقت "
- " و هل هو قريب ؟! "
سرح قليلا ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة و قال
- " ليس لدي أدنى فكرة .. كل ما أعرفه باني مثل داني .. عازب .. و أنا الآن لا أفكر إلا بتلك الشقراء الهيفاء التي تجمهر حولها المعجبين في المطار .. أتذكرها يا داني ؟! "
- " نعم .. لكني لم استطع أن أرى ملامحها.. لعلها ممثلة مشهورة "
رفع كتفيه و قال
- " ربما .. "
أسند رأسه على ظهر الكرسي و أعاد في مخيلته صورة تلك المرأة و صورتها و هي تبتسم له .. و مرة أخرى و هي تجيب الرجل بصوتها الأنثوي الضاحك
- " سألف أوروبا "
يا ربي من عساها تكون تلك التي شغلتني عن النوم و منعتني عن التفكير بوالدتي و الذنب الذي يحكم علي أنفاسي .. فهل سأقابلها يوما ما ؟!!
- " أمي هل أنت هنا ؟! "
دخلت المنزل و هي تنادي على أمها التي خرجت مسرعة ما أن سمعت صوتا يناديها .. حضنتها بقوة إلى صدرها
- " آه يا لورا .. لقد اشتقت لك يا ابنتي .. كيف كانت رحلتك ؟! "
- " لا بأس بها .. لم نلف أوربا كما كان مخطط لنا أن نفعل "
أمسكت بشعرها و قد لاحظت بانه قص قليلا و صبغ بدرج أغمق مما كان عليه ..
- " أرى بأنك قصصت شعرك و قمت بصبغه .. هذا رائع .. "
- " نعم لقد أصر علي سام .. و ها أنا كعادتي أنصاع له .."
ألقت بنفسها على الكنبة و تمددت عليها ..
- " أين والدي ؟ "
حاولت أن تغير والدتها الموضوع فقالت معلقة
- " لقد اعتقدت بأنك ستغيبين لأكثر من أسبوع .. و ها أنت تعودين في اليوم الثاني.. ما الذي حدث ؟! "
- " لا أعرف حقا الأمر بالتفصيل لكن سام يقول بأنهم ألقوا العروض جميعها لأسباب ما .. إلا عرض باريس الذي أقيم بالأمس .. سأريك الصور إن أردت "
- " نعم لا أمانع .."
- " لكن أخبريني .. أين والدي فأنا مشتاقة له .. "
توترت والدتها و حاولت أن تغير دفة الحديث لكن لورا أحست بتوترها فقالت
- " أمي .. أين والدي؟ "
- " لا تقلقي بيتر على ما يرام.. !!"
ساورها القلق اثر تغير نبرة صوت والدتها
- " ماذا تعنين بيتر على ما يرام .. هل كل شيء بخير ؟! أين هو ؟ "
- " يحتسن أن أخبرك و نحن نحتسي القهوة ما رأيك ؟"
- " أمي .. "
جذبتها من يدها إلى المطبخ و قامت بإعداد القهوة لهما ثم ناولتها الكوب فرشفت منه و أسرعت لتعيد السؤال
- " أمي .. لم تجيبيني هل كل شيء على ما يرام ؟ هل الأمر يتعلق بوالدي ؟! "
- " نعم .. تقريبا ..آه لا أعلم "
ترددت قبل أن تضيف
- " اسمعي يا لورا .. بيتر .. آه كيف أقول لك هذا "
- " أمي أرجوك اخبريني فلقد جفت عروقي "
نفذ صبر لورا ووالدتها تردد أكثر من مرة قبل أن تضيف أي شيء .. هل الأمر بتلك الخطورة ؟؟...
- " حسنا ..اسمعي يا حلوتي .. قبل كل شي أريدك أن تهدئي أعصابك و لا تنفعلي "
- " سأبذل قصارى جهدي .. اخبريني من فضلك"
- " حسنا .. بيتر.. إنه .. بيتر .. ليس والدك الحقيقي "
فتحت عيناها باتساعهما و كأنها تلقت لطمه على وجهها ..
- " ماذا ؟! "
- " أنا آسفة يا ابنتي أعرف بأن الأمر مزعجا و محزنا لكن يجب أن تعرفي الآن .. لم أشأ أن أخبرك فلقد كنتما خير مثال لأب و ابنته المدللة .. لقد اعتبرك ابنته حتى أنه تبناك و أنت الآن تحملين اسمه .."
ما الذي تقوله والدتها ؟!! بيتر .. تبناها ؟!!
- " و .. والدي الحقيقي هل يعرف عني شيئا ؟! و أين هو ؟! و ما اسمه ؟!!!! "
- " اسمه كارلوس دي بابلو و هو أسباني تعرفت عليه عندما ذهبت في رحلة بحرية و بعد ذلك بشهر عقدنا قرانا لكن و للأسف لم يدوم هذا الزواج طويلا فتطلقنا و لم استطع العيش بعيدا عن موطني و كذلك هو رفض أن يغادر أسرته و بلاده .. و بعد عودتي إلى لوس أنجلوس علمت بأني حبلى فأخبرته بأمري و كان سخيا معي يرسل لي مصروفا شهريا و كنت أرسل له صورك .. "
- " أذن كان يعرف بأمري .. "
- " نعم .. هذا صحيح "
شعرت بالغضب فقالت بعصبية
- " ما دام يعرف بوجودي .. لم جعلني بعيدة عنه و ترك بيتر يتبناني ؟! أي أب هذا ؟! "
- " انتظري و دعيني أكمل .. و أرجوك اهدئي "
تنفست بعمق و نظرت إلى والدتها التي أردفت
- " بعد أن أصبح عمرك سنة تعرفت على بيتر و كنت مازلت شابة صغيرة و كنت في ذاك الوقت تحملين اسم عائلة والدك دي بابلو .. عندما رآك بيتر وقع في غرامك فلقد كنت فتاة لطيفة جدا و مطيعة له .عرض علي فكرة تبنيك بعد أن تزوجنا و لم نستطع الإنجاب .. بالطبع طلبت الإذن من والدك كارلوس الذي كان على اتصال معي و يسأل عنك و كانت فكرته أن تتربي في حضن والدين يحبان بعضهما و يلتزمان لتقديم حياة أسرية صالحة لك و أن يخفى عليك أمر والدك الحقيقي حتى لا تحقدي على بيتر كونه زوج والدتك .. و مع ذلك تغير اسمك من لورا دي بابلو إلى لورا آغنر "
تأثرت لورا بتلك القصة و خف غضبها قليلا .. لعل والديها أخطئا بزواجهما المبكر و بإخفاء أمر والدها الحقيقي عنها .. و لكن خلف ذلك هناك مغزى إيجابي و هو أنها عاشت في كنف والدين يحبانها كثيرا و لم تشعر يوما ما أن بيتر هو زوج أمها بل كان صديقها و والدها الذي اعتنى بها و حملت اسمه ..
فكرت قليلا بالسبب الذي يدعو والدتها لسرد هذه القصة الآن و بعد مرور أربع و عشرين سنة ..
- " و لم تخبريني بتلك القصة الآن يا أمي ؟! "
أنزلت ساندرا رأسها حزنا و قد امتلأت الدموع في عينيها ..
- " لقد دفن كارلوس صباح أمس "
و هذه صفعة أخرى تلقتها اليوم .. لا تعرف لورا لم شعرت بالحزن مع إنها لم تعرف ذلك الرجل لكنها أحست برباط داخلي غير طبيعي ..
- " لقد أحبك كارلوس رغم أنه لم يرك إلا في الصور و كان فخورا جدا بك و عندما أخبرته بأنك غدوت عارضة أزياء مشهورة حرص على أن يشترك بمجلة اكسبلوجر لتصله إلى أسبانيا من أجل أن يرى صورك على الغلاف في كل شهر .. و اليوم اتصل علي المحامي الخاص به و أخبرني بأنه يريد التحدث معك .. و هذا هو رقم هاتفه "
أخذت الرقم من والدتها و لم تعرف ماذا تفعل به
- " ألم يخبرك ماذا أراد ؟!"
- " لا .. لكني أعرف "
- " ماذا تعرفين ؟! "
- " أعتقد بأنك من الأفضل أن تقومي بالاتصال به "
أخذت الهاتف و ترددت قبل أن تضغط الأرقام .. فعدلت عن ذلك لأنها ليست مستعدة لان أن تسمع خبرا آخر قد يصدمها ..
- " لا أعتقد بأني أستطيع .. سأتصل به عندما أكون مستعدة لذلك "
- " لك ما شئت يا عزيزتي .. "
خرجت من المطبخ و المنزل بأكمله و عندما صعدت سيارتها رأت بيتر يركن سيارته في الكاراج و يترجل متجها إلى لورا التي كانت تنظر إليه بحزن .. هذا الرجل الذي شعرت نحوه بحنان الأبوة ليس بوالدها البيولوجي .. لكنه سيبقى والدها و صديقها و لن يغير ذلك شيئا .. فعلاقة الأبوة التي بينهما بنيت على أساس الحب و التقدير و الاحترام و لم تر فيه إلا الأب المثالي ..
حوطت خصره و وضعت رأسها على صدره كما تفعل دائما فلف ذراعيها ليحتويها بحنان الأب و يقبل رأسها
- " أميرتي الصغيرة .. لقد عدت باكرا "
- " نعم لقد ألغيت كل العروض ما عدا عرض باريس .. "
- " و لم ؟! "
- " لا أعرف الأسباب .. لا علينا .. كيف حالك ؟! "
- " على أحسن حال كما ترين .. مشتاق لك .. "
كانت لا تزال متعلقة به كطفلة صغيرة يحاول أحدا أن يجرها بعيدا عن والديها عن الأمان الذي تعيش فيه .. مسح على رأسها و هو ينتظر أن تتركه في أية لحظة و عندما لم تفعل سألها بارتياب
- " لورا ..هل تشكين من شيء يا ابنتي ؟"
- " أبدا .. لكني اشتقت إليك كثيرا .. و أريدك أن تعرف بأنك أفضل أب و صديق "
- " حقا ؟! و ما مناسبة هذا الكلام ؟! "
- " لا شيء .. مجرد تذكير لك بأني أحبك "
- " و أنا كذلك يا صغيرتي "
- " سأبلغ الخامسة و العشرين قريبا و أنت لا تزل تناديني بصغيرتي "
- " هل حقا تسأليني هذا السؤال ؟ أعتقد بأنك تعرفين الاجابة .."
- " آه نعم لقد حفظتها .. ستفضلين صغيرة حتى عندما أبلغ السبعين و عندما أصبح جدة.. هذا صحيح .. "
ضحك لتقليدها نبرة صوته فحضنها بقوة مرة أخرى
- " إلى أين أنت ذاهبة ؟! لم لا تتناولين العشاء هنا ؟"
- " آسفة لقد حجزتني جاكلين قبلكما .. لكني سأقبل دعوتكما غدا .."
- " بكل تأكيد .. اعتني بنفسك "
- " و أنت كذلك "
ثم انطلقت بسيارتها و هي تفكر بقصة والدها البيولوجي و بالرقم الذي أعطتها إياه والدتها ..
على العشاء مع جاكلين أخبرتها بكل الحكاية من البداية إلى النهاية ..
- " و الآن بعد أن عرفت كل شي يا جاكي ماذا أفعل ؟"
- " اتصلي به يا لورا "
- " لست مستعدة لان اسمع خبرا آخر صادما "
- " متى ستفعلين إذن ؟ "
- " لا أعرف .. إن ما يحزنني هو أبي.. بيتر .. لا أريده أن يحس بشيء قد تغير عليه لا أريده أن يعلم بأني أعرف حقيقة والدي.. يجب أن أخبر أمي بذلك "
- " إنه رجل متفهم يا لورا لا تقلقي "
وضعت يدها على رأسها و هي تقول بيأس
- " آه .. إنه شيء فظيع .."
- " أبدا .. لورا سهلي الأمور .. لن يغير معرفتك بحقيقة والدك البيولوجي شيئا .. فبيتر سيظل كما هو .. "
- " أتمنى ذلك من كل قلبي يا جاكي .."
بعد العشاء مع جاكلين عادت كل منهما إلى شقتها غيرت ثيابها و اندست في فراشها حيث تقلبت طول الليل و هي تشعر بالفضول و بنفس الوقت تشعر بالتردد و الخوف من فكرة الاتصال بذلك المحامي ..
و في الصباح ما أن استيقظت من نومها حتى قفزت من فراشها و كأنها لم تنم إلا لدقائق بحثت عن الرقم في معطفها و أخذت الهاتف و قامت بالاتصال .. أرادت أن تعدل عن ذلك و أن تغلقه لكن فات الأوان فلقد أجابها صوت رجلا بلكنة أسبانية ..
- " المحامي سانتياغو بانديروزا يتحدث "
- " مرحبا "
- " كيف أخدمك يا سيدتي ؟! "
قالت بصوت متردد و خائف بنفس الوقت ..
- " أنا لورا آغنر .."
- " آه آنسة آغنر .. و أخيرا اتصلت "
بدا و كأنها كان ينتظرها لفترة ليست بقصيرة ..
- " نعم لقد كنت مترددة "
- " أنا آسف لخسارتك فالسيد كارلوس كان رجلا محترما و .."
قاطعته .. شيء ما دفعها لتقاطعه .. لا تريد أن تسمع شيئا عنه ..
- " لا بأس .. لم أكن أعرفه لذا لا يحدث فرقا كبيرا معي "
- " هذا صحيح لكنه كان يعرفك جيدا مما جعله يورثك كل ما يملك "
- " ماذا ؟! "
صدمت من كلامه فقد كان واثقا و هو يقول لها ..
- " نعم يا آنستي .. إن الوصية التي كتبها عندي تنص بأن كل ما يملكه السيد كارلوس دي بابلو يورث لك .. آنسة لورا آغنر "
تجبست في مكانها و أعادت جملته الأخيرة أكثر من مرة .. فقالت بهلع
- " يا إلهي.. و ماذا عساي أن أفعل ؟! "
- " آنستي إن الأمر معقدا بعض الشيء و هو يتطلب سفرك إلى أسبانيا حتى تقومي باستلام ورثك و حقوقك "
السفر إلى أسبانيا ؟!! إذن الأمر كبير جدا و معقد مثل ما يقول ..
- " و .. و هل هو كثير ؟! "
قهقه بصوت خافت
- " لابد أنك لا تعرفين شيئا عن السيد دي بابلو"
- " نعم أصبت .. لقد عرفت بأنه والدي مساء أمس .."
- " السيد كارلوس كان متزوجا من الكونتيسة مارسيلا غارسيا آلفاريز دي تيلدو "
بدا أسمها مريبا للورا ..
- " و من عساها تكون ؟! "
- " إنها زوجة دوق ألبا السابق الدون آليخاندروا آلفاريز دي تيلدو الذي توفي منذ سنوات طويلة و ورثته منه الكونتيسة القصر الريفي "
لم تعرف مراد ذلك المحامي من تلك القصة الموجزة و إلى ماذا يريد أن يصل بها فسألته غير مكترثة بحديثه
- " حسنا .. و ماذا يعني ذلك ؟ "
- " آه آنسة آغنر إن الحديث طويلا جدا فسأقوله لك باختصار .."
- " نعم أتمنى ذلك "
- " حسنا .. لقد توفيت الكونتيسة قبل السيد كارلوس بيومين و طبيعي أن يرثها زوجها .. فلقد ورث جزء من نقودها و جزء من القصر الريفي و بما أن السيد كارلوس توفي و هو .. بالأمس .. فمن الطبيعي أنك يا آنسة سترثين كل ممتلكاته بما في ذلك القصر الريفي و .. و.. فهذا ما تنص عليه الوصية .. "
عقد لسانها فهذه بالفعل صدمة أخرى هي ترث قصر و يعود لدوق ألبا المدينة الاسبانية العريقة يا إلهي لا تعرف هل تفرح أو ترتعب .. لكنها ارتعبت بالفعل سألته متشككة و تحت تأثير الصدمة لكنها انتبهت ما قاله عندما عادت ذلك برأسها لأكثر من مرة ..
- " لقد قلت جزء من القصر ؟! "
- " نعم هذا صحيح جزء منه .. لأن الجزء الثاني ورثه الدوق "
يا إلهي عن الأمر معقدا بالفعل .. ماذا يقول ؟!! الدوق ؟!!
- " لم أفهمك يا سيد سانتياغو لقد قلت بان الدوق قد توفي قبل زوجته الكونتيسة "
- " نعم و لم اخطيء .. لكن هناك الدون باتريشو آلفاريز دي تيلدو .. ابن الكونتيسة و الدوق السابق و هو الدوق الحالي لألبا "
صدمة ثالثة أخرى تلقتها خلال يومين .. و مسلسل الصدمات في توالي .. شهقت و قالت برعب...
- " ماذا ؟؟!! هل أشارك دوق في ورثه "
- " للأسف نعم .. قلت لك بان الأمر معقد و يتطلب سفرك إلى أسبانيا .. لم يعرف الدوق بعد بأن هناك من يشاركه بالقصر لكنه سيعلم ظهر هذا اليوم "
- " حسنا .. شكرا لك سيد سانتياغو أرسل لي عنوان مكتبك من فضلك "
- " لك ما شئت آنسة آغنر و أرجوك أن تسرعي بالسفر .. حتى تأخذي كامل حقوقك و أكون أنا قد أوصلت الأمانة إلى أهلها "
- " نعم بكل تأكيد .. شكرا لك .. و إلى اللقاء "
سرحت في إحدى زوايا غرفتها و أعادت حوارها مع المحامي الذي أوقف قلبها بكلامه و كأنه كان يشرح لها درس في تاريخ أسبانيا .. هل كانت والدتها تعلم بكل هذا ؟!! لا .. مستحيل أن تعرف بأن ابنتها قد ورثت قصر تاريخيا يعود للدوق و أسلافه ... و كيف ستكون ردة فعل الدوق عندما يعرف بأن امرأة أمريكية لا يعرفها و لا تعرفه و تشاركه في ملكه و ميراثه ..
استقام واقفا و صرخ بعصبية
- " ماذا قلت ؟!! فتاة أمريكية تشاركني بهذا القصر !!! مستحيل .. لا يمكن "
بلل المحامي سانتياغو ريقه و قال و هو يشعر بالخوف من الدوق المتهيج
- " آسف يا سيدي .. أعرف بأن الخبر صادما لكني لم أقل لك إلا ما كتب على الأوراق و في مكتبي "
- " آه نعم هذا صحيح أنت لست مسئولا عن أي شيء يحدث هنا .. عن المصائب التي تحذف على من كل جانب .. "
لم يعلق المحامي بل ظل واقفا يحدق في الدوق الذي أصابته نوبة هلع و عصبية و أخذ يثور في المكان .. ثم نظر إليه بحقد .. و سأله بنفاذ صبر
- "و هل أخبرت تلك الأمريكية عن الأمر ؟! "
حرك كرسيه للخلف خطوتين حتى يتفادى غضب الدوق الذي قد يضربه في أية لحظة
- " نعم لقد اتصلت هي هذا الصباح و تكلمنا بالأمر "
زاد غضبه و احمر وجهه و بدأ بتصبب عرقا
- " اتصلت !! لقد تحدثت معها قبل أن تعلمني بالأمر .. ما بك يا سانتياغو هل جننت أين عقلك ؟! "
اقترب منه داني و حاول أن يهدئه
- " باتريك .. اهدأ .. اجلس .. أرجوك اجلس "
جلس على الكنبة و سكت قليلا حتى يهدأ .. لكن سرعان ما أضاف بعصبية
- " و ماذا كانت ردة فعلها عندما عرفت بأنها ورثت قصر تاريخي يعود لعائلة نبيلة ؟!! لا بد بأن توقف قلبها "
- " كانت مدهشة و غير مصدقة ما تسمعه .. "
- "بالطبع ... و هل ستأتي ؟!! يا لي من غبي لطرحي هذا السؤال ؟ و كيف لا تأتي و هي ورثت كنزا"
تحسس رأسه الذي بدأ ينبض ألما بسبب الغضب .. أغمض عيناه قليلا حتى يهدأ .. ثم قال بنبرة حادة و منخفضة
- " هل أخبرتك متى ستأتي ؟! "
- " لا .. لكني قلت لها بأن تستعجل القدوم "
- " و لم عساك تفعل ذلك ؟ "
أحس سانتياغو بأنه يريد أن يبكي .. ما هذه الورطة ..
- " آسف يا سيدي فلقد فعلت ذلك لأني .. لان لدي أمانة يا سيدي و هذا هو عملي "
- " نعم صحيح .. عملك .. لا تستطيع أن تنتظر حتى تخبرني أنا بالأول . ألا تعتقد بأنه سيكون من الصواب أن تبتدئ بصاحب الملك هنا ؟!! "
- " آسف يا سيدي "
- " و ماذا سينفع الأسف الآن .. أرجوك سانتياغو اغرب عن وجهي "
أراد أن يتكلم لكن ماريو جره خارج المكتب و أمره بالسكوت بينما ظل داني داخل المكتب يحاول أن يهدأ ذلك الرجل الثائر غضبا ..
كان المحامي يرتجف خوفا و سأل ماريو
- "هل تعتقد بأنه سيقوم بطردي ؟! "
- " لا اعتقد .. أهدأ .. لقد تصرفت بحمق و هذا جزاءك .. كان يجب أن تخبرني بالأول حتى افتح له الباب بنفسي لا أن تصدمه هكذا .. و كنت انتظرت أن يعرف الدوق و بعد ذلك أخبرت تلك الفتاة بالأمر .."
- " كل ما فعلته هو أن اتصلت بها لأخبرها بأن والدها توفي و أنه ترك لها ورثا .. اعتقد انه من حقها أن تعرف بأنه توفي "
- " لا علينا من ذلك الآن.. "
- " أرجوك لا تدعه يطردني .. لقد عملت عند والده منذ سنوات .. لقد خدمت هذه العائلة بإخلاص "
- " إنه يعرف ذلك جيدا .. و دون باتريك أفضل من والده فلا تخشى شيئا .. و بالمناسبة ما اسم الفتاة الأمريكية ؟! "
- " لورا آغنر "
- " حسنا .. هيا اذهب الآن و لا تنسى أن تتصل بي أنا أولا و تخبرني بالمستجدات "
- " سأفعل .. لن اكرر الخطأ "
- " جيد "
دخل ماريو مكتب باتريك حيث كان داني يهدأ صديقه و يخبره بأنه يستطيع أن يشتري حصتها و بذلك ينتهي من أمرها
- " و هل تعتقد بأنها إذا رأت هذا القصر الجميل و الإسطبل و الكروم و المصنع ..ستوافق "
- " سنرغمها "
لم يجبه بل كان يفكر بتلك المصيبة التي حلت عليه .. لم يعد يستحمل هذه الضغوطات فتركهم يتناقشون بأمر الميراث و خرج إلى الإسطبل ..
ركب حصانه ألفريدو و انطلق به يسابق الريح و يلقي بهمومه إلى الهواء فتطير كما تطير خصلات شعره السوداء ...
sarrah- صديق درجة اولى
- زقم العضويه : 33
عدد المساهمات : 297
نقاظ : 5779
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
- مساهمة رقم 5
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
اختى يا ناااااااااااااااااااااااااااس
اختى حبيبتى والله
اختى حبيبتى والله
الجزائرية- مشرف القسم الرياضى
- زقم العضويه : 13
عدد المساهمات : 1016
نقاظ : 6750
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
العمر : 39
الموقع : الجزائر
- مساهمة رقم 6
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
يارب يخليكم لبعض
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 7
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
ربنا يخليكى انتى يا منى
شوفتى مخليا اختى تفتخر بيا ازاى
شوفتى مخليا اختى تفتخر بيا ازاى
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 8
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
4-
حطت الطائرة في مطار مدريد فنزلت لورا و اتجهت إلى القاعة الكبيرة حيث يقف المستقبلين .. تلفتت في عينيها تبحث عن أحد أتى ليأخذها .. وقفت لخمس دقائق تبحث و من ثم لمحت رجلا في الأربعين من عمره يرتدي بذلة رسمية طويل جدا و عريض يقترب منها
- " آنسة آغنر ؟؟"
أومأت برأسها مبتسمة .. فمد يده يصافحها
- " مرحبا بك آنستي .. أنا المحامي سانتياغو بانديروزا "
- " أهلا وسهلا "
أخبر السائق أن يحمل حقائبها و يضعها في دولاب الليموزين و فتح لها الباب لتدخل .. و بينما هما بالطريق سألها
- " كيف كانت رحلتك يا آنسة ؟!"
ابتسمت مجيبة
- " لا بأس بها .."
- " جيد .. أرجو أن لا تكوني متعبة لان هذه الرحلة ستكون طويلة أيضا .. سنركب طائرة خاصة إلى مطار ألبا و من ثم ساعتين أخرى من المطار و حتى القصر الريفي "
أومأت برأسها موافقة ثم أشاحت عنه لتنظر إلى الخارج .. إلى شوارع أسبانيا .. إن مدريد جميلة جدا في مبانيها و البيوت و العمارات ذات الطراز القديم .. مدينة تجمع الماضي و الحاضر..
حاول سانتياغو قدر الإمكان أن يبعد نظره عنها لكن دون جدوى فلها من الجمال الذي يجذب الشخص إليه و تجعل عيناه تلتصق بها .. ماذا سيفعل الدوق عندما يعرف بان التي تشاركه ورثه ما هي إلا شابة لها جاذبية و من الجمال الذي يخطف الألباب ..
بعد ثلاث ساعات حطت الطائرة الخاصة الفاخرة في مطار صغير أيضا و هناك استقبلها شابا هزيلا و طويلا جدا و له عينان صغيرتان و ابتسامة جميلة مد يده يصافحها فابتسمت له و تناولت يده مصافحة ..
- " مرحبا بك آنسة آغنر .. أنا ماريو "
أردف المحامي سانتياغو مشيرا إلى ماريو
- " إنه ذراع الدوق الأيمن و لا يمكن أن نفعل شيئا من دون أن نستشيره بالأول .. "
ثم غمز بعينه إلى ماريو مشيرا بتلك الحادثة التي جرت قبل ثلاثة أيام في مكتب الدوق ..
- " مرحبا ماريو تشرفت بمعرفتك "
- " و أنا كذلك .. لقد طلب منا الدوق بان نصحبك إلى القصر .. "
- " شكرا .."
فتح لها باب الليموزين السوداء و جلس في المقعد أمامها .. كان يتحدث بالهاتف بالاسبانية و قد بدا خائفا و متوترا .. فأيقنت بأنه ربما يتحدث مع الدوق ... يا إلهي هل يكون هذا الدوق رجلا مهيبا و عجوزا لا يرضى بسهالة و لا يعجبه شيء .. هل سيزعجها و يضيق عليها حياتها حتى ينال ما يريده ..
لم يتحدث إليها ماريو و لا سنتياغو طوال الطريق الممل لساعتين .. بل كانا الاثنان يتحدثان فيما بينهما بصوت خافت و بلغة إسبانية .. و أحست بان الحديث كان يدور عنها ..
توقفت السيارة أمام بوابة عملاقة و من ثم أكملت السيارة طريقها حتى توقفت عند مدخل القصر العملاق المنعزل عن الحياة .. فهو كالقصور المسورة المعزولة عن العالم و الذي يطغى عليها الظلام كالذين نراهم في السينما و أفلام الرعب ..
فتح لها السائق الباب و ساعدها على النزول .. وقفت تتأمل ضخامة هذا القصر .. إنه كبير جدا و يسع لأهالي المدينة كلهم .. قادها ماريو إلى داخل القصر .. ما إن دخلت حتى انبهرت و توقفت عند المدخل الواسع تنظر إلى جمال الثريات العملاقة و تلتفت لتجد اللوحات الزيتية المعلقة لكل العائلة النبيلة.. كلها تقريبا .. رأت رسومات النساء بثيابهن الفارهه و مجوهراتهم الثمينة التي تليق بمستواهم العالي و من ثم نظرت إلى رسومات الدوقات بهيبتهم و وقارهم البادي على وجوههم و وقفتهم العسكرية .. و خشيت أن يكون هذا الدوق الذي تشاركه في هذا القصر المرعب أن يكون مهيبا كتلك الرسومات .. ثم استدارت لتنظر إلى الدرج العملاق و قد صنعت الدرابزين من الذهب الخالص و الكريستال .. و امتدت الرسومات إلى أعلاه .. و من بعيد رأت فتاة صغيرة بالعشرين من عمرها تقترب منها و تنحي لها و تقول لها بالاسبانية
- " مرحبا بك . أنا وانيتا .. "
ابتسمت لها و صافحتها .. رأت ماريو يتحدث لتلك الفتاة بالاسبانية و لم تفهم منه شيئا لكن التفت إلى لورا و قال مبتسما
- " ستأخذك وانيتا إلى جناح الضيوف "
- " ألن أقابل الدوق ؟! "
- " للأسف لا يا آنسة .. لقد تأخر الوقت .. ستقابلينه في الصباح .. الآن ستأخذك وانيتا إلى جناح الضيوف لترتاحي خاصة بعد رحلتك الطويلة هذه "
شعرت بخيبة أمل فقد أملت أن تقابله اليوم و اعتقدت بأنه سيكون بانتظارها .. إذا حتما هو رجلا عجوزا ينام باكرا و له عاداته خاصة ...
أخذتها وانيتا إلى جناحها و عندما دخلت أحست بأنها في جناح فندق فخم .. و كان الجناح كبيرا جدا بحيث يسع شقتها في لوس أنجلوس و هي عبارة عن غرفة نوم ضخمة مع صالة صغيرة عبارة عن كنبتين ذو ثلاثة أنفار و منضدتين على الأجناب و أخرى مستديرة في الوسط و تلفاز كبير و مطبخ تحضيري صغير أشبه بالبار و في آخر الغرفة وضع سرير من خشب المهوجني الغامق له تاج خشبي مرتفع جدا يزينه لحاف من الحرير ذو لون كريمي و طرز عليه طاووس بألوان ريشه الرائعة و طرزت أطراف الوسادتان بنفس الألوان الأزرق و الذهبي و البنفسجي ...
- " سأحضر لك عشاءك يا آنسة ريثما تنزعي ثيابك بأخرى مريحة "
التفتت على وانيتا المرأة اللطيفة المبتسمة التي تحاول جاهدة أن تتحدث الانجليزية.. فبادلتها الابتسامة قائلة
- " شكرا لك .."
خرجت وانيتا فقامت لورا بنزع ثيابها و همت بدخول الحمام الكبير الذي يسبقه غرفة تبديل واسعة جدا و ما أن فتحته حتى صعقت فكان الحمام عبارة عن حجرة واسعة أخرى أكبر من حجم غرفة نومها في لوس انجلوس .. في وسطه (الجاكوزي ) الحوض الذي يسع خمسة أشخاص .. و دش في احد الزوايا و المغسلة العملاقة في الجانب المقابل للحوض و بالقرب من الباب وضع كرسيين و طاولة صغيرة .. و كأنها في حجرة منتجع (سبا) ذو سبعة نجوم يحمل طابعا تاريخيا لأوروبا القديمة ..
أخذت دشا دافئا و سريعا و بعدها ارتدت قميص النوم و فوقه ارتدت الروب ثم اتجهت إلى الصالة الصغيرة و فتحت التلفاز عندها دخلت وانيتا بعربة بيضاء تتحول إلى طاولة وضعتها أمام لورا .. بالضبط مثل الفنادق خاصة مع الأطباق البيضاء من الخزف الصيني المزينة أطرافة بالذهب .. و عندما رفعت وانيتا الغطاء الفضي عن الطبق وجدت تحته قطعة دجاج و خضراوات و في الطبق الثاني حساء الجزر .. ثم سكبت لها نبيذ العنب ..
- " هل تريدين شيئا آخر ..يا آنسة ؟! "
هزت رأسها نفيا لأنها لم تستطع التكلم و هي تتذوق الحساء .. و استطعمته فابتسمت
- " إنه لذيذ .. شكرا لك وانيتا "
- " على الرحب و السعة .. سأنصرف الآن "
- " انتظري .. "
توقفت عن فتح الباب لتخرج عندما سمعت صوت لورا عادت لتقف بالقرب منها مرة أخرى
- " هل ينام الدوق باكرا ؟! "
- " لا .. ليس له موعد محدد "
- " و هل هو الآن نائما ؟! "
- " لا أعرف ذلك يا آنسة .. إن أردت أستطيع أن أسأل لك "
عدلت عن هذه الفكرة .. ليست مستعدة لأن تراه الآن ..
- " لا .. لا داعي .. "
- " هل من شيء آخر ؟! "
- " ما اسمه ؟! "
- " دون باتريشيو لكننا نناديه بدون باتريك "
- " حسنا .. شكرا لك وانيتا لقد أزعجتك معي "
- " أبدا يا آنسة فهذا واجبي .. عمتي مساءا .. "
- " تستطيعين أن تأخذي العربة معك لقد انتهيت .. "
أنزلت وانيتا رأسها لتجد طبق الدجاج لم يلمس ..
- " لكنك لم تأكلي شيئا "
- " لقد أنهيت طبق الحساء و هذا يكفي .. إنه لذيذ .. "
- " بالهناء والشفاء.. عمتي مساءا.. "
- " و أنت كذلك "
بعد أن خرجت وانيتا أحست لورا بالنعاس فدخلت السرير المريح جدا و كأنها تنام فوق الغيوم و لأنها متعبة جدا إزاء الرحلة الطويلة نامت بسرعة و لم تستيقظ إلا في صباح اليوم الثاني ..
ارتدت ملابس عملية و واسعة لتكون مريحة و أنيقة في نفس الوقت و رفعت شعرها الأشقر بهيئة ذيل حصان و لم تضع أية مساحيق تجميل على بشرتها البيضاء الصافية .. و قبل أن تخرج تعطرت و همت بفتح الباب و إلا بها تصطدم بوانيتا .. فضحكتا و اعتذرت وانيتا على الفور ..
- " صباح الخير .. هل تحبين تناول الإفطار في حجرتك أم في الحديقة أو أي مكان تشائين؟!"
- " أين يتناول الدوق إفطاره ؟ّ ! "
- " دون باتريك أنهى إفطاره باكرا ثم خرج "
- " هل من عادته تناول الإفطار قبل أن يدعو ضيفته ؟! "
- " لم يشأ إيقاظك و إزعاجك خاصة بعد رحلتك الطويلة كما أنه يستيقظ بوقت مبكر جدا "
- " حسنا إذا سأتناول الإفطار هنا أمام التلفاز "
- " لك ما شئت .."
و بعد دقائق أتت واتينا بنفس العربة التي أحضرتها بالأمس لكنها مليئة بأطباق متعددة فاحتارت لورا بماذا تبدأ و هي التي ليس من عاداتها تناول وجبة إفطار دسمة فلاستعجالها كانت تأخذ كوب قهوة و تعتبره إفطارا لها ..قهقهت و هي تتذكر سام .. فكل مرة يراها تمسك كوب القهوة بيدها يأخذه منها و ينهرها و يستبدله بعصير أو بتفاحة .. قائلا لها هذا ما سينفعها عندما تكبر ..
تناولت العجة و استطابتها كثيرا و عندما انتهت قررت أن تنزل و تستكشف منزلها الجديد أو بالأصح قصرها الجديد ...
تمشت بين الحجرات في الطابق العلوي.. كانت معظمها غير مسكونة و الأثاث فيها غير مستخدم كثيرا .. و كان طراز القصر يعود للقرن السادس عشر و هذا ما جعله مهيبا و كأنها تشاهد فيلما تاريخيا لحقبة من الزمن .. فالأبواب الخشبية التي كأنها قطع من الرخام ضخمة و ترتفع للسقف الذي لا ينتهي و مزين بلوحات زيتية جميلة جدا و مطرزة بالذهبي .. كان السقف عبارة عن تحفة فنية بحد ذاته .. و كذلك ثريات الكريستال العملاقة ... و السجاد الأنيق الذي بدا لها بأنه مستورد أيضا آثري.. توقفت عند باب كبير في آخر الرواق كان مغلقا و أحست بأنه يجب أن لا تفتحه لعلها تكون حجرة الدوق ..
- " إياك "
استدارت بسرعة ناحية صوت المرأة التي نهرتها بنبرتها الخشنة .. و استغربت فحجم هذه المرأة العجوز صغير جدا لأن يكون لها صوت عال .. ابتعدت عن الباب الكبير و اقتربت من تلك العجوز التي كانت تنظر إليها بغضب من رأسها إلى أخمص قدميها و كأنها لم يعجبها منظر لورا بلابسها العملي و طريقة تصفيف شعرها .. بينما هي فترتدي فستان طويل جدا يضرب بالأرض و ذو أكمام طويلة من المخمل الأسود و له ياقة من الدانتيل الأبيض الذي ارتفع ليغطي رقبتها و رفعت شعرها كله بطريقة مرتبة جدا و ترتدي قرطان من اللؤلؤ .. و كأنها كانت تعيش في ذلك القرن أيضا.. و قد خرجت من قبرها لتوها .. هل كل شيء أثري هنا ؟ هل عادت بالزمن إلى الوراء ..
أرادت أن تستوضح الأمر لتلك العجوز المخيفة و تخبرها بأنها لم تكن تريد فتح الباب بل كانت تتمشى و توقفت عنده .. لكن تلك العجوز ذات النظرات الحادة سبقتها و قالت بعصبية بانجليزية ضعيفة تشوبها اللكنة الإسبانية ..
- " هل من عاداتك التجول في أرجاء بيوت مضيفيك و الدخول إلى حجرهم الخاصة يا آنسة؟! "
- " لا ..أبدا .. أنا لم أكن أقصد الدخول إلى تلك الحجرة ..آسفة إن كنت ظننتني ذلك "
- " حقا ؟!! و هل تعرفين لمن هذه الحجرة ؟! "
- " لا .. و لا يهمني أن أعرف "
و كأنها لا تصدقها فقالت باستهزاء..
- " إذا لم كنت تريدين فتحها ؟! "
لم لا تفهم هذه العجوز التي تحقق معها .. فأجابتها بنفاذ صبر
- " لم أكن أريد ذلك .. لقد توقفت عندها .. إنها قريبة من الدرج و كنت أهم بالنزول "
- " هذا واضح جدا .. "
انزعجت لورا من طريقة تلك المرأة في استجوابها و تكذيبها .. فقالت لها لورا بانزعاج
- " قلت لك بأني آسفة لأنك ظننتني بأني ادخل الحجرات المغلقة .. و لست هنا لأبرر لك ما أقول فإن أردت تصديقي سأكون شاكرة و إن لم تفعلي فهذا من شأنك .. و الآن اسمحي لي أريد النزول "
فتحت العجوز عينيها مستغربة طريقة رد تلك المرأة .. لم يرد عليها أحد هكذا من قبل لا الدوق و لا الكونتيسة و لا حتى باتريشيو ...
- " يا لوقاحتك .. هل هكذا يتصرف الضيوف ؟! "
توقفت لورا عن نزول الدرج عندما نطقت تلك العجوز
- " أرجوك يا سيدة لا داعي للتجريح.. أنت من تهجم علي .. كما إنني لست ضيفة فجزء من هذا القصر لي .."
ضغطت لورا على الوتر الحساس ..
- " أبدا لن يكون هذا القصر لك و لا حتى جزء منه "
علا صوت نانيرا مما جعل داني يصعد إلى حيث تقفان
- " ماذا يحدث هنا ؟! "
كان يسأل نانيرا و لم ينتبه لوجود لورا واقفة ثم استدار ليصعق أمام هذا الحسن و الجمال كله .. على الرغم من عبوسها إلا أنها بدت ساحرة و هي تنفخ بانزعاج ..
أجابته نانيرا بالاسبانية و كان واضح من طريقتها بأنها تشتكي له و تقص عليه الأكاذيب .. ما أن انتهت تلك العجوز من سرد قصتها حتى استدار داني لينظر إليها و فتح فمه ليتحدث لكن لورا سبقته قائلة
- " اسمع لا أعرف ماذا قالت لك السيدة .. لكنها هي من تهجم علي و أنا أهم بالنزول .. لقد اعتقدت بأني انتهك حرمة المنزل و أقسم لك بأني لم أكن أنوي فتح ذلك الباب .."
ابتسم لها داني و بدا متفهما جدا
- " لا بأس.. لم يحدث شيئا .. اعذريها "
ما أن قال داني ( اعذريها ) حتى بدأت تلك العجوز بتكلم بنبرة عالية موبخة بلغتها الاسبانية الغير مفهومة بالنسبة للورا فقررت أن تعود الأخرى إلى حجرتها و لا تخرج منها إلا أذا عاد الدوق ...
عندما استدار داني لم يجدها واقفة فشتم بصوت خافت .. و سمعته من بعيد يؤنب العجوز المدعوة بنانيرا ..
هل يعقل أن يكون ذاك الأشقر الوسيم هو الدوق !! لا لا أعتقد فكل الصور التي رأيتهم للدوقات و النساء ذوات الشعر الأسود الغجري .. فمن أين يكون للدوق شعرا أشقرا ؟؟
و من تلك العجوز التي تهجمت علي !! يا إلهي لا يمكن أن يكون الوضع أكثر تعقيدا ...
أمسى الليل و لم يدعوها الدوق إلى مقابلته و سأمت الانتظار و الجلوس في تلك الحجرة حيث لا أنيس لها إلا التلفاز .. كانت تأخذ الغرفة ذهابا و إيابا و هي تفكر بالذي أحضرها إلى هنا إلى هذه البلاد البعيدة وحدها .. هل حقا هي تهتم بهذا القصر الذي لا يعينها شيئا ؟!! هل من الصواب أن تأتي إلى هنا و تفكر أن تعيش بين هذه العائلة التي لا تنوي الترحيب بها حتى لم يتكفل كبيرها بدعوتها على العشاء أو لمقابلتها ؟!! هل تعود من حيث أتت و تترك كل شيء لذلك الدوق ؟! أم تنتظر؟!! لكن ما هو الشيء الذي ستنتظره ؟! و هل ستنتظره طويلا ؟؟؟
استفاقت على صوت هدير محرك سيارة في الخارج ففتحت عينيها لتنظر إلى ساعتها التي تشير إلى الثانية صباحا .. من يكون يا ترى ؟!! جرت نفسها من الفراش و اقتربت من النافذة لتلقي نظرة لكنها تأخرت فكل ما رأته هو ذلك الشاب اللطيف ذو الشعر الأصفر الذي تكلم معها صباح اليوم فقررت أن تعود إلى فراشها .. تقلبت في محاولة للنوم لكن بلا جدوى .. فأخذت الهاتف و قامت بالاتصال على صديقتها جاكلين .. أجابها صوت ناعس من الجهة الأخرى للهاتف
- " آلو ؟!"
- " جاكلين .. مرحبا ..هذه أنا لورا "
و كأنها صحصحت من نومها عندما سمعت صوت لورا .. و شعرت الأخرى بالحنين إلى الوطن على الرغم من أنها تغيب لأشهر و أسابيع على الدوام لكنها لا تشعر بنفس هذا الحنين الذي شعرت فيه بمجرد إقامتها هنا ليومين !!
- " لورا عزيزتي كيف حالك ؟! "
جاءها صوت لورا مخنوق ..
- " لست بخير يا جاكي .. أريد أن انفجر "
- " لم ؟ ما الذي حدث ؟!"
- " للأسف لم يحدث شيء .."
- " ماذا تعنين ؟!"
- " أعني بأني هنا وحيدة و لم أقابل الدوق حتى الآن ... لا اعرف إن كان يقصد أن يتجنبني"
- " هل هذا معقول ؟ لم تقابلينه حتى الآن ؟! "
- " لقد قابلت مستشاره و خادمته و مربيته الشرسة المدعوة بنانيرا.. تصوري بأنها هاجمتني اليوم لأنني كنت واقفة بالقرب من حجرة الدوق و افتعلت مشهدا حتى أتى شخصا ما ليهدئها و يعتذر نيابة عنها لكن غضبها زاد حتى اضطررت أن ألوذ بجلدي و أعود إلى حجرتي و لا أخرج منها "
- " يا عزيزتي .. و ماذا ستفعلين إذا ؟"
- " أريد مشورتك يا جاكي .. هل أبقى و انتظر أم أعود و أتنازل عن ورثي ؟! "
سكتت جاكلين لبرهة تفكر بأمرها و قالت بهدوء
- " بماذا يحثك قلبك ؟! "
- " أن أعود "
- " و عقلك ؟! "
فكرت قليلا ثم تنهدت قائلة
- " عقلي .. آه منه إنه فضولي لدرجة كبيرة و يحثني على الانتظار حتى أقابل ذلك الدوق الوحشي الذي كرهته قبل رؤيته "
ضحكت جاكلين فلقد أجابت لورا نفسها بنفسها ..
- " و ماذا تقولين الآن ؟! "
- " اعتقد ..سأبقى و أرى إلى ماذا ستؤول إليه الأمور ... آسفة لإزعاجك يا حبيبتي هيا عودي للنوم و شكرا لك "
- " لا تتأسفي أبدا من الجيد انك اتصلت و سعدت لسماع صوتك .. واعرفي دائما بأني أساندك في كل قراراتك .. حظا سعيدا "
- " شكرا لك "
- " على الرحب و السعة "
شعرت براحة تامة لأنها تحدثت مع صديقتها المقربة و استطاعت بعد تلك المكالمة أن تخلد للنوم ..
في الصباح دخلت وانيتا بعربة الإفطار إلى لورا و فتحتها أمامها و بدأت تسكب لها الطعام في طبقها .. سألتها لورا
- " أعرف بأني سألتك كثيرا هذا السؤال لكني سأكرره حتى أقابل الدوق .. هل تناول الدوق باتريك إفطاره ؟ ألم يدعوني لمقابلته ؟ هل يعرف بوجودي هنا أصلا ؟! "
- " آسفة يا آنسة ..لكني حقيقة لم أرى الدوق هذا الصباح "
تأففت لورا و نفخت بعصبية
- " حسنا شكرا لك يا وانيتا "
بعد أن أنهت إفطارها قررت أن تخرج من تلك الغرفة التي بدأت تكرهها ,فلورا ليست من النوع الذي يحب الجلوس في مكان واحد دون أن يقوم بعمل شيء ما فهي بطبيعتها حركية و مغامرة و تحب استكشاف الأشياء .. الآن ستغامر بالنزول إلى الطابق السفلي و مواجهة العجوز الشرسة إن هاجمتها مرة أخرى ...
تمشت في الطابق السفلي الذي كان واسع جدا و يخلو من الحجرات بل كان مفتوحا على بعضه من حيث الصالات و غرفة الطعام إلا من باب مغلق و قررت أن تبتعد عنه و لا تقترب منه أبدا .. كان طعام الإفطار لا يزال على المائدة الطويلة الضخمة و يبدو بأن الدوق لم يتناول شيئا منه .. ظلت واقفة لدقائق تنتظر أن يطل عليها لكن لا أحد غير الخدم الداخلين و الخارجين .. يبدو بان عدد الخدم أكثر من العائلة نفسها ..
خرجت إلى الحديقة و كانت بدورها واسعة جدا إلى ما لا نهاية و في وسطها وجدت نافورة عملاقة تصب في حوض للسباحة و هو كبير جدا أيضا و فوقه نصب جسرا للعبور .. كان المنظر رائعا و كأنها تتمشى في جنة خلابة تظللها الأشجار و الزروع و الورود الغريبة العجيبة بألوانها الرائعة بكل الأجناب ...
تمشت حتى أصبحت الحديقة و الحوض الكبير خلفها و بعيدا عنها .. و بينما هي تسير لمحت أمامها مبنى رخامي أبيض صغير يقع أسفل القصر في منحدر و ينبغي أن تمشى لمسافة قصيرة لتصل إليه و كلما كانت تقترب منه كان يتبين لها بأن ذلك المبنى الصغير ما هو إلا إسطبل كبير للخيل و أمامه حلقة كبيرة مسورة بسياج أبيض و كان يوجد شخص داخل هذه الحلقة يركض و يركض معه جواد يصهل في كل ثانية .. اقتربت أكثر و توقفت لتستند على السياج و تنظر إلى ذلك الرجل الأسمر الطويل ذو الجسم الرياضي الذي يركض مع الحصان و يحاول أن يضع عليه اللجام لكن ذلك الحصان يصهل و يركض مبتعدا رافضا أن يعلق عليه اللجام .. حاول ذلك الأسمر لأكثر من مرة و ركض أمامها و شعره الأسود الكثيف يتقافز معه و كأنها تنظر إلى إعلان في التلفاز عن شامبو أو مستحضر تجميلي ..
كان تركيزه على الحصان العنيد أمامه و بدا لها ذلك الأسمر الوسيم أنه أعند من ذاك الجواد الهائج ..
اندمجت مع حركات هذا الرجل الأسمر ذو اللون البرونزي الأنيق الذي يرتدي قميص أبيض فضفاض و أزراره مفتوحة كلها تقريبا حتى يدخل الهواء داخل قميصه مفتعلا إعصارا كلما لامس صدره المكشوف.. و بنطاله الأسود الذي ارتدى فوقه جزمه سوداء عالية .. كان فارسا بمعنى الكلمة ..
بعد عدة محاولات بدأ ذلك الحصان العنيد يرضخ لعناد سيده الذي لم يبد عليه التعب بل كان مصرا على ترويض ذلك الجواد الجميل.. شيئا فشيئا استطاع الرجل الأسمر أن يضع اللجام عليه ثم بقفزة واحدة امتطى ظهره..
لا شعوريا صفقت لورا صفقة واحدة ثم توقفت بسرعة بعد أن التفت ناحيتها و لمحها فاقترب منها بالحصان.. كان ظهره مستقيم و مشدود و ينظر إليها بعين ثاقبة و يقترب بكل رصانة.. تصلبت في مكانها .. و استطاعت أن ترى ثلاثة رجال في الجهة الأخرى من السياج يهرولون مقتربين أيضا.. يا إلهي هي في ورطة.. أخذ قلبها يدق بسرعة فجائية عندما توقف الرجل الوسيم أمامها بجواده الذي انقاد له .. و بقفزة واحدة كان يقف على الأرض يحدق فيها بطريقة مريبة .. و دون وعي منها رجعت خطوة للخلف .. و اعتقدت انه من المفروض أن تعرف نفسها فقالت بتوتر
- " مرحبا .. أنا لورا "
لم تتغير ملامح وجهه و لم يحمل نفسه عناء الرد عليها بل اكتفى بالتحديق فيها بكبرياء.. كأنه لا يفهم ما الانجليزية ..
اختلطت مشاعره في قلبه ... فمن تكون هذه الجميلة الساحرة ؟!! ذات الملامح المألوفة ؟!!
كانت ترتدي جينز أزرق و قميص أسود مرتب يلتصق بجسدها ليبرز نحافة خصريها .. و شعرها الأشقر مسترسل على كتفها .. كما و أنها لم تنس ارتداء قرطين صغيران .. يضفيان على شكلها العملي لمسة أنثوية طاغية .. بدت جذابة باختصار ..
عندها وصل ماريو الرجل الذي اصطحبها إلى هنا قبل يومين و لم تره بعدها .. كان يلهث و خلفه داني المتقطع الأنفاس الرجل الذي اعتذر لها صباح الأمس عن تصرف تلك العجوز ..
حينها تحدث ذلك الفارس بالاسبانية بطريقة مغرية جدا .. أضفت إلى هذه الصورة الرجولية صوتا رجوليا آخر .. لتكتمل الصورة .. تحدث إلى الرجلين و أجابه ماريو بنفس اللغة .. و ما استطاعت التقاطه من جملة ماريو هو كلمة (دي بابلو ) و هي عائلة والدها ..
لم يبعد عينيه عنها و كانت تحس بنظراته تخترق حاجز قلبها .. من هذا الرجل العجيب ؟!
سألها ماريو باحترام و ود
- " ماذا تفعلين هنا يا آنسة ؟! "
أجابت و هي تنظر إلى الرجل الأسمر و هو يوقف الجواد عن الحركة واحدة منه .. و كان يترقب جوابها..
- " كنت أتمشى .. و لم أعلم بوجود إسطبل هنا "
ابتسم لها ماريو بتوتر .. و قال
- " حسنا يا آنسة ينبغي لك أن تعودي إلى القصر "
- " لكني .. "
و بسرعة رفع نظره للرجل الذي لا يزال يحدق فيها .. و كان هناك مغناطيس يجذب عيناه للنظر إلى ملامحها الناعمة ..
قال لها ماريو
- " أرجوك يا آنسة .. عودي "
تضايقت من إصرار ماريو أن تعود للقصر .. فقالت بنبرة معاتبة
- " حسنا سأفعل لكني أريد أن أقابل الدوق .. إنه ثالث يوم لي هنا و لم أقابله بعد ..ألا يكلف نفسه للسؤال عن ضيوفه ؟! أو على الأقل أن يدعوني للعشاء ؟! فهل هكذا يتصرف الدوق في العادة .؟؟.. أرجوك أبلغه ذلك .. اعتقد بأنني يعلم باني وصلت منذ يومان .. "
انقبض قلب ماريو و تبادل النظرات مع ذلك الرجل الأسمر المريب و مع داني الذي احمر وجه و أراد أن ينفجر ضاحكا .. رأت شبح ابتسامة ترتسم على ملامح الرجل الأسمر الجدية الحادة ثم سرعان ما عادت مثلما كانت.. أشار لماريو الذي كان يتحرى إجابته برأسه ففهم و استدار ماريو ليقول ..
- " يا آنسة .. إنك في حضرة الدوق .. دون باتريك "
ماذا ؟!!! تمنت أن تنشق الأرض و تبتلعها في هذه اللحظة .. عضت على شفتيها و قد أحمر وجهها خجلا و لم تستطع أن تضع عينيها في وجه الرجل الأسمر الوسيم.. إذن هو الدوق باتريك !! لم تعتقد بأنه قد يكون شابا و مفعما بالنشاط و له وسامة طاغية .. فلقد تخيلته يشبه أحد الرجال المرعبين في اللوحات الزيتية الموضوعة عند مدخل القصر.. ارتاحت قليلا لأنه بدا لها لم يفهم ما قالته .. أو لعله فهم .. لكن لابد و أنه لا يعرف كيف يتحدث الانجليزية .. بهذا طمأنت نفسها و هي تعرف بغرارة نفسها بأن لا يعقل أن يكون دوقا و لا يعرف كيف يتحدث الانجليزية .. خاصة و أنه شاب .. لذلك تراجعت خطوتين للخلف و قررت الابتعاد عن هذا المكان لعلها بذلك تحفظ ماء وجهها
- " اعذروني .. سأعود إلى القصر "
و استدارت لتذهب بعيدا لكن صوتا هادئا و واثقا و رجوليا هز بدنها هزة عنيفة
- " انتظري "
تجمدت رجليها و هي تستدير و كان قد خطر السياج و أصبح خلفها مباشرة.. قال لها بلكنة أمريكية متقنة
- " كان ينبغي علي أن أقابلك منذ الأمس لكني انشغلت قليلا فاعذريني يا آنسة .. وكما إنني عدت مساءا إلى القصر ..و اليوم لم انوي ايقاضك في الصباح حتى لا أزعجك .. و كنت سأدعوك على العشاء أيضا .. فاعذريني مرة أخرى يا آنسة آغنر.. "
نظرت بين بحريتين من العسل تضللهما أشجار سوداء كثيفة فنسيت ما أرادت قوله .. و لم تتذكر إلا عندما أخفضت بصرها عن عينيه ..
- " أنا آسفة لوقاحتي .. كنت .. "
قاطعها بكل سهولة .. دون أن يرفع صوته حتى و ألزمها السكوت.. قائلا
- " لا بأس .. كان يفترض أن أعرفك على نفسي منذ البداية حتى نتجنب كلانا الإحراج "
أومأت برأسها و هي تشعر بجسدها يشتعل نارا أمام نظراته و طريقته اللبقة في التحدث إليها ..
تحدث إلى ماريو بالاسبانية حتى لا تفهمه.. و بدا لها أكثر جاذبية .. و تمنت لو انها تلقت دروس في الإسبانية ..
- " ماريو خذها إلى القصر بالعربة الصغيرة و أخبرها أن لا تغادر حجرتها إلا عندما ندعوها للعشاء عندها سأرى ماذا تريد مني تلك الجريئة و إلى متى سنتحمل بقاءها هنا"
- " لك ما شئت يا سيدي "
اقترب منها ماريو عندما خطر الدوق السياج مرة أخرى و ركب ظهر الجواد مبتعدا إلى الإسطبل ..
- " تفضلي معي يا آنسة .. آخذك إلى القصر بالعربة "
- " لكني أفضل السير على الأقدام "
- " ستشعرين بالتعب فالصعود إلى المنحدر أصعب من النزول منه "
- " لا بأس "
- " أرجوك يا آنسي أن تأتي معي "
أيقنت بأن الدوق هو وراء هذا الأمر يبدو بان الجميع هنا ينصاعون لأوامره بحركة واحدة من عينيه فقط .. لا تعرف لم لا يحبذ فكرة أنها كانت تتمشى وتتفقد الحديقة و الإسطبل .. و هل هو جاف هكذا على طبيعته أم معها فقط ؟!!
طرقت وانيتا باب حجرة لورا فدعتها للدخول ..
- " أهلا وانيتا .. كيف أبدو ؟! "
كانت ترتدي فستان أخضر ضيق عند الخصر ثم يأخذ بالاتساع حتى يصل إلى ركبتيها .. نفشت شعرها الأشقر الكثيف و تركته يسترسل على كتفها و ربطت شريطة سوداء في منتصفه .. كما ارتدت قرطين ناعمين و حذاء أسود ذو كعب عالي .. و رسمت عينيها بكحل أسود خفيف ليبرز لونهما الزمردي و لمعت شفتيها بلونهما الطبيعي .. كأنها ستذهب إلى موعد غرامي أول لها ..
- " خلابة .. "
- " شكرا لك وانيتا .. ماذا أردت ؟! "
- " دون باتريك ينتظرك على المائدة لتناول العشاء "
- " آه .. إن الوقت باكرا لتناول العشاء "
- " الدوق لا يتناول إلا وجبة الإفطار و وجبة العشاء فقط ..لذلك يشعر بالتعب خاصة و انه يقضي معظم الوقت بالخارج.. "
- " هذا واضح بأنه رياضي و صحي جدا .. ألا تعرفين كم يبلغ من العمر ؟! "
- " سيبلغ الثلاثين قريبا "
لا تعرف لم أسعدها ذلك .. هل لان تخمينها صائبا أم لأنه شاب فحسب ؟!!
قادتها وانيتا إلى غرفة الطعام الكبيرة حيث المائدة الضخمة الممتدة إلى ما لا نهاية و تنزل في وسطها ثريا عملاقة من الكريستال و الذهب .. سكت الجميع انبهارا ما إن دخلت لورا .. وقف لها الرجال .. الدوق و داني و ماريو .. باتريك على رأس الطاولة و على يمينه نانيرا إيزابيلا و ماريو و على يساره داني و ترك مقعد لها بالقرب من داني .. فتح لها داني الكرسي لتجلس.. و ظل باتريك يمعن النظر فيها و هي تجلس بخفة .. بدت له مألوفة جدا و كأنه رآها في مكان ما لكنه لا يذكر أين!! و لم يبعد نظره عنها إلا عندما أحست هي بمن يحدق فيها فالتفت لتصطدم نظراتهما , شعرت بالخجل فأنزلت عيناها .. لكنه لم يكترث بل ظل يحدق بكل جرأة يحاول أن يتذكر أين رآها من قبل ..
كانت العجوز ترسل لها نظرات نارية .. ما بها هذه العجوز ؟! و لم كل هذا العداء ؟؟ و من تكون ؟!
كانوا يتناولون طعامهم بهدوء ..والجو موترا بالنسبة لها فكل الأعين عليها وحدها لذلك لم تستطيع أن تتناول طعامها .. كان الدوق ينظر إليها بطرف عينيه بين حين و أخرى, يا إلهي كيف أستطيع أن أتناول طعامي و الكل يحدق بي بتلك الطريقة .. بالأخص هذا السيد المتأنق .. كان يرتدي قميصا أسودا و قد رفع أكمامه إلى الأعلى و بنطاله أسود أيضا .. بدا شكله نظيفا عن ما راته هذا الصباح .. خاصة بانه قام بحلق ذقنه و شعره الأسود القصير مرتبا و ممشوط للخلف و كأنه رجل من عامة الناس لو أنها رأته في مكان آخر غير هنا .. بل بدا ماريو ببذلة السوداء المتأنقة و كأنه هو الدوق ...
وقعت عيناه على طبقها.. فتوقف عن الأكل و سألها قاطعا جو السكون بإنجليزيته المتقنة
- " آنسة آغنر ؟! لم تلمسي طبقك .. ماذا ألا يعجبك الطعام ؟ "
لم تتوقع سؤاله هذا .. فارتبكت و أجابته بعفوية
- " لقد تذوقت القليل منه .. إنه لذيذ .. شكرا"
لم يعجبه ردها فسألها و في عينيه مكر
- " إذا لم وقفتي عن الأكل ؟! هل تتبعين نظاما للتخسيس ؟! "
لقد وضعها في موقف حساس حيث ترك الجميع ما بيدهم ليحدقون في وجهها الذي احمر خجلا .. و ربط لسانها و توقف عقلها عن التفكير في إجابة عقلانية .. كانوا ينتظرون ردها فتنحنحت قائلة
- " أنا آسفة .."
رفع ذقنه و كرر قولها باستغراب .. انه ينتظر جواب أكثر منطقي ..
- " آسفة؟! "
يا إلهي إنه لا ينفك عن التحقيق معها و كأنه يقصد إحراجها .. لن يسكته إلا قول الحقيقة ..
- " أنا آسفة لأنني لا أستطيع أن أتناول طعامي و الكل يحدق بي "
فتح باتريك عينيه على اتساعهما دهشة بردها الصريح و الصادق و تبادل النظرات مع داني الذي احتقن وجهه.. عندها انفجر ضاحكا عندما رأى باتريك مبتسما و أخذ الجميع يضحكون .. إلا نانيرا العابسة .. أنزلت لورا رأسها للإحراج و قررت أن تحفظ ماء وجهها و تغادر إلى حجرتها .. وقفت على طولها و استأذنت الرحيل لكن الدوق سرعان ما تغيرت ملامحه لتصبح جدية و توقف عن الضحك و قال لها بصوت آمر
- " عودي إلى مكانك يا آنسة "
جعلها صوته الآمر تحس و كأنها في عصر العبودية .. لذلك لم تتحمل هذا الصوت الآمر فتجرأت و رفعت بصرها تنظر بين عينيه بضيق من طريقته ..و كل ما رأته هو نظرة الحزم الحادة و الهدوء على ملامح وجهه الساكنة .. و عندما لم تجلس عنادا و كبرياء منها كرر أمره لكن بطريقة مختلفة و أكثر ودية مع طيف ابتسامة
- " على الأقل أنهي طبقك .. لن يقوم أحد عن هذه الطاولة إلا عندما ينتهي الجميع .. و لن يحدق بك أحدا .."
أضافت نانيرا موبخة
- " من الأصول يا آنسة أنا لا تقومي من الطاولة تاركة طعامك و الدوق لا يزال جالسا "
شعرت بالنار تسري في عروقها و تحرق أوصالها .. لابد أنه يعني إذلالها أمام الجميع إذ جعل تلك العجوز الشمطاء توبخها.. جلست بعد أن حدجته بنظرة غاضبة لم تؤثر فيه.. بل أكمل تناول طعامه و كذلك تحديقه بها .. شعرت برغبة بالبكاء لأول مرة منذ قدومها إلى هنا و لا تستطيع أن تمنع دمعة صغيرة فلتت منها فأسرعت بمسحها حتى لا يراها أحد مهزومة و ضعيفة ... تنصاع لأوامر دوق أسبانيا الذي لم تعرفه إلا منذ ساعات ..
بعد أن قام الدوق عن المائدة تبعه الجميع و كذلك فعلت هي .. جلس في الحديقة حتى يشعل سيجارته و أخذ ينفثها بالهواء و من ثم تبعه داني و أشعل سيجارته هو الآخر أيضا.. لكن ماريو استأذن الدوق و غادر.. و كذلك فعلت نانيرا قبلت رأس الدوق و تحدثت معه بالاسبانية و كانت منزعجة من وجود لورا اليوم على العشاء .. هذا ما أحست به لورا التي كانت واقفة تنظر إلى ظهر الدوق و رأسه من الخلف و وجه نانيرا المتهكم.. التي كانت تنظر إليها و في عينيها الحقد كله .. ما أن أنهت تلك العجوز حديثها حتى مرت بالقرب من لورا و دخلت القصر لتخلد إلى النوم ..
قال داني إلى الدوق شيئا في أذنه ما جعله يستدير ليجد لورا واقفة قرب النافذة المفتوحة على الحديقة ..
- " اقتربي يا آنسة.."
قالها بود هذه المرة .. لكن صوت الأمر لم يغب عنها ..اقتربت منه بانزعاج فهي لا تحب أن تخضع لأوامر أحد ..لكنها لا تريد أن تكون فضة و هي الضيفة عليهم.. خاصة و أنها قد عاشت حياتها مستقلة فمن الصعب أن تتقبل الآن شخصا غريب عنها يأمرها و يفرض رأيه و حكمه عليها حتى و أن كان دوقا ..
مد علبة السجائر إليها .. و قال
- " هل تدخنين ؟! "
نفت برأسها فأعاد علبة السجائر إلى جيب قميصه ..ثم سرح بوجه لورا الجميل تحت تلألأ أضواء حوض السباحة و فكر في نفسه إنه لا ضير من أن يتصبح كل يوم بهذا الوجه القمري و يمسي على تلألئه .. يا إلهي .. أين قابلتها ؟! إن وجهها مألوف جدا ..
قاطع داني حبل أفكاره عندما سأل لورا
- " ما رأيك بالقصر يا آنسة ؟! "
- " أرجوك نادني بلورا.. "
- " حسنا لورا .. لم تجيبيني؟ "
- " آسفة.. القصر.. إنه رائع جدا و قد أحببته كثيرا خاصة و أن طرازه يعود للقرن السادس عشر "
- " آه .. إذا أنت مهتمة بالآثار "
- " كثيرا.. كان تخصصي في الجامعة علم الآثار "
أردف الدوق سائلا باديا عدم اكتراثه بتخصصها أو أي شيء يخصها
- " و هل ترينه المكان المناسب لإقامتك ؟! "
لم يعجبها سؤاله الذي كان يلمح به إلى شيء آخر .. فأجابته بثقة و ذكاء رافعة رأسها حتى تكسر تكبره
- " لم أقرر ذلك بعد .."
تبادلا نظرات شائكة و حادة .. بعد ذلك وقف الدوق فوقف داني و ترددت لورا حتى تقف لكنها فعلت بالنهاية تجنب للمشاكل فهذه الأسرة الغريبة لها عادات تتنافى مع عادات لورا التي تربت على الديمقراطية ..
نظر إلى لورا مطولا .. ثم قال بصوت منزعج لداني بلغته ..
- " حسنا داني .. لا تطيل السهر فلدينا غدا مشوار طويل .. و لا تعقد صداقات مع الغرباء الذين قد يضروننا.. أنت فاهم قصدي "
أومأ داني .. ثم وجه باتريك الحديث للورا بالانجليزية و قال بجفاء و تعجرف
- " و أنت يا آنسة آغنر .. أو دي بابلو .. أيا يكن.. "
قاطعته .. و قالت مع ابتسامة حاولت إن تخفي بها انزعاجها
- " آغنر ... لو سمحت "
لم يعجبه طريقتها في مقاطعته و هو يتحدث .. فقال
- " حسنا آنسة آغنر .. لديك الكثير للتحدث عنه مع المحامي سانتياغو و ماريو .. و أرجو أن تتوصلا إلى حل يرضي الطرفين .. عمتي مساءا"
استدار ليغادر لكنها قالت بسرعة و بانزعاج
- " لكن كنت أريد التحدث معك أنت بهذا الأمر .. أنا و أنت ..و ليس ماريو و المحامي "
لف ليواجهها و قد بدا عليه الغضب و قال
- " آنسة آغنر .. أنا من يقرر مع من ستتحدثين.. "
قاطعته مرة أخرى و أراد أن يقترب منها و يلطمها لوقاحتها و جراتها في الحديث معه بتلك الطريقة التي لم يتجرا أحد من قبل على التحدث معه هكذا ..
- " لكن هذا شيء يخصني و يخصك يا سيد باتريك .."
صحح لها داني بصوت مرتجف و هو يرى صديقه يشتعل غضبا لجرأة هذه الآنسة الأمريكية التي ظهرت في حياته فجأة و بلا مقدمات.. و الآن تتشاجر معه بكل جرأة و هذه الجرأة يطلقون عليها "وقاحة "عندما ترفع امرأة و ضيفة غريبة صوتها على الدوق أو مضيفها..
- " دون باتريك "
لم تكترث للتصحيح .. فأضافت قائلة
- " أتمنى أن تعطيني من وقتك دقائق نتناقش فيها أنا و أنت وديا بخصوص القصر و الميراث "
اقترب منها كثيرا حتى كاد يلتصق بها .. أخذ قلبها يضرب بعنف ... و كلما اقترب كلما دخلت رائحة عطره القوي في رأسها .. لكنها نظرت إليه بحدة ..فقال لها ببرود و عينان تسعران نارا ..
- " عمتي مساءا "
ثم استدار و دخل القصر ..
ظلت تحدق في ظله حتى اختفى .. و عادت لها دقات قلبها .. استدارت لتنظر إلى داني الذي كان يرمقها , جلست في مكانها و هي تتأفف متضايقة من ذلك الدوق المزعج و تمنت أن يكون شيخا كبيرا أفضل بكثير من أن يكون شابا مغرورا و متكبرا
- " يا إلهي .. هل هو حازم و عنيد معكم أيضا ؟ "
- " أعذريه يا لورا إنه يعاني من ضغوطات كثيرة "
- " ليس هناك عذر لأن لا يتصرف بلطف معي .. لم يعاملني و كأني عدوة له ؟! "
- " هل هذا ما تعتقدين ؟! "
- " هذا ما أراه و أحسه "
- " لا يا لورا إن باتريك رجل نبيل و مهذب جدا و عندما تقتربين منه ستشعرين بلطفه و كرمه و سخاء نفسه "
- " و كيف أقترب منه و هو لا يترك لي المجال بل يغلق جميع الأبواب في وجهي ..اسمع يا ..؟؟"
تذكرت بأنها لم تتعرف على أسمه بل سمعت الدوق يناديه بداني .. لكنه قال لها مبتسما و بدا لطيفا جدا ..
- " دانيال .. لكن يفضل أن تناديني بداني "
- " داني .. بصراحة أنا لم اعتد هذه الحياة حيث القوانين و التعقيدات و الرسميات لقد ولدت في دنيا الاستقلالية لا أحد يفرض علي رأيه و الجميع من حولي أصدقاء لي .. لذلك من الصعب علي أن أقبل تصرفات الدوق معي "
اقترب منها قليلا و قال بصوت منخفض و كان يتلفت و كأنه خائف من أن أحد يراقبه من بعيد
- "ماذا تتصورين من رجل تزوجت والدته بلا رضاه لأنه لم يجد بان ذلك الزوج من مستواها كما و أنه سمع الكثير من الأمور المشيبة عنه .. و بعد ذلك عاندته و اختارت زوجها على ابنها ..فيغادرها ليعيش ست سنوات بعيدا عنها دون أن يتحدثا مع بعض .. ترك حياته هنا و مستقبله و واجبه الحقيقي لأرضه و أرض أسلافه ليعيش في لوس أنجلوس ثم يسمع بنبأ موت والدته فيعود بعد سنوات من الفراق ليودعها جثة هامدة و هو يشعر بالندم على ما حدث بينهما .. لقد تغير باتريك منذ تلك الحادثة و لم يعد مرح كما السابق حتى أنني لا أراه يبتسم أو يضحك إلا نادرا .. و الذي أحزنه أيضا أنه دفن في نفس ذلك اليوم والدته و زوجها الذي توفى قبل ساعات و قد أجرى له مراسيم دفن تليق به كزوج أب .. لكن الذي زاد الأمر سوءا هو عندما علم بأن هناك من يشاركه في ملكه و ملك أسلافه لقرون عديدة .. و هو أنت يا لورا فكيف تريدينه أن يتصرف معك و هو يشعر بأنه قد خسر كل شيء في حياته أولا والده و بعدها والدته و بعد ذلك يخسر جزء من أملاكه لفتاة غريبة .. لا و هي ابنة ألد أعداءه ؟!! "
لقد اختصر لها داني قصة حياة الدوق المأساوية في دقائق فجعلها بذلك محزونة و مشفقة عليه لذلك بقيت صامتة تفكر بينها و بين نفسها بما يجب فعله .. فأردف داني
- " اسمعي يا لورا أنا لا أدافع عن باتريك لأنه صديق الطفولة أو لأنه دوق ألبا .. بل أقول لك ذلك كي تضعي نفسك في مكانه ؟! أقسم لك لو كنت أنا من جرت معي كل تلك الأمور لطردتك من المنزل الآن أو لم أكن استقبلك و أدعك تقيمين في أفخم غرفة في القصر و أتركك تتناولين العشاء معي و بالقرب مني.. و لكني لا ألمك أنت أيضا.. فإن رؤيتك و تعرفك على ورثك هو من حقك.. "
أنزلت رأسها محزونة و تشعر بالإحراج فكلام داني جارح جدا و للأسف بان فيه شيء من الصواب ذلك ما جعلها تحتار بأمر الورث هل تقبله أم تتركه لسيده ...؟!!!
لكن داني لم يتوقف و أضاف قائلا ..
- " أعرف بأني أطلت الحديث معك لكن هناك نقطة واحدة و مغزى واحد من كلامي و هو أن تحاولي قدر الإمكان أن تعذري تصرفات باتريك و تسايرينه لعله يهدأ قليلا و يحسن التعامل ..و حاولي الاقتراب منه لعلك تكسبين وده و تجدينه رجلا نبيلا جديرا بالاحترام "
أومأت برأسها فهي لم تعد قادرة على الكلام لأنها أن فتحت فمها ستنفجر باكية .. استقامت واقفة و استأذنته بالذهاب إلى حجرتها..
ما أن فتحت الباب حتى تسارعت دموعها بالانهمار على خدها .. لم تكن متأكدة من سبب بكاءها .. هل هو غربتها أم وحدتها ؟! أم علمها بوجود أب لها و أن بيتر ليس أباها الحقيقي ؟ أم طريقة تعامل الدوق الجافة معها؟؟ .. أم مأساته التي ألقاها داني إلى مسامعها فتزيد من أوجاعها ؟..
حطت الطائرة في مطار مدريد فنزلت لورا و اتجهت إلى القاعة الكبيرة حيث يقف المستقبلين .. تلفتت في عينيها تبحث عن أحد أتى ليأخذها .. وقفت لخمس دقائق تبحث و من ثم لمحت رجلا في الأربعين من عمره يرتدي بذلة رسمية طويل جدا و عريض يقترب منها
- " آنسة آغنر ؟؟"
أومأت برأسها مبتسمة .. فمد يده يصافحها
- " مرحبا بك آنستي .. أنا المحامي سانتياغو بانديروزا "
- " أهلا وسهلا "
أخبر السائق أن يحمل حقائبها و يضعها في دولاب الليموزين و فتح لها الباب لتدخل .. و بينما هما بالطريق سألها
- " كيف كانت رحلتك يا آنسة ؟!"
ابتسمت مجيبة
- " لا بأس بها .."
- " جيد .. أرجو أن لا تكوني متعبة لان هذه الرحلة ستكون طويلة أيضا .. سنركب طائرة خاصة إلى مطار ألبا و من ثم ساعتين أخرى من المطار و حتى القصر الريفي "
أومأت برأسها موافقة ثم أشاحت عنه لتنظر إلى الخارج .. إلى شوارع أسبانيا .. إن مدريد جميلة جدا في مبانيها و البيوت و العمارات ذات الطراز القديم .. مدينة تجمع الماضي و الحاضر..
حاول سانتياغو قدر الإمكان أن يبعد نظره عنها لكن دون جدوى فلها من الجمال الذي يجذب الشخص إليه و تجعل عيناه تلتصق بها .. ماذا سيفعل الدوق عندما يعرف بان التي تشاركه ورثه ما هي إلا شابة لها جاذبية و من الجمال الذي يخطف الألباب ..
بعد ثلاث ساعات حطت الطائرة الخاصة الفاخرة في مطار صغير أيضا و هناك استقبلها شابا هزيلا و طويلا جدا و له عينان صغيرتان و ابتسامة جميلة مد يده يصافحها فابتسمت له و تناولت يده مصافحة ..
- " مرحبا بك آنسة آغنر .. أنا ماريو "
أردف المحامي سانتياغو مشيرا إلى ماريو
- " إنه ذراع الدوق الأيمن و لا يمكن أن نفعل شيئا من دون أن نستشيره بالأول .. "
ثم غمز بعينه إلى ماريو مشيرا بتلك الحادثة التي جرت قبل ثلاثة أيام في مكتب الدوق ..
- " مرحبا ماريو تشرفت بمعرفتك "
- " و أنا كذلك .. لقد طلب منا الدوق بان نصحبك إلى القصر .. "
- " شكرا .."
فتح لها باب الليموزين السوداء و جلس في المقعد أمامها .. كان يتحدث بالهاتف بالاسبانية و قد بدا خائفا و متوترا .. فأيقنت بأنه ربما يتحدث مع الدوق ... يا إلهي هل يكون هذا الدوق رجلا مهيبا و عجوزا لا يرضى بسهالة و لا يعجبه شيء .. هل سيزعجها و يضيق عليها حياتها حتى ينال ما يريده ..
لم يتحدث إليها ماريو و لا سنتياغو طوال الطريق الممل لساعتين .. بل كانا الاثنان يتحدثان فيما بينهما بصوت خافت و بلغة إسبانية .. و أحست بان الحديث كان يدور عنها ..
توقفت السيارة أمام بوابة عملاقة و من ثم أكملت السيارة طريقها حتى توقفت عند مدخل القصر العملاق المنعزل عن الحياة .. فهو كالقصور المسورة المعزولة عن العالم و الذي يطغى عليها الظلام كالذين نراهم في السينما و أفلام الرعب ..
فتح لها السائق الباب و ساعدها على النزول .. وقفت تتأمل ضخامة هذا القصر .. إنه كبير جدا و يسع لأهالي المدينة كلهم .. قادها ماريو إلى داخل القصر .. ما إن دخلت حتى انبهرت و توقفت عند المدخل الواسع تنظر إلى جمال الثريات العملاقة و تلتفت لتجد اللوحات الزيتية المعلقة لكل العائلة النبيلة.. كلها تقريبا .. رأت رسومات النساء بثيابهن الفارهه و مجوهراتهم الثمينة التي تليق بمستواهم العالي و من ثم نظرت إلى رسومات الدوقات بهيبتهم و وقارهم البادي على وجوههم و وقفتهم العسكرية .. و خشيت أن يكون هذا الدوق الذي تشاركه في هذا القصر المرعب أن يكون مهيبا كتلك الرسومات .. ثم استدارت لتنظر إلى الدرج العملاق و قد صنعت الدرابزين من الذهب الخالص و الكريستال .. و امتدت الرسومات إلى أعلاه .. و من بعيد رأت فتاة صغيرة بالعشرين من عمرها تقترب منها و تنحي لها و تقول لها بالاسبانية
- " مرحبا بك . أنا وانيتا .. "
ابتسمت لها و صافحتها .. رأت ماريو يتحدث لتلك الفتاة بالاسبانية و لم تفهم منه شيئا لكن التفت إلى لورا و قال مبتسما
- " ستأخذك وانيتا إلى جناح الضيوف "
- " ألن أقابل الدوق ؟! "
- " للأسف لا يا آنسة .. لقد تأخر الوقت .. ستقابلينه في الصباح .. الآن ستأخذك وانيتا إلى جناح الضيوف لترتاحي خاصة بعد رحلتك الطويلة هذه "
شعرت بخيبة أمل فقد أملت أن تقابله اليوم و اعتقدت بأنه سيكون بانتظارها .. إذا حتما هو رجلا عجوزا ينام باكرا و له عاداته خاصة ...
أخذتها وانيتا إلى جناحها و عندما دخلت أحست بأنها في جناح فندق فخم .. و كان الجناح كبيرا جدا بحيث يسع شقتها في لوس أنجلوس و هي عبارة عن غرفة نوم ضخمة مع صالة صغيرة عبارة عن كنبتين ذو ثلاثة أنفار و منضدتين على الأجناب و أخرى مستديرة في الوسط و تلفاز كبير و مطبخ تحضيري صغير أشبه بالبار و في آخر الغرفة وضع سرير من خشب المهوجني الغامق له تاج خشبي مرتفع جدا يزينه لحاف من الحرير ذو لون كريمي و طرز عليه طاووس بألوان ريشه الرائعة و طرزت أطراف الوسادتان بنفس الألوان الأزرق و الذهبي و البنفسجي ...
- " سأحضر لك عشاءك يا آنسة ريثما تنزعي ثيابك بأخرى مريحة "
التفتت على وانيتا المرأة اللطيفة المبتسمة التي تحاول جاهدة أن تتحدث الانجليزية.. فبادلتها الابتسامة قائلة
- " شكرا لك .."
خرجت وانيتا فقامت لورا بنزع ثيابها و همت بدخول الحمام الكبير الذي يسبقه غرفة تبديل واسعة جدا و ما أن فتحته حتى صعقت فكان الحمام عبارة عن حجرة واسعة أخرى أكبر من حجم غرفة نومها في لوس انجلوس .. في وسطه (الجاكوزي ) الحوض الذي يسع خمسة أشخاص .. و دش في احد الزوايا و المغسلة العملاقة في الجانب المقابل للحوض و بالقرب من الباب وضع كرسيين و طاولة صغيرة .. و كأنها في حجرة منتجع (سبا) ذو سبعة نجوم يحمل طابعا تاريخيا لأوروبا القديمة ..
أخذت دشا دافئا و سريعا و بعدها ارتدت قميص النوم و فوقه ارتدت الروب ثم اتجهت إلى الصالة الصغيرة و فتحت التلفاز عندها دخلت وانيتا بعربة بيضاء تتحول إلى طاولة وضعتها أمام لورا .. بالضبط مثل الفنادق خاصة مع الأطباق البيضاء من الخزف الصيني المزينة أطرافة بالذهب .. و عندما رفعت وانيتا الغطاء الفضي عن الطبق وجدت تحته قطعة دجاج و خضراوات و في الطبق الثاني حساء الجزر .. ثم سكبت لها نبيذ العنب ..
- " هل تريدين شيئا آخر ..يا آنسة ؟! "
هزت رأسها نفيا لأنها لم تستطع التكلم و هي تتذوق الحساء .. و استطعمته فابتسمت
- " إنه لذيذ .. شكرا لك وانيتا "
- " على الرحب و السعة .. سأنصرف الآن "
- " انتظري .. "
توقفت عن فتح الباب لتخرج عندما سمعت صوت لورا عادت لتقف بالقرب منها مرة أخرى
- " هل ينام الدوق باكرا ؟! "
- " لا .. ليس له موعد محدد "
- " و هل هو الآن نائما ؟! "
- " لا أعرف ذلك يا آنسة .. إن أردت أستطيع أن أسأل لك "
عدلت عن هذه الفكرة .. ليست مستعدة لأن تراه الآن ..
- " لا .. لا داعي .. "
- " هل من شيء آخر ؟! "
- " ما اسمه ؟! "
- " دون باتريشيو لكننا نناديه بدون باتريك "
- " حسنا .. شكرا لك وانيتا لقد أزعجتك معي "
- " أبدا يا آنسة فهذا واجبي .. عمتي مساءا .. "
- " تستطيعين أن تأخذي العربة معك لقد انتهيت .. "
أنزلت وانيتا رأسها لتجد طبق الدجاج لم يلمس ..
- " لكنك لم تأكلي شيئا "
- " لقد أنهيت طبق الحساء و هذا يكفي .. إنه لذيذ .. "
- " بالهناء والشفاء.. عمتي مساءا.. "
- " و أنت كذلك "
بعد أن خرجت وانيتا أحست لورا بالنعاس فدخلت السرير المريح جدا و كأنها تنام فوق الغيوم و لأنها متعبة جدا إزاء الرحلة الطويلة نامت بسرعة و لم تستيقظ إلا في صباح اليوم الثاني ..
ارتدت ملابس عملية و واسعة لتكون مريحة و أنيقة في نفس الوقت و رفعت شعرها الأشقر بهيئة ذيل حصان و لم تضع أية مساحيق تجميل على بشرتها البيضاء الصافية .. و قبل أن تخرج تعطرت و همت بفتح الباب و إلا بها تصطدم بوانيتا .. فضحكتا و اعتذرت وانيتا على الفور ..
- " صباح الخير .. هل تحبين تناول الإفطار في حجرتك أم في الحديقة أو أي مكان تشائين؟!"
- " أين يتناول الدوق إفطاره ؟ّ ! "
- " دون باتريك أنهى إفطاره باكرا ثم خرج "
- " هل من عادته تناول الإفطار قبل أن يدعو ضيفته ؟! "
- " لم يشأ إيقاظك و إزعاجك خاصة بعد رحلتك الطويلة كما أنه يستيقظ بوقت مبكر جدا "
- " حسنا إذا سأتناول الإفطار هنا أمام التلفاز "
- " لك ما شئت .."
و بعد دقائق أتت واتينا بنفس العربة التي أحضرتها بالأمس لكنها مليئة بأطباق متعددة فاحتارت لورا بماذا تبدأ و هي التي ليس من عاداتها تناول وجبة إفطار دسمة فلاستعجالها كانت تأخذ كوب قهوة و تعتبره إفطارا لها ..قهقهت و هي تتذكر سام .. فكل مرة يراها تمسك كوب القهوة بيدها يأخذه منها و ينهرها و يستبدله بعصير أو بتفاحة .. قائلا لها هذا ما سينفعها عندما تكبر ..
تناولت العجة و استطابتها كثيرا و عندما انتهت قررت أن تنزل و تستكشف منزلها الجديد أو بالأصح قصرها الجديد ...
تمشت بين الحجرات في الطابق العلوي.. كانت معظمها غير مسكونة و الأثاث فيها غير مستخدم كثيرا .. و كان طراز القصر يعود للقرن السادس عشر و هذا ما جعله مهيبا و كأنها تشاهد فيلما تاريخيا لحقبة من الزمن .. فالأبواب الخشبية التي كأنها قطع من الرخام ضخمة و ترتفع للسقف الذي لا ينتهي و مزين بلوحات زيتية جميلة جدا و مطرزة بالذهبي .. كان السقف عبارة عن تحفة فنية بحد ذاته .. و كذلك ثريات الكريستال العملاقة ... و السجاد الأنيق الذي بدا لها بأنه مستورد أيضا آثري.. توقفت عند باب كبير في آخر الرواق كان مغلقا و أحست بأنه يجب أن لا تفتحه لعلها تكون حجرة الدوق ..
- " إياك "
استدارت بسرعة ناحية صوت المرأة التي نهرتها بنبرتها الخشنة .. و استغربت فحجم هذه المرأة العجوز صغير جدا لأن يكون لها صوت عال .. ابتعدت عن الباب الكبير و اقتربت من تلك العجوز التي كانت تنظر إليها بغضب من رأسها إلى أخمص قدميها و كأنها لم يعجبها منظر لورا بلابسها العملي و طريقة تصفيف شعرها .. بينما هي فترتدي فستان طويل جدا يضرب بالأرض و ذو أكمام طويلة من المخمل الأسود و له ياقة من الدانتيل الأبيض الذي ارتفع ليغطي رقبتها و رفعت شعرها كله بطريقة مرتبة جدا و ترتدي قرطان من اللؤلؤ .. و كأنها كانت تعيش في ذلك القرن أيضا.. و قد خرجت من قبرها لتوها .. هل كل شيء أثري هنا ؟ هل عادت بالزمن إلى الوراء ..
أرادت أن تستوضح الأمر لتلك العجوز المخيفة و تخبرها بأنها لم تكن تريد فتح الباب بل كانت تتمشى و توقفت عنده .. لكن تلك العجوز ذات النظرات الحادة سبقتها و قالت بعصبية بانجليزية ضعيفة تشوبها اللكنة الإسبانية ..
- " هل من عاداتك التجول في أرجاء بيوت مضيفيك و الدخول إلى حجرهم الخاصة يا آنسة؟! "
- " لا ..أبدا .. أنا لم أكن أقصد الدخول إلى تلك الحجرة ..آسفة إن كنت ظننتني ذلك "
- " حقا ؟!! و هل تعرفين لمن هذه الحجرة ؟! "
- " لا .. و لا يهمني أن أعرف "
و كأنها لا تصدقها فقالت باستهزاء..
- " إذا لم كنت تريدين فتحها ؟! "
لم لا تفهم هذه العجوز التي تحقق معها .. فأجابتها بنفاذ صبر
- " لم أكن أريد ذلك .. لقد توقفت عندها .. إنها قريبة من الدرج و كنت أهم بالنزول "
- " هذا واضح جدا .. "
انزعجت لورا من طريقة تلك المرأة في استجوابها و تكذيبها .. فقالت لها لورا بانزعاج
- " قلت لك بأني آسفة لأنك ظننتني بأني ادخل الحجرات المغلقة .. و لست هنا لأبرر لك ما أقول فإن أردت تصديقي سأكون شاكرة و إن لم تفعلي فهذا من شأنك .. و الآن اسمحي لي أريد النزول "
فتحت العجوز عينيها مستغربة طريقة رد تلك المرأة .. لم يرد عليها أحد هكذا من قبل لا الدوق و لا الكونتيسة و لا حتى باتريشيو ...
- " يا لوقاحتك .. هل هكذا يتصرف الضيوف ؟! "
توقفت لورا عن نزول الدرج عندما نطقت تلك العجوز
- " أرجوك يا سيدة لا داعي للتجريح.. أنت من تهجم علي .. كما إنني لست ضيفة فجزء من هذا القصر لي .."
ضغطت لورا على الوتر الحساس ..
- " أبدا لن يكون هذا القصر لك و لا حتى جزء منه "
علا صوت نانيرا مما جعل داني يصعد إلى حيث تقفان
- " ماذا يحدث هنا ؟! "
كان يسأل نانيرا و لم ينتبه لوجود لورا واقفة ثم استدار ليصعق أمام هذا الحسن و الجمال كله .. على الرغم من عبوسها إلا أنها بدت ساحرة و هي تنفخ بانزعاج ..
أجابته نانيرا بالاسبانية و كان واضح من طريقتها بأنها تشتكي له و تقص عليه الأكاذيب .. ما أن انتهت تلك العجوز من سرد قصتها حتى استدار داني لينظر إليها و فتح فمه ليتحدث لكن لورا سبقته قائلة
- " اسمع لا أعرف ماذا قالت لك السيدة .. لكنها هي من تهجم علي و أنا أهم بالنزول .. لقد اعتقدت بأني انتهك حرمة المنزل و أقسم لك بأني لم أكن أنوي فتح ذلك الباب .."
ابتسم لها داني و بدا متفهما جدا
- " لا بأس.. لم يحدث شيئا .. اعذريها "
ما أن قال داني ( اعذريها ) حتى بدأت تلك العجوز بتكلم بنبرة عالية موبخة بلغتها الاسبانية الغير مفهومة بالنسبة للورا فقررت أن تعود الأخرى إلى حجرتها و لا تخرج منها إلا أذا عاد الدوق ...
عندما استدار داني لم يجدها واقفة فشتم بصوت خافت .. و سمعته من بعيد يؤنب العجوز المدعوة بنانيرا ..
هل يعقل أن يكون ذاك الأشقر الوسيم هو الدوق !! لا لا أعتقد فكل الصور التي رأيتهم للدوقات و النساء ذوات الشعر الأسود الغجري .. فمن أين يكون للدوق شعرا أشقرا ؟؟
و من تلك العجوز التي تهجمت علي !! يا إلهي لا يمكن أن يكون الوضع أكثر تعقيدا ...
أمسى الليل و لم يدعوها الدوق إلى مقابلته و سأمت الانتظار و الجلوس في تلك الحجرة حيث لا أنيس لها إلا التلفاز .. كانت تأخذ الغرفة ذهابا و إيابا و هي تفكر بالذي أحضرها إلى هنا إلى هذه البلاد البعيدة وحدها .. هل حقا هي تهتم بهذا القصر الذي لا يعينها شيئا ؟!! هل من الصواب أن تأتي إلى هنا و تفكر أن تعيش بين هذه العائلة التي لا تنوي الترحيب بها حتى لم يتكفل كبيرها بدعوتها على العشاء أو لمقابلتها ؟!! هل تعود من حيث أتت و تترك كل شيء لذلك الدوق ؟! أم تنتظر؟!! لكن ما هو الشيء الذي ستنتظره ؟! و هل ستنتظره طويلا ؟؟؟
استفاقت على صوت هدير محرك سيارة في الخارج ففتحت عينيها لتنظر إلى ساعتها التي تشير إلى الثانية صباحا .. من يكون يا ترى ؟!! جرت نفسها من الفراش و اقتربت من النافذة لتلقي نظرة لكنها تأخرت فكل ما رأته هو ذلك الشاب اللطيف ذو الشعر الأصفر الذي تكلم معها صباح اليوم فقررت أن تعود إلى فراشها .. تقلبت في محاولة للنوم لكن بلا جدوى .. فأخذت الهاتف و قامت بالاتصال على صديقتها جاكلين .. أجابها صوت ناعس من الجهة الأخرى للهاتف
- " آلو ؟!"
- " جاكلين .. مرحبا ..هذه أنا لورا "
و كأنها صحصحت من نومها عندما سمعت صوت لورا .. و شعرت الأخرى بالحنين إلى الوطن على الرغم من أنها تغيب لأشهر و أسابيع على الدوام لكنها لا تشعر بنفس هذا الحنين الذي شعرت فيه بمجرد إقامتها هنا ليومين !!
- " لورا عزيزتي كيف حالك ؟! "
جاءها صوت لورا مخنوق ..
- " لست بخير يا جاكي .. أريد أن انفجر "
- " لم ؟ ما الذي حدث ؟!"
- " للأسف لم يحدث شيء .."
- " ماذا تعنين ؟!"
- " أعني بأني هنا وحيدة و لم أقابل الدوق حتى الآن ... لا اعرف إن كان يقصد أن يتجنبني"
- " هل هذا معقول ؟ لم تقابلينه حتى الآن ؟! "
- " لقد قابلت مستشاره و خادمته و مربيته الشرسة المدعوة بنانيرا.. تصوري بأنها هاجمتني اليوم لأنني كنت واقفة بالقرب من حجرة الدوق و افتعلت مشهدا حتى أتى شخصا ما ليهدئها و يعتذر نيابة عنها لكن غضبها زاد حتى اضطررت أن ألوذ بجلدي و أعود إلى حجرتي و لا أخرج منها "
- " يا عزيزتي .. و ماذا ستفعلين إذا ؟"
- " أريد مشورتك يا جاكي .. هل أبقى و انتظر أم أعود و أتنازل عن ورثي ؟! "
سكتت جاكلين لبرهة تفكر بأمرها و قالت بهدوء
- " بماذا يحثك قلبك ؟! "
- " أن أعود "
- " و عقلك ؟! "
فكرت قليلا ثم تنهدت قائلة
- " عقلي .. آه منه إنه فضولي لدرجة كبيرة و يحثني على الانتظار حتى أقابل ذلك الدوق الوحشي الذي كرهته قبل رؤيته "
ضحكت جاكلين فلقد أجابت لورا نفسها بنفسها ..
- " و ماذا تقولين الآن ؟! "
- " اعتقد ..سأبقى و أرى إلى ماذا ستؤول إليه الأمور ... آسفة لإزعاجك يا حبيبتي هيا عودي للنوم و شكرا لك "
- " لا تتأسفي أبدا من الجيد انك اتصلت و سعدت لسماع صوتك .. واعرفي دائما بأني أساندك في كل قراراتك .. حظا سعيدا "
- " شكرا لك "
- " على الرحب و السعة "
شعرت براحة تامة لأنها تحدثت مع صديقتها المقربة و استطاعت بعد تلك المكالمة أن تخلد للنوم ..
في الصباح دخلت وانيتا بعربة الإفطار إلى لورا و فتحتها أمامها و بدأت تسكب لها الطعام في طبقها .. سألتها لورا
- " أعرف بأني سألتك كثيرا هذا السؤال لكني سأكرره حتى أقابل الدوق .. هل تناول الدوق باتريك إفطاره ؟ ألم يدعوني لمقابلته ؟ هل يعرف بوجودي هنا أصلا ؟! "
- " آسفة يا آنسة ..لكني حقيقة لم أرى الدوق هذا الصباح "
تأففت لورا و نفخت بعصبية
- " حسنا شكرا لك يا وانيتا "
بعد أن أنهت إفطارها قررت أن تخرج من تلك الغرفة التي بدأت تكرهها ,فلورا ليست من النوع الذي يحب الجلوس في مكان واحد دون أن يقوم بعمل شيء ما فهي بطبيعتها حركية و مغامرة و تحب استكشاف الأشياء .. الآن ستغامر بالنزول إلى الطابق السفلي و مواجهة العجوز الشرسة إن هاجمتها مرة أخرى ...
تمشت في الطابق السفلي الذي كان واسع جدا و يخلو من الحجرات بل كان مفتوحا على بعضه من حيث الصالات و غرفة الطعام إلا من باب مغلق و قررت أن تبتعد عنه و لا تقترب منه أبدا .. كان طعام الإفطار لا يزال على المائدة الطويلة الضخمة و يبدو بأن الدوق لم يتناول شيئا منه .. ظلت واقفة لدقائق تنتظر أن يطل عليها لكن لا أحد غير الخدم الداخلين و الخارجين .. يبدو بان عدد الخدم أكثر من العائلة نفسها ..
خرجت إلى الحديقة و كانت بدورها واسعة جدا إلى ما لا نهاية و في وسطها وجدت نافورة عملاقة تصب في حوض للسباحة و هو كبير جدا أيضا و فوقه نصب جسرا للعبور .. كان المنظر رائعا و كأنها تتمشى في جنة خلابة تظللها الأشجار و الزروع و الورود الغريبة العجيبة بألوانها الرائعة بكل الأجناب ...
تمشت حتى أصبحت الحديقة و الحوض الكبير خلفها و بعيدا عنها .. و بينما هي تسير لمحت أمامها مبنى رخامي أبيض صغير يقع أسفل القصر في منحدر و ينبغي أن تمشى لمسافة قصيرة لتصل إليه و كلما كانت تقترب منه كان يتبين لها بأن ذلك المبنى الصغير ما هو إلا إسطبل كبير للخيل و أمامه حلقة كبيرة مسورة بسياج أبيض و كان يوجد شخص داخل هذه الحلقة يركض و يركض معه جواد يصهل في كل ثانية .. اقتربت أكثر و توقفت لتستند على السياج و تنظر إلى ذلك الرجل الأسمر الطويل ذو الجسم الرياضي الذي يركض مع الحصان و يحاول أن يضع عليه اللجام لكن ذلك الحصان يصهل و يركض مبتعدا رافضا أن يعلق عليه اللجام .. حاول ذلك الأسمر لأكثر من مرة و ركض أمامها و شعره الأسود الكثيف يتقافز معه و كأنها تنظر إلى إعلان في التلفاز عن شامبو أو مستحضر تجميلي ..
كان تركيزه على الحصان العنيد أمامه و بدا لها ذلك الأسمر الوسيم أنه أعند من ذاك الجواد الهائج ..
اندمجت مع حركات هذا الرجل الأسمر ذو اللون البرونزي الأنيق الذي يرتدي قميص أبيض فضفاض و أزراره مفتوحة كلها تقريبا حتى يدخل الهواء داخل قميصه مفتعلا إعصارا كلما لامس صدره المكشوف.. و بنطاله الأسود الذي ارتدى فوقه جزمه سوداء عالية .. كان فارسا بمعنى الكلمة ..
بعد عدة محاولات بدأ ذلك الحصان العنيد يرضخ لعناد سيده الذي لم يبد عليه التعب بل كان مصرا على ترويض ذلك الجواد الجميل.. شيئا فشيئا استطاع الرجل الأسمر أن يضع اللجام عليه ثم بقفزة واحدة امتطى ظهره..
لا شعوريا صفقت لورا صفقة واحدة ثم توقفت بسرعة بعد أن التفت ناحيتها و لمحها فاقترب منها بالحصان.. كان ظهره مستقيم و مشدود و ينظر إليها بعين ثاقبة و يقترب بكل رصانة.. تصلبت في مكانها .. و استطاعت أن ترى ثلاثة رجال في الجهة الأخرى من السياج يهرولون مقتربين أيضا.. يا إلهي هي في ورطة.. أخذ قلبها يدق بسرعة فجائية عندما توقف الرجل الوسيم أمامها بجواده الذي انقاد له .. و بقفزة واحدة كان يقف على الأرض يحدق فيها بطريقة مريبة .. و دون وعي منها رجعت خطوة للخلف .. و اعتقدت انه من المفروض أن تعرف نفسها فقالت بتوتر
- " مرحبا .. أنا لورا "
لم تتغير ملامح وجهه و لم يحمل نفسه عناء الرد عليها بل اكتفى بالتحديق فيها بكبرياء.. كأنه لا يفهم ما الانجليزية ..
اختلطت مشاعره في قلبه ... فمن تكون هذه الجميلة الساحرة ؟!! ذات الملامح المألوفة ؟!!
كانت ترتدي جينز أزرق و قميص أسود مرتب يلتصق بجسدها ليبرز نحافة خصريها .. و شعرها الأشقر مسترسل على كتفها .. كما و أنها لم تنس ارتداء قرطين صغيران .. يضفيان على شكلها العملي لمسة أنثوية طاغية .. بدت جذابة باختصار ..
عندها وصل ماريو الرجل الذي اصطحبها إلى هنا قبل يومين و لم تره بعدها .. كان يلهث و خلفه داني المتقطع الأنفاس الرجل الذي اعتذر لها صباح الأمس عن تصرف تلك العجوز ..
حينها تحدث ذلك الفارس بالاسبانية بطريقة مغرية جدا .. أضفت إلى هذه الصورة الرجولية صوتا رجوليا آخر .. لتكتمل الصورة .. تحدث إلى الرجلين و أجابه ماريو بنفس اللغة .. و ما استطاعت التقاطه من جملة ماريو هو كلمة (دي بابلو ) و هي عائلة والدها ..
لم يبعد عينيه عنها و كانت تحس بنظراته تخترق حاجز قلبها .. من هذا الرجل العجيب ؟!
سألها ماريو باحترام و ود
- " ماذا تفعلين هنا يا آنسة ؟! "
أجابت و هي تنظر إلى الرجل الأسمر و هو يوقف الجواد عن الحركة واحدة منه .. و كان يترقب جوابها..
- " كنت أتمشى .. و لم أعلم بوجود إسطبل هنا "
ابتسم لها ماريو بتوتر .. و قال
- " حسنا يا آنسة ينبغي لك أن تعودي إلى القصر "
- " لكني .. "
و بسرعة رفع نظره للرجل الذي لا يزال يحدق فيها .. و كان هناك مغناطيس يجذب عيناه للنظر إلى ملامحها الناعمة ..
قال لها ماريو
- " أرجوك يا آنسة .. عودي "
تضايقت من إصرار ماريو أن تعود للقصر .. فقالت بنبرة معاتبة
- " حسنا سأفعل لكني أريد أن أقابل الدوق .. إنه ثالث يوم لي هنا و لم أقابله بعد ..ألا يكلف نفسه للسؤال عن ضيوفه ؟! أو على الأقل أن يدعوني للعشاء ؟! فهل هكذا يتصرف الدوق في العادة .؟؟.. أرجوك أبلغه ذلك .. اعتقد بأنني يعلم باني وصلت منذ يومان .. "
انقبض قلب ماريو و تبادل النظرات مع ذلك الرجل الأسمر المريب و مع داني الذي احمر وجه و أراد أن ينفجر ضاحكا .. رأت شبح ابتسامة ترتسم على ملامح الرجل الأسمر الجدية الحادة ثم سرعان ما عادت مثلما كانت.. أشار لماريو الذي كان يتحرى إجابته برأسه ففهم و استدار ماريو ليقول ..
- " يا آنسة .. إنك في حضرة الدوق .. دون باتريك "
ماذا ؟!!! تمنت أن تنشق الأرض و تبتلعها في هذه اللحظة .. عضت على شفتيها و قد أحمر وجهها خجلا و لم تستطع أن تضع عينيها في وجه الرجل الأسمر الوسيم.. إذن هو الدوق باتريك !! لم تعتقد بأنه قد يكون شابا و مفعما بالنشاط و له وسامة طاغية .. فلقد تخيلته يشبه أحد الرجال المرعبين في اللوحات الزيتية الموضوعة عند مدخل القصر.. ارتاحت قليلا لأنه بدا لها لم يفهم ما قالته .. أو لعله فهم .. لكن لابد و أنه لا يعرف كيف يتحدث الانجليزية .. بهذا طمأنت نفسها و هي تعرف بغرارة نفسها بأن لا يعقل أن يكون دوقا و لا يعرف كيف يتحدث الانجليزية .. خاصة و أنه شاب .. لذلك تراجعت خطوتين للخلف و قررت الابتعاد عن هذا المكان لعلها بذلك تحفظ ماء وجهها
- " اعذروني .. سأعود إلى القصر "
و استدارت لتذهب بعيدا لكن صوتا هادئا و واثقا و رجوليا هز بدنها هزة عنيفة
- " انتظري "
تجمدت رجليها و هي تستدير و كان قد خطر السياج و أصبح خلفها مباشرة.. قال لها بلكنة أمريكية متقنة
- " كان ينبغي علي أن أقابلك منذ الأمس لكني انشغلت قليلا فاعذريني يا آنسة .. وكما إنني عدت مساءا إلى القصر ..و اليوم لم انوي ايقاضك في الصباح حتى لا أزعجك .. و كنت سأدعوك على العشاء أيضا .. فاعذريني مرة أخرى يا آنسة آغنر.. "
نظرت بين بحريتين من العسل تضللهما أشجار سوداء كثيفة فنسيت ما أرادت قوله .. و لم تتذكر إلا عندما أخفضت بصرها عن عينيه ..
- " أنا آسفة لوقاحتي .. كنت .. "
قاطعها بكل سهولة .. دون أن يرفع صوته حتى و ألزمها السكوت.. قائلا
- " لا بأس .. كان يفترض أن أعرفك على نفسي منذ البداية حتى نتجنب كلانا الإحراج "
أومأت برأسها و هي تشعر بجسدها يشتعل نارا أمام نظراته و طريقته اللبقة في التحدث إليها ..
تحدث إلى ماريو بالاسبانية حتى لا تفهمه.. و بدا لها أكثر جاذبية .. و تمنت لو انها تلقت دروس في الإسبانية ..
- " ماريو خذها إلى القصر بالعربة الصغيرة و أخبرها أن لا تغادر حجرتها إلا عندما ندعوها للعشاء عندها سأرى ماذا تريد مني تلك الجريئة و إلى متى سنتحمل بقاءها هنا"
- " لك ما شئت يا سيدي "
اقترب منها ماريو عندما خطر الدوق السياج مرة أخرى و ركب ظهر الجواد مبتعدا إلى الإسطبل ..
- " تفضلي معي يا آنسة .. آخذك إلى القصر بالعربة "
- " لكني أفضل السير على الأقدام "
- " ستشعرين بالتعب فالصعود إلى المنحدر أصعب من النزول منه "
- " لا بأس "
- " أرجوك يا آنسي أن تأتي معي "
أيقنت بأن الدوق هو وراء هذا الأمر يبدو بان الجميع هنا ينصاعون لأوامره بحركة واحدة من عينيه فقط .. لا تعرف لم لا يحبذ فكرة أنها كانت تتمشى وتتفقد الحديقة و الإسطبل .. و هل هو جاف هكذا على طبيعته أم معها فقط ؟!!
طرقت وانيتا باب حجرة لورا فدعتها للدخول ..
- " أهلا وانيتا .. كيف أبدو ؟! "
كانت ترتدي فستان أخضر ضيق عند الخصر ثم يأخذ بالاتساع حتى يصل إلى ركبتيها .. نفشت شعرها الأشقر الكثيف و تركته يسترسل على كتفها و ربطت شريطة سوداء في منتصفه .. كما ارتدت قرطين ناعمين و حذاء أسود ذو كعب عالي .. و رسمت عينيها بكحل أسود خفيف ليبرز لونهما الزمردي و لمعت شفتيها بلونهما الطبيعي .. كأنها ستذهب إلى موعد غرامي أول لها ..
- " خلابة .. "
- " شكرا لك وانيتا .. ماذا أردت ؟! "
- " دون باتريك ينتظرك على المائدة لتناول العشاء "
- " آه .. إن الوقت باكرا لتناول العشاء "
- " الدوق لا يتناول إلا وجبة الإفطار و وجبة العشاء فقط ..لذلك يشعر بالتعب خاصة و انه يقضي معظم الوقت بالخارج.. "
- " هذا واضح بأنه رياضي و صحي جدا .. ألا تعرفين كم يبلغ من العمر ؟! "
- " سيبلغ الثلاثين قريبا "
لا تعرف لم أسعدها ذلك .. هل لان تخمينها صائبا أم لأنه شاب فحسب ؟!!
قادتها وانيتا إلى غرفة الطعام الكبيرة حيث المائدة الضخمة الممتدة إلى ما لا نهاية و تنزل في وسطها ثريا عملاقة من الكريستال و الذهب .. سكت الجميع انبهارا ما إن دخلت لورا .. وقف لها الرجال .. الدوق و داني و ماريو .. باتريك على رأس الطاولة و على يمينه نانيرا إيزابيلا و ماريو و على يساره داني و ترك مقعد لها بالقرب من داني .. فتح لها داني الكرسي لتجلس.. و ظل باتريك يمعن النظر فيها و هي تجلس بخفة .. بدت له مألوفة جدا و كأنه رآها في مكان ما لكنه لا يذكر أين!! و لم يبعد نظره عنها إلا عندما أحست هي بمن يحدق فيها فالتفت لتصطدم نظراتهما , شعرت بالخجل فأنزلت عيناها .. لكنه لم يكترث بل ظل يحدق بكل جرأة يحاول أن يتذكر أين رآها من قبل ..
كانت العجوز ترسل لها نظرات نارية .. ما بها هذه العجوز ؟! و لم كل هذا العداء ؟؟ و من تكون ؟!
كانوا يتناولون طعامهم بهدوء ..والجو موترا بالنسبة لها فكل الأعين عليها وحدها لذلك لم تستطيع أن تتناول طعامها .. كان الدوق ينظر إليها بطرف عينيه بين حين و أخرى, يا إلهي كيف أستطيع أن أتناول طعامي و الكل يحدق بي بتلك الطريقة .. بالأخص هذا السيد المتأنق .. كان يرتدي قميصا أسودا و قد رفع أكمامه إلى الأعلى و بنطاله أسود أيضا .. بدا شكله نظيفا عن ما راته هذا الصباح .. خاصة بانه قام بحلق ذقنه و شعره الأسود القصير مرتبا و ممشوط للخلف و كأنه رجل من عامة الناس لو أنها رأته في مكان آخر غير هنا .. بل بدا ماريو ببذلة السوداء المتأنقة و كأنه هو الدوق ...
وقعت عيناه على طبقها.. فتوقف عن الأكل و سألها قاطعا جو السكون بإنجليزيته المتقنة
- " آنسة آغنر ؟! لم تلمسي طبقك .. ماذا ألا يعجبك الطعام ؟ "
لم تتوقع سؤاله هذا .. فارتبكت و أجابته بعفوية
- " لقد تذوقت القليل منه .. إنه لذيذ .. شكرا"
لم يعجبه ردها فسألها و في عينيه مكر
- " إذا لم وقفتي عن الأكل ؟! هل تتبعين نظاما للتخسيس ؟! "
لقد وضعها في موقف حساس حيث ترك الجميع ما بيدهم ليحدقون في وجهها الذي احمر خجلا .. و ربط لسانها و توقف عقلها عن التفكير في إجابة عقلانية .. كانوا ينتظرون ردها فتنحنحت قائلة
- " أنا آسفة .."
رفع ذقنه و كرر قولها باستغراب .. انه ينتظر جواب أكثر منطقي ..
- " آسفة؟! "
يا إلهي إنه لا ينفك عن التحقيق معها و كأنه يقصد إحراجها .. لن يسكته إلا قول الحقيقة ..
- " أنا آسفة لأنني لا أستطيع أن أتناول طعامي و الكل يحدق بي "
فتح باتريك عينيه على اتساعهما دهشة بردها الصريح و الصادق و تبادل النظرات مع داني الذي احتقن وجهه.. عندها انفجر ضاحكا عندما رأى باتريك مبتسما و أخذ الجميع يضحكون .. إلا نانيرا العابسة .. أنزلت لورا رأسها للإحراج و قررت أن تحفظ ماء وجهها و تغادر إلى حجرتها .. وقفت على طولها و استأذنت الرحيل لكن الدوق سرعان ما تغيرت ملامحه لتصبح جدية و توقف عن الضحك و قال لها بصوت آمر
- " عودي إلى مكانك يا آنسة "
جعلها صوته الآمر تحس و كأنها في عصر العبودية .. لذلك لم تتحمل هذا الصوت الآمر فتجرأت و رفعت بصرها تنظر بين عينيه بضيق من طريقته ..و كل ما رأته هو نظرة الحزم الحادة و الهدوء على ملامح وجهه الساكنة .. و عندما لم تجلس عنادا و كبرياء منها كرر أمره لكن بطريقة مختلفة و أكثر ودية مع طيف ابتسامة
- " على الأقل أنهي طبقك .. لن يقوم أحد عن هذه الطاولة إلا عندما ينتهي الجميع .. و لن يحدق بك أحدا .."
أضافت نانيرا موبخة
- " من الأصول يا آنسة أنا لا تقومي من الطاولة تاركة طعامك و الدوق لا يزال جالسا "
شعرت بالنار تسري في عروقها و تحرق أوصالها .. لابد أنه يعني إذلالها أمام الجميع إذ جعل تلك العجوز الشمطاء توبخها.. جلست بعد أن حدجته بنظرة غاضبة لم تؤثر فيه.. بل أكمل تناول طعامه و كذلك تحديقه بها .. شعرت برغبة بالبكاء لأول مرة منذ قدومها إلى هنا و لا تستطيع أن تمنع دمعة صغيرة فلتت منها فأسرعت بمسحها حتى لا يراها أحد مهزومة و ضعيفة ... تنصاع لأوامر دوق أسبانيا الذي لم تعرفه إلا منذ ساعات ..
بعد أن قام الدوق عن المائدة تبعه الجميع و كذلك فعلت هي .. جلس في الحديقة حتى يشعل سيجارته و أخذ ينفثها بالهواء و من ثم تبعه داني و أشعل سيجارته هو الآخر أيضا.. لكن ماريو استأذن الدوق و غادر.. و كذلك فعلت نانيرا قبلت رأس الدوق و تحدثت معه بالاسبانية و كانت منزعجة من وجود لورا اليوم على العشاء .. هذا ما أحست به لورا التي كانت واقفة تنظر إلى ظهر الدوق و رأسه من الخلف و وجه نانيرا المتهكم.. التي كانت تنظر إليها و في عينيها الحقد كله .. ما أن أنهت تلك العجوز حديثها حتى مرت بالقرب من لورا و دخلت القصر لتخلد إلى النوم ..
قال داني إلى الدوق شيئا في أذنه ما جعله يستدير ليجد لورا واقفة قرب النافذة المفتوحة على الحديقة ..
- " اقتربي يا آنسة.."
قالها بود هذه المرة .. لكن صوت الأمر لم يغب عنها ..اقتربت منه بانزعاج فهي لا تحب أن تخضع لأوامر أحد ..لكنها لا تريد أن تكون فضة و هي الضيفة عليهم.. خاصة و أنها قد عاشت حياتها مستقلة فمن الصعب أن تتقبل الآن شخصا غريب عنها يأمرها و يفرض رأيه و حكمه عليها حتى و أن كان دوقا ..
مد علبة السجائر إليها .. و قال
- " هل تدخنين ؟! "
نفت برأسها فأعاد علبة السجائر إلى جيب قميصه ..ثم سرح بوجه لورا الجميل تحت تلألأ أضواء حوض السباحة و فكر في نفسه إنه لا ضير من أن يتصبح كل يوم بهذا الوجه القمري و يمسي على تلألئه .. يا إلهي .. أين قابلتها ؟! إن وجهها مألوف جدا ..
قاطع داني حبل أفكاره عندما سأل لورا
- " ما رأيك بالقصر يا آنسة ؟! "
- " أرجوك نادني بلورا.. "
- " حسنا لورا .. لم تجيبيني؟ "
- " آسفة.. القصر.. إنه رائع جدا و قد أحببته كثيرا خاصة و أن طرازه يعود للقرن السادس عشر "
- " آه .. إذا أنت مهتمة بالآثار "
- " كثيرا.. كان تخصصي في الجامعة علم الآثار "
أردف الدوق سائلا باديا عدم اكتراثه بتخصصها أو أي شيء يخصها
- " و هل ترينه المكان المناسب لإقامتك ؟! "
لم يعجبها سؤاله الذي كان يلمح به إلى شيء آخر .. فأجابته بثقة و ذكاء رافعة رأسها حتى تكسر تكبره
- " لم أقرر ذلك بعد .."
تبادلا نظرات شائكة و حادة .. بعد ذلك وقف الدوق فوقف داني و ترددت لورا حتى تقف لكنها فعلت بالنهاية تجنب للمشاكل فهذه الأسرة الغريبة لها عادات تتنافى مع عادات لورا التي تربت على الديمقراطية ..
نظر إلى لورا مطولا .. ثم قال بصوت منزعج لداني بلغته ..
- " حسنا داني .. لا تطيل السهر فلدينا غدا مشوار طويل .. و لا تعقد صداقات مع الغرباء الذين قد يضروننا.. أنت فاهم قصدي "
أومأ داني .. ثم وجه باتريك الحديث للورا بالانجليزية و قال بجفاء و تعجرف
- " و أنت يا آنسة آغنر .. أو دي بابلو .. أيا يكن.. "
قاطعته .. و قالت مع ابتسامة حاولت إن تخفي بها انزعاجها
- " آغنر ... لو سمحت "
لم يعجبه طريقتها في مقاطعته و هو يتحدث .. فقال
- " حسنا آنسة آغنر .. لديك الكثير للتحدث عنه مع المحامي سانتياغو و ماريو .. و أرجو أن تتوصلا إلى حل يرضي الطرفين .. عمتي مساءا"
استدار ليغادر لكنها قالت بسرعة و بانزعاج
- " لكن كنت أريد التحدث معك أنت بهذا الأمر .. أنا و أنت ..و ليس ماريو و المحامي "
لف ليواجهها و قد بدا عليه الغضب و قال
- " آنسة آغنر .. أنا من يقرر مع من ستتحدثين.. "
قاطعته مرة أخرى و أراد أن يقترب منها و يلطمها لوقاحتها و جراتها في الحديث معه بتلك الطريقة التي لم يتجرا أحد من قبل على التحدث معه هكذا ..
- " لكن هذا شيء يخصني و يخصك يا سيد باتريك .."
صحح لها داني بصوت مرتجف و هو يرى صديقه يشتعل غضبا لجرأة هذه الآنسة الأمريكية التي ظهرت في حياته فجأة و بلا مقدمات.. و الآن تتشاجر معه بكل جرأة و هذه الجرأة يطلقون عليها "وقاحة "عندما ترفع امرأة و ضيفة غريبة صوتها على الدوق أو مضيفها..
- " دون باتريك "
لم تكترث للتصحيح .. فأضافت قائلة
- " أتمنى أن تعطيني من وقتك دقائق نتناقش فيها أنا و أنت وديا بخصوص القصر و الميراث "
اقترب منها كثيرا حتى كاد يلتصق بها .. أخذ قلبها يضرب بعنف ... و كلما اقترب كلما دخلت رائحة عطره القوي في رأسها .. لكنها نظرت إليه بحدة ..فقال لها ببرود و عينان تسعران نارا ..
- " عمتي مساءا "
ثم استدار و دخل القصر ..
ظلت تحدق في ظله حتى اختفى .. و عادت لها دقات قلبها .. استدارت لتنظر إلى داني الذي كان يرمقها , جلست في مكانها و هي تتأفف متضايقة من ذلك الدوق المزعج و تمنت أن يكون شيخا كبيرا أفضل بكثير من أن يكون شابا مغرورا و متكبرا
- " يا إلهي .. هل هو حازم و عنيد معكم أيضا ؟ "
- " أعذريه يا لورا إنه يعاني من ضغوطات كثيرة "
- " ليس هناك عذر لأن لا يتصرف بلطف معي .. لم يعاملني و كأني عدوة له ؟! "
- " هل هذا ما تعتقدين ؟! "
- " هذا ما أراه و أحسه "
- " لا يا لورا إن باتريك رجل نبيل و مهذب جدا و عندما تقتربين منه ستشعرين بلطفه و كرمه و سخاء نفسه "
- " و كيف أقترب منه و هو لا يترك لي المجال بل يغلق جميع الأبواب في وجهي ..اسمع يا ..؟؟"
تذكرت بأنها لم تتعرف على أسمه بل سمعت الدوق يناديه بداني .. لكنه قال لها مبتسما و بدا لطيفا جدا ..
- " دانيال .. لكن يفضل أن تناديني بداني "
- " داني .. بصراحة أنا لم اعتد هذه الحياة حيث القوانين و التعقيدات و الرسميات لقد ولدت في دنيا الاستقلالية لا أحد يفرض علي رأيه و الجميع من حولي أصدقاء لي .. لذلك من الصعب علي أن أقبل تصرفات الدوق معي "
اقترب منها قليلا و قال بصوت منخفض و كان يتلفت و كأنه خائف من أن أحد يراقبه من بعيد
- "ماذا تتصورين من رجل تزوجت والدته بلا رضاه لأنه لم يجد بان ذلك الزوج من مستواها كما و أنه سمع الكثير من الأمور المشيبة عنه .. و بعد ذلك عاندته و اختارت زوجها على ابنها ..فيغادرها ليعيش ست سنوات بعيدا عنها دون أن يتحدثا مع بعض .. ترك حياته هنا و مستقبله و واجبه الحقيقي لأرضه و أرض أسلافه ليعيش في لوس أنجلوس ثم يسمع بنبأ موت والدته فيعود بعد سنوات من الفراق ليودعها جثة هامدة و هو يشعر بالندم على ما حدث بينهما .. لقد تغير باتريك منذ تلك الحادثة و لم يعد مرح كما السابق حتى أنني لا أراه يبتسم أو يضحك إلا نادرا .. و الذي أحزنه أيضا أنه دفن في نفس ذلك اليوم والدته و زوجها الذي توفى قبل ساعات و قد أجرى له مراسيم دفن تليق به كزوج أب .. لكن الذي زاد الأمر سوءا هو عندما علم بأن هناك من يشاركه في ملكه و ملك أسلافه لقرون عديدة .. و هو أنت يا لورا فكيف تريدينه أن يتصرف معك و هو يشعر بأنه قد خسر كل شيء في حياته أولا والده و بعدها والدته و بعد ذلك يخسر جزء من أملاكه لفتاة غريبة .. لا و هي ابنة ألد أعداءه ؟!! "
لقد اختصر لها داني قصة حياة الدوق المأساوية في دقائق فجعلها بذلك محزونة و مشفقة عليه لذلك بقيت صامتة تفكر بينها و بين نفسها بما يجب فعله .. فأردف داني
- " اسمعي يا لورا أنا لا أدافع عن باتريك لأنه صديق الطفولة أو لأنه دوق ألبا .. بل أقول لك ذلك كي تضعي نفسك في مكانه ؟! أقسم لك لو كنت أنا من جرت معي كل تلك الأمور لطردتك من المنزل الآن أو لم أكن استقبلك و أدعك تقيمين في أفخم غرفة في القصر و أتركك تتناولين العشاء معي و بالقرب مني.. و لكني لا ألمك أنت أيضا.. فإن رؤيتك و تعرفك على ورثك هو من حقك.. "
أنزلت رأسها محزونة و تشعر بالإحراج فكلام داني جارح جدا و للأسف بان فيه شيء من الصواب ذلك ما جعلها تحتار بأمر الورث هل تقبله أم تتركه لسيده ...؟!!!
لكن داني لم يتوقف و أضاف قائلا ..
- " أعرف بأني أطلت الحديث معك لكن هناك نقطة واحدة و مغزى واحد من كلامي و هو أن تحاولي قدر الإمكان أن تعذري تصرفات باتريك و تسايرينه لعله يهدأ قليلا و يحسن التعامل ..و حاولي الاقتراب منه لعلك تكسبين وده و تجدينه رجلا نبيلا جديرا بالاحترام "
أومأت برأسها فهي لم تعد قادرة على الكلام لأنها أن فتحت فمها ستنفجر باكية .. استقامت واقفة و استأذنته بالذهاب إلى حجرتها..
ما أن فتحت الباب حتى تسارعت دموعها بالانهمار على خدها .. لم تكن متأكدة من سبب بكاءها .. هل هو غربتها أم وحدتها ؟! أم علمها بوجود أب لها و أن بيتر ليس أباها الحقيقي ؟ أم طريقة تعامل الدوق الجافة معها؟؟ .. أم مأساته التي ألقاها داني إلى مسامعها فتزيد من أوجاعها ؟..
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 9
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
لم تنم جيدا تلك الليلة فقد راودتها أحلام مزعجة لم تستطع تذكرها في الصباح عندما استيقظت و ارتدت ثيابها فستان زهري مريح و ارتدت فوقه سترة خفيفة بلون كريمي و رتبت شعرها تاركته مسدول ..
نزلت إلى غرفة الطعام حيث وجدت نانيرا جالسة تتناول إفطارها و الدوق يقرأ جريدته و لم ينتبه لدخولها إلا عندما ألقت التحية بصوت متعب جعله ينزل الجريدة عن وجهه حتى ينظر إليها .. كان وجهها الجميل متعب و السواد تحت عينيها الشبه مغمضتين فأدرك بأنها لم تنم جيدا في الأمس..
قال لها مع ابتسامة مشرقة أضافت إلى وجهه الوسيم سحرا آسرا ..
- " صباح الخير آنسة آغنر .. أرى بأنك استيقظت باكرا اليوم ..هل نمت جيدا؟!"
أجابته بلا نفس في التحدث و حاولت أن تتجنب النظر في عينيه و وجه حتى لا تتأثر بذلك السحر ..
- " لا لم أنم قط "
رفع الجريدة إلى عينيه حتى يبين لها بأنه غير مكترث بها .. لكنه سألها كنوع من التهذيب
- " هل كل شيء على ما يرام آنسة آغنر ؟! "
- " هل تسمح لي بدقيقتان من وقتك نتحدث فيهما على انفراد "
- " نتحدث عن ماذا ؟! "
قالها دون أن ينزل الجريدة عن عينيه .. فقالت بعصبية
- " أنت تعرف يا دون باتريك ما أعنيه ؟! "
تكلمت نانيرا بانزعاج موجهة حديثها إلى لورا
- " لابد انك لا تعرفين الأصول يا آنسة .. ألا تعرفي بأنه لا يسمح لك بالتحدث مع الدوق و هو يتناول إفطاره !!!"
و قبل أن تفتح لورا فمها لإسكات تلك المزعجة قال الدوق ..
- " آسف يا آنسة لورا ليس لدي وقت .. قلت لك تحدثي مع ماريو و سنتياغو "
- " لكن .."
و فجأة ترك الجريدة بعصبية ووضعها على الطاولة من أمامه .. استقام واقفا و قبل رأس نانيرا ثم خرج من غرفة الطعام .. غضبت لورا من تصرفه الطفولي و رأت نانيرا منبسطة السريرة و قالت بلكنة انجليزية ضعيفة
- " من الأفضل أن ترحلي عن هنا بكرامتك آنسة آغنر "
أرادت أن تبين لها لورا بأن أعصابها باردة جدا و لم تتأثر بحديث تلك العجوز الشمطاء فقالت مع ابتسامة باردة على شفتيها
- " لن يحدث هذا أبدا .. أتصدقين أنني أقع في غرام القصر يوما عن يوم .. لعلي أنقل إقامتي إلى هنا .. و للأبد "
قبضت نانيرا يدها حتى توقف الدم في معصمها و صرت على أسنانها بعصبية .. استمتعت لورا بانتصارها , كانت ستقول للدوق بأنها تريد التنازل عن الميراث لكنها عدلت عن ذلك عندما أصر على عناده .. و كان مستواه لا يسمح له بالتحدث معها و هي الأمريكية البسيطة ..
خرجت إلى الحديقة تنتظر ماريو و المحامي ..
اقترب منها داني مبتسما ..
- " صباح الخير لورا "
كانت منزعجة لكنها مع ذلك أجابته بابتسامة بالكاد رسمتها على شفتيها
- " أهلا داني .."
- " تنتظرين ماريو و سنتياغو أليس كذلك ؟! "
- " نعم أصبت .. لا أعرف كم من الوقت سأنتظر هنا .. "
- " هل تناولت إفطارك ؟! "
- " لا ليس بعد "
- " إذا ما رأيك أن نتناول الإفطار في شرفتي "
فكرت قليلا ثم ابتسمت له .. فمن الجيد أن تحظى برفيق لطيف و مرح تقضي وقتا معه بدل الجلوس وحدها .. أومأت برأسها موافقة و صعدت معه الدرج و هما يضحكان على نكتة ظريفة ألقاها داني .. و في نصف الطريق إلى جناح داني توقفا حتى يلتقيان بذلك الأسمر المغرور واقفا ينظر إليهما و في عينيه شرر.. كان يحدق في داني المبتسم الذي سرعان ما اختفت ابتسامته عندما رأى تجهم وجه صديقه و قال حتى يخفف من حدة الجو بينهما و نظرات باتريك الثاقبة الحاقدة
- " باتريك .. صباح الخير .. هل استيقظت للتو ؟! هيا تعال و تناول الإفطار معنا "
رفع باتريك حاجبيه و نظر إليه باستغراب .. هل يعني داني ما يقوله أم إنه يدعي الغباء ؟! أجابه باتريك بصوت بارد مستهزئا
- " ألا تعرف بأني أستفيق من نومي قبل الطيور و العصافير .. و أحيانا أوقظهم بنفسي "
ضحك داني بتوتر و تلفت لينظر إلى وجه لورا التي كانت تراقبهما بحذر
- " أه هذا صحيح .. أرأيت يا لورا إنه ليس سيء بتلك الدرجة إنه يجيد إلقاء النكت أيضا "
فتح عينيه على اتساع عندما رأى داني يوجه الكلام إلى لورا .. و كان الأمر يتعلق به .. وضعت لورا يدها على فمها فقد ارتكب داني خطأ فادح رأت نتائجه في عيني باتريك اللتان تتوهجان غضبا و قال بصوت حاد لكنه ساخر
- " و هل تتحدثان مع بعض عني يا دانيال ؟! "
الآن أيقن داني بأنه في مأزق لا يستطيع النفاذ منه .. فأجابه بصوت مرتجف
- " لا يا باتريك ليس كما تعتقد .. كنا .. أعني أنا .. "
لوى شفتيه بابتسامة خبيثة و ربت على كتف داني معلق بمكر
- " أتمنى لكما قضاء وقت رائعا "
ثم سار بكل ثقة مبتعدا عنهما .. وقفا في البهو غير مصدقين ما حدث للتو .. كان قلب داني يخفق بقوة فترك لورا واقفة وحدها و تبع باتريك نازلا الدرج بسرعة و ركض خلفه حتى الإسطبل .. فأسرعت لورا إلى حجرتها فتحت النافذة و أخذت الكاميرا التي أحضرتها معها و قامت بتقريب الصورة حتى استطاعت أن ترى داني واقفا من بعيد ينادي و يركض خلف باتريك الذي امتطى حصانه و انطلق به ..
هل هو هكذا ذو بأس عنيد و جاف مع من حوله حتى مع صديق الطفولة ؟؟.. لم يخشونه هكذا؟؟ عاد داني مطأطأ رأسه ..
- " داني .. أين دون باتريك ؟! "
التفتت ناحية الصوت ليجد المحامي سانتياغو واقفا .. فأجابه بلا نفس قائلا
- " إنه يركب الخيل .. سينوب ماريو عنه "
- " لكن الأمر يتوجب حضوره "
- " لا أعرف شيئا يا سانتياغو أرجوك أتركني في حالي "
دخل داني القصر و صاح ينادي ماريو ثم دخل جناحه و أغلق الباب خلفه ..
تقابلت لورا مع المحامي في غرفة الاستقبال .. صافحته و دعته للجلوس
- " كيف حالك آنسة آغنر ؟ "
- " إنني بخير "
- " هل كل شيء على ما يرام ؟ "
- " نوعا ما ..نعم "
- " هل تحدثت مع الدوق بأمر الميراث ؟! "
- " إنه يرفض التحدث معي بهذا الشأن و يترك الحديث لماريو .. "
دخل ماريو الغرفة قاطعا عليهما الحديث و تصافح مع سانتياغو ..
- " مرحبا .. حسنا لا نضيع وقت لنبدأ فلدي أعمال أخرى أهتم بها و أرجو أن تكونا متعاونين .. بالأخص أنت آنسة آغنر "
هذا هو ماريو حار بطبعه و سريع في عمله و مخلصا للدوق بشكل لا يصدق
- " حسنا يا ماريو ماذا لديك لتقوله نيابة عن دون باتريك مع إني كنت أفضل وجوده بنفسه"
- " الدوق ليس فاضي لتلك الأشياء ... كل ما لدي قوله إنه يجب على الآنسة آغنر تقديم تنازل بشأن الميراث .. أو .."
انزعجت و قالت قاطعة بصوت عال .. يا لجرأته .. هل يعتقد أن الأمر بهذه السهولة أو أنه يتحدث نيابة عنها ..
- " أعترض .. أتنازل .. لا .. أبدا "
قال ماريو مضيفا لكنه كان هادئا و يتكلم باحترام معها
- " انتظري آنسة آغنر أنا لم أنهي كلامي بعد.. لن تتنازلي عن كل الورث .. فقط عن جزءك من القصر "
أصرت على رأيها و قالت بعناد
- " لا لن أفعل "
- " يجب أن تتفهمي يا آنسة بأن هذا القصر هو ملك لعائلة آلفاريز دي تيلدو منذ قرون و لن يسمح الدوق بأن يتدخل أحد غريب في الملك الذي شيده أسلافه "
- " إنني أتفهم ذلك و أعرفه جيدا ... لكني لن أتنازل عن حقي فيه "
لأول مرة يشعر ماريو بالانزعاج من هذه الآنسة العنيدة الجريئة التي تجرأت اليوم على الدوق كما فعلت بالأمس .. إنه يعتبرها سليطة اللسان لكن مع ذلك حاول أن يكون محترما في التعامل معها فهي ضيفة .. لكن ضاق من إصرارها .. فهو الذراع الأيمن للدوق بكل شيء
- " ماذا تريدين من هذا القصر ؟! ليس لك مكان فيه "
- " بلى .. لي فيه جزء "
قال سانتياغو مضيفا
- " و هذا الجزء صغير جدا .. فالدوق قد ورث ثلاث أرباعه و لم يبق لك إلا ربع فقط "
- " ما دام لدي ربع سأقبل فيه.. و سأقيم فيه .. "
تضايق ماريو كثيرا حتى أصبح أسلوبه أكثر حدة ..
- " لم أنت عنيدة هكذا يا آنسة ؟ لن يفيدك هذا القصر بشيء "
استقامت واقفة و قالت بعصبية و صوت مرتفع
- " اسمع لن أتفاوض معك أنت.. اسمح لي يا سيد ماريو فأنت لست صاحب هذا الملك .. لن يتناقش معي إلا الدوق .. أنا آسفة لن أتنازل عن حقي أو ورثي مهما حصل .. "
خرجت من الغرفة إلى الحديقة و أخذت تركض بعيدا خارج السور إلى حيث الغابة الكثيفة ..و بعيدا عن القصر الريفي و ماريو و داني و سانتياغو و تلك العجوز نانيرا و بالذات .. بعيدا عن ذلك الأسمر ذو الوسامة الطاغية و القلب المتحجر .. و التكبر .. ذلك الدوق المتعجرف..
جلست أمام جدول صغيرا لترى انعكاس صورتها عليه .. من هذه المرأة التي تراها إنها ليست لورا آغنر إنها إنسان آخر .. لقد سئمت لعب دور البريئة المظلومة .. و سئمت أن تحترمهم و هم لا يبدون لها إلا سوء النية ..
ستبين للدوق المغرور و حاشيته التابعة بأنها أقوى منه حتى و إن لم تحمل لقب رفيع .. أ يعتقد بأنه وريث عائلة نبيلة أن يكون له السلطة و الرفعة .. لا .. لن تسمح له بذلك أبدا .. لقد أتت إلى هنا في بداية الأمر لفضولها لرؤية ما ورثته من والدها .. ثم شيئا فشيئا بدأت تحب هذا المكان رغم وحشية الناس الساكنين فيه .. أما الآن فكل هدفها للإصرار على عدم التنازل عن حقها .. كل هذا هو لأن تكسر عين باتريك ... فمن من هو حتى لا يتفاوض و يتناقش معها بشأن الورث ؟ هل يرى نفسه أفضل منها ؟! .. ليس بالنسبة لها ..
صرخ قائلا و قد استشاظ غضبا و حنقا على لورا
- " ماذا ؟!! من تعتقد نفسها تلك المرأة الأمريكية الوقحة .. كيف تجرؤ ؟! "
أجابه ماريو المنزعج أيضا من تصرفها اليوم ..
- " لقد حاولت أن أقنعها يا سيدي لكنها عنيدة جدا و وقفت بوجهينا أنا و سانتياغو و قالت بأنها لن تتنازل عن أي شيء و لن تتناقش في هذا الأمر إلا معك "
كور يده بقبضة و ضرب بها الهواء ..
- " تلك اللعينة العنيدة.. ماذا سينفعها أن تناقشت معي ؟! إنها جريئة و وقحة "
التفت ينظر إلى داني الجالس يراقبهم بصمت و هو يشعر بتأنيب الضمير لأنه يشعر بأنه خان صديقه و بدأ يصادق عدوه المتنكر بشكل امرأة فائقة الجمال ..
قالت نانيرا بخبث
- " لابد إنهاطامعة بثروتك يا دون باتريشيو و لعلها لن تتنازل إلا إذا حصلت على مبلغ من المال مقابل نصيبها في القصر"
زاده تعليق نانيرا إيزابيلا غضبا و حقدا أكثر على تلك الغريبة .. فقال بصوت مخنوق
- " أين هي ؟! إنها تريد من يؤدبها .. و أنا سأتكفل بذلك "
- " ماذا تنوي فعله يا دون باتريك ؟! "
سأله المحامي سانتياغو بقلق .. فإن أصابها مكروه سيقع اللوم عليه هو .. فهو من أحضرها إلى هذا المكان .. باعتقاده أنه يقوم بالصواب .. فهذا ما ينص عليه القانون .. لكن ماذا يفعل أمام حضرة رجل ذو سلطة و مكانة مرموقة في المجتمع الذي يعيش فيه .. فقط بأمر واحد من الدوق و ينهي حياة هذا المحامي المسكين الذي لا حول له و لا قوة ..
أجابه باتريك ..
- "أنت آخر من يسألني هذا السؤال يا سانتياغو فأنت السبب في كل شيء .. لكن لا عليك .. احضروها لي فقط و أنا سأتكفل بها"
قال ماريو مضيفا
- " لقد رآها الحراس تغادر حدود القصر و تتجه إلى الغابة "
- " و لم لم يوقفوها ؟! "
سأله و هو يصر على أسنانه
- " لا أعرف يا سيدي "
جلس على الكرسي و أشعل سيجارة لعله يهدأ قليلا .. و تحترق السيجارة كما يحترق هو في الداخل .. قال بهدوء
- " حسنا سأكون بانتظارها حالما ترجع "
أمسى الليل و دون أن تشعر لورا بأنها ابتعدت كثيرا عن القصر و من الأفضل لها أن تعود .. سارت على أطراف أصابعها و هي داخلة إلى القصر حيث كان مظلما لتأخر الوقت فساعتها تشير إلى الثانية صباحا و لابد بأن الجميع نيام ..
أغلقت الباب خلفها بهدوء .. لكنها توقفت عندما شعرت بأنفاس دافئة خلفها .. و حاولت عبثا أن تستدير لتنظر من الذي يقف خلفها .. لكن يدا قوية كانت أسرع منها و قبضت عليها من الخلف و تجرها خارج القصر .. كانت تصرخ لكن تلك اليد الرجولية منعتها عن الصراخ .. فحاولت أن تفلت بكل ما أتيت من قوة من تلك القبضة .. تقاوم و ترفس الهواء و تضرب الرجل ذو الساعدين القويين..
حملها على كتفه و مشى بها بعيدا و هي تضرب كتفه و لا تستطيع أن ترى إلا أقدامه على الأرض
- " أنزلني .. اتركني .. ماذا تريد مني؟ "
أدخلها غرفة مظلمة و من ثم دفعها على الكنبة بعنف..لم تر وجهه حتى الآن لأنه بسرعة استدار ليقفل الباب خلفه.. و ما إن ابتعد عنها لخطوات حتى اندفعت عليه و انهالت عليه ضربا و ركلا.. لكنه استدار مرة أخرى و أجلسها بعنف على الكنبة ثم أنار الأضواء .. تشنجت في مكانها عندما رأته واقفا أمامها يحدق فيها بغضب .. قالت بصوت مخنوق
- " لم فعلت هذا ؟! "
تنهد بعمق و قال كعادته بصوت بارد و واثق
- " هذا ما تريدينه "
لم تفهم ما عناه ..
- " أريده ؟! و ما هو هذا الشيء الذي أريده ؟"
- " تريدين نصيبك من القصر و لن تتنازلي عنه.. "
رفعت رأسها بكل ثقة و قالت بحدة
- " نعم "
- " إذن تفضلي هذا هو نصيبك "
لم تفهم شيئا مما يقوله .. لذلك صرخت بوجهه
- " هل من الممكن أن تكون نبيلا و لو لمرة واحدة و توضح لي ما تقصده "
و كأنها بذلك أثارته فاندفع ناحية الباب و أنار جميع الأضواء ليتضح لها المكان الذي تجلس فيه ليس إلا غرفة جلوس صغيرة ..
- " هذا هو نصيبك آنسة آغنر ... منزل صغير منعزل عن القصر أقام فيه والدك كارلوس عندما كان يعمل هنا كمستشار قانوني لوالدتي .."
دارت عيناها في المكان الصغير المهجور ثم قالت و هي تنظر إليه بغضب
- " لابد إنك تمزح "
- " أبدا .. إن كنت تريدين أن تأخذي نصيبك من القصر.. فهذا هو.. و لن تقيمي إلا فيه.. حتى أن قدمك لن تطأ مكان إقامتي أنا .. و لن يخدمك أي أحد .. فأنت هنا بمفردك .. مستقلة كما كنت في موطنك.. هل يعجبك هذا آنسة آغنر؟؟ "
سكتت لبرهة ثم قالت بهدوء ..
- " للأسف يا حضرة الدوق .. لا أصدقك .. لذلك لن أقبل عرضك و سأعود إلى القصر حيث جناحي "
قهقه ثم سرعان ما عادت ملامحه إلى الجد
- " عرض ؟؟.. هه ..أنا آسف .. لن يحصل ذلك "
وقفت و سارت ناحية الباب غير مكترثة به و أيا كان ما يكون.. دوقا.. ملك .. إمبراطورا.. قيصر الروم ..
لكنه سد عنها الطريق بجسده العريض و جذبها بقوة من يدها .. فسقطت على الكنبة مرة أخرى وقف يحدق فيها ..نظرت إلى عينيه الجميلتين و للحظة كادت أن تضعف أمام سحرهما لكنها سرعان ما تذكرت بأن الذي يقف أمامها هو الرجل الذي رفض التناقش معها بحجة أن النبلاء لا يتفاوضون مع عامة الناس بشأن الميراث و الآن يتصرف معها كهمجي و يجبرها على التنازل بقول الأكاذيب ..
- " و هل تصرفك الآن يدل على عرقك النبيل يا حضرة الدوق ؟! "
- " هذا من يدعيني إليه واجبي .. و هو حماية عرقي النبيل يا آنسة آغنر .. "
- " و ماذا ستفعل ؟ هل ستقيدني ؟! "
قرب وجهه منها و قال بصوت هامس مع ابتسامة متطرفة على شفتيه
- " إذا اضطرني الأمر .. "
- " لن تستطيع "
- " أرجوك لا تجبريني على فعل شيء لا أحب القيام به "
- " و هل ستصل بنتيجة أن قيدتني و حبستني هنا ؟! "
- " ربما .. "
- " إذا قيدني .. و سأريك بأنك لن تحصل على تنازل مني "
كانت نظراتها إليه باردة و ماكرة مما جعلها مثيرة في نظره .. أتت خاطرة في باله بأن يأخذها بين يديه و يقبلها.. لكن أعدل عن هذه الفكرة ..
- " لن تستطيعين التأثير بي بكلامك هذا .. انك تظهرين بمظهر الذكية الشجاعة لكنك بأعماقك ترتجفين خوفا "
- " يا لك من مسكين تعتقد بأن الجميع يهابك.. فأنت مخطئ .. أنا لا أراك إلا شخصا عاديا .. مثلي "
ضغط على معصمها فصرت على أسنانها حتى لا تصيح ألما و قال
- " أنت سليطة اللسان و جريئة "
- " و أنت مغرور و متكبر "
ابتسم بطريقة شيطانية و قال و هو يقرب جسده منها ..
- " اعترفي بأن ذلك يعجبك و يغريك"
قالت برباطة جأش و ازدراء منه
- " أنت واثق جدا من نفسك "
لوى شفتيه و رفع حاجب واحد و قد اقترب كليا منها
- " حقا ؟! "
إنها الآن تحت رحمته فقد استطاع أن يستحوذ على عقلها و قلبها بسحره.. ظلت تحدق في عيناه بلا حول و لا قوة.. أخذها بين يديه .. يمعن النظر فيها .. و يدقق في ملامحها .. و كأنه يحاول أن يتذكر أين رآها من قبل؟ شعر برغبة جامحة في تقبيلها فقرب شفتيه منها .. و هي استسلمت له و تركته يتحكم في جسدها و يجذبها إليه مثل المغناطيس ..لكنه في آخر لحظة أفلتها بهدوء ..فتراجعت خطوات للوراء و قلبها يهبط و يرتفع بسرعة غير طبيعية .. احمر وجهها خجلا فأشاحت عنه و عن نظراته الفاحصة..
لكنه اقترب منها و أجلسها بهدوء هذه المرة على الكنبة و دنا منها .. قال لها بصوت ودي
- " ستبقين هنا الليلة .. لديك كل ما تحتاجينه من وقت للتفكير .. أتمنى أن تعودي إلى رشدك يا آنسة .. عمتي مساءا "
تجمعت الدموع في عينيها و ارتجف فمها و هي تراه يفتح الباب فقالت بصوت مخنوق
- " أكرهك .. "
توقف بدهشة عندما سمع كلمتها الطاعنة ثم استدار و حدجها بنظرة آلمتها كثيرا .. نظرة خيبة أمل.. فهو على الرغم من العداء بينهما إلا إنه يحس بشيء تجاهها و يحاول قدر الإمكان أن لا يجرحها أو يؤذيها .. خرج بكرامته ..و صفق الباب خلفه ..
نزلت إلى غرفة الطعام حيث وجدت نانيرا جالسة تتناول إفطارها و الدوق يقرأ جريدته و لم ينتبه لدخولها إلا عندما ألقت التحية بصوت متعب جعله ينزل الجريدة عن وجهه حتى ينظر إليها .. كان وجهها الجميل متعب و السواد تحت عينيها الشبه مغمضتين فأدرك بأنها لم تنم جيدا في الأمس..
قال لها مع ابتسامة مشرقة أضافت إلى وجهه الوسيم سحرا آسرا ..
- " صباح الخير آنسة آغنر .. أرى بأنك استيقظت باكرا اليوم ..هل نمت جيدا؟!"
أجابته بلا نفس في التحدث و حاولت أن تتجنب النظر في عينيه و وجه حتى لا تتأثر بذلك السحر ..
- " لا لم أنم قط "
رفع الجريدة إلى عينيه حتى يبين لها بأنه غير مكترث بها .. لكنه سألها كنوع من التهذيب
- " هل كل شيء على ما يرام آنسة آغنر ؟! "
- " هل تسمح لي بدقيقتان من وقتك نتحدث فيهما على انفراد "
- " نتحدث عن ماذا ؟! "
قالها دون أن ينزل الجريدة عن عينيه .. فقالت بعصبية
- " أنت تعرف يا دون باتريك ما أعنيه ؟! "
تكلمت نانيرا بانزعاج موجهة حديثها إلى لورا
- " لابد انك لا تعرفين الأصول يا آنسة .. ألا تعرفي بأنه لا يسمح لك بالتحدث مع الدوق و هو يتناول إفطاره !!!"
و قبل أن تفتح لورا فمها لإسكات تلك المزعجة قال الدوق ..
- " آسف يا آنسة لورا ليس لدي وقت .. قلت لك تحدثي مع ماريو و سنتياغو "
- " لكن .."
و فجأة ترك الجريدة بعصبية ووضعها على الطاولة من أمامه .. استقام واقفا و قبل رأس نانيرا ثم خرج من غرفة الطعام .. غضبت لورا من تصرفه الطفولي و رأت نانيرا منبسطة السريرة و قالت بلكنة انجليزية ضعيفة
- " من الأفضل أن ترحلي عن هنا بكرامتك آنسة آغنر "
أرادت أن تبين لها لورا بأن أعصابها باردة جدا و لم تتأثر بحديث تلك العجوز الشمطاء فقالت مع ابتسامة باردة على شفتيها
- " لن يحدث هذا أبدا .. أتصدقين أنني أقع في غرام القصر يوما عن يوم .. لعلي أنقل إقامتي إلى هنا .. و للأبد "
قبضت نانيرا يدها حتى توقف الدم في معصمها و صرت على أسنانها بعصبية .. استمتعت لورا بانتصارها , كانت ستقول للدوق بأنها تريد التنازل عن الميراث لكنها عدلت عن ذلك عندما أصر على عناده .. و كان مستواه لا يسمح له بالتحدث معها و هي الأمريكية البسيطة ..
خرجت إلى الحديقة تنتظر ماريو و المحامي ..
اقترب منها داني مبتسما ..
- " صباح الخير لورا "
كانت منزعجة لكنها مع ذلك أجابته بابتسامة بالكاد رسمتها على شفتيها
- " أهلا داني .."
- " تنتظرين ماريو و سنتياغو أليس كذلك ؟! "
- " نعم أصبت .. لا أعرف كم من الوقت سأنتظر هنا .. "
- " هل تناولت إفطارك ؟! "
- " لا ليس بعد "
- " إذا ما رأيك أن نتناول الإفطار في شرفتي "
فكرت قليلا ثم ابتسمت له .. فمن الجيد أن تحظى برفيق لطيف و مرح تقضي وقتا معه بدل الجلوس وحدها .. أومأت برأسها موافقة و صعدت معه الدرج و هما يضحكان على نكتة ظريفة ألقاها داني .. و في نصف الطريق إلى جناح داني توقفا حتى يلتقيان بذلك الأسمر المغرور واقفا ينظر إليهما و في عينيه شرر.. كان يحدق في داني المبتسم الذي سرعان ما اختفت ابتسامته عندما رأى تجهم وجه صديقه و قال حتى يخفف من حدة الجو بينهما و نظرات باتريك الثاقبة الحاقدة
- " باتريك .. صباح الخير .. هل استيقظت للتو ؟! هيا تعال و تناول الإفطار معنا "
رفع باتريك حاجبيه و نظر إليه باستغراب .. هل يعني داني ما يقوله أم إنه يدعي الغباء ؟! أجابه باتريك بصوت بارد مستهزئا
- " ألا تعرف بأني أستفيق من نومي قبل الطيور و العصافير .. و أحيانا أوقظهم بنفسي "
ضحك داني بتوتر و تلفت لينظر إلى وجه لورا التي كانت تراقبهما بحذر
- " أه هذا صحيح .. أرأيت يا لورا إنه ليس سيء بتلك الدرجة إنه يجيد إلقاء النكت أيضا "
فتح عينيه على اتساع عندما رأى داني يوجه الكلام إلى لورا .. و كان الأمر يتعلق به .. وضعت لورا يدها على فمها فقد ارتكب داني خطأ فادح رأت نتائجه في عيني باتريك اللتان تتوهجان غضبا و قال بصوت حاد لكنه ساخر
- " و هل تتحدثان مع بعض عني يا دانيال ؟! "
الآن أيقن داني بأنه في مأزق لا يستطيع النفاذ منه .. فأجابه بصوت مرتجف
- " لا يا باتريك ليس كما تعتقد .. كنا .. أعني أنا .. "
لوى شفتيه بابتسامة خبيثة و ربت على كتف داني معلق بمكر
- " أتمنى لكما قضاء وقت رائعا "
ثم سار بكل ثقة مبتعدا عنهما .. وقفا في البهو غير مصدقين ما حدث للتو .. كان قلب داني يخفق بقوة فترك لورا واقفة وحدها و تبع باتريك نازلا الدرج بسرعة و ركض خلفه حتى الإسطبل .. فأسرعت لورا إلى حجرتها فتحت النافذة و أخذت الكاميرا التي أحضرتها معها و قامت بتقريب الصورة حتى استطاعت أن ترى داني واقفا من بعيد ينادي و يركض خلف باتريك الذي امتطى حصانه و انطلق به ..
هل هو هكذا ذو بأس عنيد و جاف مع من حوله حتى مع صديق الطفولة ؟؟.. لم يخشونه هكذا؟؟ عاد داني مطأطأ رأسه ..
- " داني .. أين دون باتريك ؟! "
التفتت ناحية الصوت ليجد المحامي سانتياغو واقفا .. فأجابه بلا نفس قائلا
- " إنه يركب الخيل .. سينوب ماريو عنه "
- " لكن الأمر يتوجب حضوره "
- " لا أعرف شيئا يا سانتياغو أرجوك أتركني في حالي "
دخل داني القصر و صاح ينادي ماريو ثم دخل جناحه و أغلق الباب خلفه ..
تقابلت لورا مع المحامي في غرفة الاستقبال .. صافحته و دعته للجلوس
- " كيف حالك آنسة آغنر ؟ "
- " إنني بخير "
- " هل كل شيء على ما يرام ؟ "
- " نوعا ما ..نعم "
- " هل تحدثت مع الدوق بأمر الميراث ؟! "
- " إنه يرفض التحدث معي بهذا الشأن و يترك الحديث لماريو .. "
دخل ماريو الغرفة قاطعا عليهما الحديث و تصافح مع سانتياغو ..
- " مرحبا .. حسنا لا نضيع وقت لنبدأ فلدي أعمال أخرى أهتم بها و أرجو أن تكونا متعاونين .. بالأخص أنت آنسة آغنر "
هذا هو ماريو حار بطبعه و سريع في عمله و مخلصا للدوق بشكل لا يصدق
- " حسنا يا ماريو ماذا لديك لتقوله نيابة عن دون باتريك مع إني كنت أفضل وجوده بنفسه"
- " الدوق ليس فاضي لتلك الأشياء ... كل ما لدي قوله إنه يجب على الآنسة آغنر تقديم تنازل بشأن الميراث .. أو .."
انزعجت و قالت قاطعة بصوت عال .. يا لجرأته .. هل يعتقد أن الأمر بهذه السهولة أو أنه يتحدث نيابة عنها ..
- " أعترض .. أتنازل .. لا .. أبدا "
قال ماريو مضيفا لكنه كان هادئا و يتكلم باحترام معها
- " انتظري آنسة آغنر أنا لم أنهي كلامي بعد.. لن تتنازلي عن كل الورث .. فقط عن جزءك من القصر "
أصرت على رأيها و قالت بعناد
- " لا لن أفعل "
- " يجب أن تتفهمي يا آنسة بأن هذا القصر هو ملك لعائلة آلفاريز دي تيلدو منذ قرون و لن يسمح الدوق بأن يتدخل أحد غريب في الملك الذي شيده أسلافه "
- " إنني أتفهم ذلك و أعرفه جيدا ... لكني لن أتنازل عن حقي فيه "
لأول مرة يشعر ماريو بالانزعاج من هذه الآنسة العنيدة الجريئة التي تجرأت اليوم على الدوق كما فعلت بالأمس .. إنه يعتبرها سليطة اللسان لكن مع ذلك حاول أن يكون محترما في التعامل معها فهي ضيفة .. لكن ضاق من إصرارها .. فهو الذراع الأيمن للدوق بكل شيء
- " ماذا تريدين من هذا القصر ؟! ليس لك مكان فيه "
- " بلى .. لي فيه جزء "
قال سانتياغو مضيفا
- " و هذا الجزء صغير جدا .. فالدوق قد ورث ثلاث أرباعه و لم يبق لك إلا ربع فقط "
- " ما دام لدي ربع سأقبل فيه.. و سأقيم فيه .. "
تضايق ماريو كثيرا حتى أصبح أسلوبه أكثر حدة ..
- " لم أنت عنيدة هكذا يا آنسة ؟ لن يفيدك هذا القصر بشيء "
استقامت واقفة و قالت بعصبية و صوت مرتفع
- " اسمع لن أتفاوض معك أنت.. اسمح لي يا سيد ماريو فأنت لست صاحب هذا الملك .. لن يتناقش معي إلا الدوق .. أنا آسفة لن أتنازل عن حقي أو ورثي مهما حصل .. "
خرجت من الغرفة إلى الحديقة و أخذت تركض بعيدا خارج السور إلى حيث الغابة الكثيفة ..و بعيدا عن القصر الريفي و ماريو و داني و سانتياغو و تلك العجوز نانيرا و بالذات .. بعيدا عن ذلك الأسمر ذو الوسامة الطاغية و القلب المتحجر .. و التكبر .. ذلك الدوق المتعجرف..
جلست أمام جدول صغيرا لترى انعكاس صورتها عليه .. من هذه المرأة التي تراها إنها ليست لورا آغنر إنها إنسان آخر .. لقد سئمت لعب دور البريئة المظلومة .. و سئمت أن تحترمهم و هم لا يبدون لها إلا سوء النية ..
ستبين للدوق المغرور و حاشيته التابعة بأنها أقوى منه حتى و إن لم تحمل لقب رفيع .. أ يعتقد بأنه وريث عائلة نبيلة أن يكون له السلطة و الرفعة .. لا .. لن تسمح له بذلك أبدا .. لقد أتت إلى هنا في بداية الأمر لفضولها لرؤية ما ورثته من والدها .. ثم شيئا فشيئا بدأت تحب هذا المكان رغم وحشية الناس الساكنين فيه .. أما الآن فكل هدفها للإصرار على عدم التنازل عن حقها .. كل هذا هو لأن تكسر عين باتريك ... فمن من هو حتى لا يتفاوض و يتناقش معها بشأن الورث ؟ هل يرى نفسه أفضل منها ؟! .. ليس بالنسبة لها ..
صرخ قائلا و قد استشاظ غضبا و حنقا على لورا
- " ماذا ؟!! من تعتقد نفسها تلك المرأة الأمريكية الوقحة .. كيف تجرؤ ؟! "
أجابه ماريو المنزعج أيضا من تصرفها اليوم ..
- " لقد حاولت أن أقنعها يا سيدي لكنها عنيدة جدا و وقفت بوجهينا أنا و سانتياغو و قالت بأنها لن تتنازل عن أي شيء و لن تتناقش في هذا الأمر إلا معك "
كور يده بقبضة و ضرب بها الهواء ..
- " تلك اللعينة العنيدة.. ماذا سينفعها أن تناقشت معي ؟! إنها جريئة و وقحة "
التفت ينظر إلى داني الجالس يراقبهم بصمت و هو يشعر بتأنيب الضمير لأنه يشعر بأنه خان صديقه و بدأ يصادق عدوه المتنكر بشكل امرأة فائقة الجمال ..
قالت نانيرا بخبث
- " لابد إنهاطامعة بثروتك يا دون باتريشيو و لعلها لن تتنازل إلا إذا حصلت على مبلغ من المال مقابل نصيبها في القصر"
زاده تعليق نانيرا إيزابيلا غضبا و حقدا أكثر على تلك الغريبة .. فقال بصوت مخنوق
- " أين هي ؟! إنها تريد من يؤدبها .. و أنا سأتكفل بذلك "
- " ماذا تنوي فعله يا دون باتريك ؟! "
سأله المحامي سانتياغو بقلق .. فإن أصابها مكروه سيقع اللوم عليه هو .. فهو من أحضرها إلى هذا المكان .. باعتقاده أنه يقوم بالصواب .. فهذا ما ينص عليه القانون .. لكن ماذا يفعل أمام حضرة رجل ذو سلطة و مكانة مرموقة في المجتمع الذي يعيش فيه .. فقط بأمر واحد من الدوق و ينهي حياة هذا المحامي المسكين الذي لا حول له و لا قوة ..
أجابه باتريك ..
- "أنت آخر من يسألني هذا السؤال يا سانتياغو فأنت السبب في كل شيء .. لكن لا عليك .. احضروها لي فقط و أنا سأتكفل بها"
قال ماريو مضيفا
- " لقد رآها الحراس تغادر حدود القصر و تتجه إلى الغابة "
- " و لم لم يوقفوها ؟! "
سأله و هو يصر على أسنانه
- " لا أعرف يا سيدي "
جلس على الكرسي و أشعل سيجارة لعله يهدأ قليلا .. و تحترق السيجارة كما يحترق هو في الداخل .. قال بهدوء
- " حسنا سأكون بانتظارها حالما ترجع "
أمسى الليل و دون أن تشعر لورا بأنها ابتعدت كثيرا عن القصر و من الأفضل لها أن تعود .. سارت على أطراف أصابعها و هي داخلة إلى القصر حيث كان مظلما لتأخر الوقت فساعتها تشير إلى الثانية صباحا و لابد بأن الجميع نيام ..
أغلقت الباب خلفها بهدوء .. لكنها توقفت عندما شعرت بأنفاس دافئة خلفها .. و حاولت عبثا أن تستدير لتنظر من الذي يقف خلفها .. لكن يدا قوية كانت أسرع منها و قبضت عليها من الخلف و تجرها خارج القصر .. كانت تصرخ لكن تلك اليد الرجولية منعتها عن الصراخ .. فحاولت أن تفلت بكل ما أتيت من قوة من تلك القبضة .. تقاوم و ترفس الهواء و تضرب الرجل ذو الساعدين القويين..
حملها على كتفه و مشى بها بعيدا و هي تضرب كتفه و لا تستطيع أن ترى إلا أقدامه على الأرض
- " أنزلني .. اتركني .. ماذا تريد مني؟ "
أدخلها غرفة مظلمة و من ثم دفعها على الكنبة بعنف..لم تر وجهه حتى الآن لأنه بسرعة استدار ليقفل الباب خلفه.. و ما إن ابتعد عنها لخطوات حتى اندفعت عليه و انهالت عليه ضربا و ركلا.. لكنه استدار مرة أخرى و أجلسها بعنف على الكنبة ثم أنار الأضواء .. تشنجت في مكانها عندما رأته واقفا أمامها يحدق فيها بغضب .. قالت بصوت مخنوق
- " لم فعلت هذا ؟! "
تنهد بعمق و قال كعادته بصوت بارد و واثق
- " هذا ما تريدينه "
لم تفهم ما عناه ..
- " أريده ؟! و ما هو هذا الشيء الذي أريده ؟"
- " تريدين نصيبك من القصر و لن تتنازلي عنه.. "
رفعت رأسها بكل ثقة و قالت بحدة
- " نعم "
- " إذن تفضلي هذا هو نصيبك "
لم تفهم شيئا مما يقوله .. لذلك صرخت بوجهه
- " هل من الممكن أن تكون نبيلا و لو لمرة واحدة و توضح لي ما تقصده "
و كأنها بذلك أثارته فاندفع ناحية الباب و أنار جميع الأضواء ليتضح لها المكان الذي تجلس فيه ليس إلا غرفة جلوس صغيرة ..
- " هذا هو نصيبك آنسة آغنر ... منزل صغير منعزل عن القصر أقام فيه والدك كارلوس عندما كان يعمل هنا كمستشار قانوني لوالدتي .."
دارت عيناها في المكان الصغير المهجور ثم قالت و هي تنظر إليه بغضب
- " لابد إنك تمزح "
- " أبدا .. إن كنت تريدين أن تأخذي نصيبك من القصر.. فهذا هو.. و لن تقيمي إلا فيه.. حتى أن قدمك لن تطأ مكان إقامتي أنا .. و لن يخدمك أي أحد .. فأنت هنا بمفردك .. مستقلة كما كنت في موطنك.. هل يعجبك هذا آنسة آغنر؟؟ "
سكتت لبرهة ثم قالت بهدوء ..
- " للأسف يا حضرة الدوق .. لا أصدقك .. لذلك لن أقبل عرضك و سأعود إلى القصر حيث جناحي "
قهقه ثم سرعان ما عادت ملامحه إلى الجد
- " عرض ؟؟.. هه ..أنا آسف .. لن يحصل ذلك "
وقفت و سارت ناحية الباب غير مكترثة به و أيا كان ما يكون.. دوقا.. ملك .. إمبراطورا.. قيصر الروم ..
لكنه سد عنها الطريق بجسده العريض و جذبها بقوة من يدها .. فسقطت على الكنبة مرة أخرى وقف يحدق فيها ..نظرت إلى عينيه الجميلتين و للحظة كادت أن تضعف أمام سحرهما لكنها سرعان ما تذكرت بأن الذي يقف أمامها هو الرجل الذي رفض التناقش معها بحجة أن النبلاء لا يتفاوضون مع عامة الناس بشأن الميراث و الآن يتصرف معها كهمجي و يجبرها على التنازل بقول الأكاذيب ..
- " و هل تصرفك الآن يدل على عرقك النبيل يا حضرة الدوق ؟! "
- " هذا من يدعيني إليه واجبي .. و هو حماية عرقي النبيل يا آنسة آغنر .. "
- " و ماذا ستفعل ؟ هل ستقيدني ؟! "
قرب وجهه منها و قال بصوت هامس مع ابتسامة متطرفة على شفتيه
- " إذا اضطرني الأمر .. "
- " لن تستطيع "
- " أرجوك لا تجبريني على فعل شيء لا أحب القيام به "
- " و هل ستصل بنتيجة أن قيدتني و حبستني هنا ؟! "
- " ربما .. "
- " إذا قيدني .. و سأريك بأنك لن تحصل على تنازل مني "
كانت نظراتها إليه باردة و ماكرة مما جعلها مثيرة في نظره .. أتت خاطرة في باله بأن يأخذها بين يديه و يقبلها.. لكن أعدل عن هذه الفكرة ..
- " لن تستطيعين التأثير بي بكلامك هذا .. انك تظهرين بمظهر الذكية الشجاعة لكنك بأعماقك ترتجفين خوفا "
- " يا لك من مسكين تعتقد بأن الجميع يهابك.. فأنت مخطئ .. أنا لا أراك إلا شخصا عاديا .. مثلي "
ضغط على معصمها فصرت على أسنانها حتى لا تصيح ألما و قال
- " أنت سليطة اللسان و جريئة "
- " و أنت مغرور و متكبر "
ابتسم بطريقة شيطانية و قال و هو يقرب جسده منها ..
- " اعترفي بأن ذلك يعجبك و يغريك"
قالت برباطة جأش و ازدراء منه
- " أنت واثق جدا من نفسك "
لوى شفتيه و رفع حاجب واحد و قد اقترب كليا منها
- " حقا ؟! "
إنها الآن تحت رحمته فقد استطاع أن يستحوذ على عقلها و قلبها بسحره.. ظلت تحدق في عيناه بلا حول و لا قوة.. أخذها بين يديه .. يمعن النظر فيها .. و يدقق في ملامحها .. و كأنه يحاول أن يتذكر أين رآها من قبل؟ شعر برغبة جامحة في تقبيلها فقرب شفتيه منها .. و هي استسلمت له و تركته يتحكم في جسدها و يجذبها إليه مثل المغناطيس ..لكنه في آخر لحظة أفلتها بهدوء ..فتراجعت خطوات للوراء و قلبها يهبط و يرتفع بسرعة غير طبيعية .. احمر وجهها خجلا فأشاحت عنه و عن نظراته الفاحصة..
لكنه اقترب منها و أجلسها بهدوء هذه المرة على الكنبة و دنا منها .. قال لها بصوت ودي
- " ستبقين هنا الليلة .. لديك كل ما تحتاجينه من وقت للتفكير .. أتمنى أن تعودي إلى رشدك يا آنسة .. عمتي مساءا "
تجمعت الدموع في عينيها و ارتجف فمها و هي تراه يفتح الباب فقالت بصوت مخنوق
- " أكرهك .. "
توقف بدهشة عندما سمع كلمتها الطاعنة ثم استدار و حدجها بنظرة آلمتها كثيرا .. نظرة خيبة أمل.. فهو على الرغم من العداء بينهما إلا إنه يحس بشيء تجاهها و يحاول قدر الإمكان أن لا يجرحها أو يؤذيها .. خرج بكرامته ..و صفق الباب خلفه ..
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 10
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
-5-
صهيل الحصان في الخارج أيقظها من سباتها .. فتحت عينيها بتثاقل و نظرت حولها.. كانت أشعة الشمس قد تخللت من خلال نافذة البيت الصغير المنعزل عن القصر و على حسب صوت الخيول القريبة في الخارج أيقنت بان البيت بعيدا جدا عن القصر.. وقفت بصعوبة و هي تشعر بان جسدها متكسر لنومها على كنبة صغيرة جدا مما أضطرها أن تتكور حتى تسعها .. فتحت النافذة لتلقي نظرة على الخارج .. بالفعل.. صدق حدسها .. إنها قريبة جدا من الإسطبل و بعيدة لمسافة ليست بقصيرة عن القصر ..
جالت في أرجاء البيت الصغير الذي هو عبارة عن حجرة نوم ضيقة مع حمام لا بأس به .. و غرفة جلوس مشمولة مع طاولة طعام تسع لأربعة أشخاص و مطبخ صغير و مكتب.. و كان مؤثث بطريقة راقية و ذوق رفيع .. لكن يبدو و كأن لم يدخل هذا البيت أحدا منذ قرون..
قرصها بطنها من الجوع فهي لم تأكل منذ الأمس ..
نظرت إلى ساعتها بيدها التي تشير إلى السابعة صباحا .. قالت في نفسها مع ابتسامة شيطانية
- " جيد .. دون باتريك لم يستيقظ بعد .."
رتبت من هندامها و قررت أن تفعل شيئا خارج عن المألوف .. شيئا قد يؤدي بحياتها ..
خرجت إلى الإسطبل و دخلت من الباب الخلفي حتى لا يراها سائس الخيل الذي يقوم بتنظيف الإسطبل .. سارت إلى أقرب حصان لها .. نظرت إليه و هي تشعر بالخوف من لمسه و هو كذلك ارتعب عندما رأى إنسانة غريبة عن هذا المكان .. استطاعت أن تهدئه بجزرة جذبتها من السطل الموضوع أمام الحصان ..أطعمته إياها و هي تمسح على شعره الأسود الناعم ..بعد أن هدأ فتحت الباب له و أخرجته من حيث دخلت هي .. الباب الخلفي .. و من الجيد بأن ذلك الحصان كان يرتدي سرجا ..لابد أن سائس الخيل قد أعد السرج لباتريك ..
صعدت على صخرة صغيرة و امتطته.. تمتمت بصلاة قصيرة ثم ضربت برجلها جنب الحصان فانطلق راكضا بطريقة جنونية ..اتجاه القصر .. بدأت تصرخ بخوف ... و لم تعرف كيف توقف ذلك الحصان السريع الهائج الذي كان يركض بلا توقف و بسرعة غير طبيعية .. تشبثت بالسرج و مالت على ظهره و أحست بأنها ستقع أرضا عندما دخل إلى الحديقة و ركض باتجاه باب القصر الضخم .. لم تعرف هل تبكي أم تضحك أم توقف الصراخ أم تزيد منه حتى يأتي أحد لنجدتها ... أيقنت بان ما فعلته شي خارج عن العقل .. لقد جنت لورا بان فكرت امتطاء الحصان .. و لأنها تشعر بالخوف و لا تعرف كيف تتصرف أفلتت السرج من يدها و غطت عيناها و أخذت تبكي .. و ما هي إلا لحظات و توقف الحصان .. لكنها لم تتوقف عن الصياح و الصراخ ..
جذبتها يد قوية أنزلتها على الأرض .. و ما أن رفعت يدها عن وجهها حتى رأت كل العائلة السعيدة يحدقون فيها بغضب ..
صرخ باتريك في وجهها بعد أن لامست رجليها الأرض
- " بماذا كنت تفكرين ؟! هل تريدين قتل نفسك ؟! "
حدقت في عينيه المشتعلتين غضبا و حاولت البحث عن جواب ملائم لكنها لم تجد أي شيء غير السكوت .. عندما لم يجد جوابا منها تركها بالخارج و دخل القصر.. فتبعه الجميع ما عدا داني الذي بقي معها في الخارج .
. ساعدها على الجلوس و هو يسألها
- " هل أنت بخير يا لورا ؟! "
أخذت نفسا عميقا و هي ترى سائس الخيل يأخذ بالحصان إلى الإسطبل مرة أخرى .. ثم وضعت يدها على قلبها تتحسس النبض ..
- " نعم .. أعتقد ذلك .. يا إلهي لا أعرف بماذا كنت أفكر عندما امتطيت ذلك الجواد "
أجابها داني ضاحكا و هو يربت على ظهرها ..
- " لا و ليس أي جواد .. إنه اسبرينسيس .. "
وضعت يدها على رأسها .. ثم انفجرت ضاحكة .. و ما هي إلا لحظات حتى تحول هذا الضحك إلى بكاء مرير .. كانت تبكي لما حدث معها و الأحداث المفاجئة التي جرتها إلى هنا .. و كونت لنفسها أعداء هي في غنى عنهم .. ما الذي دفعها إلى هذا الجنون ؟؟
ضمها داني إليه و أخذ يربت على رأسها و يهدهدها..
في تلك اللحظة كان باتريك يقف في غرفة الطعام و ينظر إليهما .. بلا تعابير .. بل التعابير ارتسمت في أعماقه .. إلى الازدراء و الخيانة و العداء و .. الغيرة.. هل حقا يشعر بالغيرة ؟! من داني أم من لورا التي استحالت على داني صديق الطفولة ؟!!
- " هيا يا لورا تعالي لتناول الطعام في الداخل ؟!"
رفعت رأسها عن صدر داني و هي تمسح دموعها ..
- " لا يا داني لا أريد .. ليس الآن "
- " لكنك لم تأكلي منذ الأمس "
- " أعرف .. كما إنني أتضور جوعا لكني لن ادخل و أنا على هذه الحال .. "
- " لا أرى شيئا غير مرضي .."
ابتسمت له
- " شكرا لمجاملتك اللطيفة .. اسبقني أنت و سأدخل لأواجه ذلك المتعجرف "
- " تقصدين باتريك "
- " نعم دون باتريك المغرور المتعجرف القاسي الشرس المتوحش .."
قاطعها و هو يضحك
- " لا لا يا لورا توقفي .. كل هذه الألقاب لباتريك ؟! "
أجابته بصوت دفاعي ..
- " نعم و هناك المزيد لو تركتني أكمل "
- " و لم كل هذا العداء ؟! "
- " أتعرف بأنه تركني في البيت المهجور القريب من الإسطبل بالأمس .. "
استهجن وجه داني و سألها مستنكرا فعل صديقه
- " لكن باتريك لا يقوم بهذا الفعل .. أبدا "
- " إذا كيف أتيت من الإسطبل إلى هنا على الخيل ؟! "
- " ما السبب الذي يدفعه لفعل ذلك ؟! "
- " لا أعرف .. سأدخل الآن لأوقفه عند حده "
- " لا يا لورا لا تفعلي شيئا قد تندمي عليه "
- " لا عليك يا داني لا تخشى علي.. أرجوك اتركني افعل ما أراه صواب "
- " لكن أنا ليس لي علاقة بأي شيء .. "
- " بالطبع .. لا تقلق "
- " أرجو أن تعودي لرشدك يا لورا "
- " هو الذي دفعني لذلك .. لقد أخرج المارد في داخلي و لن أسكت له هذه المرة "
نظر إليها و قد ازداد إعجابا بتلك الفتاة التي تحملت الكثير و صبرت و اليوم أتت لتنفجر...
دخل داني غرفة الطعام و جلس أمام نانيرا .. نظر إليه باتريك بنظرة باردة كالثلج .. ثم رفع رأسه ليجد لورا واقفة أمامهم و الشرر يتطاير من عينيها .. رفع حاجبيه بدهشة فهي آخر شخص يتوقع أن ينضم إليهم على مائدة الإفطار .. خاصة بعد ما حدث بالأمس و قبل قليل ...
قال ببرود ..
- " آنسة لورا .. ما الذي أتى بك إلى هنا ؟! "
- " أعتقد بأنك تعرف يا دون باتريك .. "
- " ماذا أعرف ؟! نوريني .."
- " اسمعني جيدا يا ...."
قاطعتها نانيرا ناهرة إياها
- " ويحك .. كيف تسمحين لنفسك بالتحدث مع الدوق بتلك الجرأة "ا
- " اسمعي يا .. يا نانيرا إيزابيلا .. لقد ولدت مستقلة و تربيت على أن أكون مستقلة بنفسي فمن حيث أتيت ليس لدينا ما تطلقين عليه أنت " بدوق " ففي موطني هناك المساواة و الديمقراطية .. و الديمقراطية التي يظهر عليك بأنك لا تفقهين فيها شيئا ..و يسعدني أن أوضح لك بأنها تعني أن لكل شخص حقه في العيش في هذه الحياة بكرامة و ليس هناك أي أحد يفرض رأيه عليه .. أو يسلب حقوقه .. بل الجميع يتشاركون في اتخاذ القرارات و ليس شخص واحد يهابه الجميع .."
ثم نظرت بطرف عينيها إلى باتريك الذي كان يسمعها جيدا و هو يلعب بأعصاب وجهه .. فأضافت و هي تشعر بالانتصار
- " و كلنا نبلاء .. لا يوجد لشيء اسمه طبقات ,, فالولايات المتحدة هي الدولة التي أنشأها الأحرار الذين هربوا من فساد أوروبا لوطنا لا طبقات فيه بل المساواة .. انظري حولك إننا لا نعيش في القرن السادس عشر..."
أرادت نانيرا أن تقطع كلامها لكنها أشارت لها بالسكوت و أردفت قائلة
- "أرجوك تتوقفي لأنني لن اهتم بما ستقولينه .. لقد احترمتك على الرغم من أنك تطاولتي علي و أنتم كذلك احترمتكم جميعا بالأخص الدوق لأنني اعتقدت بأنه سيكون مضيافا لكني لم أرى من ذلك شيئا عدا التقليل من قدري و احترامي .. حتى أنك لم تنزل من نفسك يا دون باتريك للتحدث معي بطريقة حضارية بل عاملتني و كأنني إحدى جواريك .. فمن تعتقد نفسك ؟! أنت لست بسيدي .. و لن تكون أبدا .. لذلك توقف عن فرض أوامرك علي فأنا لا أتلقى أوامر من أحد ..أنا سيدة نفسي ..و لن أسمح لك و لغيرك بالتطاول علي .. كما فعلت بالأمس .. لقد تركتك تفعل ما فعلت لأني كنت مصدومة من تصرف رجل نبيل مثلك أو يفترض أن يكون نبيلا أن يقوم بحبسي في بيت مهجور و أنا الغريبة هنا .. و الأسوأ من ذلك بأنك كنت تكذب علي .. هل تظن أني غبية ؟! معتوهة لا أفهم شيئا ..أجبني من فضلك .. "
انصدم الجميع عندما نظرت بكل جرأة إلى الدوق المهيب الجالس أمامها .. بينما هو فقد عقد لسانه بعد أن سمع هذا الخطاب الطويل المليء بالتجريح و لم يعرف بماذا يجيبها ..
كررت السؤال و هذه المرة امتلأت عيناها بالدموع
- " قل لي .. يا دون باتريك ماذا فعلت لكم لأتلقى كل هذا؟! أجبني .. هل اعتقدت بأني لا أفهم شيئا .. أجبني .. هيا ماذا تنتظر .."
و أخيرا نطق .. بهدوء .. متحكم بأعصابه قدر الإمكان ..
- " لا .. لا أعتقد بأنك غبية .. "
- " إذن لماذا ؟؟ و أنت تعاملني و كأنني كذلك .. و تكذب علي "
- " لم أكذب عليك .. كل ما قلته بان لك الربع في هذا الورث .. و الربع في نظري هو البيت الذي أقام فيه والدك "
- " هذا صحيح .. لكن هذا قبل أن يتزوج من الكونتيسة و قبل أن يرثها.. "
عض على شفتيه و تبادل النظرات مع الجالسين حوله .. فقالت بسخرية
- " هل اعتقدت بان الأمر سيغيب عني ؟! "
استقام واقفا بكل شموخ و كأن كلامها لم يحرك ساكنا .. لم يؤثر فيه .. قال بصوت حازم
- " آنسة لورا .. أتمنى أن تتوقفي تهجمك علينا و تتركين ذلك لوقت لاحق .. سنتحدث أنا و أنت على انفراد .. عندما يتسنى لي الوقت لذلك .. "
مر من أمامها و ذهب ناحية الباب ليخرج لكنه توقف و قال لوانيتا
- " وانيتا .. خذي آنسة آغنر إلى جناحها .. و اعتني بها .. "
ثم استدار لينظر إلى الجالسين
- " و انتم .. كونوا مضيافين للآنسة .. على الأقل حتى نحل المشاكل العالقة .."
بعد ذلك نظر إلى لورا و قال مبتسما بخبث
- " هل رضيت عنا الآن ؟! "
نظرت إليه و الحقد يملأ عينيها .. لكنه لم يكترث بل فتح باب غرفة الطعام مغادرا ...
صهيل الحصان في الخارج أيقظها من سباتها .. فتحت عينيها بتثاقل و نظرت حولها.. كانت أشعة الشمس قد تخللت من خلال نافذة البيت الصغير المنعزل عن القصر و على حسب صوت الخيول القريبة في الخارج أيقنت بان البيت بعيدا جدا عن القصر.. وقفت بصعوبة و هي تشعر بان جسدها متكسر لنومها على كنبة صغيرة جدا مما أضطرها أن تتكور حتى تسعها .. فتحت النافذة لتلقي نظرة على الخارج .. بالفعل.. صدق حدسها .. إنها قريبة جدا من الإسطبل و بعيدة لمسافة ليست بقصيرة عن القصر ..
جالت في أرجاء البيت الصغير الذي هو عبارة عن حجرة نوم ضيقة مع حمام لا بأس به .. و غرفة جلوس مشمولة مع طاولة طعام تسع لأربعة أشخاص و مطبخ صغير و مكتب.. و كان مؤثث بطريقة راقية و ذوق رفيع .. لكن يبدو و كأن لم يدخل هذا البيت أحدا منذ قرون..
قرصها بطنها من الجوع فهي لم تأكل منذ الأمس ..
نظرت إلى ساعتها بيدها التي تشير إلى السابعة صباحا .. قالت في نفسها مع ابتسامة شيطانية
- " جيد .. دون باتريك لم يستيقظ بعد .."
رتبت من هندامها و قررت أن تفعل شيئا خارج عن المألوف .. شيئا قد يؤدي بحياتها ..
خرجت إلى الإسطبل و دخلت من الباب الخلفي حتى لا يراها سائس الخيل الذي يقوم بتنظيف الإسطبل .. سارت إلى أقرب حصان لها .. نظرت إليه و هي تشعر بالخوف من لمسه و هو كذلك ارتعب عندما رأى إنسانة غريبة عن هذا المكان .. استطاعت أن تهدئه بجزرة جذبتها من السطل الموضوع أمام الحصان ..أطعمته إياها و هي تمسح على شعره الأسود الناعم ..بعد أن هدأ فتحت الباب له و أخرجته من حيث دخلت هي .. الباب الخلفي .. و من الجيد بأن ذلك الحصان كان يرتدي سرجا ..لابد أن سائس الخيل قد أعد السرج لباتريك ..
صعدت على صخرة صغيرة و امتطته.. تمتمت بصلاة قصيرة ثم ضربت برجلها جنب الحصان فانطلق راكضا بطريقة جنونية ..اتجاه القصر .. بدأت تصرخ بخوف ... و لم تعرف كيف توقف ذلك الحصان السريع الهائج الذي كان يركض بلا توقف و بسرعة غير طبيعية .. تشبثت بالسرج و مالت على ظهره و أحست بأنها ستقع أرضا عندما دخل إلى الحديقة و ركض باتجاه باب القصر الضخم .. لم تعرف هل تبكي أم تضحك أم توقف الصراخ أم تزيد منه حتى يأتي أحد لنجدتها ... أيقنت بان ما فعلته شي خارج عن العقل .. لقد جنت لورا بان فكرت امتطاء الحصان .. و لأنها تشعر بالخوف و لا تعرف كيف تتصرف أفلتت السرج من يدها و غطت عيناها و أخذت تبكي .. و ما هي إلا لحظات و توقف الحصان .. لكنها لم تتوقف عن الصياح و الصراخ ..
جذبتها يد قوية أنزلتها على الأرض .. و ما أن رفعت يدها عن وجهها حتى رأت كل العائلة السعيدة يحدقون فيها بغضب ..
صرخ باتريك في وجهها بعد أن لامست رجليها الأرض
- " بماذا كنت تفكرين ؟! هل تريدين قتل نفسك ؟! "
حدقت في عينيه المشتعلتين غضبا و حاولت البحث عن جواب ملائم لكنها لم تجد أي شيء غير السكوت .. عندما لم يجد جوابا منها تركها بالخارج و دخل القصر.. فتبعه الجميع ما عدا داني الذي بقي معها في الخارج .
. ساعدها على الجلوس و هو يسألها
- " هل أنت بخير يا لورا ؟! "
أخذت نفسا عميقا و هي ترى سائس الخيل يأخذ بالحصان إلى الإسطبل مرة أخرى .. ثم وضعت يدها على قلبها تتحسس النبض ..
- " نعم .. أعتقد ذلك .. يا إلهي لا أعرف بماذا كنت أفكر عندما امتطيت ذلك الجواد "
أجابها داني ضاحكا و هو يربت على ظهرها ..
- " لا و ليس أي جواد .. إنه اسبرينسيس .. "
وضعت يدها على رأسها .. ثم انفجرت ضاحكة .. و ما هي إلا لحظات حتى تحول هذا الضحك إلى بكاء مرير .. كانت تبكي لما حدث معها و الأحداث المفاجئة التي جرتها إلى هنا .. و كونت لنفسها أعداء هي في غنى عنهم .. ما الذي دفعها إلى هذا الجنون ؟؟
ضمها داني إليه و أخذ يربت على رأسها و يهدهدها..
في تلك اللحظة كان باتريك يقف في غرفة الطعام و ينظر إليهما .. بلا تعابير .. بل التعابير ارتسمت في أعماقه .. إلى الازدراء و الخيانة و العداء و .. الغيرة.. هل حقا يشعر بالغيرة ؟! من داني أم من لورا التي استحالت على داني صديق الطفولة ؟!!
- " هيا يا لورا تعالي لتناول الطعام في الداخل ؟!"
رفعت رأسها عن صدر داني و هي تمسح دموعها ..
- " لا يا داني لا أريد .. ليس الآن "
- " لكنك لم تأكلي منذ الأمس "
- " أعرف .. كما إنني أتضور جوعا لكني لن ادخل و أنا على هذه الحال .. "
- " لا أرى شيئا غير مرضي .."
ابتسمت له
- " شكرا لمجاملتك اللطيفة .. اسبقني أنت و سأدخل لأواجه ذلك المتعجرف "
- " تقصدين باتريك "
- " نعم دون باتريك المغرور المتعجرف القاسي الشرس المتوحش .."
قاطعها و هو يضحك
- " لا لا يا لورا توقفي .. كل هذه الألقاب لباتريك ؟! "
أجابته بصوت دفاعي ..
- " نعم و هناك المزيد لو تركتني أكمل "
- " و لم كل هذا العداء ؟! "
- " أتعرف بأنه تركني في البيت المهجور القريب من الإسطبل بالأمس .. "
استهجن وجه داني و سألها مستنكرا فعل صديقه
- " لكن باتريك لا يقوم بهذا الفعل .. أبدا "
- " إذا كيف أتيت من الإسطبل إلى هنا على الخيل ؟! "
- " ما السبب الذي يدفعه لفعل ذلك ؟! "
- " لا أعرف .. سأدخل الآن لأوقفه عند حده "
- " لا يا لورا لا تفعلي شيئا قد تندمي عليه "
- " لا عليك يا داني لا تخشى علي.. أرجوك اتركني افعل ما أراه صواب "
- " لكن أنا ليس لي علاقة بأي شيء .. "
- " بالطبع .. لا تقلق "
- " أرجو أن تعودي لرشدك يا لورا "
- " هو الذي دفعني لذلك .. لقد أخرج المارد في داخلي و لن أسكت له هذه المرة "
نظر إليها و قد ازداد إعجابا بتلك الفتاة التي تحملت الكثير و صبرت و اليوم أتت لتنفجر...
دخل داني غرفة الطعام و جلس أمام نانيرا .. نظر إليه باتريك بنظرة باردة كالثلج .. ثم رفع رأسه ليجد لورا واقفة أمامهم و الشرر يتطاير من عينيها .. رفع حاجبيه بدهشة فهي آخر شخص يتوقع أن ينضم إليهم على مائدة الإفطار .. خاصة بعد ما حدث بالأمس و قبل قليل ...
قال ببرود ..
- " آنسة لورا .. ما الذي أتى بك إلى هنا ؟! "
- " أعتقد بأنك تعرف يا دون باتريك .. "
- " ماذا أعرف ؟! نوريني .."
- " اسمعني جيدا يا ...."
قاطعتها نانيرا ناهرة إياها
- " ويحك .. كيف تسمحين لنفسك بالتحدث مع الدوق بتلك الجرأة "ا
- " اسمعي يا .. يا نانيرا إيزابيلا .. لقد ولدت مستقلة و تربيت على أن أكون مستقلة بنفسي فمن حيث أتيت ليس لدينا ما تطلقين عليه أنت " بدوق " ففي موطني هناك المساواة و الديمقراطية .. و الديمقراطية التي يظهر عليك بأنك لا تفقهين فيها شيئا ..و يسعدني أن أوضح لك بأنها تعني أن لكل شخص حقه في العيش في هذه الحياة بكرامة و ليس هناك أي أحد يفرض رأيه عليه .. أو يسلب حقوقه .. بل الجميع يتشاركون في اتخاذ القرارات و ليس شخص واحد يهابه الجميع .."
ثم نظرت بطرف عينيها إلى باتريك الذي كان يسمعها جيدا و هو يلعب بأعصاب وجهه .. فأضافت و هي تشعر بالانتصار
- " و كلنا نبلاء .. لا يوجد لشيء اسمه طبقات ,, فالولايات المتحدة هي الدولة التي أنشأها الأحرار الذين هربوا من فساد أوروبا لوطنا لا طبقات فيه بل المساواة .. انظري حولك إننا لا نعيش في القرن السادس عشر..."
أرادت نانيرا أن تقطع كلامها لكنها أشارت لها بالسكوت و أردفت قائلة
- "أرجوك تتوقفي لأنني لن اهتم بما ستقولينه .. لقد احترمتك على الرغم من أنك تطاولتي علي و أنتم كذلك احترمتكم جميعا بالأخص الدوق لأنني اعتقدت بأنه سيكون مضيافا لكني لم أرى من ذلك شيئا عدا التقليل من قدري و احترامي .. حتى أنك لم تنزل من نفسك يا دون باتريك للتحدث معي بطريقة حضارية بل عاملتني و كأنني إحدى جواريك .. فمن تعتقد نفسك ؟! أنت لست بسيدي .. و لن تكون أبدا .. لذلك توقف عن فرض أوامرك علي فأنا لا أتلقى أوامر من أحد ..أنا سيدة نفسي ..و لن أسمح لك و لغيرك بالتطاول علي .. كما فعلت بالأمس .. لقد تركتك تفعل ما فعلت لأني كنت مصدومة من تصرف رجل نبيل مثلك أو يفترض أن يكون نبيلا أن يقوم بحبسي في بيت مهجور و أنا الغريبة هنا .. و الأسوأ من ذلك بأنك كنت تكذب علي .. هل تظن أني غبية ؟! معتوهة لا أفهم شيئا ..أجبني من فضلك .. "
انصدم الجميع عندما نظرت بكل جرأة إلى الدوق المهيب الجالس أمامها .. بينما هو فقد عقد لسانه بعد أن سمع هذا الخطاب الطويل المليء بالتجريح و لم يعرف بماذا يجيبها ..
كررت السؤال و هذه المرة امتلأت عيناها بالدموع
- " قل لي .. يا دون باتريك ماذا فعلت لكم لأتلقى كل هذا؟! أجبني .. هل اعتقدت بأني لا أفهم شيئا .. أجبني .. هيا ماذا تنتظر .."
و أخيرا نطق .. بهدوء .. متحكم بأعصابه قدر الإمكان ..
- " لا .. لا أعتقد بأنك غبية .. "
- " إذن لماذا ؟؟ و أنت تعاملني و كأنني كذلك .. و تكذب علي "
- " لم أكذب عليك .. كل ما قلته بان لك الربع في هذا الورث .. و الربع في نظري هو البيت الذي أقام فيه والدك "
- " هذا صحيح .. لكن هذا قبل أن يتزوج من الكونتيسة و قبل أن يرثها.. "
عض على شفتيه و تبادل النظرات مع الجالسين حوله .. فقالت بسخرية
- " هل اعتقدت بان الأمر سيغيب عني ؟! "
استقام واقفا بكل شموخ و كأن كلامها لم يحرك ساكنا .. لم يؤثر فيه .. قال بصوت حازم
- " آنسة لورا .. أتمنى أن تتوقفي تهجمك علينا و تتركين ذلك لوقت لاحق .. سنتحدث أنا و أنت على انفراد .. عندما يتسنى لي الوقت لذلك .. "
مر من أمامها و ذهب ناحية الباب ليخرج لكنه توقف و قال لوانيتا
- " وانيتا .. خذي آنسة آغنر إلى جناحها .. و اعتني بها .. "
ثم استدار لينظر إلى الجالسين
- " و انتم .. كونوا مضيافين للآنسة .. على الأقل حتى نحل المشاكل العالقة .."
بعد ذلك نظر إلى لورا و قال مبتسما بخبث
- " هل رضيت عنا الآن ؟! "
نظرت إليه و الحقد يملأ عينيها .. لكنه لم يكترث بل فتح باب غرفة الطعام مغادرا ...
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 11
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
أخذتها وانيتا إلى جناحها و أحضرت لها طعام الإفطار .. تناولته لورا و كأنها لم تأكل منذ سنوات .. و بعد ذلك دخلت الحمام و أخذت شاور سريعا بعد أن انتهت و ارتدت ثيابها العملية تذكرت بأنها منذ قدومها إلى هنا لم تقم بالاتصال على والدتها ..
- " ألو .."
- " أمي .. كيف حالك ؟! "
- " أهلا يا عزيزتي أين أنت؟؟ لم لم تتصلي بي فور وصولك؟؟ ... هل أنت بخير ؟ هل كل شيء على ما يرام ؟! "
ضحكت لورا و أجابتها
- " صبرا علي يا أمي .. سأخبرك بكل شيء .. انتظري .. أولا أنا بخير .. و أنا في منطقة بعيدة و منعزلة عن العالم لكن يوجد بها قصر رائع و خيالي و كأننا في عصر الإقطاعيين"
- " رائع.. و كيف جرت الأمور معك ؟!"
أغروقت عيناها بالدموع لكنها حاولت قدر الإمكان أن لا تبين لوالدتها ضيقها حتى لا تقلق عليها
- " في بادئ الأمر كانت الأمور معقدة و لم أتلق الترحيب الكافي من هذه العائلة الغريبة الأطوار.. لكن كل شيء بخير الآن "
- " و متى ستعودين ؟! "
- " لا أعرف ذلك بعد .. لكن ليس في أي وقت قريب .. أحتاج إلى أن أبقى هنا حتى أهتم ببعض الأمور .. كيف حالك أنت و أبي ؟! "
- " بخير .. والدك مشتاق لك .. أتعرفين بأنا لا نستطيع الاتصال بك .. لا أعرف لماذا؟ لكن الخطوط لا تعمل هنا "
- " حقا ؟ لم اعرف ذلك ؟! "
- " نعم .. و لقد حاول سام الاتصال بك مرارا و لم يستطيع .."
أضافت بصوت ضاحك
- " ينبغي لك أن ترين سام كيف جن .. أنه يحاول الوصول إليك .. يقول بأن لديكما أعمال كثيرة "
ضحكتا معا و هما تتخيلان حال سام و كيف أنه يصيبه انهيار عصبي و يجن عندما تتوقف أعمالهم لدقيقة فكيف و أن توقفت لشهر أو اثنان
- " أنا هنا للراحة و الحمد لله أن سام لا يستطيع الوصول إلي حتى لا يزعجني .. أخبريه باني سأتصل به قريبا .. و لا ضير بأن نأخذ فترة للراحة بين حين و أخرى "
- " سأفعل يا عزيزتي .. استمتعي .. و لا تتأخري في العودة فلقد اشتقنا لك جميعا و نتحرى عودتك .. لا تنسي الاتصال بنا عندما تتسنى لك الفرصة"
- " بالطبع لن أنسى .. اعتني بنفسك و بوالدي .. أحبك .. إلى اللقاء "
- " إلى اللقاء "
ارتاحت بعد أن سمعت صوت والدتها و أطمأنت بأن كل الأمور بخير هناك .. فتحت التلفاز و قلبت في القنوات .. سئمت جلوسها في الحجرة هكذا تريد أن تفعل شيئا جنونيا كما فعلت هذا الصباح .. ضحكت بينها و بين نفسها و تذكرت صباح اليوم كيف تجرأت و امتطت الخيل و كيف هجمت على باتريك .. ذلك الرجل المتلبد الأعصاب ..
سمعت صوت باب القصر يفتح في وقت متأخر من الليل و أيقنت بأنه باتريك قد عاد و أخيرا .. حان الوقت للتحدث يا باتريك .. قالت في سرها .. خرجت من غرفتها لتقابله في الممر الطويل .. توقف فهو لم يتوقع أن يكون أحدا مستيقظا إلى الآن ..نظر إليها لم تكن ترتدي فستان نوم كما تمنى أن يراها في هذا الوقت من الليل .. بكل كانت ترتدي جينزا و قميص ملونا و رفعت شعرها برباط أضفى عليها جمال أنثوي طاغي .. اقترب منها بهدوء
- " آنسة آغنر .. لم أنت مستيقظة حتى هذا الوقت ؟! "
- " كنت أنتظرك "
- " تنتظريني ؟! "
لا يعرف لم أحس بشعور جميل .. وجود أحدا ينتظره .. لكنه طرد هذه الفكرة من رأسه و قهقه ثم أردف سائلا
- " و لم تنتظريني يا آنسة ؟! "
حدقت فيه بحقد و قالت بثقة
- " لقد أخبرتني صباح اليوم بأننا سنتحدث على انفراد أنا و أنت يا دون باتريك "
أومأ برأسه مجيبا إياها
- " نعم ..هذا صحيح لقد أخبرتك بذلك صباح اليوم .. لكنني قلت عندما يتسنى لي وقت للتحدث و كما ترين بان الوقت الآن متأخر جدا و انا متعب .. "
دنا منها أكثر حتى كاد يلتصق بها و لاستغرابها من تصرفه تجمدت رجليها و تسمرت في مكانها تحملق فيه و هو يقرب شفتيه ناحية أذنها و يهمس قائلا
- " كما أن إذا جلسنا أنا و أنت بانفراد و في مكان منعزل بهذا الوقت المتأخر سيظنون بأن ... أنت تعرفين ما أقصده "
ابتعد عنها و هو يضحك بسخرية عندما التفتت و حدجته بنظرة حادة و قالت باستهزاء
- " أنت خفيف الظل يا دون باتريك .. أنا و أنت .. هذا فعلا مضحك.. "
كلما تحدثت في هذه النبرة كلما زادته إثارة .. قاومها قدر الامكان و قال بصوت ماكر و نظرة خبيثة جريئة
- " حقا ؟ تجيدينه ممتعا أم مغريا ؟! "
زاد ضحكه و هو يرى وجهها الذي تورد خجلا ..أحست لورا بأنه ليس بطبيعته لابد أنه ثمل أو يعاني من شيئا ما ..
- "حسنا أتمنى أن تجد وقتا صباح الغد في التحدث أريد أن انتهي من هذه المسألة "
توقف عن الضحك و علت ابتسامة سخرية على وجهه و هو يفتعل الدهشة
- " حقا ؟! و عندما تنتهين منها هل ستغادرين إلى بلادك ؟! "
- " هذا يعتمد .. "
- " على ماذا ؟! "
لم تستحمل رؤيته يستهزأ بها .. فقالت
- " يبدو عليك التعب يا حضرة الدوق.. سأتركك لترتاح.. عمت مساءا "
استدارت لتعطيه ظهرها و مشت باتجاه حجرتها دون أن تلتفت .. و بحركتها تلك أشعلت النار في صدره.. نار الافتتان و الإعجاب ..
استيقظت في الصباح و هي تشعر بالانهماك فهي لم تنم جيدا تلك الليلة و هي تفكر بما قالته صباح أمس و كيف أتت لها الجرأة بأن تواجه الجميع و تكشر عن أنيابها .. و كيف دنا منها باتريك في المساء و همس في أذنها .. استطاعت رائحة عطره الرجولية أن تعلق في انفها و تقطع أوصالها و صوته الواثق يبعث قشعريرة في جسمها .. و مجرد التفكير فيه يزيد من ضربات قلبها ..
دخلت غرفة الطعام لتجد نانيرا تتفطر وحدها و ما أن رأت لورا داخلة حتى تركت طعامها و غادرت الغرفة .. تبعتها لورا إلى غرفة الجلوس و أطرقت عليها سؤالا
- " أين الدوق ؟ّ! "
لكن العجوز لم تتعب نفسها بالنظر إلى لورا ..
- " حسنا إذا ستتجاهلينني .. أتعرفين يا نانيرا !! هذا يناسبني "
لم تكترث نانيرا للرد عليها .. فغادرت الأخرى و خرجت من القصر..
أخذت تتمشى في الحديقة لعلها تبعد ذلك الضجر الذي اعتراها .. تنظر إلى النافورة العملاقة و حوض السباحة ..و فجأة خطرت في بالها فكرة أعجبتها ..فأسرعت بالذهاب إلى جناحها و نزلت بعد دقائق و هي ترتدي ثوب الاستحمام و لفت جسدها بمنشفة أظهرت أكثر مما أخفت و سارت أمام نانيرا التي فتحت عينيها باتساع و هي ترى تلك الفتاة الشبة عارية تتمشى في القصر !!
ثم تخرج إلى الحديقة حيث حوض الاستحمام و تفرش منشفتها على الكرسي و تتموضع أمام الشمس كأنها أمام كاميرات سام .. تدهن جسدها بالزيت و تنادي على أحد الخدم و تطلب منهم أن يحضروا لها إفطارها بالخارج ..
بلغ الغضب عند نانيرا مبلغا و لم تستطيع أن تسكت عن تلك المهزلة التي تحدث فخرجت لتلقي قنبلتها الموقوتة على الغريبة ..
- " ماذا تظنين نفسك فاعلة ؟! "
فتحت لورا عينيها و نظرت إلى العجوز الغاضبة
- " ماذا تعتقدين ؟!! إنني آخذ حمام شمس .. "
- " كيف تجرئين ؟ و من سمح لك ؟ "
- " آه الآن تتحدثين إلي .. "
- " أجيبيني "
- " اسمعي يا نانيرا لا رغبة لي في إعادة خطاب صباح أمس فأرجوك اتركيني أتنعم و استمتع .. ابتعدي إنك تحجبين الشمس عني "
- " عديمة التربية و الأخلاق .. إذا رآك الدوق بهذا المنظر سيطردك من القصر فورا.. آه كم آمل هذا "
لم تأبه لورا بكلام تلك العجوز فقالت بخبث ..
- " أخبريه لعله يريد أن ينضم إلي .. أو يساعدني في وضع الزيت على جسدي "
فتحت نانيرا عينيها باتساع فصرخت بعصبية
- " يا لك من وقحة .. لن أسكت عن هذا.. ستأخذين جزاءك يا عديمة الأخلاق "
سارت نانيرا مبتعدة باتجاه الإسطبل و أمرت سائق العربة الصغيرة أن يأخذها إلى حيث باتريك يتدرب على الخيل .. أوقف الحصان و اقترب من العربة البيضاء الصغيرة التي توقفت و توقع بأنها قد تكون لورا أتت لتتحدث معه كما تفعل تلك الجريئة كالعادة .. لكن مفاجأة .. إنها ليست هي بل ..
- " نانيرا إيزابيل ..!! ".
- " دون باتريشيو ..لن أستطع تحملها أكثر .. أرجوك يجب أن تفعل شيئا بشأنها .."
كتف ذراعيه و قال بكل بساطة
- " دعيني أخمن .. لورا ؟! "
- " و من غيرها ..أنها تفقدني صوابي "
- " ماذا فعلت الآن ؟ّ! "
- " شيء مخزي "
- " هيا نانيرا أخبريني "
- " تلك الوقحة الغير متربية صاحبة المبدأ الديمقراطي .. تلك الفاج..."
قاطعها باتريك حتى لا تكمل شتيمتها .. و قال بنفاذ صبر
- " نانيرا .. ماذا فعلت لك آنسة آغنر ؟ "
- " على الرغم مما تفعله معك و قلة احترامها لك لا تزال تناديها بآنسة .. يجب أن تلقيها خارج القصر.. "
- " حسنا .. هل ستخبرينني ماذا فعلت لك أم أذهب و أسألها بنفسي ؟ "
أوقفته قبل أن يتحرك من مكانها و قالت بصوت مرتفع ..
- " لا .. لا تذهب .. "
اقترب داني و ماريو ناحيتهما فقال داني بدهشة
- " نانيرا إيزابيل .. إنها أول مرة تأتين فيها إلى الإسطبل .. لعله أمر طارئ "
أكمل ماريو عنه و هو يعرف ما هو الأمر الطارئ الذي جعل نانيرا تشرفهم في الإسطبل
- " ماذا فعلت آنسة آغنر ؟! "
- " قل ماذا لم تفعل ؟! "
إنها تزيد النار حطبا في قلب باتريك ..
- " أنت تفقديني صوابي.. سأذهب إليها "
- " لا توقف .. لن يعجبك ما ستراه "
- " و ما الذي قد أراه ؟ "
- " إنها .. إنها تأخذ راحتها في القصر و كأنه ملكها "
ضحك داني و قال معلقا
- " هذا ليس شيء جديدا عليها “
- " لا .. لقد تعدت الحدود "
نفذ صبر باتريك فقفز على ظهر الخيل و ركض به إلى القصر
- " حسنا هذا يكفي ..سأذهب لأرى بنفسي ماذا فعلته تلك المزعجة .."
صاحت نانيرا و هي تلحق به
- " دون باتريشيو ... توقف "لكنه لم يسمع لها فجذبت داني و ماريو معها ليمنعوه ..
أوقف حصانه بالحديقة و ربطه على السياج .. و سار باتجاه القصر .. وصلت نانيرا و تابعيها ماريو و داني و سائق العربة ..قالت و هي تنادي عليه
- " دون باتريشيو .. أرجوك توقف .."
لكنه لم يسمع لها .. و هو يهم بالدخول إلى القصر توقف عند الباب و استدار.. فقد لمح شخصا ما .. اقترب من حوض الاستحمام .. لم يصدق ما يراه !!
لورا بثوب اسود للسباحة و يكشف عن كل جزء في جسدها الممشوق اللامع..بدت مثيرة جدا بشعرها الأشقر الذي تبعثر فوق كتفها محدثا ضجة عارمة في قلب باتريك.. لا شعوريا قال بصوت منخفض
- " آه يا إله السماوات "
في هذه اللحظة أتت نانيرا و هي تهرول و خلفها ماريو و داني .. لكنها أبطأت عندما عرفت بأن الأوان قد فات ..
توقف ماريو و داني و أخذا ينظران بافتتان إلى التحفة الفنية التي أمامهما و قال داني المصدوم معلقا ..
- " هذا الذي لن يسره ما يراه ؟!! "
رفعت لورا رأسها و فتحت عينيها لتجد الدوق و حاشيته يتمنظرون فيها و كأنهم لم يروا امرأة تأخذ حمام شمس في ثياب السباحة من قبل .. اكتفت بأن ابتسمت و لوحت لهم بيدها..
ذاب الرجال لتأثير ابتسامتها مع منظرها المثير .. كانت نانيرا تنظر إليهم بغضب .. فاقتربت من لورا و ألقت عليها المنشفة و قالت بعصبية
- " احتشمي أمام الدوق ..و الرجال ..عدلي من جلستك .. "
لكن لورا ألقت المنشفة أرضا و أعادت إسناد رأسها على الكرسي بلا اكتراث بوجودهم ..
قال باتريك لداني و ماريو
- " أرجوكما خذا نانيرا إلى الداخل "
- " ماذا ستفعل ؟! "
- " هيا يا داني "
- " حسنا "
دخل جميعهم ما عداه وقف يحدق فيها ثم اقترب منها بخطوات ثابتة و واثقة .. و في كل خطوة بخطيها يزيد قلبه اشتعالا و تشعر هي بالارتباك.. وقف أمامها فحجب الشمس عنها ليظلل عليها بجسده العريض .. فتحت عينيها و التقت بعينيه التي احتضنت نظراتها ..
كان ينظر إليها من رأسها إلى أخمص قدميها بإعجاب و كأنه نمر يتحرق شوقا لالتهام فريسته .. أخذ قلبها يصعد و يهبط بسرعة كبيرة لكنها حاولت قد الإمكان أن تبين له بأنها لا تكترث بوجوده أو بمن يكون ..
قال بصوت هادئ كعادته هز به بدنها
- " إذا كنت تحاولين لفت نظري.. أنا أقرها لك ..لقد نجحت .."
انقبضت أحشاءها بقوة و صعد الدم إلى خديها و ارتجفت أطرافها.. يا لتأثيره الخطير عليها ..
جلس على الكرسي بالقرب منها و هو يمتع عينيه بالنظر إليها .. تنهد و قال بابتسامة ملتوية
- " هذه ليست بالطريقة المثلى لحثي على التحدث معك .. لكنها قد تحثني على فعل أشياء أخرى .. إن كنت تفهمين ما أعنيه !! "
جعلتها كلمته الأخيرة تكره نفسها و تشعر بأنها فاسدة و كأنها **** ..عدلت من جلستها و لفت المنشفة على جسدها ..
قال باستهزاء معلقا
- " آه آسف هل أحرجتك ؟! اعذريني .. أرجوك عودي لما كنت تفعلينه "
استفزها فقالت معاتبة بعصبية
- " ما كنت أفعله ؟!! إنك تحاول أن تفهمني بأني ارتكبت معصية أو شيء من هذا القبيل "
أجابها بسخرية
- " حقا ؟!! هذا هو انطباعك .. لم أقصد .. اعذريني "
- " أتعرف شيئا يا حضرة الدوق ؟! لن أكترث .. و إن أردت بإمكانك الانضمام إلي "
ألقت بالمنشفة ثم قفزت إلى الماء أمام عينيه .. لا يمكن أن يكون أكثر إعجابا و استثارة مما يكون عليه الآن ..
- " يا إلهي إنه منعش.. "
استقام واقف و قال مبتسما
- " جيد.. يسرني بأنك تستمتعين بوقتك .. لكن انتبهي على نفسك .. فانا لا أريدك أن تصابي بالبرد "
- " شكرا لقلقك علي .. لكن أطمأن سأكون على أحسن ما يرام "
تنهد و هز رأسه
- " أتمنى ذلك .. "
استدار داخلا القصر .. غاصت في الماء و هي تشعر بشيء من السعادة أحست بلذة الانتصار ..
اقتربت منه نانيرا و هي منزعجة
- " ماذا يا دون باتريشيو هل ستتركها تفعل ما تشاء ؟ "
- " اهدئي يا عزيزتي .. لن يدوم ذلك طويلا "
- " ماذا تعني ؟! "
- " انتظري و سترين "
ثم اقترب منها و عبطها من جنبها و هو يجذبها معه إلى الطابق العلوي و يقول لها مع ابتسامة شيطانية و لمعة غريبة في عينيه
- " كيف حال معطفك الفرو ؟! "
- " ماذا تنوي أن تفعل ؟!! "
مر على وجودها في الخارج ساعتين .. قررت أن تدخل القصر.. بحثت عن منشفتها لكنها لم تجدها لا على الكرسي و لا أسفله.. دارت حول الحوض فلعل الهواء طيرها لكن لا يوجد أي أثر لتلك المنشفة..
دخلت القصر و قد ضربها هواء مثلج ما أن فتحت الباب.. ارتعشت أطرافها فضمت جسدها الشبه عاري بيديها و صعدت الدرج بأطراف أصابعها .. حاولت أن تفتح باب جناحها لكنه كان مقفل حاولت مرة و أخرى .. لكن دون جدوى الباب مقفل .. أخذت ترتجف من البرد و أسنانها بدأت تصطك و تحولت أصابعها إلى اللون الأزرق .. قالت في نفسها
- " يا إلهي سأموت من البرد .. "
-
و لحسن حظها بأنها رأت وانيتا تصعد الدرج و بيدها أغراض كثيرة ..
- " وانيتا .. أرجوك ساعديني على فتح الباب "
- " آسفة يا آنسة .. لقد نادى علي الدوق لآخذ له الأغراض.. سآتي فور انتهائي منه "
- " لكني أتجمد من البرد.."
- " سأحاول أن لا أتأخر.."
ثم دخلت جناح باتريك .. و غابت لفترة طويلة و بدأت لورا بالعطس .. واحدة ثم ثانية .. فثالثة و تلتها سيل من العطسات .. و بعد وقوفها في الصقيع بثوب الاستحمام الأسود ذو القطعتين ..
و الجسد المبلل لخمسة عشر دقيقة تقريبا فتح الباب ليخرج منه داني الذي وقف يحدق بلورا التي تحولت إلى زرقاء..
- " لورا ؟!! "
قالت و أسنانها ترتجف
- " لم .. اعد .. أشعر .. ب..ب..أطرافي "
- " يا إلهي .. بالطبع .. فأنت مبللة كليا و واقفة فوق الرخام في هذا القصر المثلج.. اعتقد بان هناك مشكلة في التكييف .. "
كانت ترتجف بقوة و شعر بأنها قد تسقط أرضا..
- " باب.. حجرتي .. مقفل .."
حاول أن يفتح الباب لكنه بالفعل كان مقفلا ..
- " حسنا إذا أدخلي حجرتي و خذي حمام دافئ بينما أحاول أن أفتح لك الباب "
- " حسنا "
أخذها إلى حجرته و دلها على الحمام ثم فتح لها الماء الساخن .. و دون أن تنتظره يخرج دخلت تحت الدش الدافئ .. انساب الماء الدافيء على جسدها المثلج .. و شيئا فشيئا بدءت تستعيد عافيتها .. وقف ينظر إليها من بعيد بإعجاب ثم خرج من الحمام لتأخذ راحتها ..
بعد دقائق فتحت باب الحمام و هي ملتحفة بمنشفة داني ..
- " داني ؟!! "
كان جالسا على الفراش مقابلا لباب الحمام و يحملق فيها ..
- " اعتقدت بأنك في الخارج تحاول فتح باب حجرتي "
لم يجبها بل استقام واقفا كان يقترب منها بخطوات صغيرة .. لا تعرف لم شعرت بالخوف لكنها مع ذلك ابتسمت و قالت له
- " شكرا لك داني .. سأذهب الآن "
و قبل أن تسير مبتعدة من أمامه حشرها بجسده و ألصقها على الحائط و كان ملتصقا بها ...
- " لا يا لورا ليس بهذه السرعة "
- " أرجوك داني دعني أذهب .."
- " ليس قبل أن أطفئ غليلي "
و فجأة لثم شفتيها بقبلة نهمة و هي تدفعه و تقاومه لكنه استطاع السيطرة عليها بأن دفعها بقوة على الفراش و انقض فوقها و فتح المنشفة ..
أخذت تصيح و تصرخ و هي تقاومه بقوة و تستنجي بأحد لعله يساعدها .. لكن لا أحد .. يبدو بان الجدران و الأبواب عازلة للصوت ..
- " ابتعد عني .. اتركني يا قذر ... النجدة.. ساعدوني .. "
فجأة فتح الباب على مصراعيه و دخل باتريك بقوة و اندفع ناحية داني فجذبه بعيدا عن لورا .. لكمه بقوة حتى أسقطه أرضا .. ثم استدار ليجد لورا عارية لكنها تسترت بالمنشفة ما أن أيقنت أن الذي يحدق فيها هو الدوق ..
نظر إليها بنظرة اشمئزاز ثم جذبها بقوة من يدها و جرها خارج غرفة داني أمام مرأى ماريو و وانيتا و .. نانيرا المتشمتة ..
حاولت التلصص من قبضته لكنه كان أقوى منها ,فتح باب جناحها و دفعها إلى الداخل ثم أغلق الباب خلفه و أوصده..
انهارت على الأرض بالبكاء عندما سمعت الدوق يصيح و يصرخ بصوت عال على داني و لو أنها تفهم ما يقولونه لارتاحت ..و كرهت نفسها كثيرا فهي لا تريد أن يظن باتريك بأنها امرأة فاسدة أو أي شيء من هذا القبيل إنها تحاول بكل الطرق أن تكسب وده .. خاصة و أنها معجبة به كثيرا على الرغم من خشونته معها.. ظلت في فراشها تبكي حتى أغشاها التعب لتغفو و هي تشعر بالتعب و الإرهاق ..
- " ألو .."
- " أمي .. كيف حالك ؟! "
- " أهلا يا عزيزتي أين أنت؟؟ لم لم تتصلي بي فور وصولك؟؟ ... هل أنت بخير ؟ هل كل شيء على ما يرام ؟! "
ضحكت لورا و أجابتها
- " صبرا علي يا أمي .. سأخبرك بكل شيء .. انتظري .. أولا أنا بخير .. و أنا في منطقة بعيدة و منعزلة عن العالم لكن يوجد بها قصر رائع و خيالي و كأننا في عصر الإقطاعيين"
- " رائع.. و كيف جرت الأمور معك ؟!"
أغروقت عيناها بالدموع لكنها حاولت قدر الإمكان أن لا تبين لوالدتها ضيقها حتى لا تقلق عليها
- " في بادئ الأمر كانت الأمور معقدة و لم أتلق الترحيب الكافي من هذه العائلة الغريبة الأطوار.. لكن كل شيء بخير الآن "
- " و متى ستعودين ؟! "
- " لا أعرف ذلك بعد .. لكن ليس في أي وقت قريب .. أحتاج إلى أن أبقى هنا حتى أهتم ببعض الأمور .. كيف حالك أنت و أبي ؟! "
- " بخير .. والدك مشتاق لك .. أتعرفين بأنا لا نستطيع الاتصال بك .. لا أعرف لماذا؟ لكن الخطوط لا تعمل هنا "
- " حقا ؟ لم اعرف ذلك ؟! "
- " نعم .. و لقد حاول سام الاتصال بك مرارا و لم يستطيع .."
أضافت بصوت ضاحك
- " ينبغي لك أن ترين سام كيف جن .. أنه يحاول الوصول إليك .. يقول بأن لديكما أعمال كثيرة "
ضحكتا معا و هما تتخيلان حال سام و كيف أنه يصيبه انهيار عصبي و يجن عندما تتوقف أعمالهم لدقيقة فكيف و أن توقفت لشهر أو اثنان
- " أنا هنا للراحة و الحمد لله أن سام لا يستطيع الوصول إلي حتى لا يزعجني .. أخبريه باني سأتصل به قريبا .. و لا ضير بأن نأخذ فترة للراحة بين حين و أخرى "
- " سأفعل يا عزيزتي .. استمتعي .. و لا تتأخري في العودة فلقد اشتقنا لك جميعا و نتحرى عودتك .. لا تنسي الاتصال بنا عندما تتسنى لك الفرصة"
- " بالطبع لن أنسى .. اعتني بنفسك و بوالدي .. أحبك .. إلى اللقاء "
- " إلى اللقاء "
ارتاحت بعد أن سمعت صوت والدتها و أطمأنت بأن كل الأمور بخير هناك .. فتحت التلفاز و قلبت في القنوات .. سئمت جلوسها في الحجرة هكذا تريد أن تفعل شيئا جنونيا كما فعلت هذا الصباح .. ضحكت بينها و بين نفسها و تذكرت صباح اليوم كيف تجرأت و امتطت الخيل و كيف هجمت على باتريك .. ذلك الرجل المتلبد الأعصاب ..
سمعت صوت باب القصر يفتح في وقت متأخر من الليل و أيقنت بأنه باتريك قد عاد و أخيرا .. حان الوقت للتحدث يا باتريك .. قالت في سرها .. خرجت من غرفتها لتقابله في الممر الطويل .. توقف فهو لم يتوقع أن يكون أحدا مستيقظا إلى الآن ..نظر إليها لم تكن ترتدي فستان نوم كما تمنى أن يراها في هذا الوقت من الليل .. بكل كانت ترتدي جينزا و قميص ملونا و رفعت شعرها برباط أضفى عليها جمال أنثوي طاغي .. اقترب منها بهدوء
- " آنسة آغنر .. لم أنت مستيقظة حتى هذا الوقت ؟! "
- " كنت أنتظرك "
- " تنتظريني ؟! "
لا يعرف لم أحس بشعور جميل .. وجود أحدا ينتظره .. لكنه طرد هذه الفكرة من رأسه و قهقه ثم أردف سائلا
- " و لم تنتظريني يا آنسة ؟! "
حدقت فيه بحقد و قالت بثقة
- " لقد أخبرتني صباح اليوم بأننا سنتحدث على انفراد أنا و أنت يا دون باتريك "
أومأ برأسه مجيبا إياها
- " نعم ..هذا صحيح لقد أخبرتك بذلك صباح اليوم .. لكنني قلت عندما يتسنى لي وقت للتحدث و كما ترين بان الوقت الآن متأخر جدا و انا متعب .. "
دنا منها أكثر حتى كاد يلتصق بها و لاستغرابها من تصرفه تجمدت رجليها و تسمرت في مكانها تحملق فيه و هو يقرب شفتيه ناحية أذنها و يهمس قائلا
- " كما أن إذا جلسنا أنا و أنت بانفراد و في مكان منعزل بهذا الوقت المتأخر سيظنون بأن ... أنت تعرفين ما أقصده "
ابتعد عنها و هو يضحك بسخرية عندما التفتت و حدجته بنظرة حادة و قالت باستهزاء
- " أنت خفيف الظل يا دون باتريك .. أنا و أنت .. هذا فعلا مضحك.. "
كلما تحدثت في هذه النبرة كلما زادته إثارة .. قاومها قدر الامكان و قال بصوت ماكر و نظرة خبيثة جريئة
- " حقا ؟ تجيدينه ممتعا أم مغريا ؟! "
زاد ضحكه و هو يرى وجهها الذي تورد خجلا ..أحست لورا بأنه ليس بطبيعته لابد أنه ثمل أو يعاني من شيئا ما ..
- "حسنا أتمنى أن تجد وقتا صباح الغد في التحدث أريد أن انتهي من هذه المسألة "
توقف عن الضحك و علت ابتسامة سخرية على وجهه و هو يفتعل الدهشة
- " حقا ؟! و عندما تنتهين منها هل ستغادرين إلى بلادك ؟! "
- " هذا يعتمد .. "
- " على ماذا ؟! "
لم تستحمل رؤيته يستهزأ بها .. فقالت
- " يبدو عليك التعب يا حضرة الدوق.. سأتركك لترتاح.. عمت مساءا "
استدارت لتعطيه ظهرها و مشت باتجاه حجرتها دون أن تلتفت .. و بحركتها تلك أشعلت النار في صدره.. نار الافتتان و الإعجاب ..
استيقظت في الصباح و هي تشعر بالانهماك فهي لم تنم جيدا تلك الليلة و هي تفكر بما قالته صباح أمس و كيف أتت لها الجرأة بأن تواجه الجميع و تكشر عن أنيابها .. و كيف دنا منها باتريك في المساء و همس في أذنها .. استطاعت رائحة عطره الرجولية أن تعلق في انفها و تقطع أوصالها و صوته الواثق يبعث قشعريرة في جسمها .. و مجرد التفكير فيه يزيد من ضربات قلبها ..
دخلت غرفة الطعام لتجد نانيرا تتفطر وحدها و ما أن رأت لورا داخلة حتى تركت طعامها و غادرت الغرفة .. تبعتها لورا إلى غرفة الجلوس و أطرقت عليها سؤالا
- " أين الدوق ؟ّ! "
لكن العجوز لم تتعب نفسها بالنظر إلى لورا ..
- " حسنا إذا ستتجاهلينني .. أتعرفين يا نانيرا !! هذا يناسبني "
لم تكترث نانيرا للرد عليها .. فغادرت الأخرى و خرجت من القصر..
أخذت تتمشى في الحديقة لعلها تبعد ذلك الضجر الذي اعتراها .. تنظر إلى النافورة العملاقة و حوض السباحة ..و فجأة خطرت في بالها فكرة أعجبتها ..فأسرعت بالذهاب إلى جناحها و نزلت بعد دقائق و هي ترتدي ثوب الاستحمام و لفت جسدها بمنشفة أظهرت أكثر مما أخفت و سارت أمام نانيرا التي فتحت عينيها باتساع و هي ترى تلك الفتاة الشبة عارية تتمشى في القصر !!
ثم تخرج إلى الحديقة حيث حوض الاستحمام و تفرش منشفتها على الكرسي و تتموضع أمام الشمس كأنها أمام كاميرات سام .. تدهن جسدها بالزيت و تنادي على أحد الخدم و تطلب منهم أن يحضروا لها إفطارها بالخارج ..
بلغ الغضب عند نانيرا مبلغا و لم تستطيع أن تسكت عن تلك المهزلة التي تحدث فخرجت لتلقي قنبلتها الموقوتة على الغريبة ..
- " ماذا تظنين نفسك فاعلة ؟! "
فتحت لورا عينيها و نظرت إلى العجوز الغاضبة
- " ماذا تعتقدين ؟!! إنني آخذ حمام شمس .. "
- " كيف تجرئين ؟ و من سمح لك ؟ "
- " آه الآن تتحدثين إلي .. "
- " أجيبيني "
- " اسمعي يا نانيرا لا رغبة لي في إعادة خطاب صباح أمس فأرجوك اتركيني أتنعم و استمتع .. ابتعدي إنك تحجبين الشمس عني "
- " عديمة التربية و الأخلاق .. إذا رآك الدوق بهذا المنظر سيطردك من القصر فورا.. آه كم آمل هذا "
لم تأبه لورا بكلام تلك العجوز فقالت بخبث ..
- " أخبريه لعله يريد أن ينضم إلي .. أو يساعدني في وضع الزيت على جسدي "
فتحت نانيرا عينيها باتساع فصرخت بعصبية
- " يا لك من وقحة .. لن أسكت عن هذا.. ستأخذين جزاءك يا عديمة الأخلاق "
سارت نانيرا مبتعدة باتجاه الإسطبل و أمرت سائق العربة الصغيرة أن يأخذها إلى حيث باتريك يتدرب على الخيل .. أوقف الحصان و اقترب من العربة البيضاء الصغيرة التي توقفت و توقع بأنها قد تكون لورا أتت لتتحدث معه كما تفعل تلك الجريئة كالعادة .. لكن مفاجأة .. إنها ليست هي بل ..
- " نانيرا إيزابيل ..!! ".
- " دون باتريشيو ..لن أستطع تحملها أكثر .. أرجوك يجب أن تفعل شيئا بشأنها .."
كتف ذراعيه و قال بكل بساطة
- " دعيني أخمن .. لورا ؟! "
- " و من غيرها ..أنها تفقدني صوابي "
- " ماذا فعلت الآن ؟ّ! "
- " شيء مخزي "
- " هيا نانيرا أخبريني "
- " تلك الوقحة الغير متربية صاحبة المبدأ الديمقراطي .. تلك الفاج..."
قاطعها باتريك حتى لا تكمل شتيمتها .. و قال بنفاذ صبر
- " نانيرا .. ماذا فعلت لك آنسة آغنر ؟ "
- " على الرغم مما تفعله معك و قلة احترامها لك لا تزال تناديها بآنسة .. يجب أن تلقيها خارج القصر.. "
- " حسنا .. هل ستخبرينني ماذا فعلت لك أم أذهب و أسألها بنفسي ؟ "
أوقفته قبل أن يتحرك من مكانها و قالت بصوت مرتفع ..
- " لا .. لا تذهب .. "
اقترب داني و ماريو ناحيتهما فقال داني بدهشة
- " نانيرا إيزابيل .. إنها أول مرة تأتين فيها إلى الإسطبل .. لعله أمر طارئ "
أكمل ماريو عنه و هو يعرف ما هو الأمر الطارئ الذي جعل نانيرا تشرفهم في الإسطبل
- " ماذا فعلت آنسة آغنر ؟! "
- " قل ماذا لم تفعل ؟! "
إنها تزيد النار حطبا في قلب باتريك ..
- " أنت تفقديني صوابي.. سأذهب إليها "
- " لا توقف .. لن يعجبك ما ستراه "
- " و ما الذي قد أراه ؟ "
- " إنها .. إنها تأخذ راحتها في القصر و كأنه ملكها "
ضحك داني و قال معلقا
- " هذا ليس شيء جديدا عليها “
- " لا .. لقد تعدت الحدود "
نفذ صبر باتريك فقفز على ظهر الخيل و ركض به إلى القصر
- " حسنا هذا يكفي ..سأذهب لأرى بنفسي ماذا فعلته تلك المزعجة .."
صاحت نانيرا و هي تلحق به
- " دون باتريشيو ... توقف "لكنه لم يسمع لها فجذبت داني و ماريو معها ليمنعوه ..
أوقف حصانه بالحديقة و ربطه على السياج .. و سار باتجاه القصر .. وصلت نانيرا و تابعيها ماريو و داني و سائق العربة ..قالت و هي تنادي عليه
- " دون باتريشيو .. أرجوك توقف .."
لكنه لم يسمع لها .. و هو يهم بالدخول إلى القصر توقف عند الباب و استدار.. فقد لمح شخصا ما .. اقترب من حوض الاستحمام .. لم يصدق ما يراه !!
لورا بثوب اسود للسباحة و يكشف عن كل جزء في جسدها الممشوق اللامع..بدت مثيرة جدا بشعرها الأشقر الذي تبعثر فوق كتفها محدثا ضجة عارمة في قلب باتريك.. لا شعوريا قال بصوت منخفض
- " آه يا إله السماوات "
في هذه اللحظة أتت نانيرا و هي تهرول و خلفها ماريو و داني .. لكنها أبطأت عندما عرفت بأن الأوان قد فات ..
توقف ماريو و داني و أخذا ينظران بافتتان إلى التحفة الفنية التي أمامهما و قال داني المصدوم معلقا ..
- " هذا الذي لن يسره ما يراه ؟!! "
رفعت لورا رأسها و فتحت عينيها لتجد الدوق و حاشيته يتمنظرون فيها و كأنهم لم يروا امرأة تأخذ حمام شمس في ثياب السباحة من قبل .. اكتفت بأن ابتسمت و لوحت لهم بيدها..
ذاب الرجال لتأثير ابتسامتها مع منظرها المثير .. كانت نانيرا تنظر إليهم بغضب .. فاقتربت من لورا و ألقت عليها المنشفة و قالت بعصبية
- " احتشمي أمام الدوق ..و الرجال ..عدلي من جلستك .. "
لكن لورا ألقت المنشفة أرضا و أعادت إسناد رأسها على الكرسي بلا اكتراث بوجودهم ..
قال باتريك لداني و ماريو
- " أرجوكما خذا نانيرا إلى الداخل "
- " ماذا ستفعل ؟! "
- " هيا يا داني "
- " حسنا "
دخل جميعهم ما عداه وقف يحدق فيها ثم اقترب منها بخطوات ثابتة و واثقة .. و في كل خطوة بخطيها يزيد قلبه اشتعالا و تشعر هي بالارتباك.. وقف أمامها فحجب الشمس عنها ليظلل عليها بجسده العريض .. فتحت عينيها و التقت بعينيه التي احتضنت نظراتها ..
كان ينظر إليها من رأسها إلى أخمص قدميها بإعجاب و كأنه نمر يتحرق شوقا لالتهام فريسته .. أخذ قلبها يصعد و يهبط بسرعة كبيرة لكنها حاولت قد الإمكان أن تبين له بأنها لا تكترث بوجوده أو بمن يكون ..
قال بصوت هادئ كعادته هز به بدنها
- " إذا كنت تحاولين لفت نظري.. أنا أقرها لك ..لقد نجحت .."
انقبضت أحشاءها بقوة و صعد الدم إلى خديها و ارتجفت أطرافها.. يا لتأثيره الخطير عليها ..
جلس على الكرسي بالقرب منها و هو يمتع عينيه بالنظر إليها .. تنهد و قال بابتسامة ملتوية
- " هذه ليست بالطريقة المثلى لحثي على التحدث معك .. لكنها قد تحثني على فعل أشياء أخرى .. إن كنت تفهمين ما أعنيه !! "
جعلتها كلمته الأخيرة تكره نفسها و تشعر بأنها فاسدة و كأنها **** ..عدلت من جلستها و لفت المنشفة على جسدها ..
قال باستهزاء معلقا
- " آه آسف هل أحرجتك ؟! اعذريني .. أرجوك عودي لما كنت تفعلينه "
استفزها فقالت معاتبة بعصبية
- " ما كنت أفعله ؟!! إنك تحاول أن تفهمني بأني ارتكبت معصية أو شيء من هذا القبيل "
أجابها بسخرية
- " حقا ؟!! هذا هو انطباعك .. لم أقصد .. اعذريني "
- " أتعرف شيئا يا حضرة الدوق ؟! لن أكترث .. و إن أردت بإمكانك الانضمام إلي "
ألقت بالمنشفة ثم قفزت إلى الماء أمام عينيه .. لا يمكن أن يكون أكثر إعجابا و استثارة مما يكون عليه الآن ..
- " يا إلهي إنه منعش.. "
استقام واقف و قال مبتسما
- " جيد.. يسرني بأنك تستمتعين بوقتك .. لكن انتبهي على نفسك .. فانا لا أريدك أن تصابي بالبرد "
- " شكرا لقلقك علي .. لكن أطمأن سأكون على أحسن ما يرام "
تنهد و هز رأسه
- " أتمنى ذلك .. "
استدار داخلا القصر .. غاصت في الماء و هي تشعر بشيء من السعادة أحست بلذة الانتصار ..
اقتربت منه نانيرا و هي منزعجة
- " ماذا يا دون باتريشيو هل ستتركها تفعل ما تشاء ؟ "
- " اهدئي يا عزيزتي .. لن يدوم ذلك طويلا "
- " ماذا تعني ؟! "
- " انتظري و سترين "
ثم اقترب منها و عبطها من جنبها و هو يجذبها معه إلى الطابق العلوي و يقول لها مع ابتسامة شيطانية و لمعة غريبة في عينيه
- " كيف حال معطفك الفرو ؟! "
- " ماذا تنوي أن تفعل ؟!! "
مر على وجودها في الخارج ساعتين .. قررت أن تدخل القصر.. بحثت عن منشفتها لكنها لم تجدها لا على الكرسي و لا أسفله.. دارت حول الحوض فلعل الهواء طيرها لكن لا يوجد أي أثر لتلك المنشفة..
دخلت القصر و قد ضربها هواء مثلج ما أن فتحت الباب.. ارتعشت أطرافها فضمت جسدها الشبه عاري بيديها و صعدت الدرج بأطراف أصابعها .. حاولت أن تفتح باب جناحها لكنه كان مقفل حاولت مرة و أخرى .. لكن دون جدوى الباب مقفل .. أخذت ترتجف من البرد و أسنانها بدأت تصطك و تحولت أصابعها إلى اللون الأزرق .. قالت في نفسها
- " يا إلهي سأموت من البرد .. "
-
و لحسن حظها بأنها رأت وانيتا تصعد الدرج و بيدها أغراض كثيرة ..
- " وانيتا .. أرجوك ساعديني على فتح الباب "
- " آسفة يا آنسة .. لقد نادى علي الدوق لآخذ له الأغراض.. سآتي فور انتهائي منه "
- " لكني أتجمد من البرد.."
- " سأحاول أن لا أتأخر.."
ثم دخلت جناح باتريك .. و غابت لفترة طويلة و بدأت لورا بالعطس .. واحدة ثم ثانية .. فثالثة و تلتها سيل من العطسات .. و بعد وقوفها في الصقيع بثوب الاستحمام الأسود ذو القطعتين ..
و الجسد المبلل لخمسة عشر دقيقة تقريبا فتح الباب ليخرج منه داني الذي وقف يحدق بلورا التي تحولت إلى زرقاء..
- " لورا ؟!! "
قالت و أسنانها ترتجف
- " لم .. اعد .. أشعر .. ب..ب..أطرافي "
- " يا إلهي .. بالطبع .. فأنت مبللة كليا و واقفة فوق الرخام في هذا القصر المثلج.. اعتقد بان هناك مشكلة في التكييف .. "
كانت ترتجف بقوة و شعر بأنها قد تسقط أرضا..
- " باب.. حجرتي .. مقفل .."
حاول أن يفتح الباب لكنه بالفعل كان مقفلا ..
- " حسنا إذا أدخلي حجرتي و خذي حمام دافئ بينما أحاول أن أفتح لك الباب "
- " حسنا "
أخذها إلى حجرته و دلها على الحمام ثم فتح لها الماء الساخن .. و دون أن تنتظره يخرج دخلت تحت الدش الدافئ .. انساب الماء الدافيء على جسدها المثلج .. و شيئا فشيئا بدءت تستعيد عافيتها .. وقف ينظر إليها من بعيد بإعجاب ثم خرج من الحمام لتأخذ راحتها ..
بعد دقائق فتحت باب الحمام و هي ملتحفة بمنشفة داني ..
- " داني ؟!! "
كان جالسا على الفراش مقابلا لباب الحمام و يحملق فيها ..
- " اعتقدت بأنك في الخارج تحاول فتح باب حجرتي "
لم يجبها بل استقام واقفا كان يقترب منها بخطوات صغيرة .. لا تعرف لم شعرت بالخوف لكنها مع ذلك ابتسمت و قالت له
- " شكرا لك داني .. سأذهب الآن "
و قبل أن تسير مبتعدة من أمامه حشرها بجسده و ألصقها على الحائط و كان ملتصقا بها ...
- " لا يا لورا ليس بهذه السرعة "
- " أرجوك داني دعني أذهب .."
- " ليس قبل أن أطفئ غليلي "
و فجأة لثم شفتيها بقبلة نهمة و هي تدفعه و تقاومه لكنه استطاع السيطرة عليها بأن دفعها بقوة على الفراش و انقض فوقها و فتح المنشفة ..
أخذت تصيح و تصرخ و هي تقاومه بقوة و تستنجي بأحد لعله يساعدها .. لكن لا أحد .. يبدو بان الجدران و الأبواب عازلة للصوت ..
- " ابتعد عني .. اتركني يا قذر ... النجدة.. ساعدوني .. "
فجأة فتح الباب على مصراعيه و دخل باتريك بقوة و اندفع ناحية داني فجذبه بعيدا عن لورا .. لكمه بقوة حتى أسقطه أرضا .. ثم استدار ليجد لورا عارية لكنها تسترت بالمنشفة ما أن أيقنت أن الذي يحدق فيها هو الدوق ..
نظر إليها بنظرة اشمئزاز ثم جذبها بقوة من يدها و جرها خارج غرفة داني أمام مرأى ماريو و وانيتا و .. نانيرا المتشمتة ..
حاولت التلصص من قبضته لكنه كان أقوى منها ,فتح باب جناحها و دفعها إلى الداخل ثم أغلق الباب خلفه و أوصده..
انهارت على الأرض بالبكاء عندما سمعت الدوق يصيح و يصرخ بصوت عال على داني و لو أنها تفهم ما يقولونه لارتاحت ..و كرهت نفسها كثيرا فهي لا تريد أن يظن باتريك بأنها امرأة فاسدة أو أي شيء من هذا القبيل إنها تحاول بكل الطرق أن تكسب وده .. خاصة و أنها معجبة به كثيرا على الرغم من خشونته معها.. ظلت في فراشها تبكي حتى أغشاها التعب لتغفو و هي تشعر بالتعب و الإرهاق ..
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 12
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
6-
دخلت وانيتا بعد الظهر جناح لورا لتطمأن من أنها قد تناولت إفطارها الذي تركته لها هذا الصباح لكنها وجدت أن لورا لم تلمس شيئا من إفطارها و وجدتها بصعوبة بسبب الظلام مستلقية على الفراش .. اقتربت منها و همست
- " يا آنسة .. هل أنت مستيقظة "
لكن لورا لم تجبها .. فتركتها وانيتا و غادرت الحجرة ..
- " نانيرا إيزابيل "
- " نعم يا وانيتا ماذا تريدين ؟! "
- " إن الآنسة آغنر لم تلمس شيئا من إفطارها الذي وضعته لها هذا الصباح و لا تزال نائمة و لم تجبني "
- " لعلها نائمة بالفعل بعد أن سهرت طوال الليل تشعر بالخزي و العار "
- " لا أعتقد ذلك يا نانيرا فهي مهما طال سهرها تستيقظ باكرا "
- " لا تقلقي عليها إنها نمرة متوحشة و لن تموت من الجوع "
ابتعدتنانيرا و هي تتذمر من تلك الوقحة .. آغنر
لكن وانيتا بدأت تقلق كثيرا عندما دخلت جناح لورا في المساء لتجد الغرفة مظلمة و لورا لم تتحرك من مكانها و لم تلمس صينية الإفطار .. اقتربت منها مرة أخرى و وضعت يدها لتهزها فشهقت و أبعدت يدها بسرعة.. يا إلهي إنها ساخنة كالنار..
ركضت وانيتا و طرقت باب جناح الدوق فدعاها للدخول رفع رأسه عن الأوراق و الملفات التي أمامه و نظر باتجاه وانيتا المفزوعة
- " وانيتا ماذا لديك ؟! "
- " آسفة يا سيدي لإزعاجك لكن الآنسة لورا ليست على ما يرام "
- " ما بها ؟! "
- " لم تلمس إفطارها و لم تغادر فراشها حتى ..و عندما وضعت يدي لأوقظها وجدتها ساخنة جدا .. لعلها مصابة بالحمى يا سيدي"
اعتصر قلب باتريك فقد يكون هو السبب إن أصابها مكروه .. هب ليلقي نظرة عليها.. دخل حجرتها و اقترب من فراشها كانت متكورة و ملتحفة بالغطاء.. و نائمة.. مثل الحسناء النائمة .. وضع كفه على جبينها يتلمس حرارتها فاحترقت يداه و أبعدها بسرعة .. و قال هامسا إلى وانيتا حتى لا يوقظ لورا
- " اتصلي بالطبيب و أخبريه أن يأتي حالا "
- " حسنا سيدي "
خرجت من الحجرة و بقي هو مع لورا وحدهما .. مسح على رأسها و قال بصوت منخفض
- " لورا ... لورا .. استيقظي "
فتحت عيناها بتثاقل و نظرت إلى صورة مهزوزة و مظلمة و غير واضحة لباتريك و كانت تسمع صوته يقترب ثم يبتعد و ينادي باسمها .. قرب وجهه من وجهها حتى تراه بوضوح .. أغمضت عينيها مرة أخرى فوضع يده بيدها يهزها لعلها تستفيق مرة أخرى
- " لا يا لورا لا تغمضي عيناك ..استيقظي "
فتحت عين واحدة بصعوبة لتجد صورة باتريك لا تزال موجودة و كذلك صوته .. لعلها تحلم .. ضغط على يدها و أكد ذلك لها بأنه باتريك بلحمه و شحمة و ليس حلما .. فقالت بصوت مرتجف و بالكاد يسمع
- " باتريك .. أنا لم .. مع.. دان.."
وضع سبابته على شفتيها
- " اشششش .. أعرف ذلك .. ارتاحي"
أغمضت عيناها مرة أخرى فجلس على الفراش و أخذ يمسح على رأسها و لا شعوريا ارتسمت ابتسامة ارتياح على محياه ..
دخلت وانيتا و قالت
- " لقد اتصلت بكل الأطباء الذين استطعت الحصول على أرقامهم لكن لا أحد منهم يرد إلا الطبيب جيوفاني و قال لي أن اعتذر منك لأنه يسكن بعيدا جدا عن القصر و قال أنه يستطيع أن يكون هنا في الصباح الباكر "
- " حسنا إذا يجب أن نعمل على تخفيف حرارتها.. اذهبي و احضري إناء ماء و مكعبات ثلج و أحضري مناشف صغيرة.."
- " حسنا "
ضغطت لورا على يده و أصدرت أنينا .. رأى دمعة تنزل على خدها .. فمسحها بطرف إبهامه
- " ستكونين بخير يا لورا "
- " باتريك "
- " ماذا يا عز**.. يا لورا ؟! "
- " سأغادر.. "
و فجأة غابت عن الوعي .. فتح عينيه باتساع و رفع ظهرها ليجلسها و أخذ يلطم وجهها حتى تستفيق .. إنها تدخل في نوبة الحمى ..
- " لا يا لورا .. استفيقي .. أرجوك .. لورا ... "
ثم صرخ عاليا ينادي وانيتا ..
- وانيتا ... أسرعي "
بدأت تتهالك بين يديه .. و بسرعة تصرف و حملها و دخل بها إلى الحوض و فتح عليها الماء البارد.. شهقت و أخذت تهتز و ترتعش .. ضمها إليه و هو يمسح على شعرها و يقبل رأسها..
- " لورا .. افتحي عينيك أرجوك "
دخلت وانيتا و رأت منظرا لم تره في حياتها من قبل .. الدوق جالسا في حوض الاستحمام و بين يديه فتاة بين الحياة و الموت يمسح على رأسها و يقبلها !!!
انتبه لوجود وانيتا فقال برباطة جأش
- " هيا ألقي مكعبات الثلج بالحوض "
- " لكن .. "
- " هيا وانيتا "
فعلت ما أمرها و ألقت بمكعبات الثلج بالماء .. ازدادت برودة الماء و أخذت لورا ترتجف و شعر هو بتجمد أطرافه لكنه تحمل ..
شيئا فشيئا بدأت لورا تستعيد وعيها و تفتح عينيها .. رأت يد رجل تحوط صدرها و صرها و شعرت بوجود شخص ما خلفها .. فبدأت بالهسترة و أخذت تصرخ و تضرب باتريك بقوة
- " اتركني يا قذر ..اتركني.. ابتعد عني .. ابتعد .."
- " لورا .. لورا .. اهدئي .. إنه أنا باتريك "
اقتربت وانيتا منها و أمسكت رأسها حتى تجعلها تنتبه لها ..
- " توقفي يا آنسة.. أنت بين أيد أمينة "
بالفعل توقفت و قلبها ينبض بسرعة غير طبيعية .. لفت رأسها لتجد نفسها مستندة على صدر باتريك و هما الاثنان في حوض استحمام و الماء بارد كالصقيع .. قالت بخوف
- " ما الذي يحدث هنا ؟! "
ابتسم لها و هو يرتجف و قد تحولت شفتاه إلى اللون الأزرق لكنه قال مهدئا
- " كنت فاقدة الوعي و حرارتك مرتفعة جدا .. و بدأت تدخلين في نوبة "
نظرت بين عينيه لتجد لأول مرة دفئا غير طبيعي على الرغم من برودة الماء ..كما رأت ابتسامة صغيرة صادقة أخبرتها بأنه يهتم بها و يقلق عليها .. ألقت بجسدها عليه و بكت.. ضمها إلى صدره و هو يربت على كتفها
- " اششش .. اهدئي يا لورا .. أنت بخير الآن"
أعطى وانيتا نظرة لتغادر فخرجت بسرعة و تركتهما وحدهما ..
لا تعرف لم كانت تبكي !! .. آه صحيح لما شعرت به بالأمس من خزي .. لأنه ظن بأنها قد أخطأت مع داني !! و لأنها كانت متعبة جدا ..
ظلت بين يديه لفترة وجيزة ثم رفعت رأسها و بدأت ترتجف و كذلك هو كان يرتعش و اصطكت أسنانه و ما هي إلا لحظات حتى انهمر على الاثنان ضحك مفاجئ و أخذا يضحكان حتى امتلأت عيناهما بالدموع .. ثم توقفا فجأة و أخذا يتبادلان نظرات الافتتان و الإعجاب التي قطعها هو بأن استقام واقفا و خرج من الحوض فتقطر الماء من ثيابه التي التصقت بجسده ليأتي بمنشفة و يضعها حول لورا التي ترتدي قميص نوم خفيف و أصبح شفاف بفعل الماء فكشف جسدها لكنه بسرعة أشاح عن النظر إلى جسدها .. فهو يعرف بانه لن يستطيع مقاومتها أكثر من ذلك .. ساعدها على النهوض دون أن ينظر إلى عينيها.. ثم اخذ منشفة لنفسه و وضعها على كتفه ..
- " كيف تشعرين الآن يا آنسة ؟! "
- " بخير .. شكرا لك .."
- " أنت مصابة بالحمى .. درجة حرارتك كانت مرتفعة جدا .. أتمنى أن ترتاحي و تتناولي وجبة عشاء و غدا سيأتي الطبيب ليفحصك "
أومأت برأسها .. إنها لا تريد أن تسمع هذا الكلام منه .. لا تريد وجبة عشاء و لا أي شيء غير أن تبقى نائمة على صدره ..
بعد ذلك فتح الباب و نادى على وانيتا ..
- " وانيتا ساعدي آنسة آغنر بتغير ثيابها إلى أخرى جافة ثم أحضري لها طعام للعشاء "
- " حسنا سيدي "
- " أبقي معها الليلة "
- " حاضر "
ألقى نظرة خاطفة عليها و سرعان ما أشاح بنظره عنها عندما وجدها تحملق فيه بحزن و قد تجمعت الدموع في عينيها.... و كأنها تعاتبه بنظراتها .. بل هذا ما كانت تفعله .. تريده أن يبقى .. أن يعترف لها بشيء .. لكنه غادر بهدوء .. آلمها قلبها و كأنه خلع من صدرها و غادرها معه .. يا إلهي إنها واقعة في الحب !!
دخلت وانيتا بعد الظهر جناح لورا لتطمأن من أنها قد تناولت إفطارها الذي تركته لها هذا الصباح لكنها وجدت أن لورا لم تلمس شيئا من إفطارها و وجدتها بصعوبة بسبب الظلام مستلقية على الفراش .. اقتربت منها و همست
- " يا آنسة .. هل أنت مستيقظة "
لكن لورا لم تجبها .. فتركتها وانيتا و غادرت الحجرة ..
- " نانيرا إيزابيل "
- " نعم يا وانيتا ماذا تريدين ؟! "
- " إن الآنسة آغنر لم تلمس شيئا من إفطارها الذي وضعته لها هذا الصباح و لا تزال نائمة و لم تجبني "
- " لعلها نائمة بالفعل بعد أن سهرت طوال الليل تشعر بالخزي و العار "
- " لا أعتقد ذلك يا نانيرا فهي مهما طال سهرها تستيقظ باكرا "
- " لا تقلقي عليها إنها نمرة متوحشة و لن تموت من الجوع "
ابتعدتنانيرا و هي تتذمر من تلك الوقحة .. آغنر
لكن وانيتا بدأت تقلق كثيرا عندما دخلت جناح لورا في المساء لتجد الغرفة مظلمة و لورا لم تتحرك من مكانها و لم تلمس صينية الإفطار .. اقتربت منها مرة أخرى و وضعت يدها لتهزها فشهقت و أبعدت يدها بسرعة.. يا إلهي إنها ساخنة كالنار..
ركضت وانيتا و طرقت باب جناح الدوق فدعاها للدخول رفع رأسه عن الأوراق و الملفات التي أمامه و نظر باتجاه وانيتا المفزوعة
- " وانيتا ماذا لديك ؟! "
- " آسفة يا سيدي لإزعاجك لكن الآنسة لورا ليست على ما يرام "
- " ما بها ؟! "
- " لم تلمس إفطارها و لم تغادر فراشها حتى ..و عندما وضعت يدي لأوقظها وجدتها ساخنة جدا .. لعلها مصابة بالحمى يا سيدي"
اعتصر قلب باتريك فقد يكون هو السبب إن أصابها مكروه .. هب ليلقي نظرة عليها.. دخل حجرتها و اقترب من فراشها كانت متكورة و ملتحفة بالغطاء.. و نائمة.. مثل الحسناء النائمة .. وضع كفه على جبينها يتلمس حرارتها فاحترقت يداه و أبعدها بسرعة .. و قال هامسا إلى وانيتا حتى لا يوقظ لورا
- " اتصلي بالطبيب و أخبريه أن يأتي حالا "
- " حسنا سيدي "
خرجت من الحجرة و بقي هو مع لورا وحدهما .. مسح على رأسها و قال بصوت منخفض
- " لورا ... لورا .. استيقظي "
فتحت عيناها بتثاقل و نظرت إلى صورة مهزوزة و مظلمة و غير واضحة لباتريك و كانت تسمع صوته يقترب ثم يبتعد و ينادي باسمها .. قرب وجهه من وجهها حتى تراه بوضوح .. أغمضت عينيها مرة أخرى فوضع يده بيدها يهزها لعلها تستفيق مرة أخرى
- " لا يا لورا لا تغمضي عيناك ..استيقظي "
فتحت عين واحدة بصعوبة لتجد صورة باتريك لا تزال موجودة و كذلك صوته .. لعلها تحلم .. ضغط على يدها و أكد ذلك لها بأنه باتريك بلحمه و شحمة و ليس حلما .. فقالت بصوت مرتجف و بالكاد يسمع
- " باتريك .. أنا لم .. مع.. دان.."
وضع سبابته على شفتيها
- " اشششش .. أعرف ذلك .. ارتاحي"
أغمضت عيناها مرة أخرى فجلس على الفراش و أخذ يمسح على رأسها و لا شعوريا ارتسمت ابتسامة ارتياح على محياه ..
دخلت وانيتا و قالت
- " لقد اتصلت بكل الأطباء الذين استطعت الحصول على أرقامهم لكن لا أحد منهم يرد إلا الطبيب جيوفاني و قال لي أن اعتذر منك لأنه يسكن بعيدا جدا عن القصر و قال أنه يستطيع أن يكون هنا في الصباح الباكر "
- " حسنا إذا يجب أن نعمل على تخفيف حرارتها.. اذهبي و احضري إناء ماء و مكعبات ثلج و أحضري مناشف صغيرة.."
- " حسنا "
ضغطت لورا على يده و أصدرت أنينا .. رأى دمعة تنزل على خدها .. فمسحها بطرف إبهامه
- " ستكونين بخير يا لورا "
- " باتريك "
- " ماذا يا عز**.. يا لورا ؟! "
- " سأغادر.. "
و فجأة غابت عن الوعي .. فتح عينيه باتساع و رفع ظهرها ليجلسها و أخذ يلطم وجهها حتى تستفيق .. إنها تدخل في نوبة الحمى ..
- " لا يا لورا .. استفيقي .. أرجوك .. لورا ... "
ثم صرخ عاليا ينادي وانيتا ..
- وانيتا ... أسرعي "
بدأت تتهالك بين يديه .. و بسرعة تصرف و حملها و دخل بها إلى الحوض و فتح عليها الماء البارد.. شهقت و أخذت تهتز و ترتعش .. ضمها إليه و هو يمسح على شعرها و يقبل رأسها..
- " لورا .. افتحي عينيك أرجوك "
دخلت وانيتا و رأت منظرا لم تره في حياتها من قبل .. الدوق جالسا في حوض الاستحمام و بين يديه فتاة بين الحياة و الموت يمسح على رأسها و يقبلها !!!
انتبه لوجود وانيتا فقال برباطة جأش
- " هيا ألقي مكعبات الثلج بالحوض "
- " لكن .. "
- " هيا وانيتا "
فعلت ما أمرها و ألقت بمكعبات الثلج بالماء .. ازدادت برودة الماء و أخذت لورا ترتجف و شعر هو بتجمد أطرافه لكنه تحمل ..
شيئا فشيئا بدأت لورا تستعيد وعيها و تفتح عينيها .. رأت يد رجل تحوط صدرها و صرها و شعرت بوجود شخص ما خلفها .. فبدأت بالهسترة و أخذت تصرخ و تضرب باتريك بقوة
- " اتركني يا قذر ..اتركني.. ابتعد عني .. ابتعد .."
- " لورا .. لورا .. اهدئي .. إنه أنا باتريك "
اقتربت وانيتا منها و أمسكت رأسها حتى تجعلها تنتبه لها ..
- " توقفي يا آنسة.. أنت بين أيد أمينة "
بالفعل توقفت و قلبها ينبض بسرعة غير طبيعية .. لفت رأسها لتجد نفسها مستندة على صدر باتريك و هما الاثنان في حوض استحمام و الماء بارد كالصقيع .. قالت بخوف
- " ما الذي يحدث هنا ؟! "
ابتسم لها و هو يرتجف و قد تحولت شفتاه إلى اللون الأزرق لكنه قال مهدئا
- " كنت فاقدة الوعي و حرارتك مرتفعة جدا .. و بدأت تدخلين في نوبة "
نظرت بين عينيه لتجد لأول مرة دفئا غير طبيعي على الرغم من برودة الماء ..كما رأت ابتسامة صغيرة صادقة أخبرتها بأنه يهتم بها و يقلق عليها .. ألقت بجسدها عليه و بكت.. ضمها إلى صدره و هو يربت على كتفها
- " اششش .. اهدئي يا لورا .. أنت بخير الآن"
أعطى وانيتا نظرة لتغادر فخرجت بسرعة و تركتهما وحدهما ..
لا تعرف لم كانت تبكي !! .. آه صحيح لما شعرت به بالأمس من خزي .. لأنه ظن بأنها قد أخطأت مع داني !! و لأنها كانت متعبة جدا ..
ظلت بين يديه لفترة وجيزة ثم رفعت رأسها و بدأت ترتجف و كذلك هو كان يرتعش و اصطكت أسنانه و ما هي إلا لحظات حتى انهمر على الاثنان ضحك مفاجئ و أخذا يضحكان حتى امتلأت عيناهما بالدموع .. ثم توقفا فجأة و أخذا يتبادلان نظرات الافتتان و الإعجاب التي قطعها هو بأن استقام واقفا و خرج من الحوض فتقطر الماء من ثيابه التي التصقت بجسده ليأتي بمنشفة و يضعها حول لورا التي ترتدي قميص نوم خفيف و أصبح شفاف بفعل الماء فكشف جسدها لكنه بسرعة أشاح عن النظر إلى جسدها .. فهو يعرف بانه لن يستطيع مقاومتها أكثر من ذلك .. ساعدها على النهوض دون أن ينظر إلى عينيها.. ثم اخذ منشفة لنفسه و وضعها على كتفه ..
- " كيف تشعرين الآن يا آنسة ؟! "
- " بخير .. شكرا لك .."
- " أنت مصابة بالحمى .. درجة حرارتك كانت مرتفعة جدا .. أتمنى أن ترتاحي و تتناولي وجبة عشاء و غدا سيأتي الطبيب ليفحصك "
أومأت برأسها .. إنها لا تريد أن تسمع هذا الكلام منه .. لا تريد وجبة عشاء و لا أي شيء غير أن تبقى نائمة على صدره ..
بعد ذلك فتح الباب و نادى على وانيتا ..
- " وانيتا ساعدي آنسة آغنر بتغير ثيابها إلى أخرى جافة ثم أحضري لها طعام للعشاء "
- " حسنا سيدي "
- " أبقي معها الليلة "
- " حاضر "
ألقى نظرة خاطفة عليها و سرعان ما أشاح بنظره عنها عندما وجدها تحملق فيه بحزن و قد تجمعت الدموع في عينيها.... و كأنها تعاتبه بنظراتها .. بل هذا ما كانت تفعله .. تريده أن يبقى .. أن يعترف لها بشيء .. لكنه غادر بهدوء .. آلمها قلبها و كأنه خلع من صدرها و غادرها معه .. يا إلهي إنها واقعة في الحب !!
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 13
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
-7-
يسابق الرياح فوق التلال و السهول , يداعب النسيم أذنيه ثم يدخل بين خصلات شعره الأسود .. يركض بالخيل و كأنه يهرب من مشاكله و من همومه , من ضغوط العمل , من شعوره بالذنب من .. من تلك الجميلة التي احتلت عقله و قلبه و لم يعرف هل سيقابلها من جديد ؟؟ و من هذه الجريئة التي احتلت الجزء الثاني من قلبه و عقله فهل هذا ممكن ؟! أن يعشق اثنتان في وقت واحد ؟!! واحدة لا يعرف من تكون و ما اسمها و لم ير منها إلا شعرها الأشقر الكثيف الذي استرسل أسفل كتفيها و طرف أنفها و ابتسامتها و طول قامتها و أناقتها و عذوبة صوتها.. و الثانية الشقراء ذو الشعر الأشقر القصير الذي يلامس أطرافه كتفها و الجسم الرشيق و الشقاوة و الجرأة و صاحبة المنطق و الرأي السديد التي تقنعه بنظرة واحدة من عينيها فهي يفترض أن تكون عدوته لكنها للأسف هي هنا لتحتل قلبه و عقله و سكنه و ورث أجداده..
فكيف انقلبت الآية و هو الذي يعرف عنه بأنه ذو بأس شديد و لا يقع ضحية لجمال النساء بل كن هن من يقعن فريسة له !! ..
عاد إلى الإسطبل بعد أن تسابق مع الهواء على ظهر جواده ليجد ماريو ينتظره عند السياج ..
- " سيدي .."
- " ماذا تريد يا ماريو ؟ "
- " لقد أتى الطبيب جيوفاني ليكشف على الآنسة "
- " حسنا جيد سأوافيه حالا "
- " سأخبره أن ينتظر "
خرج الطبيب جيوفاني من جناح لورا و كان باتريك في انتظاره عند الباب يريد أن يطمئن على صحتها فهو لم ينم طيلة الأمس و هو يفكر بخطئه و أن كل ما حدث لها هو بسبب تصرفه الطفولي..
- " دون باتريك كيف حالك ؟! "
- " أنا بخير .. لكن السؤال يفترض أن يكون كيف حال الآنسة ؟! "
- " أنت قلق جدا عليها .. اهدأ .. لا داعي للقلق فهي امرأة قوية "
- " إذن ما بها ؟! "
- " مجرد نزلة برد و إن ارتاحت ليومان ستكون أفضل "
- " أتمنى ذلك "
- " لقد سمعت بأنك أنقذتها بالأمس .. أهنئك على تصرفك السليم دون باتريك فلولا انك لم تقم بما فعلته لدخلت الفتاة في نوبة أو غيبوبة و قد تصاب بمرض ما أو تصاب أنسجتها العقلية لارتفاع درجة حرارتها ..لكن كيف خطرت لك هذه الفكرة بأن تضعها في ماء بارد لتقوم بموازنة حرارة جسدها بطريقة سريعة ؟!"
- " حمدا لله بأنها بخير فهذا ما يهم "
- " نعم صحيح .. أنا لا ألومك يا دون باتريك لاهتمامك الزائد بها فهي ضيفتك "
أنزل رأسه فهو يشعر بالخزي .. هل هكذا يقوم المضيف بالاهتمام بضيفته ؟؟ بأن يأخذها في منتصف الليل و يلقيها في بيت منعزل و مهجور , أم يقوم بأخذ منشفتها و رفع درجة برودة المكيف حتى تصاب بالبرد و تتجمد أطرافها , ثم يلقي اللوم عليها عندما وجدها في حجرة داني ملقاة على فراشه و هي تصيح و تصرخ مستنجدة بأحد ما ..
قالها دون أن يقتنع بإجابته ..
- " بالطبع "
- " حسنا أستأذنك الآن و لا تقلق على الآنسة ستكون بخير إن اتبعت إرشاداتي جيدا "
- " شكرا لك "
- " على الرحب و السعة "
أوصل الطبيب إلى الباب و ودعه بلباقة ثم وقف على أول الدرجات يهم بالصعود.. تردد لفكرة خطرت له بأن يدخل على لورا ليطمأن عليها بنفسه .. هذا ما حثه عليه قلبه .. لكنه فكر مليا و أعدل عن هذه الفكرة بإتباعه لعقله .. و بدل من ذلك خرج من القصر و استقل العربة الصغيرة ليذهب إلى المصنع و يلهي نفسه عن التفكير بلورا ..بالعمل...
دخلت وانيتا حجرة لورا و وضعت صينية الإفطار على فراشها ثم فتحت الستائر لتدخل الشمس فتصحصحها .. غطت عينيها بيدها فهي لم تر النور ليوم كامل ..
- " يجب أن تأكلي يا آنسة "
- " لكني لا أشعر بالجوع "
رفعت وانيتا الملعقة إلى فم لورا لكن الأخرى أبعدت رأسها .. لوت وانيتا شفتيها و ابتسمت بطريقة شيطانية و كأن فكرة جهنمية خطرت لها
- " هل تريديني أن أنادي الدوق ليطعمك ؟! "
ابتسمت لورا غصبا عنها ثم سألت وانيتا
- " و ما الذي يدعوك لقول ذلك ؟! "
تظاهرت وانيتا بأنها لا تعرف شيئا عما يدور بين الاثنين
- " ليس هناك سببا .. لكنه يستطيع إرغامك "
انزعجت لورا فردت عليها
- " أنت مخطئة لا الدوق و لا غيره يستطيع إرغامي على فعل شيء لا أريده "
- " حسنا أنا آسفة .. أرجوك تناولي هذه اللقمة من يدي.. من أجلي "
- " من أجلك فقط .. و ليس لباتريك "
تناولت الملعقة من يدها فابتسمت تلك الأخرى
- " هل قمنا نناديه باسمه ( باتريك ) عوضا عن (دون) أو (الدوق) ؟؟"
رفعت لورا حاجبيها و مع ابتسامة سألت وانيتا
- " إلى ماذا تلمحين ؟! "
- " لا .. لا شيء أبدا "
- " هيا أخبريني بما يدور في خلدك ؟! هل سمعت شيئا من أحد ؟! هل قال لك احد شيئا ؟! أو رأيت شيئا "
- " لم أسمع من احد و لم يقل لي أحد أي شيء .. لكنني رأيت بعيني الكثير "
بدأت لورا تتحمس لحديث وانيتا فأمطرتها بالأسئلة
- " و ماذا رأيت .. أخبريني هيا ؟! "
ترددت وانيتا قبل أن تتحدث فألحت عليها لورا و هي تهز يدها
- " هيا أخبريني .. "
- " لكن هل توعديني بان تنهي طبق الحساء إن أخبرتك ؟! "
- " نعم .. وعد مني أن أنهي كل الطبق لكن أخبريني "
- " حسنا .. بالبداية رأيت الدوق عصبيا جدا عندما ضرب دانيال على وجهه لأنه حاول أن .."
- " نعم .. رأيته "
قاطعتها لورا فهي لا تنوي أن تتذكر تلك الحادثة المرعبة ..
- " هو لم يضرب صديقه قط و لم يطرده من القصر من قبل بل دائما ما يقف معه حتى و لو كان داني مخطئا.. لكن لأن الامر يتعلق بك .."
- " ربما لأنني كنت اصرخ و استنجي به .. أيا كان سيقف معي لأني امرأة أتعرض لهجوم رجل غريب "
- " نظراته بالأمس و قلقه عليك أكد لي ما أشعر به .. إن الدوق يهتم لأمرك .. بل أكثر من ذلك "
- " كيف ؟! "
- " كان قلقا جدا عليك و حزينا بحيث قفز معك بحوض الماء البارد و أخذ يمسح على رأسك و .. "
- " و ماذا ؟! وانيتا تكلمي "
- " كان يقبل رأسك .. و يناديك بلورا عزيزتي.."
- " حقا ؟!! "
لكن سرعان ما أبعدت لورا فكرة أن باتريك قد يهتم لأمرها فبسرعة أجابت ظنونها
- " أنا متأكدة لأنه يشعر بالمسؤولية اتجاهي فأولا و أخيرا أنا غريبة و ضيفة عنده "
- " هذا سبب بسيط لا يجعله يقبل رأسك و يجلس معك في الحوض بثيابه و يرتجف من البرد و تزرق شفتاه.. كما أنه عندما بكيتي و تعلقت به نظر إلي بأن أغادر حتى يكون معك وحدك "
لا تعرف لورا لم تألمت لحديث وانيتا بدل من أن تسعد و تبتهج .. هل لأنه يحاول إخفاء مشاعره لكبريائه ؟! أم أن غروره و كبرياءه لا يسمحان له بأن يقع في عشق فتاة أمريكية و من عامة الناس و بدل من هذا أنها أتت لتأخذ جزء من ممتلكات أجداده حيث يفترض أن تكون له وحده و لابناءه و أحفاده من بعده ..
- " آنسة لورا .. هل أنت بخير ؟! "
- " نعم .. لقد سرحت قليلا "
- " بدون باتريك أليس كذلك ؟! اعترفي بأنك تكنين له مشاعر الإعجاب ؟! "
تلونت عيناها بالحزن و هي تجيبها بصوت مخنوق
- " بل أسوأ من ذلك .."
وضعت يدها على قلبها تحاول أن توقف النزيف الذي اعتصر من قلبها و هي تتذكر كيف أنه قاوم تقبيلها مرتين .. أنه لا يريد أن يخطأ معها فيندم .. ارتجفت شفتيها و أحست بغصة .. ضمتها وانيتا و أخذت تربت على كتفها ..
- " لقد ترك اليوم تدريبه على الخيل ليسأل عنك عندما علم أن الطبيب جيوفاني أتى ليكشف عليك .. اعتقد يا آنسة بأنه يكن لك نفس المشاعر التي تحملين له "
- " ربما .."
وقفت وانيتا لتغادر فجذبت لورا يدها و قالت لها مبتسمة
- " كنت أتساءل يا وانيتا إن كان للدوق صديقة أو زوجة أو ..."
- " لا .. كانت لديه صديقة قبل أن يغادر .."
- " و ماذا حدث ؟! "
- " غادر .."
ابتسمت لها لورا .. فمن دون وانيتا لم تكن تعرف كيف كانت ستتحمل البقاء في هذا القصر أكثر من يومان ..
- " شكرا لك وانيتا لأنك الوحيدة التي تعامليني جيدا هنا .. إني أعتبرك صديقة لي .. شكرا مرة أخرى لاعتنائك بي "
- " على الرحب و السعة يا آنسة لورا "
- " ارجوك .. ناديني بلورا "
- " حسنا .. لورا .. هل يعجبك هذا ؟! "
- " بالطبع.. خاصة و أنك أصبحت صديقتي المقربة و اعترفت لك بسري الدفين .. "
ابتسمت لها وانيتا بابتهاج
- " و أنت كذلك يا آنسة.. أقصد يا لورا .. امرأة متفهمة و ناضجة و عادلة و لك قلب أبيض كبير"
- " شكرا لك .. إنك تحرجينني "
- " بل هذه الحقيقة يا لورا و الدوق يقن لذلك "
تورد خدي لورا لكلام وانيتا و لأنها ترسم لها آمال و أحلام بعيدة المنال .. فحتى و ان يكن الدوق يعشقها فهو لن يبوح لها بذلك فآخر ما يريده هو أن تكون بينهما علاقة .. سترضى بالأمر الواقع ..
دخل باتريك القصر في وقت متأخر جدا من الليل و كان يبدو عليه التعب و الإرهاق .. صعد الدرجات بهدوء .. شيئا ما دفعه لان يقترب من جناح لورا .. وقف لدقائق و هو يسمع بهذا الهدوء ضربات قلبه المتسارعة .. آه كم يتمنى أن يفتح الباب فقط لأن يراها من بعيد نائمة و مرتاحة في فراشها ..
كانت جالسة على الكنبة و ملتحفة بغطاء صغير تقرأ كتاب "لجين أوستن" بعنوان "الليدي سوزان "عندما رأت ظل أقدام عند أسفل فتحة الباب .. قامت بهدوء و اتجهت لتفتح الباب .. ارتجفت يديها و ضرب قلبها بشده .. لعله يكون داني !! .. استطاعت أن تضع يدها على المقبض و تجذبه .. اهتز بدنها و اقشعر عندما رأته واقفا ينظر إليها بدهشة .. فتح فمه ليتكلم لكنه أغلقه و فعل ذلك أكثر من مرة حتى أخيرا قال
- " آسف لم أكن أريد إزعاجك آنسة آغنر "
لم ترد عليه ..بل اكتفت بان نظرت إلى أجمل عينين مرهقتين و أوسم وجه متعب رأته .. تجهم وجهه و كأنه تضايق من نفسه و من تصرفه .. فماذا كان يفكر بان يقف عند باب حجرتها في هذا الوقت من الليل و هو بهذه الحال الرثة و بتلك الثياب المتسخة و الشعر المبعثر الذي أضفى إليه منظر الشاب الشقي.. نظرت إلى ثيابه و ساورها القلق ففتح الاثنان فمهما للتكلم في نفس الوقت .. ثم سكتا معا و انتظرا أحد منها أن يتكلم أولا .. و عندما طال الانتظار فتحا فمهما معا للمرة الثانية .. قهقه بهدوء و ابتسمت بخجل.. أشار لها بيده بأن تبدأ أولا .. ترددت ..لان تسأله عن سبب منظره الرث و هي لأول مرة تراه هكذا فهو دائما ما يكون متأنقا حتى و هو يمتطي الخيل .. لكنها عوضا عن ذلك غيرت السؤال بآخر
- " كنت أريد أن أشكرك لما فعلته بالأمس .. أنقذت حياتي "
- " لا داعي يا آنسة فهذا واجبي .. أنت ضيفتي و أنا مسئول عن أي شيء يصيبك .. خاصة إنني لم أكن مضيافا لك في الآونة الأخيرة.. فاعذريني "
نعم هذا ما كرهت أن تسمعه .. ابتسم لها و سألها
- " كيف حالك الآن ؟! "
- " على أحسن ما يكون .. الفضل يعود لك و لوانيتا و الطبيب جيوفاني الذي آلمني بحقنته"
عبس وجهه و قال قلقا
- " حقا ؟! هل آلمتك كثيرا؟!"
هبط قلبها إلى بطنها و هي ترى تغير ملامح وجهه.. لقد صدق كلام وانيتا .. قالت بخجل
- " لا .. ليس كثيرا .. إنه ألم أستطيع تحمله .. "
بعكس الألم الذي أشعر به الآن من نظراتك .. و جفاءك .. و كبريائك و عنادك .. هذا ما تمنت أن تقوله له
- " هذا أكيد فأنت امرأة قوية آنسة آغنر .. أتمنى أن تستعيدي عافيتك قريبا فهناك العديد من الفعاليات ستقام في بداية الأسبوع و آمل أن لا تفوتيها "
- " فعاليات ؟! "
أومأ قائلا
- " نعم .. إنها مجرد عادات و تقاليد تقام كل سنة ,,سترين .. حسنا آنسة آغنر .. سأتركك لترتاحي.. اعتني بنفسك و آسف على إزعاجك "
- " لا أبدا ليس هناك إزعاج .. و أنا متشوقة لتلك الفعاليات لذلك سأعتني بنفسي .. شكرا لك دون باتريك "
أومأ برأسه لها ثم رجع خطوات للخلف و هو يودعها تمنى أن يبقى في مكانه و ينظر إليها
- " عمتي مساء آنستي "
أغلقت الباب خلفها و استندت عليه و هي تعيد رسم ملامحه حتى تحفظها في ذاكرتها جيدا .. خفق قلبها بقوة لكلمته الأخيرة التي ظلت ترن بمسمعها ( آنستي ) و كأنها تخصه .. و آه كم تتمنى أن يناديها باسمها الأول و يلقي الحواجز و الرسميات بينهما ..
إن ما يحدث بينهما مثل رواية من روايات "جين أوستن" .. و صدقت "جين أوستن" الكاتبة المشهورة بوصفها الدقيق لمعاني العشق .. فلورا حتما معتلة به ...
استيقظت صباح اليوم التالي و هي تشعر بنشاط و حيوية فارتدت ثياب عملية مريحة و حذاء رياضي و نزلت الدرج قفزا و كأن حقنة الطبيب جيوفاني قد أدت مفعولها جيدا .. توقفت عند باب غرفة الطعام عندما سمعت صوت نانيرا تتحدث مع شخصا ما .. و لأول مرة كنا يتحدثان بمفردهما بالإنجليزية ..
- " ألن تتصل به يا دون باتريشيو ؟! "
- " لا لن أفعل "
- " لكنه صديقك المقرب "
- " لقد ارتكب خطأ و يجب أن يعاقب عليه"
- " و ما الذي يجعلك تلومه وحده فهي أيضا تتحمل جزء كبير من الخطأ.. فماذا كانت تفعل في حجرته ؟! و لم كانت عارية .. إنه رجل و لابد أنها أغرته "
قال بعصبية
- " نانيرا .. أنت لا تعرفين شيئا "
- " إذا أخبرني بالذي أجهله .. كل ما أراه هو أن تلك الخبيثة دائما وراء المشاكل .. لا تدعها تفرق بينك و بين صديقك المقرب .. اتصل به و تصالحا .. غدا يوم مهم بالنسبة لك و ينبغي أن يكون هنا يساندك كما يفعل دائما.."
فتح جريدته و هو يقول لها
- " إذا هذه السنة لن يكون هنا "
- " بالله عليك يا بني لقد سامحته و سامحك على كثير من الزلات ألا يمكنك أن تسامحه على غلطته هذه .. أنتما صديقين منذ الطفولة و واجهتما الكثير معا "
فكر بكلام نانيرا ..
- " حسنا نانيرا .. سأتصل به لكن ليس الآن .. "
احتضنته و قبلت رأسه ..
- " هذا هو باتريشيو الذي أعرفه .. هيا تغذى جيدا فلديك تدريب .. و أنا متأكدة بأنك ستضيف كأسا عاشرا على تلك الكؤوس .. بالمناسبة أين كنت أمس ؟!"
- " هنا .. في حجرتي"
عرفت لورا بأنه يكذب فلم يكن بحجرته .. لقد عرفت ذلك من ملابسه الرثة ...
قررت أن تعود إلى جناحها فذلك أفضل لها .. لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن كما يقول المثل ..
- " آنسة آغنر حمدا لله على سلامتك "
التفتت لتجد ماريو خلفها
- " شكرا لك "
- " هيا تعالي و تناولي الإفطار معنا "
- " لكن.."
لم يدعها تكمل كلامها لأنه دفعها من كتفها بهدوء إلى داخل غرفة الطعام .. رأتها نانيرا بعين حادة طويلا ثم غادرت المكان .. أنزل باتريك جريدته و أخذ ينظر إليها و قال مبتسما عندما رآها مرتدية فستان مشجر قصير و قد تزينت بمكياج خفيف .. و هذا يدل على أنها قد استعادت عافيتها من جديد ..
- " ماذا تفعلين ؟! ألا يفترض بك أن تكوني في فراشك ؟ "
- " لقد أصبحت أفضل .. كما أن شفائي سيطول إذا حبست نفسي بالحجرة "
- " نعم أصبت .. تفضلي "
وقفا حتى تجلس .. كانت تنظر إليه .. بدا مرتاحا و غير عدائيا تجاهها على غير عادته .. جلست فسكبت لها إحدى العاملات القهوة الساخنة .. شرفت منها قليلا لتزيدها نشاطا ثم نظرت إلى باتريك الذي كان يحملق فيها .. لكن ما أن أحس بها تلتفت إلها .. رفع جريدته و اصطنع بأنه يقرأ باهتمام ..
- " دون باتريك .. "
رفع رأسه عن الجريدة
- " نعم آنسة آغنر .."
- " كنت أريد .. أعني لو نتحدث عن مسألة الميراث لننتهي منها و يرتاح كل منا "
أعاد الجريدة إلى عينيه ..
- " ليس الآن بالوقت المناسب "
دائما يؤجل هذا الحديث ..لا تعرف ما يخشاه ..و ها قد عاد إلى برودته مرة أخرى ..
- " لكن في كل مرة تؤجل الحديث و تغير الموضوع و أنا أرى بأن الآن هو الوقت المناسب"
أنزل جريدته و قال بصوت جدي و حاد يقطع الأحشاء ..
- " حقا ؟! حسنا إذا هيا تكلمي فلدي فقط خمسة دقائق كنت أنوي أن أقرأ فيها الجريدة و أغادر لأن لدي أعمال مهمة في مجلس الشيوخ بالمدينة .. فهل باستطاعتك أن تنهي المسألة بخمسة دقائق يا آنسة؟!"
استقامت واقفة و قالت بانزعاج
- " أنا آسفة لتضيع وقتك .. اعذرني "
ثم خرجت من غرفة الطعام و صعدت إلى جناحها .. تضايق لتركها قهوتها لكنه حاول أن يدعي عدم الاكتراث ..
دخلت وانيتا بعربة الإفطار جناح لورا و سعدت عندما رأتها مرتدية ثياب أخرى غير قميص النوم و بدت أكثر نضارة مما كانت عليه بالأمس ..
- " أرى بأن صحتك قد تحسنت ؟! "
- " نعم أشعر بذلك "
- " إذا لم لا تنزلين لتناول الإفطار ؟! "
- " فعلت و لقد صعدت للتو .. لكني لم أتناول شيئا "
- " و ما الذي يضايقك ؟! "
- " و من يكون غيره .. دائما ما يتعذر عن الحديث بسبب انشغاله "
- " نعم .. أنا آسفة لذلك "
- " كما أنني متضايقة لأني سمعته بالخطأ يتحدث مع نانيرا التي تعتقد باني السبب فيما حدث بيني و بين داني .. آه تلك العجوز كم هي مزعجة .. إنها تكرهني أكثر مما يفعل دون باتريك لا أعرف هل حلالها هو الذي أشاركها به ؟! "
- " إنها من قامت بتربية الدوق و كانت أمه أكثر من الكونتيسة .. لكن لا عليك منها فكما قلت هي عجوز مخرفة "
تناولت خبزا من أمامها ثم قالت
- " آه نعم .. ما هذه الفعاليات التي تقام كل سنة ؟! لقد سمعت نانيرا تقول لدون باتريك بأن يتغذى جيدا حتى يربح و يحصل على الكأس "
- " نعم .. تقام كل سنة في هذا الوقت سباق للخيل بين سكان مدينة ألبا النبلاء و يقام احتفالا كبيرا ويرتدون فيه النساء ثياب أنيقة و يبدعون في قبعاتهن و في كل سنة يفوز الدوق.. هذا كان قبل أن يغادر أسبانيا و يحدث ما حدث بينه و بين الكونتيسة .. و الآن يبدو بأنه يعيد هذه الفعاليات لمثوى والدته "
- " لم أكن أعرف ذلك .."
- " و كانت الكونتيسة في الليلة التالية من فوز ابنها تقيم احتفالا لهذه المناسبة و تدعو النبلاء إلى وليمة كبيرة .. ستتعجبين مما سترين من فساتين سهرة و أطقم و نساء جميلات و رجال متأنقين يرقصون السامبا و الرومبا و الفالس ... لكني لا أعرف إذا كان الدوق سيقيم حفلة هذه السنة أم لا ؟! "
- " و لم لا يفعل ؟! "
- " لان الكونتيسة هي التي اعتادت أن تقيميها و لابد أن ذلك سيحزنه كثيرا .. لكننا سنعرف ذلك غدا بعد السباق "
اتسعت حدقتا عين لورا و قالت بدهشة
- " السباق غدا ؟! "
- " نعم .. أتمنى أن يكون لديك ثياب مناسبة لذلك وأهم شيء قبعة "
- " لا .."
- " لا عليك سنتدبر ذلك لاحقا .. بالمناسبة .. هل تجيدين الرقص ؟!"
ضحكت لورا و هي ترشف من عصير البرتقال فأجابتها
- " و من سعيد الحظ الذي سيرقص معي ؟! "
- " دون باتريك ؟ "
زاد ضحك لورا و لم تعلق على جواب وانيتا ..
طرأت فكرة ببالها بأن تذهب إلى المدينة اليوم للتسوق و تحاول أن تقنع الدوق بأخذ وانيتا معها ..
انتظرته حتى يعود .. نفذ صبرها و هي تنتظره قررت أن تذهب بنفسها إليه .. لكن الحراس أخبروها بأنه غادر القصر و أخذ معه السائق و لم يعد حتى الآن.. إذا ليس بإمكانها الذهاب إلى المدينة للتسوق و لن تستطيع أن تذهب إلى السباق غدا و هي ليس لديها شيئا مناسبا لترتديه ..
سمعت صوت هدير سيارة في الخارج في وقت متأخر جدا من الليل .. نظرت عبر النافذة لترى باتريك يخرج من السيارة و ماريو خلفه و شخصا ثالثا ...
داني ؟!!!
إذا لقد ذهب لإحضار صديقه .. يا إلهي كيف ستواجه داني بعد الذي فعله لها ؟!
و قررت بينها و بين نفسها بأنها ليست مستعدة لن يتلاقيا غدا لذلك لن تذهب إلى ذلك السباق و ستقضي اليوم هنا بين جدران القصر ..
يسابق الرياح فوق التلال و السهول , يداعب النسيم أذنيه ثم يدخل بين خصلات شعره الأسود .. يركض بالخيل و كأنه يهرب من مشاكله و من همومه , من ضغوط العمل , من شعوره بالذنب من .. من تلك الجميلة التي احتلت عقله و قلبه و لم يعرف هل سيقابلها من جديد ؟؟ و من هذه الجريئة التي احتلت الجزء الثاني من قلبه و عقله فهل هذا ممكن ؟! أن يعشق اثنتان في وقت واحد ؟!! واحدة لا يعرف من تكون و ما اسمها و لم ير منها إلا شعرها الأشقر الكثيف الذي استرسل أسفل كتفيها و طرف أنفها و ابتسامتها و طول قامتها و أناقتها و عذوبة صوتها.. و الثانية الشقراء ذو الشعر الأشقر القصير الذي يلامس أطرافه كتفها و الجسم الرشيق و الشقاوة و الجرأة و صاحبة المنطق و الرأي السديد التي تقنعه بنظرة واحدة من عينيها فهي يفترض أن تكون عدوته لكنها للأسف هي هنا لتحتل قلبه و عقله و سكنه و ورث أجداده..
فكيف انقلبت الآية و هو الذي يعرف عنه بأنه ذو بأس شديد و لا يقع ضحية لجمال النساء بل كن هن من يقعن فريسة له !! ..
عاد إلى الإسطبل بعد أن تسابق مع الهواء على ظهر جواده ليجد ماريو ينتظره عند السياج ..
- " سيدي .."
- " ماذا تريد يا ماريو ؟ "
- " لقد أتى الطبيب جيوفاني ليكشف على الآنسة "
- " حسنا جيد سأوافيه حالا "
- " سأخبره أن ينتظر "
خرج الطبيب جيوفاني من جناح لورا و كان باتريك في انتظاره عند الباب يريد أن يطمئن على صحتها فهو لم ينم طيلة الأمس و هو يفكر بخطئه و أن كل ما حدث لها هو بسبب تصرفه الطفولي..
- " دون باتريك كيف حالك ؟! "
- " أنا بخير .. لكن السؤال يفترض أن يكون كيف حال الآنسة ؟! "
- " أنت قلق جدا عليها .. اهدأ .. لا داعي للقلق فهي امرأة قوية "
- " إذن ما بها ؟! "
- " مجرد نزلة برد و إن ارتاحت ليومان ستكون أفضل "
- " أتمنى ذلك "
- " لقد سمعت بأنك أنقذتها بالأمس .. أهنئك على تصرفك السليم دون باتريك فلولا انك لم تقم بما فعلته لدخلت الفتاة في نوبة أو غيبوبة و قد تصاب بمرض ما أو تصاب أنسجتها العقلية لارتفاع درجة حرارتها ..لكن كيف خطرت لك هذه الفكرة بأن تضعها في ماء بارد لتقوم بموازنة حرارة جسدها بطريقة سريعة ؟!"
- " حمدا لله بأنها بخير فهذا ما يهم "
- " نعم صحيح .. أنا لا ألومك يا دون باتريك لاهتمامك الزائد بها فهي ضيفتك "
أنزل رأسه فهو يشعر بالخزي .. هل هكذا يقوم المضيف بالاهتمام بضيفته ؟؟ بأن يأخذها في منتصف الليل و يلقيها في بيت منعزل و مهجور , أم يقوم بأخذ منشفتها و رفع درجة برودة المكيف حتى تصاب بالبرد و تتجمد أطرافها , ثم يلقي اللوم عليها عندما وجدها في حجرة داني ملقاة على فراشه و هي تصيح و تصرخ مستنجدة بأحد ما ..
قالها دون أن يقتنع بإجابته ..
- " بالطبع "
- " حسنا أستأذنك الآن و لا تقلق على الآنسة ستكون بخير إن اتبعت إرشاداتي جيدا "
- " شكرا لك "
- " على الرحب و السعة "
أوصل الطبيب إلى الباب و ودعه بلباقة ثم وقف على أول الدرجات يهم بالصعود.. تردد لفكرة خطرت له بأن يدخل على لورا ليطمأن عليها بنفسه .. هذا ما حثه عليه قلبه .. لكنه فكر مليا و أعدل عن هذه الفكرة بإتباعه لعقله .. و بدل من ذلك خرج من القصر و استقل العربة الصغيرة ليذهب إلى المصنع و يلهي نفسه عن التفكير بلورا ..بالعمل...
دخلت وانيتا حجرة لورا و وضعت صينية الإفطار على فراشها ثم فتحت الستائر لتدخل الشمس فتصحصحها .. غطت عينيها بيدها فهي لم تر النور ليوم كامل ..
- " يجب أن تأكلي يا آنسة "
- " لكني لا أشعر بالجوع "
رفعت وانيتا الملعقة إلى فم لورا لكن الأخرى أبعدت رأسها .. لوت وانيتا شفتيها و ابتسمت بطريقة شيطانية و كأن فكرة جهنمية خطرت لها
- " هل تريديني أن أنادي الدوق ليطعمك ؟! "
ابتسمت لورا غصبا عنها ثم سألت وانيتا
- " و ما الذي يدعوك لقول ذلك ؟! "
تظاهرت وانيتا بأنها لا تعرف شيئا عما يدور بين الاثنين
- " ليس هناك سببا .. لكنه يستطيع إرغامك "
انزعجت لورا فردت عليها
- " أنت مخطئة لا الدوق و لا غيره يستطيع إرغامي على فعل شيء لا أريده "
- " حسنا أنا آسفة .. أرجوك تناولي هذه اللقمة من يدي.. من أجلي "
- " من أجلك فقط .. و ليس لباتريك "
تناولت الملعقة من يدها فابتسمت تلك الأخرى
- " هل قمنا نناديه باسمه ( باتريك ) عوضا عن (دون) أو (الدوق) ؟؟"
رفعت لورا حاجبيها و مع ابتسامة سألت وانيتا
- " إلى ماذا تلمحين ؟! "
- " لا .. لا شيء أبدا "
- " هيا أخبريني بما يدور في خلدك ؟! هل سمعت شيئا من أحد ؟! هل قال لك احد شيئا ؟! أو رأيت شيئا "
- " لم أسمع من احد و لم يقل لي أحد أي شيء .. لكنني رأيت بعيني الكثير "
بدأت لورا تتحمس لحديث وانيتا فأمطرتها بالأسئلة
- " و ماذا رأيت .. أخبريني هيا ؟! "
ترددت وانيتا قبل أن تتحدث فألحت عليها لورا و هي تهز يدها
- " هيا أخبريني .. "
- " لكن هل توعديني بان تنهي طبق الحساء إن أخبرتك ؟! "
- " نعم .. وعد مني أن أنهي كل الطبق لكن أخبريني "
- " حسنا .. بالبداية رأيت الدوق عصبيا جدا عندما ضرب دانيال على وجهه لأنه حاول أن .."
- " نعم .. رأيته "
قاطعتها لورا فهي لا تنوي أن تتذكر تلك الحادثة المرعبة ..
- " هو لم يضرب صديقه قط و لم يطرده من القصر من قبل بل دائما ما يقف معه حتى و لو كان داني مخطئا.. لكن لأن الامر يتعلق بك .."
- " ربما لأنني كنت اصرخ و استنجي به .. أيا كان سيقف معي لأني امرأة أتعرض لهجوم رجل غريب "
- " نظراته بالأمس و قلقه عليك أكد لي ما أشعر به .. إن الدوق يهتم لأمرك .. بل أكثر من ذلك "
- " كيف ؟! "
- " كان قلقا جدا عليك و حزينا بحيث قفز معك بحوض الماء البارد و أخذ يمسح على رأسك و .. "
- " و ماذا ؟! وانيتا تكلمي "
- " كان يقبل رأسك .. و يناديك بلورا عزيزتي.."
- " حقا ؟!! "
لكن سرعان ما أبعدت لورا فكرة أن باتريك قد يهتم لأمرها فبسرعة أجابت ظنونها
- " أنا متأكدة لأنه يشعر بالمسؤولية اتجاهي فأولا و أخيرا أنا غريبة و ضيفة عنده "
- " هذا سبب بسيط لا يجعله يقبل رأسك و يجلس معك في الحوض بثيابه و يرتجف من البرد و تزرق شفتاه.. كما أنه عندما بكيتي و تعلقت به نظر إلي بأن أغادر حتى يكون معك وحدك "
لا تعرف لورا لم تألمت لحديث وانيتا بدل من أن تسعد و تبتهج .. هل لأنه يحاول إخفاء مشاعره لكبريائه ؟! أم أن غروره و كبرياءه لا يسمحان له بأن يقع في عشق فتاة أمريكية و من عامة الناس و بدل من هذا أنها أتت لتأخذ جزء من ممتلكات أجداده حيث يفترض أن تكون له وحده و لابناءه و أحفاده من بعده ..
- " آنسة لورا .. هل أنت بخير ؟! "
- " نعم .. لقد سرحت قليلا "
- " بدون باتريك أليس كذلك ؟! اعترفي بأنك تكنين له مشاعر الإعجاب ؟! "
تلونت عيناها بالحزن و هي تجيبها بصوت مخنوق
- " بل أسوأ من ذلك .."
وضعت يدها على قلبها تحاول أن توقف النزيف الذي اعتصر من قلبها و هي تتذكر كيف أنه قاوم تقبيلها مرتين .. أنه لا يريد أن يخطأ معها فيندم .. ارتجفت شفتيها و أحست بغصة .. ضمتها وانيتا و أخذت تربت على كتفها ..
- " لقد ترك اليوم تدريبه على الخيل ليسأل عنك عندما علم أن الطبيب جيوفاني أتى ليكشف عليك .. اعتقد يا آنسة بأنه يكن لك نفس المشاعر التي تحملين له "
- " ربما .."
وقفت وانيتا لتغادر فجذبت لورا يدها و قالت لها مبتسمة
- " كنت أتساءل يا وانيتا إن كان للدوق صديقة أو زوجة أو ..."
- " لا .. كانت لديه صديقة قبل أن يغادر .."
- " و ماذا حدث ؟! "
- " غادر .."
ابتسمت لها لورا .. فمن دون وانيتا لم تكن تعرف كيف كانت ستتحمل البقاء في هذا القصر أكثر من يومان ..
- " شكرا لك وانيتا لأنك الوحيدة التي تعامليني جيدا هنا .. إني أعتبرك صديقة لي .. شكرا مرة أخرى لاعتنائك بي "
- " على الرحب و السعة يا آنسة لورا "
- " ارجوك .. ناديني بلورا "
- " حسنا .. لورا .. هل يعجبك هذا ؟! "
- " بالطبع.. خاصة و أنك أصبحت صديقتي المقربة و اعترفت لك بسري الدفين .. "
ابتسمت لها وانيتا بابتهاج
- " و أنت كذلك يا آنسة.. أقصد يا لورا .. امرأة متفهمة و ناضجة و عادلة و لك قلب أبيض كبير"
- " شكرا لك .. إنك تحرجينني "
- " بل هذه الحقيقة يا لورا و الدوق يقن لذلك "
تورد خدي لورا لكلام وانيتا و لأنها ترسم لها آمال و أحلام بعيدة المنال .. فحتى و ان يكن الدوق يعشقها فهو لن يبوح لها بذلك فآخر ما يريده هو أن تكون بينهما علاقة .. سترضى بالأمر الواقع ..
دخل باتريك القصر في وقت متأخر جدا من الليل و كان يبدو عليه التعب و الإرهاق .. صعد الدرجات بهدوء .. شيئا ما دفعه لان يقترب من جناح لورا .. وقف لدقائق و هو يسمع بهذا الهدوء ضربات قلبه المتسارعة .. آه كم يتمنى أن يفتح الباب فقط لأن يراها من بعيد نائمة و مرتاحة في فراشها ..
كانت جالسة على الكنبة و ملتحفة بغطاء صغير تقرأ كتاب "لجين أوستن" بعنوان "الليدي سوزان "عندما رأت ظل أقدام عند أسفل فتحة الباب .. قامت بهدوء و اتجهت لتفتح الباب .. ارتجفت يديها و ضرب قلبها بشده .. لعله يكون داني !! .. استطاعت أن تضع يدها على المقبض و تجذبه .. اهتز بدنها و اقشعر عندما رأته واقفا ينظر إليها بدهشة .. فتح فمه ليتكلم لكنه أغلقه و فعل ذلك أكثر من مرة حتى أخيرا قال
- " آسف لم أكن أريد إزعاجك آنسة آغنر "
لم ترد عليه ..بل اكتفت بان نظرت إلى أجمل عينين مرهقتين و أوسم وجه متعب رأته .. تجهم وجهه و كأنه تضايق من نفسه و من تصرفه .. فماذا كان يفكر بان يقف عند باب حجرتها في هذا الوقت من الليل و هو بهذه الحال الرثة و بتلك الثياب المتسخة و الشعر المبعثر الذي أضفى إليه منظر الشاب الشقي.. نظرت إلى ثيابه و ساورها القلق ففتح الاثنان فمهما للتكلم في نفس الوقت .. ثم سكتا معا و انتظرا أحد منها أن يتكلم أولا .. و عندما طال الانتظار فتحا فمهما معا للمرة الثانية .. قهقه بهدوء و ابتسمت بخجل.. أشار لها بيده بأن تبدأ أولا .. ترددت ..لان تسأله عن سبب منظره الرث و هي لأول مرة تراه هكذا فهو دائما ما يكون متأنقا حتى و هو يمتطي الخيل .. لكنها عوضا عن ذلك غيرت السؤال بآخر
- " كنت أريد أن أشكرك لما فعلته بالأمس .. أنقذت حياتي "
- " لا داعي يا آنسة فهذا واجبي .. أنت ضيفتي و أنا مسئول عن أي شيء يصيبك .. خاصة إنني لم أكن مضيافا لك في الآونة الأخيرة.. فاعذريني "
نعم هذا ما كرهت أن تسمعه .. ابتسم لها و سألها
- " كيف حالك الآن ؟! "
- " على أحسن ما يكون .. الفضل يعود لك و لوانيتا و الطبيب جيوفاني الذي آلمني بحقنته"
عبس وجهه و قال قلقا
- " حقا ؟! هل آلمتك كثيرا؟!"
هبط قلبها إلى بطنها و هي ترى تغير ملامح وجهه.. لقد صدق كلام وانيتا .. قالت بخجل
- " لا .. ليس كثيرا .. إنه ألم أستطيع تحمله .. "
بعكس الألم الذي أشعر به الآن من نظراتك .. و جفاءك .. و كبريائك و عنادك .. هذا ما تمنت أن تقوله له
- " هذا أكيد فأنت امرأة قوية آنسة آغنر .. أتمنى أن تستعيدي عافيتك قريبا فهناك العديد من الفعاليات ستقام في بداية الأسبوع و آمل أن لا تفوتيها "
- " فعاليات ؟! "
أومأ قائلا
- " نعم .. إنها مجرد عادات و تقاليد تقام كل سنة ,,سترين .. حسنا آنسة آغنر .. سأتركك لترتاحي.. اعتني بنفسك و آسف على إزعاجك "
- " لا أبدا ليس هناك إزعاج .. و أنا متشوقة لتلك الفعاليات لذلك سأعتني بنفسي .. شكرا لك دون باتريك "
أومأ برأسه لها ثم رجع خطوات للخلف و هو يودعها تمنى أن يبقى في مكانه و ينظر إليها
- " عمتي مساء آنستي "
أغلقت الباب خلفها و استندت عليه و هي تعيد رسم ملامحه حتى تحفظها في ذاكرتها جيدا .. خفق قلبها بقوة لكلمته الأخيرة التي ظلت ترن بمسمعها ( آنستي ) و كأنها تخصه .. و آه كم تتمنى أن يناديها باسمها الأول و يلقي الحواجز و الرسميات بينهما ..
إن ما يحدث بينهما مثل رواية من روايات "جين أوستن" .. و صدقت "جين أوستن" الكاتبة المشهورة بوصفها الدقيق لمعاني العشق .. فلورا حتما معتلة به ...
استيقظت صباح اليوم التالي و هي تشعر بنشاط و حيوية فارتدت ثياب عملية مريحة و حذاء رياضي و نزلت الدرج قفزا و كأن حقنة الطبيب جيوفاني قد أدت مفعولها جيدا .. توقفت عند باب غرفة الطعام عندما سمعت صوت نانيرا تتحدث مع شخصا ما .. و لأول مرة كنا يتحدثان بمفردهما بالإنجليزية ..
- " ألن تتصل به يا دون باتريشيو ؟! "
- " لا لن أفعل "
- " لكنه صديقك المقرب "
- " لقد ارتكب خطأ و يجب أن يعاقب عليه"
- " و ما الذي يجعلك تلومه وحده فهي أيضا تتحمل جزء كبير من الخطأ.. فماذا كانت تفعل في حجرته ؟! و لم كانت عارية .. إنه رجل و لابد أنها أغرته "
قال بعصبية
- " نانيرا .. أنت لا تعرفين شيئا "
- " إذا أخبرني بالذي أجهله .. كل ما أراه هو أن تلك الخبيثة دائما وراء المشاكل .. لا تدعها تفرق بينك و بين صديقك المقرب .. اتصل به و تصالحا .. غدا يوم مهم بالنسبة لك و ينبغي أن يكون هنا يساندك كما يفعل دائما.."
فتح جريدته و هو يقول لها
- " إذا هذه السنة لن يكون هنا "
- " بالله عليك يا بني لقد سامحته و سامحك على كثير من الزلات ألا يمكنك أن تسامحه على غلطته هذه .. أنتما صديقين منذ الطفولة و واجهتما الكثير معا "
فكر بكلام نانيرا ..
- " حسنا نانيرا .. سأتصل به لكن ليس الآن .. "
احتضنته و قبلت رأسه ..
- " هذا هو باتريشيو الذي أعرفه .. هيا تغذى جيدا فلديك تدريب .. و أنا متأكدة بأنك ستضيف كأسا عاشرا على تلك الكؤوس .. بالمناسبة أين كنت أمس ؟!"
- " هنا .. في حجرتي"
عرفت لورا بأنه يكذب فلم يكن بحجرته .. لقد عرفت ذلك من ملابسه الرثة ...
قررت أن تعود إلى جناحها فذلك أفضل لها .. لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن كما يقول المثل ..
- " آنسة آغنر حمدا لله على سلامتك "
التفتت لتجد ماريو خلفها
- " شكرا لك "
- " هيا تعالي و تناولي الإفطار معنا "
- " لكن.."
لم يدعها تكمل كلامها لأنه دفعها من كتفها بهدوء إلى داخل غرفة الطعام .. رأتها نانيرا بعين حادة طويلا ثم غادرت المكان .. أنزل باتريك جريدته و أخذ ينظر إليها و قال مبتسما عندما رآها مرتدية فستان مشجر قصير و قد تزينت بمكياج خفيف .. و هذا يدل على أنها قد استعادت عافيتها من جديد ..
- " ماذا تفعلين ؟! ألا يفترض بك أن تكوني في فراشك ؟ "
- " لقد أصبحت أفضل .. كما أن شفائي سيطول إذا حبست نفسي بالحجرة "
- " نعم أصبت .. تفضلي "
وقفا حتى تجلس .. كانت تنظر إليه .. بدا مرتاحا و غير عدائيا تجاهها على غير عادته .. جلست فسكبت لها إحدى العاملات القهوة الساخنة .. شرفت منها قليلا لتزيدها نشاطا ثم نظرت إلى باتريك الذي كان يحملق فيها .. لكن ما أن أحس بها تلتفت إلها .. رفع جريدته و اصطنع بأنه يقرأ باهتمام ..
- " دون باتريك .. "
رفع رأسه عن الجريدة
- " نعم آنسة آغنر .."
- " كنت أريد .. أعني لو نتحدث عن مسألة الميراث لننتهي منها و يرتاح كل منا "
أعاد الجريدة إلى عينيه ..
- " ليس الآن بالوقت المناسب "
دائما يؤجل هذا الحديث ..لا تعرف ما يخشاه ..و ها قد عاد إلى برودته مرة أخرى ..
- " لكن في كل مرة تؤجل الحديث و تغير الموضوع و أنا أرى بأن الآن هو الوقت المناسب"
أنزل جريدته و قال بصوت جدي و حاد يقطع الأحشاء ..
- " حقا ؟! حسنا إذا هيا تكلمي فلدي فقط خمسة دقائق كنت أنوي أن أقرأ فيها الجريدة و أغادر لأن لدي أعمال مهمة في مجلس الشيوخ بالمدينة .. فهل باستطاعتك أن تنهي المسألة بخمسة دقائق يا آنسة؟!"
استقامت واقفة و قالت بانزعاج
- " أنا آسفة لتضيع وقتك .. اعذرني "
ثم خرجت من غرفة الطعام و صعدت إلى جناحها .. تضايق لتركها قهوتها لكنه حاول أن يدعي عدم الاكتراث ..
دخلت وانيتا بعربة الإفطار جناح لورا و سعدت عندما رأتها مرتدية ثياب أخرى غير قميص النوم و بدت أكثر نضارة مما كانت عليه بالأمس ..
- " أرى بأن صحتك قد تحسنت ؟! "
- " نعم أشعر بذلك "
- " إذا لم لا تنزلين لتناول الإفطار ؟! "
- " فعلت و لقد صعدت للتو .. لكني لم أتناول شيئا "
- " و ما الذي يضايقك ؟! "
- " و من يكون غيره .. دائما ما يتعذر عن الحديث بسبب انشغاله "
- " نعم .. أنا آسفة لذلك "
- " كما أنني متضايقة لأني سمعته بالخطأ يتحدث مع نانيرا التي تعتقد باني السبب فيما حدث بيني و بين داني .. آه تلك العجوز كم هي مزعجة .. إنها تكرهني أكثر مما يفعل دون باتريك لا أعرف هل حلالها هو الذي أشاركها به ؟! "
- " إنها من قامت بتربية الدوق و كانت أمه أكثر من الكونتيسة .. لكن لا عليك منها فكما قلت هي عجوز مخرفة "
تناولت خبزا من أمامها ثم قالت
- " آه نعم .. ما هذه الفعاليات التي تقام كل سنة ؟! لقد سمعت نانيرا تقول لدون باتريك بأن يتغذى جيدا حتى يربح و يحصل على الكأس "
- " نعم .. تقام كل سنة في هذا الوقت سباق للخيل بين سكان مدينة ألبا النبلاء و يقام احتفالا كبيرا ويرتدون فيه النساء ثياب أنيقة و يبدعون في قبعاتهن و في كل سنة يفوز الدوق.. هذا كان قبل أن يغادر أسبانيا و يحدث ما حدث بينه و بين الكونتيسة .. و الآن يبدو بأنه يعيد هذه الفعاليات لمثوى والدته "
- " لم أكن أعرف ذلك .."
- " و كانت الكونتيسة في الليلة التالية من فوز ابنها تقيم احتفالا لهذه المناسبة و تدعو النبلاء إلى وليمة كبيرة .. ستتعجبين مما سترين من فساتين سهرة و أطقم و نساء جميلات و رجال متأنقين يرقصون السامبا و الرومبا و الفالس ... لكني لا أعرف إذا كان الدوق سيقيم حفلة هذه السنة أم لا ؟! "
- " و لم لا يفعل ؟! "
- " لان الكونتيسة هي التي اعتادت أن تقيميها و لابد أن ذلك سيحزنه كثيرا .. لكننا سنعرف ذلك غدا بعد السباق "
اتسعت حدقتا عين لورا و قالت بدهشة
- " السباق غدا ؟! "
- " نعم .. أتمنى أن يكون لديك ثياب مناسبة لذلك وأهم شيء قبعة "
- " لا .."
- " لا عليك سنتدبر ذلك لاحقا .. بالمناسبة .. هل تجيدين الرقص ؟!"
ضحكت لورا و هي ترشف من عصير البرتقال فأجابتها
- " و من سعيد الحظ الذي سيرقص معي ؟! "
- " دون باتريك ؟ "
زاد ضحك لورا و لم تعلق على جواب وانيتا ..
طرأت فكرة ببالها بأن تذهب إلى المدينة اليوم للتسوق و تحاول أن تقنع الدوق بأخذ وانيتا معها ..
انتظرته حتى يعود .. نفذ صبرها و هي تنتظره قررت أن تذهب بنفسها إليه .. لكن الحراس أخبروها بأنه غادر القصر و أخذ معه السائق و لم يعد حتى الآن.. إذا ليس بإمكانها الذهاب إلى المدينة للتسوق و لن تستطيع أن تذهب إلى السباق غدا و هي ليس لديها شيئا مناسبا لترتديه ..
سمعت صوت هدير سيارة في الخارج في وقت متأخر جدا من الليل .. نظرت عبر النافذة لترى باتريك يخرج من السيارة و ماريو خلفه و شخصا ثالثا ...
داني ؟!!!
إذا لقد ذهب لإحضار صديقه .. يا إلهي كيف ستواجه داني بعد الذي فعله لها ؟!
و قررت بينها و بين نفسها بأنها ليست مستعدة لن يتلاقيا غدا لذلك لن تذهب إلى ذلك السباق و ستقضي اليوم هنا بين جدران القصر ..
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 14
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
-8-
استيقظت على صوت طرقات الباب على حجرتها .. و كانت وانيتا ..
- " ألم تستيقظي يا لورا ؟! بعد قليل سيبدأ السباق .. هيا تجهزي بسرعة "
- " لا لن أذهب يا وانيتا "
- " و لم ؟! "
- " أشعر بالنعاس .. كما أن ليس لدي شيئا لارتديه "
- " ارتدي أي فستان لديك .. و أنا متأكدة بأنك ستبهرين الجميع "
- " لا.. لا أريد الذهاب .. "
- " حسنا كما تشائين لكن أخبريني إذا غيرتي رأيك "
- " سأفعل "
خرجت وانيتا و تركت لورا لوحدها تتحسر فهي تود الذهاب لكنها لا تريد أن تواجه طبقات المجتمع الراقي و تتمنى أن تشاهد فارسها على ظهر الجواد يتسابق مع بقية الرجال ثم يحرز الفوز .. لكنها لا تريد أن تلفت الانتباه إليها.. كما و أنه لم يدعوها بالأمس شخصيا إلى الحضور بل أخبرها تلك الليلة بأن تتشافى حتى تستطيع الذهاب معهم .. لعله لا يود اصطحابها و انه يفضل أن تكون مريضة في فراشها بدلا من وقوفها مع نبلاء ألبا ..
استلقت على الفراش عندما سمعت جدال بين رجال و صوت امرأة بالخارج في البداية تجاهلت الأمر لكن بعد أن أدركت بأن المتكلمين كانا يتحدثان بلغتها الانجليزية و بلكنة أمريكية همهما الأمر فقامت لإلقاء نظرة من النافذة و .. شهقت أثر ما رأته ...
ارتدت روبها و نزلت الدرج ركضا حتى فتحت الباب ..قالت بدهشة
- " سام .. جاكي ؟!! ماذا تفعلان هنا ؟! "
اقترب سام ليحتضنها ثم قال للحراس بغضب
- " انظروا إنها تعرفنا.. لورا عزيزتي اشتقت لك "
كانت تحت تأثير الصدمة
- " و أنا كذلك لكن ماذا تفعلان هنا ؟ و كيف عرفتما بأني هنا ؟! "
ضمتها جاكي و قالت ضاحكة
- " تلك الليلة بعد أن تحدثنا شعرت بأنك لست على مايرام ثم تحدثت إلى والدتك و أخبرتني كل شيء عنك و قمت بعمل بحث صغير عن مكان إقامتك ثم حجزت .. مفاجأة.."
ابتسمت لورا بتوتر ثم جذبت جاكلين بعيدا و همست بأذنها
- " لكن ماذا يفعل سام معك ؟! "
- " زارني قبل ثلاثة أيام يسأل عنك .. و عندما رآني أوضب حقيبتي أصر علي أن يأتي معي .. و أنت تعرفين سام عندما يصر على رأيه "
ضحك سام و أضاف قائلا
- " بالطبع كنت سآتي لأقنعك بالعودة .. و كيف لا أفعل و عرض الأزياء سيقام في أسبوعين و يجب أن نجهزك .. يا إلهي لا تبدين على ما يرام يا عزيزتي ؟! انظري يا جاكي إلى السواد تحت عينيها "
و أخذ وجهها بين يديه و هي تقاومه و تضحك
- " تفضلا بالدخول "
منذ دخولهما من الباب و عينياهما لم تتوقف عن الدوران في التأمل بهندسة القصر الفخم و الأثاث الراقي .. حتى فتحت لهما باب جناحها و دعتهما للدخول
- " إذن هذا هو جناحك ؟! "
سألها سام و هو يتمشى في الجناح
- " نعم .. إنه كبير كحجم شقتي في لوس أنجلوس "
أضافت جاكلين .. فقالت لهما لورا
- " القصر بأكمله رائع و العجيب فيه هو تاريخه القديم "
جلس سام و مد رجليه على المنضدة أمامه
- " آه صحيح أين الدوق؟ أريد أن أقابله "
- " سام .."
حدجته جاكلين بنظرة حادة .. ابتسمت لورا فهو لا يعرف شيئا عن من يسأل وإن عرف الدوق بوجودهما سيشتاظ غضبا .. آه كم تريد أن ترى تعابير وجهه عند مقابلته إياهما ..
- " إنه في سباق للخيل "
- " و أين بقية الناس الذين يعيشون في هذا القصر "
- " معه .. يشجعونه!! "
رأت جاكي نظرات حزن في عين لورا فسألتها قائلة
- " و أنت ؟! لم لست معهم؟ "
- " ليس لدي شيء لارتديه خاصة و أن هذا السباق لنبلاء المنطقة فتوقعي ما سترتديه النساء من فساتين أنيقة هذا بالإضافة إلى القبعات التي ليس لدي منها "
- " يا حبيبتي .. كنت طلبت من الدوق أخذك إلى السوق "
قال سام .. و كأن الأمر بسيط هنا ..
- "كلا يا سام إن الأمر معقد .. الدوق لا يتحدث معي .. حتى أنه لم يتعب نفسه بدعوتي و كأني لست موجودة .."
- " كنت سأفعل لكنه أتى في وقت متأخر و فات الأوان "
- " إذا الحل عندي فأنا سام ديكاري .. أم نسيتني؟! "
قالها غامزا بعينيه .. ثم طلب بإحضار حقائبه و ما إن وصلت حتى أخذ بفتحها و هو يخرج ما بها فانفجرت لورا و جاكلين ضحكا عندما رأت بأن أغلب الثياب التي أحضرها سام هي للورا و التي تفوق ثيابه .. عبارة عن ثلاث حقائب مليئة بالبدلات الباهظة الثمن و الفساتين لأشهر المصممين و حقائب و أحذية و الإكسسوارات و حقيبة رابعة لملابسة هو و الخامسة لمعدات التصوير .. و كأن سام قد احضر معه الأستوديو بأكمله.. انتقى لها ثلاث بدلات بأحذيتهم و حقائبهن و لحسن حظ لورا بأنه أحضر معه قبعتان أنيقتان ..
- "من حسن حظك يا لورا بأن موضة الموسم هي القبعات .. هيا اختاري البذلة التي تعجبك يا و سنذهب جميعا إلى ذاك السباق "
ضمت بقوة و قبلته
- " أنا سعيدة لوجودكما هنا .. "
- " و نحن كذلك .. لا تضيعي الوقت .. هيا أسرعي "
اصطف المتسابقين في حيزهم .. رفع نظره إلى المدرجات حيث يجلس الجمهور متفرجين .. و أخذ يبحث بين الوجوه عن وجه يحب رؤيته .. وجه جميل كنور الصباح .. لقد أمل أن يراها جالسة بين الحضور .. لكن للأسف لا أثر لها .. ابتسمت له الكثير من الفتيات الصهباوات الجميلات و بادلهن الابتسامة قدر ما يستطيع .. فبعضهن وجهها مألوف و الأخرى يعرف أبويها و ثالثة كان بينهما علاقة فيما ما مضى قبل مغادرته ألبا .. لوح لها بيده .. ثم انطلق بخيله ما أن سمع صوت طلق النار و فتح له الباب .. في البداية كان المتسابق رقم خمسة يتفوق عليه بخطوات .. ضغط على نفسه حتى أسرع جواده و أصبح هو في المقدمة ..
- "هذا هو .."
أشارت لورا بيدها على الدوق .. و كانت مبتهجة لرؤيتها له في المقدمة .. كانت واقفة في آخر صف بالمدرج و سام و جاكلين بالقرب منها
- " يا إلهي إنه شاب !! لقد اعتقدت بأنه كبير في السن .. كم يبلغ من العمر ؟! "
سألتها جاكلين و هي ترى الدوق يركض بحصانه و يتفوق على جميع المتسابقين
- " سيبلغ الثلاثين على ما اعتقد .. هذا ما قالته لي وانيتا.. أنا مثلك قبل أن أقابله اعتقدت بأنه رجل كبير بالسن "
لكزتها جاكلين و هي تقول
- " أتساءل إن كان هذا الجسد الرياضي يحمل وجها وسيما ؟ .. فما قولك ؟! "
و فجأة صفق الجمهور بحماس و وقفن السيدات و الشباب .. و كما يقول المثل ( أنقذت بالتصفيق) كان الدوق يتمشى بجواده و يقترب من مدرج الجمهور فيرفع قبعته و يطأطئ رأسه .. ثم غمز بعينيه لنانيرا فأرسلت له قبلة في الهواء فرفع يده ليلتقطها .. التقط قلبها في رقي أسلوبه .. إنه يستحق لقبه ..
قدم له الحكام الكأس و أخذه بكل شموخ ثم أمسك المايكروفون وقال كلمة بالاسبانية فزاد الجمهور حماس و تصفيقا ..و تمنت لو أنها تعرف ما قاله .. لكن ذلك لا يهم فبمجرد سماع نبرات صوته بتلك اللكنة المثيرة ارتفع قلبها ثم هبط بقوة ليقع أرضا..
بعد ذلك اجتمع الحاضرين من النبلاء (الطبقة الراقية ) حيث رجال الإعمال و التجار المعروفين و النساء المتأنقات و الفتيات الجميلات اللاتي تحومن حول الدوق و كل واحدة منهن تحاول أن تجعله يلتفت ناحيتها .. ضغطت لورا بعصبية على يديها و زاد من غضبها بأنه لم ينتبه لوجودها ..
هو لا يهتم بي .. قالت في سرها .. إذا لم أزعج نفسي .. و لم أشعر بالغيرة ؟!
كانت جاكلين تراقب تصرفات صديقة الطفولة و هي تعرف كيف تكون لورا عندما تقع في الحب أو تعجب بأي شاب .. و ما تراه الآن هو ما رأته من قبل ...
اقتربت منها و دفعتها بخفة من كتفها و همست
- " امشي أمامه .. افتعلي إعصار .. أوقعي كأسك .. افعلي شيئا .. دعيه يلتفت إليك "
- " لا .. فهذا آخر شيء أريد فعله "
- " إذا سأخبر سام .. و أنت تعرفين ما سيفعله سام إن عرف بأنك واقعة في غرام الدوق و هو يتجاهلك تماما أو حتى لا يعرف بوجودك و أنت لا تحركين ساكنا .. خاصة و أنه بذل جهدا في إعطائك هذا المنظر الساحر .."
- " حسنا .. حسنا .. سأمر من أمامه .. لكن معك "
- " هذه لورا التي أعرفها .. "
جذبت يد جاكلين و مشت أمام الدوق و هما تضحكان بصوت مسموع مما جعل باتريك يرفع نظره عن الفتيات المتحومات حوله ليجد تلك التي تحبها عيناه و يعشقها قلبه و تنجذب لها كل حواسه .. كانت ترتدي معطف أبيض يصل إلى ركبتيها و مطرز عليه بنقشات باللون الأبيض .. و ارتدت قبعة حمراء و بها ورود سوداء و بيضاء .. و شعرها الأشقر لامس رقبتها و أطراف كتفيها .. و تزينت بقرطين من اللؤلؤ.. و ارتدت كعب أحمر عالي أعطاها منظرا أنثويا ساحرا .. بالإضافة إلى ماكياجها الأسود الذي أبرز من لون عينيها .. و الحمرة الحمراء الفاقعة .. جعلته يتناسى الجميلات و ذهب خلفها مثل حديد منجذب إلى مغناطيس... لقد أحسن سام ديكاري في إنقاذها ..
أوقفها من كتفها بلمسة من يده
- " لورا !! أقصد ..آنسة آغنر .. لقد أتيت "
اختلست نظرة إلى جاكلين المبتسمة بابتهاج و هي ترى نظرات الإعجاب في عيني الدوق الوسيم.. فأجابته بثقة
- " لقد دعوتني في تلك الليلة أتذكر ؟! "
أرادت أن تحرجه لأنه لم يطلب قدومها بل تمنى لها الشفاء حتى يتسنى لها القدوم .. لكنه قال
- " اعتقدت بأنك مازلت مريضة و ليس لديك نفس في الحضور.. لم ألاحظك بين الجموع.."
- " نعم لقد وصلت على نهاية السباق.. و أهنئك على الفوز "
- " شكرا لك .. و لقدومك "
- " على الرحب و السعة .."
انتبه إلى جاكلين الوجه الغريب بالنسبة له و هي لا تبدو له من هذه البلاد فوجه سؤاله إليها
- " أنت لست من هنا .. أليس كذلك؟"
ابتسمت له جاكلين و هي منجذبة لانجليزيته المتقنة الممزوجة بلكنة خفيفة لا ينتبه لها إلا المتحدثون بها ..
- " نعم أنا جاكلين صديقة لورا و لقد وصلت للتو من لوس أنجلوس "
سرعان ما تغيرت ملامح وجهه و كان في حيرة من أمره .. فقال باستغراب يسأل لورا
- " حقا ؟!! "
اضطربت لورا و هي تجيبه
- " كنت أريد أخبارك لكني أيضا تفاجأت بحضورهما "
زادت دهشته فأردف سائلا
- " حضورهما ؟! هناك شخص آخر ؟! "
زادت ضربات قلبها و شعرت بأنها ستقع أرضا لولا أن سام اقترب منهم و بيده ثلاثة كؤوس
- " لورا .. جاكي .. أين اختفيتما عني ؟! لقد بحثت عنكما في كل مكان .|"
سكت ثلاثتهم .. الدوق سكت استغرابا .. و سكتت لورا و جاكي إحراجا و خوفا من ردة فعل باتريك
لكن سام لم يكترث للأمر فقال بمرح
- " مرحبا .. لابد انك الدوق .. لم أعتقد بأنك شابا يافعا تتمتع بصحة و جسد رياضي ..آه صحيح أهنئك بفوزك .. "
ثم مد يده ليصافحه .. لكن باتريك لم يستوعب الأمر إلا بعد ثواني قليلة ثم مد يده ليأخذ بيد سام
- " شكرا لك "
كان لا يزال باتريك تحت تأثير الصدمة .. و هذا ما خشيته لورا .. حدج لورا بنظرة غريبة ثم جذبها من ذراعها و ضغط عليها كادت تطلق آهة لكنها أبقتها لنفسها .. قال لها هامسا صارا على أسنانه
- " سنتحدث أنا و أنت عندما نعود إلى القصر "
ثم أفلت يدها ليعود الدم بالتحرك في مجراه .. رأته يبتعد عنها و يتجه ناحية تجمع من الرجال..
فقالت بحزن لصديقيها
- " هيا لنعد .. "
- " لكن لم نتشرب من ذلك النبيذ اللذيذ .. و لم نرقص .. أنظري إلى تلك الأسبانيات بلباسهن .. أريد أن التقط صور للمجلة .. "
قال سام معترضا و هو يحاول أن يثير حماسها.. فقالت له غاضبة
- " سام ... "
جذبته جاكلين تعاتبه
- " هيا يا سام نحن متعبين .. أتذكر بأنك تذمرت كثيرا بأن الرحلة طويلة و متعبة.. و الآن تريد الرقص و التقاط صورا .. من أين تأتي بكل هذا النشاط ؟"
- " حسنا .. حسنا .. سأذهب معكما .. لكن لا داعي لهذه العصبية يا لورا .. و أنت .. جاكي .. لا تحسدين شبابي و روحي المرحة "
- " صدقني لا أنوي ذلك .. "
عاد ثلاثتهم إلى القصر .. و لم يكن لها رغبة بتغير ثيابها التي ارتدتها من أجل أن تلفت نظر باتريك الذي بدا له بأنه لم يكترث لها .. إن ذلك الرجل يحيرها .. فمرة يبدي استحسانا تجده في عينيه في كل مرة يراها و مرات أخرى تطغي نظرة عدم الاكتراث التي تعذبها ..
جلست على الكنبة و انضمت إليها جاكلين .. و كذلك فعل سام لكنه أحضر معه زجاجة شراب و فتحها لهم.. شربت و هي لا تشعر بلذة الشراب و لا بطعمه .. كل ما كانت تفكر فيه هو تجاهل باتريك لها اليوم .. حتى أنه لم يعلق على شكلها أو مجيئها.. كل ما فعله هو أن عاملها بقسوة و جفاء كما يفعل دائما حتى و لو رسم ابتسامة ودودة على شفتيه فهذا لا يعني شيئا..
لم تكن تعر أي اهتمام لحديث جاكي و سام .. و شعرت برغبة في الخروج إلى الحديقة و تنفس هواء منعش بدل من دخان سجائر سام ..
جلست هناك دون أن تشعر بمرور الوقت و أن السماء قد أظلمت و حل الليل..
وقفت لتعود أدراجها و عندما استدارت لتدخل ارتطمت بجسد عريض فرفعت رأسها لتنظر إلى أجمل عينين لرجل رأتهما في حياتها .. ساعدها على استعادة توازنها و بسرعة أشاحت عنه .. و رتبت هندامها و هي عابسة..
- " آسف لأني أفزعتك "
- " لا .. لم تفعل كنت أهم بالدخول .."
قالتها بعصبية .. حاولت أن تمر من أمامه لكنه قطع عليها الطريق بجسده العريض الطويل مجبرا إياها على النظر إليه ..
- " كنت رائعة اليوم .. أحببت قبعتك "
حاولت قدر الإمكان تجاهله .. لكنه أمسك وجهها بين يديه و قرب شفتيه منها محاولة منه لتقبيلها .. لكنها دفعته بعيدا عنها و قالت بضيق و غضب ..
- " أرجوك .. أريد الذهاب إلى حجرتي "
أمسك بمعصمها بعنف عندما ابتعدت عنه ... و قال بعصبية
- " لا .. ليس قبل أن نتحدث عن وجود أصدقاءك هنا "
- " عن ماذا نتحدث؟؟ .. لقد قلت لك بأنهما فاجأني "
- " و كيف عرفا المكان ؟ "
- " لم أعطهما العنوان كما أنهما لا يستطيعان الاتصال بي من حيث يقيمان .. "
قاطعها قائلا بحدة صوته
- " اسمعيني جيدا يا لورا ... نحن لم نتحدث بعد عن الورث لعدم رغبتي بذلك لأكون صريحا معك ... لكن هذا لا يدعك تتصرفين و كأنك قد حصلت على ورثك و تفعلين ما يحلو لك و كأن هذا القصر ملكك و تقومين بدعوة من تريدين .. لا ... و لن يحدث ذلك أبدا .. مهما حدث و مهما حصلت على حصتك فستبقي هنا تحت الشروط و القوانين و عادات و تقاليد القصر و إن لم يعجبك هذا فأنا سأشتري حصتك من الورث و فوقها إكرامية ..فما رأيك ؟؟ أعطيني السعر المناسب و سأقوم بدفعه .. كل ما تريدينه !! ما قولك ؟!"
حدقت فيه و عيناها مغرقتان بالدموع العالقة .. إنه يزيدها تحطيما .. تمنت أنه أصر على تقبيلها و حاول رغم مقاومتها إياه بدل من أن يلقي بحجارته عليها ..
تركته و سارت من أمامه و الدموع تنهمر من عينيها .. وقفت عند باب الحجرة و مسحت أثر الدموع حتى لا يراها سام و جاكي بتلك الحالة .. و لحسن حظها كان سام نائما على الكنبة و جاكي على الفراش .. فأسرعت بالدخول إلى الحمام اغتسلت ثم اندست تحت الفراش و نامت بعد تقلب دام لأكثر من ثلاث ساعات ..
فتحت عينيها لتجد عينان خضراء ملتصقة بها .. شهقت و ابتعدت للخلف و إلا بها تنظر إلى وجه سام المبتسم و قال بلغته الفرنسية
- " بون جور "
- " آه سام .. "
- " آسف .. هيا استيقظي .. فلدينا أعمال كثيرة "
- " أعمال ؟!! "
- " نعم .. سنذهب لنستكشف الطبيعة ثم نأخذ مكان مناسب للتصوير "
- "تصوير .. لكن .."
- " لا يا لورا لا أريد أن اسمع هذه الكلمة .. هيا غيري ثيابك و تعالي معي "
فعلت ما طلبه منها غيرت ثيابها و تناولت معهما الإفطار ثم خرجوا ثلاثتهم خارج القصر و بعيدا عنه إلى الطبيعة الساحرة.. حيث السهول الخضراء من خلفها الجبال المرتفعة الرمادية و من فوقها السماء الزرقاء الصافية و الشمس الساطعة .. ابتعدا كثيرا حتى توقفا عند نقطة خلابة فيها شلال صغير ..
جهز سام آلات التصوير و المعدات و أخرج فستان عنابي من تصميم أرماني ارتدته لورا و قامت جاكلين بتسريح شعرها و وضع مساحيق التجميل لها ..
- " أجلسي على تلك الصخرة و مدي رجليك داخل الماء و دعي الفستان يطفو "
- " لكنه .. الفستان .."
- " لا عليك يا لورا إنه مجرد ماء .. هيا .. اتركي التصوير لي .."
جلست بتلك الوضعية و أخذ لها سام أكثر من صورة .. ثم غيرت فستانها إلى آخر و آخر .. و تنقلوا من مكان إلى آخر ..
و عادوا في وقت العصر إلى القصر ..
رأته واقفا عند باب مكتبه يحدق فيهم .. اقترب منها ليتحدث معها لكنها أشاحت بنظرها عنه و صعدت الدرج إلى حجرتها.. و خشيت أن يقف سام و يتحدث معه فيزيد الطين بله .. لكن و لله الحمد أن سام لم ينتبه لوجود باتريك .. على عكس جاكلين..
صاح سام ما أن فتح باب الجناح
- " يا لكرمهم .. انظري لقد أحضروا لنا طعام الغداء رغم أننا تأخرنا في العودة "
انضمت إليه جاكلين لتناول الغداء .. لكن لورا أحست بالإرهاق و أن شهيتها مسدودة لذلك دخلت الحجرة الصغيرة و ارتدت ثياب عملية مريحة و استلقت على الفراش ..
أحست بشيء أسفل رجليها .. كيس أسود كبير.. وضع على الفراش .. رفعته و فتحته .. و إذا بها ترى فستان حريري أخضر اللون.. وضعت يدها على فمهما و هي تنظر إلى جمال هذا الفستان .. أخرجته من الكيس و تلمسته على بشرتها .. ثم انتبهت وجود ورقة بيضاء مثنية معلقة عليه ... فتحتها لتقرأ
( شرفيني بارتدائه لحفلة اليوم الراقصة .. )
قهقت.. إن سام يجيد اللعب .. و يصل إلى مراده بطرق ملتوية .. لم تستطع أن تقاوم جمال الفستان و ملمسه فأسرعت بارتدائه.. لينساب مثل الماء على جسدها و يلتف حوله بارزا ثناياها و جمال قوامها .. و كاشفا ظهرها بأكمله و جزء من صدرها ..ارتدت معه كعب عال ليزيدها طولا و رشاقة .. و لا يكتمل جمال الفستان من دون قرطين ذهبيين مرصعين بالزمرد الأخضر .. و زينت عيناها بضلال أخضر و كحل أسود ليبرز لونهما الشذري ... وضعت أحمر شفاه ذو لون عنابي غامق .. و في النهاية أسدلت شعرها و تركته يتموج على كتفيها .. ثم دخلت عليهما في غرفة الجلوس ...
انبهر سام و جاكي .. و تعلق فمه في الهواء و هو ينظر إلى لورا الآسرة للقلوب ..
- " يا رب السموات .. إنها تحفة فنية "
دارت أمامهما بالفستان و استعرضته و هي مبتسمة ...
- " إنك خلابه يا لورا .. سيجن الدوق إن رآك "
ضحكت و دارت مرة أخرى .. فأسرع سام بإحضار كاميرته و أخذ يلتقط لها ملايين الصور .. و لحسن حظه أنها في مزاج مناسب للتصوير ...
استيقظت على صوت طرقات الباب على حجرتها .. و كانت وانيتا ..
- " ألم تستيقظي يا لورا ؟! بعد قليل سيبدأ السباق .. هيا تجهزي بسرعة "
- " لا لن أذهب يا وانيتا "
- " و لم ؟! "
- " أشعر بالنعاس .. كما أن ليس لدي شيئا لارتديه "
- " ارتدي أي فستان لديك .. و أنا متأكدة بأنك ستبهرين الجميع "
- " لا.. لا أريد الذهاب .. "
- " حسنا كما تشائين لكن أخبريني إذا غيرتي رأيك "
- " سأفعل "
خرجت وانيتا و تركت لورا لوحدها تتحسر فهي تود الذهاب لكنها لا تريد أن تواجه طبقات المجتمع الراقي و تتمنى أن تشاهد فارسها على ظهر الجواد يتسابق مع بقية الرجال ثم يحرز الفوز .. لكنها لا تريد أن تلفت الانتباه إليها.. كما و أنه لم يدعوها بالأمس شخصيا إلى الحضور بل أخبرها تلك الليلة بأن تتشافى حتى تستطيع الذهاب معهم .. لعله لا يود اصطحابها و انه يفضل أن تكون مريضة في فراشها بدلا من وقوفها مع نبلاء ألبا ..
استلقت على الفراش عندما سمعت جدال بين رجال و صوت امرأة بالخارج في البداية تجاهلت الأمر لكن بعد أن أدركت بأن المتكلمين كانا يتحدثان بلغتها الانجليزية و بلكنة أمريكية همهما الأمر فقامت لإلقاء نظرة من النافذة و .. شهقت أثر ما رأته ...
ارتدت روبها و نزلت الدرج ركضا حتى فتحت الباب ..قالت بدهشة
- " سام .. جاكي ؟!! ماذا تفعلان هنا ؟! "
اقترب سام ليحتضنها ثم قال للحراس بغضب
- " انظروا إنها تعرفنا.. لورا عزيزتي اشتقت لك "
كانت تحت تأثير الصدمة
- " و أنا كذلك لكن ماذا تفعلان هنا ؟ و كيف عرفتما بأني هنا ؟! "
ضمتها جاكي و قالت ضاحكة
- " تلك الليلة بعد أن تحدثنا شعرت بأنك لست على مايرام ثم تحدثت إلى والدتك و أخبرتني كل شيء عنك و قمت بعمل بحث صغير عن مكان إقامتك ثم حجزت .. مفاجأة.."
ابتسمت لورا بتوتر ثم جذبت جاكلين بعيدا و همست بأذنها
- " لكن ماذا يفعل سام معك ؟! "
- " زارني قبل ثلاثة أيام يسأل عنك .. و عندما رآني أوضب حقيبتي أصر علي أن يأتي معي .. و أنت تعرفين سام عندما يصر على رأيه "
ضحك سام و أضاف قائلا
- " بالطبع كنت سآتي لأقنعك بالعودة .. و كيف لا أفعل و عرض الأزياء سيقام في أسبوعين و يجب أن نجهزك .. يا إلهي لا تبدين على ما يرام يا عزيزتي ؟! انظري يا جاكي إلى السواد تحت عينيها "
و أخذ وجهها بين يديه و هي تقاومه و تضحك
- " تفضلا بالدخول "
منذ دخولهما من الباب و عينياهما لم تتوقف عن الدوران في التأمل بهندسة القصر الفخم و الأثاث الراقي .. حتى فتحت لهما باب جناحها و دعتهما للدخول
- " إذن هذا هو جناحك ؟! "
سألها سام و هو يتمشى في الجناح
- " نعم .. إنه كبير كحجم شقتي في لوس أنجلوس "
أضافت جاكلين .. فقالت لهما لورا
- " القصر بأكمله رائع و العجيب فيه هو تاريخه القديم "
جلس سام و مد رجليه على المنضدة أمامه
- " آه صحيح أين الدوق؟ أريد أن أقابله "
- " سام .."
حدجته جاكلين بنظرة حادة .. ابتسمت لورا فهو لا يعرف شيئا عن من يسأل وإن عرف الدوق بوجودهما سيشتاظ غضبا .. آه كم تريد أن ترى تعابير وجهه عند مقابلته إياهما ..
- " إنه في سباق للخيل "
- " و أين بقية الناس الذين يعيشون في هذا القصر "
- " معه .. يشجعونه!! "
رأت جاكي نظرات حزن في عين لورا فسألتها قائلة
- " و أنت ؟! لم لست معهم؟ "
- " ليس لدي شيء لارتديه خاصة و أن هذا السباق لنبلاء المنطقة فتوقعي ما سترتديه النساء من فساتين أنيقة هذا بالإضافة إلى القبعات التي ليس لدي منها "
- " يا حبيبتي .. كنت طلبت من الدوق أخذك إلى السوق "
قال سام .. و كأن الأمر بسيط هنا ..
- "كلا يا سام إن الأمر معقد .. الدوق لا يتحدث معي .. حتى أنه لم يتعب نفسه بدعوتي و كأني لست موجودة .."
- " كنت سأفعل لكنه أتى في وقت متأخر و فات الأوان "
- " إذا الحل عندي فأنا سام ديكاري .. أم نسيتني؟! "
قالها غامزا بعينيه .. ثم طلب بإحضار حقائبه و ما إن وصلت حتى أخذ بفتحها و هو يخرج ما بها فانفجرت لورا و جاكلين ضحكا عندما رأت بأن أغلب الثياب التي أحضرها سام هي للورا و التي تفوق ثيابه .. عبارة عن ثلاث حقائب مليئة بالبدلات الباهظة الثمن و الفساتين لأشهر المصممين و حقائب و أحذية و الإكسسوارات و حقيبة رابعة لملابسة هو و الخامسة لمعدات التصوير .. و كأن سام قد احضر معه الأستوديو بأكمله.. انتقى لها ثلاث بدلات بأحذيتهم و حقائبهن و لحسن حظ لورا بأنه أحضر معه قبعتان أنيقتان ..
- "من حسن حظك يا لورا بأن موضة الموسم هي القبعات .. هيا اختاري البذلة التي تعجبك يا و سنذهب جميعا إلى ذاك السباق "
ضمت بقوة و قبلته
- " أنا سعيدة لوجودكما هنا .. "
- " و نحن كذلك .. لا تضيعي الوقت .. هيا أسرعي "
اصطف المتسابقين في حيزهم .. رفع نظره إلى المدرجات حيث يجلس الجمهور متفرجين .. و أخذ يبحث بين الوجوه عن وجه يحب رؤيته .. وجه جميل كنور الصباح .. لقد أمل أن يراها جالسة بين الحضور .. لكن للأسف لا أثر لها .. ابتسمت له الكثير من الفتيات الصهباوات الجميلات و بادلهن الابتسامة قدر ما يستطيع .. فبعضهن وجهها مألوف و الأخرى يعرف أبويها و ثالثة كان بينهما علاقة فيما ما مضى قبل مغادرته ألبا .. لوح لها بيده .. ثم انطلق بخيله ما أن سمع صوت طلق النار و فتح له الباب .. في البداية كان المتسابق رقم خمسة يتفوق عليه بخطوات .. ضغط على نفسه حتى أسرع جواده و أصبح هو في المقدمة ..
- "هذا هو .."
أشارت لورا بيدها على الدوق .. و كانت مبتهجة لرؤيتها له في المقدمة .. كانت واقفة في آخر صف بالمدرج و سام و جاكلين بالقرب منها
- " يا إلهي إنه شاب !! لقد اعتقدت بأنه كبير في السن .. كم يبلغ من العمر ؟! "
سألتها جاكلين و هي ترى الدوق يركض بحصانه و يتفوق على جميع المتسابقين
- " سيبلغ الثلاثين على ما اعتقد .. هذا ما قالته لي وانيتا.. أنا مثلك قبل أن أقابله اعتقدت بأنه رجل كبير بالسن "
لكزتها جاكلين و هي تقول
- " أتساءل إن كان هذا الجسد الرياضي يحمل وجها وسيما ؟ .. فما قولك ؟! "
و فجأة صفق الجمهور بحماس و وقفن السيدات و الشباب .. و كما يقول المثل ( أنقذت بالتصفيق) كان الدوق يتمشى بجواده و يقترب من مدرج الجمهور فيرفع قبعته و يطأطئ رأسه .. ثم غمز بعينيه لنانيرا فأرسلت له قبلة في الهواء فرفع يده ليلتقطها .. التقط قلبها في رقي أسلوبه .. إنه يستحق لقبه ..
قدم له الحكام الكأس و أخذه بكل شموخ ثم أمسك المايكروفون وقال كلمة بالاسبانية فزاد الجمهور حماس و تصفيقا ..و تمنت لو أنها تعرف ما قاله .. لكن ذلك لا يهم فبمجرد سماع نبرات صوته بتلك اللكنة المثيرة ارتفع قلبها ثم هبط بقوة ليقع أرضا..
بعد ذلك اجتمع الحاضرين من النبلاء (الطبقة الراقية ) حيث رجال الإعمال و التجار المعروفين و النساء المتأنقات و الفتيات الجميلات اللاتي تحومن حول الدوق و كل واحدة منهن تحاول أن تجعله يلتفت ناحيتها .. ضغطت لورا بعصبية على يديها و زاد من غضبها بأنه لم ينتبه لوجودها ..
هو لا يهتم بي .. قالت في سرها .. إذا لم أزعج نفسي .. و لم أشعر بالغيرة ؟!
كانت جاكلين تراقب تصرفات صديقة الطفولة و هي تعرف كيف تكون لورا عندما تقع في الحب أو تعجب بأي شاب .. و ما تراه الآن هو ما رأته من قبل ...
اقتربت منها و دفعتها بخفة من كتفها و همست
- " امشي أمامه .. افتعلي إعصار .. أوقعي كأسك .. افعلي شيئا .. دعيه يلتفت إليك "
- " لا .. فهذا آخر شيء أريد فعله "
- " إذا سأخبر سام .. و أنت تعرفين ما سيفعله سام إن عرف بأنك واقعة في غرام الدوق و هو يتجاهلك تماما أو حتى لا يعرف بوجودك و أنت لا تحركين ساكنا .. خاصة و أنه بذل جهدا في إعطائك هذا المنظر الساحر .."
- " حسنا .. حسنا .. سأمر من أمامه .. لكن معك "
- " هذه لورا التي أعرفها .. "
جذبت يد جاكلين و مشت أمام الدوق و هما تضحكان بصوت مسموع مما جعل باتريك يرفع نظره عن الفتيات المتحومات حوله ليجد تلك التي تحبها عيناه و يعشقها قلبه و تنجذب لها كل حواسه .. كانت ترتدي معطف أبيض يصل إلى ركبتيها و مطرز عليه بنقشات باللون الأبيض .. و ارتدت قبعة حمراء و بها ورود سوداء و بيضاء .. و شعرها الأشقر لامس رقبتها و أطراف كتفيها .. و تزينت بقرطين من اللؤلؤ.. و ارتدت كعب أحمر عالي أعطاها منظرا أنثويا ساحرا .. بالإضافة إلى ماكياجها الأسود الذي أبرز من لون عينيها .. و الحمرة الحمراء الفاقعة .. جعلته يتناسى الجميلات و ذهب خلفها مثل حديد منجذب إلى مغناطيس... لقد أحسن سام ديكاري في إنقاذها ..
أوقفها من كتفها بلمسة من يده
- " لورا !! أقصد ..آنسة آغنر .. لقد أتيت "
اختلست نظرة إلى جاكلين المبتسمة بابتهاج و هي ترى نظرات الإعجاب في عيني الدوق الوسيم.. فأجابته بثقة
- " لقد دعوتني في تلك الليلة أتذكر ؟! "
أرادت أن تحرجه لأنه لم يطلب قدومها بل تمنى لها الشفاء حتى يتسنى لها القدوم .. لكنه قال
- " اعتقدت بأنك مازلت مريضة و ليس لديك نفس في الحضور.. لم ألاحظك بين الجموع.."
- " نعم لقد وصلت على نهاية السباق.. و أهنئك على الفوز "
- " شكرا لك .. و لقدومك "
- " على الرحب و السعة .."
انتبه إلى جاكلين الوجه الغريب بالنسبة له و هي لا تبدو له من هذه البلاد فوجه سؤاله إليها
- " أنت لست من هنا .. أليس كذلك؟"
ابتسمت له جاكلين و هي منجذبة لانجليزيته المتقنة الممزوجة بلكنة خفيفة لا ينتبه لها إلا المتحدثون بها ..
- " نعم أنا جاكلين صديقة لورا و لقد وصلت للتو من لوس أنجلوس "
سرعان ما تغيرت ملامح وجهه و كان في حيرة من أمره .. فقال باستغراب يسأل لورا
- " حقا ؟!! "
اضطربت لورا و هي تجيبه
- " كنت أريد أخبارك لكني أيضا تفاجأت بحضورهما "
زادت دهشته فأردف سائلا
- " حضورهما ؟! هناك شخص آخر ؟! "
زادت ضربات قلبها و شعرت بأنها ستقع أرضا لولا أن سام اقترب منهم و بيده ثلاثة كؤوس
- " لورا .. جاكي .. أين اختفيتما عني ؟! لقد بحثت عنكما في كل مكان .|"
سكت ثلاثتهم .. الدوق سكت استغرابا .. و سكتت لورا و جاكي إحراجا و خوفا من ردة فعل باتريك
لكن سام لم يكترث للأمر فقال بمرح
- " مرحبا .. لابد انك الدوق .. لم أعتقد بأنك شابا يافعا تتمتع بصحة و جسد رياضي ..آه صحيح أهنئك بفوزك .. "
ثم مد يده ليصافحه .. لكن باتريك لم يستوعب الأمر إلا بعد ثواني قليلة ثم مد يده ليأخذ بيد سام
- " شكرا لك "
كان لا يزال باتريك تحت تأثير الصدمة .. و هذا ما خشيته لورا .. حدج لورا بنظرة غريبة ثم جذبها من ذراعها و ضغط عليها كادت تطلق آهة لكنها أبقتها لنفسها .. قال لها هامسا صارا على أسنانه
- " سنتحدث أنا و أنت عندما نعود إلى القصر "
ثم أفلت يدها ليعود الدم بالتحرك في مجراه .. رأته يبتعد عنها و يتجه ناحية تجمع من الرجال..
فقالت بحزن لصديقيها
- " هيا لنعد .. "
- " لكن لم نتشرب من ذلك النبيذ اللذيذ .. و لم نرقص .. أنظري إلى تلك الأسبانيات بلباسهن .. أريد أن التقط صور للمجلة .. "
قال سام معترضا و هو يحاول أن يثير حماسها.. فقالت له غاضبة
- " سام ... "
جذبته جاكلين تعاتبه
- " هيا يا سام نحن متعبين .. أتذكر بأنك تذمرت كثيرا بأن الرحلة طويلة و متعبة.. و الآن تريد الرقص و التقاط صورا .. من أين تأتي بكل هذا النشاط ؟"
- " حسنا .. حسنا .. سأذهب معكما .. لكن لا داعي لهذه العصبية يا لورا .. و أنت .. جاكي .. لا تحسدين شبابي و روحي المرحة "
- " صدقني لا أنوي ذلك .. "
عاد ثلاثتهم إلى القصر .. و لم يكن لها رغبة بتغير ثيابها التي ارتدتها من أجل أن تلفت نظر باتريك الذي بدا له بأنه لم يكترث لها .. إن ذلك الرجل يحيرها .. فمرة يبدي استحسانا تجده في عينيه في كل مرة يراها و مرات أخرى تطغي نظرة عدم الاكتراث التي تعذبها ..
جلست على الكنبة و انضمت إليها جاكلين .. و كذلك فعل سام لكنه أحضر معه زجاجة شراب و فتحها لهم.. شربت و هي لا تشعر بلذة الشراب و لا بطعمه .. كل ما كانت تفكر فيه هو تجاهل باتريك لها اليوم .. حتى أنه لم يعلق على شكلها أو مجيئها.. كل ما فعله هو أن عاملها بقسوة و جفاء كما يفعل دائما حتى و لو رسم ابتسامة ودودة على شفتيه فهذا لا يعني شيئا..
لم تكن تعر أي اهتمام لحديث جاكي و سام .. و شعرت برغبة في الخروج إلى الحديقة و تنفس هواء منعش بدل من دخان سجائر سام ..
جلست هناك دون أن تشعر بمرور الوقت و أن السماء قد أظلمت و حل الليل..
وقفت لتعود أدراجها و عندما استدارت لتدخل ارتطمت بجسد عريض فرفعت رأسها لتنظر إلى أجمل عينين لرجل رأتهما في حياتها .. ساعدها على استعادة توازنها و بسرعة أشاحت عنه .. و رتبت هندامها و هي عابسة..
- " آسف لأني أفزعتك "
- " لا .. لم تفعل كنت أهم بالدخول .."
قالتها بعصبية .. حاولت أن تمر من أمامه لكنه قطع عليها الطريق بجسده العريض الطويل مجبرا إياها على النظر إليه ..
- " كنت رائعة اليوم .. أحببت قبعتك "
حاولت قدر الإمكان تجاهله .. لكنه أمسك وجهها بين يديه و قرب شفتيه منها محاولة منه لتقبيلها .. لكنها دفعته بعيدا عنها و قالت بضيق و غضب ..
- " أرجوك .. أريد الذهاب إلى حجرتي "
أمسك بمعصمها بعنف عندما ابتعدت عنه ... و قال بعصبية
- " لا .. ليس قبل أن نتحدث عن وجود أصدقاءك هنا "
- " عن ماذا نتحدث؟؟ .. لقد قلت لك بأنهما فاجأني "
- " و كيف عرفا المكان ؟ "
- " لم أعطهما العنوان كما أنهما لا يستطيعان الاتصال بي من حيث يقيمان .. "
قاطعها قائلا بحدة صوته
- " اسمعيني جيدا يا لورا ... نحن لم نتحدث بعد عن الورث لعدم رغبتي بذلك لأكون صريحا معك ... لكن هذا لا يدعك تتصرفين و كأنك قد حصلت على ورثك و تفعلين ما يحلو لك و كأن هذا القصر ملكك و تقومين بدعوة من تريدين .. لا ... و لن يحدث ذلك أبدا .. مهما حدث و مهما حصلت على حصتك فستبقي هنا تحت الشروط و القوانين و عادات و تقاليد القصر و إن لم يعجبك هذا فأنا سأشتري حصتك من الورث و فوقها إكرامية ..فما رأيك ؟؟ أعطيني السعر المناسب و سأقوم بدفعه .. كل ما تريدينه !! ما قولك ؟!"
حدقت فيه و عيناها مغرقتان بالدموع العالقة .. إنه يزيدها تحطيما .. تمنت أنه أصر على تقبيلها و حاول رغم مقاومتها إياه بدل من أن يلقي بحجارته عليها ..
تركته و سارت من أمامه و الدموع تنهمر من عينيها .. وقفت عند باب الحجرة و مسحت أثر الدموع حتى لا يراها سام و جاكي بتلك الحالة .. و لحسن حظها كان سام نائما على الكنبة و جاكي على الفراش .. فأسرعت بالدخول إلى الحمام اغتسلت ثم اندست تحت الفراش و نامت بعد تقلب دام لأكثر من ثلاث ساعات ..
فتحت عينيها لتجد عينان خضراء ملتصقة بها .. شهقت و ابتعدت للخلف و إلا بها تنظر إلى وجه سام المبتسم و قال بلغته الفرنسية
- " بون جور "
- " آه سام .. "
- " آسف .. هيا استيقظي .. فلدينا أعمال كثيرة "
- " أعمال ؟!! "
- " نعم .. سنذهب لنستكشف الطبيعة ثم نأخذ مكان مناسب للتصوير "
- "تصوير .. لكن .."
- " لا يا لورا لا أريد أن اسمع هذه الكلمة .. هيا غيري ثيابك و تعالي معي "
فعلت ما طلبه منها غيرت ثيابها و تناولت معهما الإفطار ثم خرجوا ثلاثتهم خارج القصر و بعيدا عنه إلى الطبيعة الساحرة.. حيث السهول الخضراء من خلفها الجبال المرتفعة الرمادية و من فوقها السماء الزرقاء الصافية و الشمس الساطعة .. ابتعدا كثيرا حتى توقفا عند نقطة خلابة فيها شلال صغير ..
جهز سام آلات التصوير و المعدات و أخرج فستان عنابي من تصميم أرماني ارتدته لورا و قامت جاكلين بتسريح شعرها و وضع مساحيق التجميل لها ..
- " أجلسي على تلك الصخرة و مدي رجليك داخل الماء و دعي الفستان يطفو "
- " لكنه .. الفستان .."
- " لا عليك يا لورا إنه مجرد ماء .. هيا .. اتركي التصوير لي .."
جلست بتلك الوضعية و أخذ لها سام أكثر من صورة .. ثم غيرت فستانها إلى آخر و آخر .. و تنقلوا من مكان إلى آخر ..
و عادوا في وقت العصر إلى القصر ..
رأته واقفا عند باب مكتبه يحدق فيهم .. اقترب منها ليتحدث معها لكنها أشاحت بنظرها عنه و صعدت الدرج إلى حجرتها.. و خشيت أن يقف سام و يتحدث معه فيزيد الطين بله .. لكن و لله الحمد أن سام لم ينتبه لوجود باتريك .. على عكس جاكلين..
صاح سام ما أن فتح باب الجناح
- " يا لكرمهم .. انظري لقد أحضروا لنا طعام الغداء رغم أننا تأخرنا في العودة "
انضمت إليه جاكلين لتناول الغداء .. لكن لورا أحست بالإرهاق و أن شهيتها مسدودة لذلك دخلت الحجرة الصغيرة و ارتدت ثياب عملية مريحة و استلقت على الفراش ..
أحست بشيء أسفل رجليها .. كيس أسود كبير.. وضع على الفراش .. رفعته و فتحته .. و إذا بها ترى فستان حريري أخضر اللون.. وضعت يدها على فمهما و هي تنظر إلى جمال هذا الفستان .. أخرجته من الكيس و تلمسته على بشرتها .. ثم انتبهت وجود ورقة بيضاء مثنية معلقة عليه ... فتحتها لتقرأ
( شرفيني بارتدائه لحفلة اليوم الراقصة .. )
قهقت.. إن سام يجيد اللعب .. و يصل إلى مراده بطرق ملتوية .. لم تستطع أن تقاوم جمال الفستان و ملمسه فأسرعت بارتدائه.. لينساب مثل الماء على جسدها و يلتف حوله بارزا ثناياها و جمال قوامها .. و كاشفا ظهرها بأكمله و جزء من صدرها ..ارتدت معه كعب عال ليزيدها طولا و رشاقة .. و لا يكتمل جمال الفستان من دون قرطين ذهبيين مرصعين بالزمرد الأخضر .. و زينت عيناها بضلال أخضر و كحل أسود ليبرز لونهما الشذري ... وضعت أحمر شفاه ذو لون عنابي غامق .. و في النهاية أسدلت شعرها و تركته يتموج على كتفيها .. ثم دخلت عليهما في غرفة الجلوس ...
انبهر سام و جاكي .. و تعلق فمه في الهواء و هو ينظر إلى لورا الآسرة للقلوب ..
- " يا رب السموات .. إنها تحفة فنية "
دارت أمامهما بالفستان و استعرضته و هي مبتسمة ...
- " إنك خلابه يا لورا .. سيجن الدوق إن رآك "
ضحكت و دارت مرة أخرى .. فأسرع سام بإحضار كاميرته و أخذ يلتقط لها ملايين الصور .. و لحسن حظه أنها في مزاج مناسب للتصوير ...
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 15
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
ما أن أمسى الليل حتى أقبل المعازيم على الحضور .. و كان الدوق و داني و ماريو في استقبالهم .. أخذ يتمشى بين المعازيم يسلم على هذا و يلقي التحية على آخر .. يقف و يتحدث مع مجموعة .. و من ثم مجموعة أخرى .. يبادل فتاة ابتسامة .. و ثانية .. يقف مع داني فينضم إليهما رجال آخرين و يفتحون باب لنقاشات مختلفة .. و مع كل هذا التجمع كان باله متلهي .. ينظر إلى الدرج بين حين و أخرى .. ينتظرها بفارغ صبر أن تبهره بطلتها في أية لحظة .. لذلك كان يخشى أن يبعد عينيه للحظة عن الدرج حتى لا يضيع ثانية دون النظر إليها ..
وقف و قلبه و عيناه متلهفتين لرؤيتها.. لكنها تأخرت .. ماذا عسى أن يكون أصابها ؟! ربما لا تزال متضايقة من ما جرى بينهما من نقاش بالأمس ؟! آه كم يكره نفسه .. فهو دائما ما يفسد الأمور بينهما ..
- " دون باتريك .. في ماذا سرح فكرك ؟! "
أيقظه صوت أحد الرجال الواقفين معه من أفكاره .. فابتسم و قال
- " لا شيء أبدا .. لكني أترقب شخصا ما.. اعذروني "
ثم تركهم و ابتعد و أخذ يبحث في أرجاء القاعة و بين الحضور عنها لعلها نزلت و هو لم ينتبه.. لكن هذا مستحيل .. أو ربما لم تعد بعد..كيف و هو رآها تدخل المنزل و تشيح عنه .. الأمر الذي آلمه كثيرا.. كما و سمع صوت سام في جناحها .. إذا لم كل هذا التأخير؟!
لمح وانيتا تقدم الشراب فاقترب منها يسألها إن رأت لورا .. لكنها أجابته بالنفي ..
آخذ يتلفت يمينا و شمالا .. حتى رأى وميض أبيض يبرق من أعلى الدرج .. ثم يقترب هذا الوميض أكثر فأكثر .. و حاول أن يقترب هو من الدرج .. و بالفعل استطاع أن يرى سام يأخذ صورا .. صورا للورا بفستان أخضرا خلاب..
تجمد باتريك في مكانه .. و لم يعد قادر على التفكير أو تحليل أي شيء مما كان يراه..
كانت تدفع سام و تطلب منه أن يوقف التصوير و كذلك فعلت جاكي .. حتى رضخ للأمر و أخذ يضحك .. نزلت الدرج و كأنها ملكة هذه الحفلة .. أحدثت جلبة عارمة ما أن لامست قدميها أرض القاعة الرخامية .. و على الرغم من العيون التي كانت تحملق فيها و تراقبها إلا أنها لم تلمح إلا عينيه ..
كان يحدق فيها دون تعبيرات على وجهه.. غير الفراغ و التلبد .. ألقت عليه نظرة باردة كالثلج ثم أشاحت عنه و تأبطت ذراع سام و ذهبا بعيدا عن الأنظار .. بالضبط كما حدث من قبل ..
لم يصدق عينيه .. بل لم يصدق كيف كانت عيناه معمية عن رؤية الحقيقة التي أمامه ؟! وميض آلات التصوير جعلت عقله يومض من جديد ..عاد تفكيره أسابيع للوراء .. حيث كان واقفا في قاعة الدرجة الأولى في مطار لوس انجلوس .. ينظر إلى الناس .. عندما لمحت عيناه امرأة جميلة تتحدث مع رجل و تضحك .. حتى رفعت رأسها .. ظن للوهلة الأولى بأنها لا تستطيع أن تراه .. لكن عندما ابتسمت له أيقن بأنه وقع في غرامها ..
إذن لورا هي تلك الهيفاء الجميلة التي لمحها في المطار و تعلق بها قلبه .. و كيف لم يدرك ذلك و هي أمامه كل يوم .. و خاصة عندما أتى سام .. كان وجهه مألوف بالنسبة له .. يا إلهي .. إذا الفتاة التي تعلق بها قلبه ما هي إلا لورا التي يعشقها بجنون .. إذا لقد أحب نفس الشخص مرتين .. فهل هذا منطقي؟!!
يا ربي .. لم الأمور معقدة إلى تلك الدرجة .. لم لورا و الفتاة الهيفاء هما شخص واحد .. لم أحب من يجب أن لا يحب .. إن الأمور تزيد خناقها عليه و لم يعد يعرف كيف يتصرف حيالها .. هل يتبع قلبه أم يسمع عقله ؟! و من تكون لورا ؟!!
لم تتحرك رجليه إلا عندما بدأت أنغام موسيقى الفالس بالعزف و أخذ كل رجل امرأته إلى وسط القاعة ..
- " هيا دون باتريشو .. انتقى فتاة و راقصها .. إنها حفلتك "
كان صوت نانيرا يناديه من بعيد .. اقتربت منه و همست في أذنه و هي تشير على امرأة وحيدة
- " تصرف كالنبلاء و ادعوها للرقص "
ثم دفعته بيدها ناحية تلك المرأة التي رفعت رأسها لتنظر إليه .. يا إلهي كيف المصائب تتحذف عليه من كل الزوايا .. لم ماريا من بد الفتيات الجميلات ؟!!
انحنت أمامه و حاولت أن تغريه بابتسامتها .. قالت برقة
- " دون باتريك .. كنت أتساءل متى ستدعوني للرقص ؟! "
لم يعلق بل مد لها يده فتعلقت برقبته و شبكت أصابعها الناعمة بيده و كأنها كانت تنتظره دهرا .. قادتها خطواته إلى وسط القاعة .. حيث زاح الراقصون عنهما ليكونا في المنتصف .. كانت هائمة به و لطالما فعلت .. لكنه لم يكن يهيم بغير لورا .. و تمنى أن تكون هي من يرقصها الآن ..
رأتهما لورا من بعيد و لا شعوريا ضغطت على ذراع سام الذي تأوه و التفتت إليها
- " لم فعلت ذلك ؟! "
نظرت جاكلين إلى حيث تحدق لورا ,, و رأت الدوق يرقص مع امرأة جميلة جدا و يبدو أنها مسحورة به ..
لم تعد لورا تتحمل تجاهله إياها.. و قالت في نفسها .. إلى متى سأنتظر منه ردة فعل ؟! يبدو بأنه إنسان بلا مشاعر ..
فأخذت يد سام و جرته إلى وسط القاعة .. ارتعب سام لهذه الفكرة و قال لها
- " لكني لا أجيد رقص الفالس "
- " اتبع خطواتي .. و اترك القيادة لي "
و بالفعل فعل ما طلبته منه .. و تصنعت الابتسام و رقصت بالقرب من الدوق .. رقصت و كأنها تملك القاعة و حاولت قدر الإمكان تجاهل نظراته و وجوده .. حيث كان ينظر إليهما مستغربا.. حاولت ماريا أن تجعله ينتبه إليها لكن عيناه كانتا مسمرتين على تلك المرأة التي عشقتها منذ أول مرة.. و من ثم غار قلبه ..
تعمدت لورا أن تخلل أصابعها في شعر سام الذي نظر إلها مدهشا لتصرفاتها .. فقربت فمها من أذنه و همست قائلة
- " إني استعمل سلاح الغيرة .. و أنت وسيلتي يا سام .. أرجوك جارني في لعبتي "
نظر إلها بكل إعجاب بأفكارها.. فهو خير من يجيد لعب هذه اللعبة
- " أمرك موالاتي "
قبلت لورا رقبة سام أمام مرأى باتريك الذي صارت مثل النار أعصابه و هو يرى التودد فيما بينهما..
جذبت ماريا وجهه بيديها و قالت معاتبة
- " دون باتريك .. أنا هنا "
- " و أنا يقن لذلك.."
قالها بعصبية .. و لحسن حظه أن الموسيقى توقفت .. و توقف الجميع عن الرقص و صفقوا للورا الغريبة بالنسبة لهم و كيف كانت جريئة بأن تبهرهم برقصها و جمالها و روعة فستانها ..
و ما هي دقائق حتى تحوم حولها الرجال و كانت تحاول قدر الإمكان الاختباء خلف سام حتى ابتعدت عن وسط القاعة ..
اقترب أحد أصدقاء باتريك و سأله قائلا
- " من تلك الجميلة الشقراء ؟! "
- " تقصد آنسة آغنر .. ضيفتي "
- " و كيف لم تراقص ضيفتك يا باتريك ؟!"
و بماذا يجبه ؟! غير الابتسامة ...
- " لو كنت بمكانك لوقعت في غرامها"
و من قال عكس ذلك .. فانا مولع بتلك الأمريكية الساحرة .. لو أنها لا تكن تشاركني ملكي لكنت ... قاطعه صوت داني يتكلم بالمايكروفون من أفكاره التي أخذت إلى عالم آخر .. و لم يسمع إلا آخر جملة قالها داني
- " و لنشرب جميعا نخب فوز الدوق.."
رفع الجميع كؤوسهم و التفتوا ناحية باتريك الذي أومأ لهم امتنانا و غمز بعينه لداني .. و من جديد بدأت الأنغام تتصاعد .. و هذه المرة كانت رقصة السامبا .. فأسرع باتريك ليتوارى عن الأنظار .. فهو لا يود أن يراقص أي أحد الآن .. إلا إن كانت تلك صاحبة الفستان الأخضر..
خرج إلى الشرفة و أشعل سيجارته و أخذ يتأمل السماء المرصعة بأحجام مختلفة من النجوم و كأنها ماسات متلألئة .. أنزل عينيه إلى الأرض ليلمح شخصا في الحديقة في الأسفل .. دقق النظر ليجد شخصا آخر .. و بسرعة عرفها عندما استقامت واقفة .. استطاع أن يلمح حركة يديها الغاضبتين و كأنها كانت تتشاجر مع سام الذي كان يحاول جرها إلى داخل القاعة لكنها بدت له بأنها تريد البقاء وحدها خارجا فتركها و دخل إلى القاعة برفقته جاكلين ..
انتهز الفرصة لأن يختلي بها .. أسرع بالنزول إلى الحديقة من الدرج الجانبي و اقترب منها بهدوء .. كانت تنتظر إلى انعكاسها على سطح الماء .. و فجأة ارتعبت عندما رأت انعكاس رجلا خلفها .. و استدارت بسرعة ... تنهدت ارتياحا عندما رأت ملامح وجه مألوف .. وضعت يدها على صدرها و قالت مؤنبة
- " لم تحب أن تجعل قلبي يقفز ارتعابا ؟! "
- " و لم تحبين أن تجعلي قلبي يقفز تعذبا ؟! "
قالها بهدوء و هو ينظر إليها بافتتان .. ارتعش جسدها بأكمله و أخذت تنظر إلى عينيه تحاول أن تجد معنى لتلك النظرات و ما قاله .. هل كانت تحلم ؟!
اقترب منها خطوتين و ابتسم بطريقة مثيرة و ساحرة قائلا
- " إن الفستان يلائمك تماما "
قالت و هي لا تعرف سبب شعورها بالخوف
- " شكرا "
- " لم أتوقع أن النتيجة ستكون بهذا السحر و الإثارة "
لقد أضاعته للحظة و لم تفهم عن ماذا كان يتحدث
- " عفوا .. عن ماذا تتكلم ؟! "
- " عن الفستان بالطبع "
- " الفستان ؟! و كيف بإمكانك أن تتوقع النتيجة ؟! "
- " لقد تخيلته على جسدك عندما رأيته على واجهة المحل .. لكنه بالطبع أجمل عليك من المانيكان "
فتحت عيناها على اتساعهما و قالت بدهشة
- " ماذا ؟ أنت من اشترى لي هذا الفستان و وضعه على فراشي ؟! "
- " و من غيري يدعوك لارتداء فستان لحفلة اليوم ؟! "
- " لقد ..لقد اعتقدت أنه سام يريد أن ... "
قاطعها معلقا بعصبية
- " بالطبع .. سام "
شعر بالحنق على سام و الغيرة و العدائية تجاهه .. على الرغم من صدمتها إلا أنها سعدت بفكرة أن يهديها باتريك فستان و يدعوها لحفلة اليوم و لسذاجتها لم تعي بذلك .. أو أن عقلها الباطني رفض تلك الفكرة من أساسها .. لكن الفكرة لا تزال قائمة .. و الدوق واقف أمامها و هو يلتهب من الغيرة ..
و أرادت أن تكمل لعب لعبتها فقالت له و كأنها لم تتأثر بنظراته المغرية و لا بهمساته المثيرة أو غيرته الساحرة .. رفعت رأسها و قالت
- " شكرا لك دون باتريك على الفستان "
استغرب برودتها التي على عكس عادتها و أجابها
- " على الرحب و السعة "
مرت من أمامه قائلة
- " استأذنك الرحيل "
لكنه أمسك بها من معصمها يوقفها لكنه هذه المرة بخفة
- " إلى أين يا آنسة ؟! "
بدأ الخوف يدب في أوصالها من جديد .. و لا تعرف كهنته .. فهل هو خوف من حب رأته في عيون آسرها ؟! ..أم أنه خوف من شيء سيء قد يحدث في أية لحظة الآن ؟!
حاولت أن تتحلى بالشجاعة أمامه و أن لا تضعف أمام رجولته الطاغية
- " إن سام و جاكي ينتظران في الداخل "
- " لا ضير إن انتظراك لعشرة دقائق أخرى "
- " ماذا تريد مني ؟! "
فكر بعقله هذه المرة .. هل من الممكن أن أبوح لها بإعجابي بها ؟! و أني رايتها من قبل و وقعت في غرامها و لا أود مفارقتها الآن ..أو أني أريدها أن تجلس معي فنتسامر و كأن شيئا لم يحصل بيننا ؟ و كأن ذلك العداء قد طار إثر ذلك الوميض الذي نبهه إلى الواقع ؟ هل يمكن أن يتناسى كل شيء بتلك السهولة و كأن شيئا لم يكن ؟! و ماذا عن تهجمه عليها بالأمس ؟ هل ستغفر له ؟!
انتظرته حتى يجيبها .. لكنه عوضا عن ذلك أفلت يدها و بسرعة تبدلت ملامح وجهه لتصبح أكثر جدية ..
شعرت بخيبة أمل .. فقد أملت أن يقول لها : أريدك أنت .. دعينا ننسى الماضي .. ونبدأ من جديد ..
لم يكابر و يعاند مشاعره و قد كاد للحظة أن يبين لها ما يشعر به نحوها .. لو فقط قال لها أريد التحدث معك أو النظر إلى عينيك أو أي شيء غير هذا التلبد .. لم تعد تستطيع الوقوف و النظر إليه .. فهو بالنسبة لها جبان يخشى إظهار مشاعره,, أشاحت عنه و ابتعدت مسرعة حتى دخلت القصر..
ظل واقفا يتحسس الأثر الذي تركته في هذا المكان و في قلبه .. لم لا يستطيع أن يسهل الأمور على نفسه و عليها .. أحس بصداع قوي في رأسه فضغط عليه بيديه و أغمض عينيه .. و تخيل للحظة ان تعود لورا لتقول له شيئا ما .. و ما هو هذا الشيء ؟!
شعر بيد أنثوية تلمس كتفه .. و من ثم تميل على ظهره و تقرب فمها من أذنيه .. استرخت عضلاته المتوترة .. شعر بالراحة و هي تضع شفتيها على رقبته و للحظة كاد أن يجذبها و يقبلها لو أنها لم تفتح فمها لتنطق
- " آه باتريك .. بحثت عنك في كل مكان "
و بردة فعل مفاجأة هب واقفا .. و نظر إليها .. و قال بعصبية
- " ماريا .. بحق السماء .. ماذا كنت تفكرين ؟! "
- " لقد اعتقدت بأنك تريد أن نستعيد علاقتنا ببعض "
- " و ما الذي جعلك تعتقدين ذلك ؟! "
تجمعت الدموع في عيناها السوداء و هي تجيبه
- " أنت يا باتريك .. في الأمس عندما كنا ...."
هدأت عصبيته قليلا و عاد إليه الصداع مرة أخرى فجلس و ضغط على رأسه من جديد و قال بجدية
- " أنا آسف إن جعلتك تعتقدين بشيء لن يحدث .. بالأمس كنت على غير طبيعتي .. "
- " لم يا باتريك لم ؟! نحن نليق ببعض جدا و الكل يقول ذلك "
- " ماريا علاقتنا انتهت قبل ست سنوات .. كنا صغارا و مراهقين "
- " لكن حبنا لم يكن كذلك أبدا .. لم يا باتريك ترفض الفكرة من أساسها ؟؟"
استقام واقفا و أمسك بمعصميها بقوة و قربها إليها ثم قال بحدة
- " هل يجب أن أقول لك بأن هناك شخصا آخر يستحل عقلي و قلبي و يشل تفكيري ؟!"
انهمرت دموعها على وجنتيها و هي تسأله عارفة ما سينطق به
- " و من تكون ؟! هل هي ضيفتك الأمريكية التي لا تستطيع أن تبعد عينيك عنها ؟! "
أفلت يدها و استعاد رباطة جأشه
- " هذا ليس من شأنك .. و الآن اعذريني "
تركها و غادر ليدخل ..
اقترب منه داني و سأله بقلق عندما دخل القاعة و وقف بهدوء
- " باتريك .. لست على ما يرام يا صديقي "
- " إنني بخير .."
- " لكنك تبدو شاحبا فهل هناك ما يزعجك ؟!"
- " لا .. أرجوك داني لا تحقق معي .. سأذهب لاحتسي شرابا لعله يخفف من هذا الصداع "
انزو عن معازيمه قليلا الذين بدأ عددهم يقل في نهاية السهرة .. و بعد أن غادر الجميع اقتربت منه نانيرا تمسح على رأسه بحنية
- " دون باتريشو عزيزي لم لم تودع ضيوفك ؟! "
- " ليس لي نفس في ذلك .. اعتقد بان داني و ماريو أدوا واجبهم على أكمل وجه "
- " نعم لكن غادر الجميع و هم قلقين عليك "
- " سيتفهمون الأمر عندما أعتذر لهم في وقت لاحق .. "
- " اخبرني يا بني ما بك ؟! "
- " إنه مجرد صداع "
- " لا تكثر الشرب يا عزيزي .. و من الأفضل أن تخلد للنوم "
استدارت لتغادر لكنه صاح عليها بصوت منكسر
- " نانيرا .."
آلمها هذا الصوت من ابنها الصغير فتوقفت و قالت بقلق
- " ماذا هناك يا عزيزي ؟"
- " اسمعي احتاج لأن آخذ إجازة للراحة ..يومان فقط .. سأذهب فيهما إلى مدريد .. "
- " هذا أفضل لك ..و هل ستأخذ ماريو و داني معك ؟! "
- " لا .. سأذهب لوحدي .."
- " ماذا عن مهرجان دوس العنب ؟! "
- " سأكون حاضرا لا تقلقي فلن أفوت الفتيات الجميلات و هن يعصرن العنب بأقدامهم "
غمز لها و ضحك فجعلها تبتسم و تقبل جبينه
- " هذا هو باتريشيو الذي اعرفه .. إذا عمت مساءا يا عزيزي "
- " شيء آخر نانيرا .."
- " أنت تأمر "
- " شكرا لك .. أرجوك حاولي أن تخففي عداءك تجاه لورا و صديقيها .. "
- " ماذا هل اشتكت لك ؟! "
- " لا .. لا .. لم تقل لي أي شيء .. أرجوك رتبي حجرة لصديقها فليس من الصواب أن يقيم ثلاثتهم في حجرة واحدة "
- " على الرغم من نواياها السيئة إلا أنك تعاملها و كأنها ضيفة محترمة "
- " و هي كذلك .. حتى ننتهي من الأمر "
- " حسنا سأفعل ما بوسعي "
أخذ يدها و قبلها و بعد ذلك صعد إلى حجرته .. وجد كيس أسود معلقا على باب جناحه.. عرف من أين هذا الكيس فهو الذي به الفستان الأخضر الذي اشتراه للورا ..اعتصر قلبه ألما .. فهي بردها لهديته كأنها ترده هو .. و هذا يدل بأنها لا تنوي مصالحته .. من حقها فهو لم يكن إلا وغدا معها منذ قدومها .. إنه الوقت الأنسب له لأن يصفي ذهنه .. جهز حقيبته الصغيرة في دقائق ثم غادر القصر و انطلق بسيارته إلى مدريد ..
وقف و قلبه و عيناه متلهفتين لرؤيتها.. لكنها تأخرت .. ماذا عسى أن يكون أصابها ؟! ربما لا تزال متضايقة من ما جرى بينهما من نقاش بالأمس ؟! آه كم يكره نفسه .. فهو دائما ما يفسد الأمور بينهما ..
- " دون باتريك .. في ماذا سرح فكرك ؟! "
أيقظه صوت أحد الرجال الواقفين معه من أفكاره .. فابتسم و قال
- " لا شيء أبدا .. لكني أترقب شخصا ما.. اعذروني "
ثم تركهم و ابتعد و أخذ يبحث في أرجاء القاعة و بين الحضور عنها لعلها نزلت و هو لم ينتبه.. لكن هذا مستحيل .. أو ربما لم تعد بعد..كيف و هو رآها تدخل المنزل و تشيح عنه .. الأمر الذي آلمه كثيرا.. كما و سمع صوت سام في جناحها .. إذا لم كل هذا التأخير؟!
لمح وانيتا تقدم الشراب فاقترب منها يسألها إن رأت لورا .. لكنها أجابته بالنفي ..
آخذ يتلفت يمينا و شمالا .. حتى رأى وميض أبيض يبرق من أعلى الدرج .. ثم يقترب هذا الوميض أكثر فأكثر .. و حاول أن يقترب هو من الدرج .. و بالفعل استطاع أن يرى سام يأخذ صورا .. صورا للورا بفستان أخضرا خلاب..
تجمد باتريك في مكانه .. و لم يعد قادر على التفكير أو تحليل أي شيء مما كان يراه..
كانت تدفع سام و تطلب منه أن يوقف التصوير و كذلك فعلت جاكي .. حتى رضخ للأمر و أخذ يضحك .. نزلت الدرج و كأنها ملكة هذه الحفلة .. أحدثت جلبة عارمة ما أن لامست قدميها أرض القاعة الرخامية .. و على الرغم من العيون التي كانت تحملق فيها و تراقبها إلا أنها لم تلمح إلا عينيه ..
كان يحدق فيها دون تعبيرات على وجهه.. غير الفراغ و التلبد .. ألقت عليه نظرة باردة كالثلج ثم أشاحت عنه و تأبطت ذراع سام و ذهبا بعيدا عن الأنظار .. بالضبط كما حدث من قبل ..
لم يصدق عينيه .. بل لم يصدق كيف كانت عيناه معمية عن رؤية الحقيقة التي أمامه ؟! وميض آلات التصوير جعلت عقله يومض من جديد ..عاد تفكيره أسابيع للوراء .. حيث كان واقفا في قاعة الدرجة الأولى في مطار لوس انجلوس .. ينظر إلى الناس .. عندما لمحت عيناه امرأة جميلة تتحدث مع رجل و تضحك .. حتى رفعت رأسها .. ظن للوهلة الأولى بأنها لا تستطيع أن تراه .. لكن عندما ابتسمت له أيقن بأنه وقع في غرامها ..
إذن لورا هي تلك الهيفاء الجميلة التي لمحها في المطار و تعلق بها قلبه .. و كيف لم يدرك ذلك و هي أمامه كل يوم .. و خاصة عندما أتى سام .. كان وجهه مألوف بالنسبة له .. يا إلهي .. إذا الفتاة التي تعلق بها قلبه ما هي إلا لورا التي يعشقها بجنون .. إذا لقد أحب نفس الشخص مرتين .. فهل هذا منطقي؟!!
يا ربي .. لم الأمور معقدة إلى تلك الدرجة .. لم لورا و الفتاة الهيفاء هما شخص واحد .. لم أحب من يجب أن لا يحب .. إن الأمور تزيد خناقها عليه و لم يعد يعرف كيف يتصرف حيالها .. هل يتبع قلبه أم يسمع عقله ؟! و من تكون لورا ؟!!
لم تتحرك رجليه إلا عندما بدأت أنغام موسيقى الفالس بالعزف و أخذ كل رجل امرأته إلى وسط القاعة ..
- " هيا دون باتريشو .. انتقى فتاة و راقصها .. إنها حفلتك "
كان صوت نانيرا يناديه من بعيد .. اقتربت منه و همست في أذنه و هي تشير على امرأة وحيدة
- " تصرف كالنبلاء و ادعوها للرقص "
ثم دفعته بيدها ناحية تلك المرأة التي رفعت رأسها لتنظر إليه .. يا إلهي كيف المصائب تتحذف عليه من كل الزوايا .. لم ماريا من بد الفتيات الجميلات ؟!!
انحنت أمامه و حاولت أن تغريه بابتسامتها .. قالت برقة
- " دون باتريك .. كنت أتساءل متى ستدعوني للرقص ؟! "
لم يعلق بل مد لها يده فتعلقت برقبته و شبكت أصابعها الناعمة بيده و كأنها كانت تنتظره دهرا .. قادتها خطواته إلى وسط القاعة .. حيث زاح الراقصون عنهما ليكونا في المنتصف .. كانت هائمة به و لطالما فعلت .. لكنه لم يكن يهيم بغير لورا .. و تمنى أن تكون هي من يرقصها الآن ..
رأتهما لورا من بعيد و لا شعوريا ضغطت على ذراع سام الذي تأوه و التفتت إليها
- " لم فعلت ذلك ؟! "
نظرت جاكلين إلى حيث تحدق لورا ,, و رأت الدوق يرقص مع امرأة جميلة جدا و يبدو أنها مسحورة به ..
لم تعد لورا تتحمل تجاهله إياها.. و قالت في نفسها .. إلى متى سأنتظر منه ردة فعل ؟! يبدو بأنه إنسان بلا مشاعر ..
فأخذت يد سام و جرته إلى وسط القاعة .. ارتعب سام لهذه الفكرة و قال لها
- " لكني لا أجيد رقص الفالس "
- " اتبع خطواتي .. و اترك القيادة لي "
و بالفعل فعل ما طلبته منه .. و تصنعت الابتسام و رقصت بالقرب من الدوق .. رقصت و كأنها تملك القاعة و حاولت قدر الإمكان تجاهل نظراته و وجوده .. حيث كان ينظر إليهما مستغربا.. حاولت ماريا أن تجعله ينتبه إليها لكن عيناه كانتا مسمرتين على تلك المرأة التي عشقتها منذ أول مرة.. و من ثم غار قلبه ..
تعمدت لورا أن تخلل أصابعها في شعر سام الذي نظر إلها مدهشا لتصرفاتها .. فقربت فمها من أذنه و همست قائلة
- " إني استعمل سلاح الغيرة .. و أنت وسيلتي يا سام .. أرجوك جارني في لعبتي "
نظر إلها بكل إعجاب بأفكارها.. فهو خير من يجيد لعب هذه اللعبة
- " أمرك موالاتي "
قبلت لورا رقبة سام أمام مرأى باتريك الذي صارت مثل النار أعصابه و هو يرى التودد فيما بينهما..
جذبت ماريا وجهه بيديها و قالت معاتبة
- " دون باتريك .. أنا هنا "
- " و أنا يقن لذلك.."
قالها بعصبية .. و لحسن حظه أن الموسيقى توقفت .. و توقف الجميع عن الرقص و صفقوا للورا الغريبة بالنسبة لهم و كيف كانت جريئة بأن تبهرهم برقصها و جمالها و روعة فستانها ..
و ما هي دقائق حتى تحوم حولها الرجال و كانت تحاول قدر الإمكان الاختباء خلف سام حتى ابتعدت عن وسط القاعة ..
اقترب أحد أصدقاء باتريك و سأله قائلا
- " من تلك الجميلة الشقراء ؟! "
- " تقصد آنسة آغنر .. ضيفتي "
- " و كيف لم تراقص ضيفتك يا باتريك ؟!"
و بماذا يجبه ؟! غير الابتسامة ...
- " لو كنت بمكانك لوقعت في غرامها"
و من قال عكس ذلك .. فانا مولع بتلك الأمريكية الساحرة .. لو أنها لا تكن تشاركني ملكي لكنت ... قاطعه صوت داني يتكلم بالمايكروفون من أفكاره التي أخذت إلى عالم آخر .. و لم يسمع إلا آخر جملة قالها داني
- " و لنشرب جميعا نخب فوز الدوق.."
رفع الجميع كؤوسهم و التفتوا ناحية باتريك الذي أومأ لهم امتنانا و غمز بعينه لداني .. و من جديد بدأت الأنغام تتصاعد .. و هذه المرة كانت رقصة السامبا .. فأسرع باتريك ليتوارى عن الأنظار .. فهو لا يود أن يراقص أي أحد الآن .. إلا إن كانت تلك صاحبة الفستان الأخضر..
خرج إلى الشرفة و أشعل سيجارته و أخذ يتأمل السماء المرصعة بأحجام مختلفة من النجوم و كأنها ماسات متلألئة .. أنزل عينيه إلى الأرض ليلمح شخصا في الحديقة في الأسفل .. دقق النظر ليجد شخصا آخر .. و بسرعة عرفها عندما استقامت واقفة .. استطاع أن يلمح حركة يديها الغاضبتين و كأنها كانت تتشاجر مع سام الذي كان يحاول جرها إلى داخل القاعة لكنها بدت له بأنها تريد البقاء وحدها خارجا فتركها و دخل إلى القاعة برفقته جاكلين ..
انتهز الفرصة لأن يختلي بها .. أسرع بالنزول إلى الحديقة من الدرج الجانبي و اقترب منها بهدوء .. كانت تنتظر إلى انعكاسها على سطح الماء .. و فجأة ارتعبت عندما رأت انعكاس رجلا خلفها .. و استدارت بسرعة ... تنهدت ارتياحا عندما رأت ملامح وجه مألوف .. وضعت يدها على صدرها و قالت مؤنبة
- " لم تحب أن تجعل قلبي يقفز ارتعابا ؟! "
- " و لم تحبين أن تجعلي قلبي يقفز تعذبا ؟! "
قالها بهدوء و هو ينظر إليها بافتتان .. ارتعش جسدها بأكمله و أخذت تنظر إلى عينيه تحاول أن تجد معنى لتلك النظرات و ما قاله .. هل كانت تحلم ؟!
اقترب منها خطوتين و ابتسم بطريقة مثيرة و ساحرة قائلا
- " إن الفستان يلائمك تماما "
قالت و هي لا تعرف سبب شعورها بالخوف
- " شكرا "
- " لم أتوقع أن النتيجة ستكون بهذا السحر و الإثارة "
لقد أضاعته للحظة و لم تفهم عن ماذا كان يتحدث
- " عفوا .. عن ماذا تتكلم ؟! "
- " عن الفستان بالطبع "
- " الفستان ؟! و كيف بإمكانك أن تتوقع النتيجة ؟! "
- " لقد تخيلته على جسدك عندما رأيته على واجهة المحل .. لكنه بالطبع أجمل عليك من المانيكان "
فتحت عيناها على اتساعهما و قالت بدهشة
- " ماذا ؟ أنت من اشترى لي هذا الفستان و وضعه على فراشي ؟! "
- " و من غيري يدعوك لارتداء فستان لحفلة اليوم ؟! "
- " لقد ..لقد اعتقدت أنه سام يريد أن ... "
قاطعها معلقا بعصبية
- " بالطبع .. سام "
شعر بالحنق على سام و الغيرة و العدائية تجاهه .. على الرغم من صدمتها إلا أنها سعدت بفكرة أن يهديها باتريك فستان و يدعوها لحفلة اليوم و لسذاجتها لم تعي بذلك .. أو أن عقلها الباطني رفض تلك الفكرة من أساسها .. لكن الفكرة لا تزال قائمة .. و الدوق واقف أمامها و هو يلتهب من الغيرة ..
و أرادت أن تكمل لعب لعبتها فقالت له و كأنها لم تتأثر بنظراته المغرية و لا بهمساته المثيرة أو غيرته الساحرة .. رفعت رأسها و قالت
- " شكرا لك دون باتريك على الفستان "
استغرب برودتها التي على عكس عادتها و أجابها
- " على الرحب و السعة "
مرت من أمامه قائلة
- " استأذنك الرحيل "
لكنه أمسك بها من معصمها يوقفها لكنه هذه المرة بخفة
- " إلى أين يا آنسة ؟! "
بدأ الخوف يدب في أوصالها من جديد .. و لا تعرف كهنته .. فهل هو خوف من حب رأته في عيون آسرها ؟! ..أم أنه خوف من شيء سيء قد يحدث في أية لحظة الآن ؟!
حاولت أن تتحلى بالشجاعة أمامه و أن لا تضعف أمام رجولته الطاغية
- " إن سام و جاكي ينتظران في الداخل "
- " لا ضير إن انتظراك لعشرة دقائق أخرى "
- " ماذا تريد مني ؟! "
فكر بعقله هذه المرة .. هل من الممكن أن أبوح لها بإعجابي بها ؟! و أني رايتها من قبل و وقعت في غرامها و لا أود مفارقتها الآن ..أو أني أريدها أن تجلس معي فنتسامر و كأن شيئا لم يحصل بيننا ؟ و كأن ذلك العداء قد طار إثر ذلك الوميض الذي نبهه إلى الواقع ؟ هل يمكن أن يتناسى كل شيء بتلك السهولة و كأن شيئا لم يكن ؟! و ماذا عن تهجمه عليها بالأمس ؟ هل ستغفر له ؟!
انتظرته حتى يجيبها .. لكنه عوضا عن ذلك أفلت يدها و بسرعة تبدلت ملامح وجهه لتصبح أكثر جدية ..
شعرت بخيبة أمل .. فقد أملت أن يقول لها : أريدك أنت .. دعينا ننسى الماضي .. ونبدأ من جديد ..
لم يكابر و يعاند مشاعره و قد كاد للحظة أن يبين لها ما يشعر به نحوها .. لو فقط قال لها أريد التحدث معك أو النظر إلى عينيك أو أي شيء غير هذا التلبد .. لم تعد تستطيع الوقوف و النظر إليه .. فهو بالنسبة لها جبان يخشى إظهار مشاعره,, أشاحت عنه و ابتعدت مسرعة حتى دخلت القصر..
ظل واقفا يتحسس الأثر الذي تركته في هذا المكان و في قلبه .. لم لا يستطيع أن يسهل الأمور على نفسه و عليها .. أحس بصداع قوي في رأسه فضغط عليه بيديه و أغمض عينيه .. و تخيل للحظة ان تعود لورا لتقول له شيئا ما .. و ما هو هذا الشيء ؟!
شعر بيد أنثوية تلمس كتفه .. و من ثم تميل على ظهره و تقرب فمها من أذنيه .. استرخت عضلاته المتوترة .. شعر بالراحة و هي تضع شفتيها على رقبته و للحظة كاد أن يجذبها و يقبلها لو أنها لم تفتح فمها لتنطق
- " آه باتريك .. بحثت عنك في كل مكان "
و بردة فعل مفاجأة هب واقفا .. و نظر إليها .. و قال بعصبية
- " ماريا .. بحق السماء .. ماذا كنت تفكرين ؟! "
- " لقد اعتقدت بأنك تريد أن نستعيد علاقتنا ببعض "
- " و ما الذي جعلك تعتقدين ذلك ؟! "
تجمعت الدموع في عيناها السوداء و هي تجيبه
- " أنت يا باتريك .. في الأمس عندما كنا ...."
هدأت عصبيته قليلا و عاد إليه الصداع مرة أخرى فجلس و ضغط على رأسه من جديد و قال بجدية
- " أنا آسف إن جعلتك تعتقدين بشيء لن يحدث .. بالأمس كنت على غير طبيعتي .. "
- " لم يا باتريك لم ؟! نحن نليق ببعض جدا و الكل يقول ذلك "
- " ماريا علاقتنا انتهت قبل ست سنوات .. كنا صغارا و مراهقين "
- " لكن حبنا لم يكن كذلك أبدا .. لم يا باتريك ترفض الفكرة من أساسها ؟؟"
استقام واقفا و أمسك بمعصميها بقوة و قربها إليها ثم قال بحدة
- " هل يجب أن أقول لك بأن هناك شخصا آخر يستحل عقلي و قلبي و يشل تفكيري ؟!"
انهمرت دموعها على وجنتيها و هي تسأله عارفة ما سينطق به
- " و من تكون ؟! هل هي ضيفتك الأمريكية التي لا تستطيع أن تبعد عينيك عنها ؟! "
أفلت يدها و استعاد رباطة جأشه
- " هذا ليس من شأنك .. و الآن اعذريني "
تركها و غادر ليدخل ..
اقترب منه داني و سأله بقلق عندما دخل القاعة و وقف بهدوء
- " باتريك .. لست على ما يرام يا صديقي "
- " إنني بخير .."
- " لكنك تبدو شاحبا فهل هناك ما يزعجك ؟!"
- " لا .. أرجوك داني لا تحقق معي .. سأذهب لاحتسي شرابا لعله يخفف من هذا الصداع "
انزو عن معازيمه قليلا الذين بدأ عددهم يقل في نهاية السهرة .. و بعد أن غادر الجميع اقتربت منه نانيرا تمسح على رأسه بحنية
- " دون باتريشو عزيزي لم لم تودع ضيوفك ؟! "
- " ليس لي نفس في ذلك .. اعتقد بان داني و ماريو أدوا واجبهم على أكمل وجه "
- " نعم لكن غادر الجميع و هم قلقين عليك "
- " سيتفهمون الأمر عندما أعتذر لهم في وقت لاحق .. "
- " اخبرني يا بني ما بك ؟! "
- " إنه مجرد صداع "
- " لا تكثر الشرب يا عزيزي .. و من الأفضل أن تخلد للنوم "
استدارت لتغادر لكنه صاح عليها بصوت منكسر
- " نانيرا .."
آلمها هذا الصوت من ابنها الصغير فتوقفت و قالت بقلق
- " ماذا هناك يا عزيزي ؟"
- " اسمعي احتاج لأن آخذ إجازة للراحة ..يومان فقط .. سأذهب فيهما إلى مدريد .. "
- " هذا أفضل لك ..و هل ستأخذ ماريو و داني معك ؟! "
- " لا .. سأذهب لوحدي .."
- " ماذا عن مهرجان دوس العنب ؟! "
- " سأكون حاضرا لا تقلقي فلن أفوت الفتيات الجميلات و هن يعصرن العنب بأقدامهم "
غمز لها و ضحك فجعلها تبتسم و تقبل جبينه
- " هذا هو باتريشيو الذي اعرفه .. إذا عمت مساءا يا عزيزي "
- " شيء آخر نانيرا .."
- " أنت تأمر "
- " شكرا لك .. أرجوك حاولي أن تخففي عداءك تجاه لورا و صديقيها .. "
- " ماذا هل اشتكت لك ؟! "
- " لا .. لا .. لم تقل لي أي شيء .. أرجوك رتبي حجرة لصديقها فليس من الصواب أن يقيم ثلاثتهم في حجرة واحدة "
- " على الرغم من نواياها السيئة إلا أنك تعاملها و كأنها ضيفة محترمة "
- " و هي كذلك .. حتى ننتهي من الأمر "
- " حسنا سأفعل ما بوسعي "
أخذ يدها و قبلها و بعد ذلك صعد إلى حجرته .. وجد كيس أسود معلقا على باب جناحه.. عرف من أين هذا الكيس فهو الذي به الفستان الأخضر الذي اشتراه للورا ..اعتصر قلبه ألما .. فهي بردها لهديته كأنها ترده هو .. و هذا يدل بأنها لا تنوي مصالحته .. من حقها فهو لم يكن إلا وغدا معها منذ قدومها .. إنه الوقت الأنسب له لأن يصفي ذهنه .. جهز حقيبته الصغيرة في دقائق ثم غادر القصر و انطلق بسيارته إلى مدريد ..
عدل سابقا من قبل HAMS في الأحد فبراير 14, 2010 1:35 am عدل 1 مرات
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 16
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
9-
كان جالسا في شرفته المطلة على حوض الاستحمام لأحدى أفخم الفنادق في مدريد .. يرشف من قهوته من جهة و ينفث دخان سيجارته من جهة أخرى .. و يحملق في الظرف الأبيض الذي وضعه أمامه المخبر..
- " هنا ستجد كل ما تريد معرفته عن لورا آغنر يا سيدي "
- " شكرا لك .. "
مد يده عبر الطاولة فسحب الظرف و أخذ يقلبه .. كان مترددا في فتحه .. لكنه فتحه بالنهاية و أخرج منه أوراق بيضاء قرأ أول ما لفت نظره حيث كان أسود بالخط العريض
( لورا آغنر أشهر عارضة أزياء في أمريكا )
إذا هذا ما أنت عليه يا لورا .. عارضة أزياء مشهورة .. أخذ يقرأ المزيد و المزيد .. أخرج قصاصات مجلة و جرائد تحمل صورا للورا و بعض أبرز العناوين عنها ..
( شقراء تكتسح دور عروض الأزياء )
( آغنر هي كامبل بنسخة شقراء )
(فستان مارك جيكوبس بجسد لورا آغنر )
و قرأ أجدد عنوان لمجلة (اكسبلوجر) تحمل صورة للورا بفستان ذهبي و تقف على أوراق الأشجار معلنة قدوم فصل الخريف .. فصل تساقط قلبه في حب تلك المرأة الذهبية.. أخذ يدقق في هذه الصورة و يفكر فيها ..
- " لورا .. لورا .."
دخل سام مفتعلا ضجة عارمة كعادته عندما يكون هناك شيئا ما يلح في باله..
- " ماذا هنالك يا سام ؟! "
- " انظري ماذا أحضرت لكما ؟!"
كان يحمل بيده فستان من القطن الأبيض ..
- " ما هذا ؟! "
سألته جاكلين باستغراب
- " و ما عساه يكون .. فستان أبيض من التراث الأسباني .. لمهرجان دوس العنب .."
أعادت لورا جملته الأخيرة
- " دوس العنب ؟! سمعت عنه من قبل .."
قاطعها ليكمل عنها
- " شرح لي ماريو كل شيء عنه .. يقومون بقطف العنب من الكروم و بعد ذلك يضعونه في برميل عملاق جدا .. و الأجمل في هذا الأمر هو أن الفتيات يرتدين الفساتين البيضاء التي تلتصق على أجسادهن البرونزية و يعصرن العنب بأقدامهن العارية على أنغام الموسيقى .. آه كم من الصور الرائعة سألتقط لك يا عزيزتي .."
- " و من قال لك بأني سأشارك في هذا المهرجان "
قال بحزن و ضيق
- " بلى ستفعلين .. أرجوك قولي بأنك ستفعلين .. لا يا لورا .. جاكلين أقنعيها "
أجابته جاكلين
- " ستفعل ما يحلو لها يا سام "
- " لا يا جاكي أقنعيها أرجوك .. و إلا لما أحضرتك معي ؟"
- " أنت أحضرتني معك ؟ إنك محتال يا سام .."
ضحكت لورا و جاكلين على تعابير وجهه ..
- " لقد طلب مني ماريو أن أوصل الخبر لك و هو من أعطاني الفستانين .. هذا يعني بأن الدوق هو من أمره بذلك "
- " حسنا سأحضر المهرجان و سأشارك فيه لكن ليس من أجل الدوق بل لي أنا و جاكي .. حتى نمرح قليلا .."
كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا حيث تجمع الجميع بسلالهم في الكروم لقطف العنب ..انبهرت لورا عندما رأت بأن جزءا من ورثها يشمل هذا الكروم العملاق .. الذي يمتد إلى أسفل الوادي ..و هناك بالأسفل رأت مبنى عملاق كتب عليه (مصنع ألفاريز دو تيلدو)..
ارتدت لورا و جاكلين الفستان الأبيض الذي أحضره سام .. و الذي يكشف كتفيها و أعلى صدرها و ربطت شعرها الأشقر برباط أحمر.. و حملت بيدها سلة أعطاه إياها ماريو الذي عندما رآها قال معلقا ..
- " تفضلي يا آنسة آغنر سلتك .. أتمنى ان تملئيها بالعنب الصالح "
ابتسمت معلقة
- " شكرا لك .. سأبذل جهدي "
أعلن أحد المسئولين عن التنظيم بدء المهرجان .. فركض الجميع نساء و رجال إلى الكروم .. و الكل كان يملأ سلته بالعنب الأحمر الناضج ..
حاولت أن تقطف واحدة لكن الأمر كان صعبا بالنسبة لها .. شدت بقوة و حاولت أن تقطعها.. كان داني يراقبها من بعيد و يقترب منها شيئا فشيئا..
أحست لورا بيد رجولية تحط فوق يدها و عرفته من رائحة عطره .. تجمدت في مكانها و تركت نضالها في قطع عنقود العنب..
- " تقطعيها هكذا بطريقة مائلة .."
سقط العنقود في سلتها .. عندها استدارت لتواجهه .. كان مبتسما و بدا لها أكثر وسامة من قبل خاصة ببروز لحية ذقنه قليلا و ارتداءه قميصا أبيض فتح أزراه الأولى ليبرز جزء من صدره البرونزي و فوقه سترة سوداء .. اللباس الأسباني..
كانت تنظر إليه بشوق و كأنه غاب عنها سنتين و ليس ليومين..
- " تبدين و كأنك من الأسبانيات لم أكن لأفرق بينك و بينهن لولا شعرك الأشقر .. "
اقترب منها ليزيح خصلة سقطت على جبيها ..اضطربت و اهتز بدنها و هي تنظر إليه .. لا يعقل أن يكون هذا الطويل العريض الواقف أمامها هو الدوق باتريك .. خاصة مع هذا المزاج المبتهج.. أو أن غيابه ليومين غيره كليا ؟! ..
نظر إلى سلتها الخاوية فضحك قائلا ..
- " اعتقد بأنني أنقذتك .. يجب أن تملئي ثلاث سلال من العنب على الأقل .."
- " حقا ؟! "
- " سأكون سعيدا بمساعدتك .. فآخر ما تريدينه هو أن تجرحي يديك الناعمتين بالشوك"
نظرت إلى عنقود العنب إن أطراف الغصن مليئة بالشوك الصغيرة ..
- " شكرا لك .. نبهتني.. و ماذا عنك ألن تملأ سلالك ؟! "
- " بلى سأفعل ذلك .. معك "
غمز لها بعينه ثم بدأ بقطف عنقود فآخر و هي تنظر باستغراب من تصرفاته و مزاجه المختلف ...
ما هي إلا دقائق حتى ملأ سلة واحدة و قال لها ضاحكا
- " هيا أسرعي .. لقد سبقتك .."
تركت الماضي خلفها .. و قالت معترضة مع ابتسامة
- " لم أكن أعلم أننا نتسابق .. هذا ليس عدلا "
- " حسنا إذا سنبدأ من جديد إن شئت .. "
- " يروق لي ذلك .."
كانا يقطفان العناقيد و يلقيانها بسلالهم بسرعة و جدية و كل منهما مركز ذهنه .. فجأة اصطدم بها فكادت أن تسقط و سلتها فوقها .. فأسرع بان حوط خصرها بيده و جرها إليه .. فتحت عينيها لتجد نفسها تحدق بعينيه الجميلتين ذات الرموش السوداء الطويلة .. بقيت لفترة بين ذراعيه و قلبها معلق بين السماء و الأرض ..
- " داني ألم تر الدوق ؟ لقد رأيت سيارته مركونة عند باب القصر "
- " إنه هناك .. انظر يا ماريو.. هناك بين الأشجار "
رأى ماريو منظر الدوق و لورا ملتصقين و يحدقان ببعضهما البعض .. تبادل ماريو و داني النظرات فسأله
- " ماذا يعني ذلك ؟! "
فرفع داني كتفيه بلا اكتراث و ابتعد .. استدار ماريو ليعطي سيده الخصوصية ..
- " هل وجدته يا ماريو ؟! "
- " آنسة ماريا .. لقد طلبت منك أن تنتظري ريثما أبحث عنه .. هيا تعالي معي "
أخذها بعيدا عن مكان تواجد لورا و باتريك و هما في منظر حميمي .. لعل الجنون يصيبها عندما تراهما معا ملتصقين ..
ذابت لورا و هي متشبثة في قميصه و قد لامست أطراف أصابعها صدره المكشوف .. لمعت عيناه و قال لها بطريقة ساحرة
- " يجب أن ترتدي هذا الفستان الأبيض كل يوم .. "
ثم شيئا فشيئا قرب شفتيه من رقبتها يقبلها .. فتعلقت به أكثر و هو يصعد بقبلاته حتى شفتيها الناعمتين .. و لم يتوقف إلا عندما سمع صوت الصفارة التي تعلن انتهاء وقت القطف ..
اتجه الجميع إلى البرميل الضخم حيث وضعوا فيه العنب المقطوف .. و كان الدوق و لورا آخر الواصلين ... حمل باتريك ثلاث سلال في يد و اثنتان باليد الأخرى .. بينما حملت لورا سلتين فقط .. و بعد أن ألقي العنب في البرميل .. بدأ عزف الموسيقى .. و حمل الرجال النساء داخل البرميل .. شهقت لورا عندما حملها باتريك من خصرها بحركة مفاجأة واضعا إياها داخل البرميل .. و بسرعة أخذت النساء يدها لتنظم إليهن في الرقص .. في البداية كانت الأنغام هادئة مع صفقات بطيئة و شيئا بدأت تزداد سرعت العزف و التصفيق ..و الرجال بالغناء .. لم تفهم لورا كلمات الأغنية .. لكنها رأت باتريك واقفا بسعادة يصفق و يغني و هو يتأملها .. فأخذت النساء تقفزن فوق العنب و تتطاير العصارة على وجهوهن و ثيابهن التي تحولت من اللون الأبيض إلى البنفسجي ..
كانت لورا و جاكي يضحكان و يلقيان العنب على بعضهما .. و كان سام يأخذ لقطات عدة لهما ..
رقصت لورا و هي تضحك بسعادة متناسية وجود باتريك يحدق فيها بكل افتتان و كان يذوب في كل مرة تشيح بشعرها الأشقر الكثيف المتطاير الذي تبلل بعصارة العنب محدثا جلبة عارمة في حواسه و عقله .. كانت عيناه تترقصان مع تمايل جسدها .. و كلما ارتفع فستانها مظهرا رجليها و فخذيها يرتفع قلبه معه ..
- " دون باتريك .. انضم إلينا "
- " هيا يا دون باتريشيو.. هيا "
كانت النساء تنادي عليه فأخذ الرجال يدفعونه نحو البرميل الضخم .. و يدفعونه حتى أسقطوه داخله .. و بسرعة ساعدته النساء على النهوض و شبكت ماريا أصابعها بأصابعه..أصبح هو في المنتصف و على يمينه و يساره مجموعة من النساء .. بينما لورا في الجهة المقابلة له .. و ينظر إليها يبتسم ..و في كل مرة تقترب المجوعتين ببعضها ثم تبتعد للخلف مرة أخرى .. كان يميل ناحية لورا و كأنه سيصطدم بها .. غمز لها فأنزلت رأسها خجللا و أبطأت من رقصها لشعورها بالإحراج من نظراته الفاحصة ..لم يعد يستطيع مقاومتها .. كانت مثيرة بمعنى الكلمة بثوبها الملتصق بجسدها و وجهها الملطخ باللون البنفسجي ..فترك يد ماريا و اتجه ناحية لورا .. أخذ يدها و جذبها إلى المنتصف .. زاد تصفيق الرجال و النساء الذين ينظرون إليهما .. كان يقود حركاتها و يلفها بكل سهولة و كأنه محترف بالرقص .. و لأول مرة تسمعه يغني .. كان يغني بصوت مرتفع .. تناست بأن هذا هو الدوق الذي عرفته طوال الثلاثة أسابيع الماضية ..الدوق المتكبر المتعجرف .. ذو الأعصاب الباردة .. الخالي من المشاعر .. الذي يتجاهلها .. إنه شخص آخر ..
- " عصر العنب .. أعصروا العنب .. دوس العنب .. "
هذا ما استطاعت فهمه من كلمات الأغنية الأسبانية التي أخذ الجميع ينشد بها ..
رقصوا لساعتين تقريبا و هم يدورون في حلقات و يؤدون حركات إيقاعية حتى تحول العنب إلى عصير سائل في البرميل .. عندها توقفت الموسيقى و توقفت الراقصات ..
صفق باتريك و قال بصوت مرتفع
- " غراسياس (شكرا ) .. أحسنتم جميعا "
ثم نظر إلى لورا و كأنه عاشق يتغزل بحبيبته .. نزل من البرميل, وضع يده على خصر لورا و انزلها على الأرض بخفة .. لكنه لم يفلتها بل أبقاها ملتصقة به و يديها على صدره ..
اشتعلت ماريا غيرة و هي ترى هذا الحب المتبادل بينهما .. و لم تعد تستطيع أن تتحمل المزيد فابتعدت بسرعة .. و تبعتها الفتيات الأخريات لتغيرن ثيابهن المبتلة ..
لم تصدق نانيرا عيناها عندما رأت اليوم ما دار بين باتريك و تلك الجريئة لورا .. إنه مفتون بها .. لقد استطاعت أن تلقي بسحرها عليه ..
بقي هو معها واقفين وحدهما بثيابهما المبتلة الملتصقة عندما غادر الجميع .. كان أكثر سحرا من قبل خاصة بخصلات شعره التي التصقت بجبينه .. أخرج من جيب بنطاله وشاحها الذي كانت تضعه فوق رأسها .. توترت و هي تأخذه من يده ثم قالت بعد أن بللت ريقها الجاف ..
- " اعذرني دون باتريك يجب أن أذهب .."
وضع سبابته على شفتيها
- " اششش..ستذهبين عندما يحين الوقت لذلك "
أخذ قلبها يدق بعنف بين ضلوعها عندما قرب شفتيه فلامست شفتيها ..قبلها .. بنهم و شغف .. تعلقت به بقوة و بادلته حرارة التقبيل .. أغمضت عينيها لتنعم بهذه اللحظة بين أحضانه ..
الصقها على البرميل و حشر جسدها بجسده و انقض عليها بقبلاته في وجهها و رقبتها و صدرها المكشوف ..و امتزج طعم قبلاتها بطعم العنب اللذيذ .. ذابت مثل الشمعة تحت حرارة جسده و قبلاته .. و تمنت أن لا يتوقف أبدا ..
لكن هذا لا يدوم أبدا .. أنهى قبلاته بواحدة على كتفها ثم رفع رأسه ليحدق في عينيها الساحرتين
- " لديك أجمل عينين رأيتهما في حياتي "
أمسكت وجهه بيديها و أخذت ترفع خصلات شعره المبتلة .. إنها هائمة بحبه .. طبعت قبلة صغيرة على جبينه ثم ابتعدت عنه بسرعة و هي تركض إلى القصر .. كانت مبتسمة و سعيدة .. و أخيرا فتح لها باب السعادة .. لكن هذه السعادة لا تدوم طويلا !!!
كانت ماريا في انتظارها في غرفة الجلوس و ما أن صعدت لورا أول خطوات الدرج حتى أوقفتها
- " آنسة آغنر .."
نزلت لورا الدرجات و اقتربت من ماريا
- " تفضلي .. كيف أخدمك ؟! "
- " لابد أنك لا تعرفين من أكون "
- " بصراحة لا لكنني رأيتك عدة مرات هنا من قبل "
- " أنا ماريا سيلفادور .."
استغربت لورا .. فماذا تريد منها هذه السيدة و لم تقول لها من تكون ؟؟ انا لا أبه بك .. فاتركيني أصعد حجرتي و أزف خبر سعادتي لجاكلين .. لكنها عوضا عن ذلك قالت لها
- " أهلا و سهلا آنسة سيلفادور .. "
- " اسمعيني يا لورا لست هنا لأعقد صداقة معك أو أي شيء من هذا القبيل فأنت في نظري دخيلة ليس إلا .. "
عبس وجه لورا و أعادت ما قالته ماريا
- " دخيلة؟! ماذا تعنين "
- " وجودك في هذا القصر و قربك من باتريك "
- " أنت لا تعرفين عن سبب وجودي هنا .. و قربي من دون باتريك ليس من شأنك "
- " بلى من شأني ففي القريب العاجل سنتزوج .. لذلك يجب أن توقفي لعبتك السخيفة فلقد انكشفت يا آنسة .."
استغربت لورا هذا التهجم عليها من امرأة لا تعرفها .. و ماذا قالت ؟ نتزوج ؟!!
- " أية لعبة عن ماذا تتحدثين ؟!.. "
- " أنت تعرفين جيدا ما أعنيه .. إلقاء نفسك على الدوق ..في حين أنت مولعة برجل آخر غيره .."
- " غيره ؟! ماذا تقولين ..؟!"
- " اسمعيني إنه لا يريد فتاة أمريكية لعوبة و لا يعرف عنها شيئا لتكون زوجته و أما لأبنائه .. كما و أنها لا تتمتع باللباقة و المستوي الذي أنعم به أنا.."
قاطعتها و قالت بعصبية
- " لا .. تعديت حدودك كثيرا و لولا لباقتي لبادلتك الإهانات .. "
ثم استدارت و أخذت تصعد الدرج فصرخت ماريا
- " هيا افعلي .. أريني حقيقتك يا آنسة أغنر .. "
لم تعرها لورا انتباها و دخلت حجرتها .. و هناك انهارت بالبكاء ..يبدو بان كل ما تفعله لورا منذ قدومها هنا .. هو البكاء .. فهي لم تعرف عنه شيئا منذ مدة طويلة.. و ها هي الآن لا تمر عليها لحظة هنا دون أن تنهمر دموعها على وجنتيها .. اقتربت منها جاكلين و حضنتها بقوة ...
- " لم تبكين يا عزيزتي ؟! "
- "جاكي .. لم أعد احتمل بقائي هنا .. لا أريد الورث و لا أريد أي شيء منهم .. دعينا نغادر .."
- " لم يا لورا و أنت تحرزين تقدما ملحوظا .. لقد رأيتك اليوم مع الدوق و كيف كان يعاملك بكل افتتان .. إنه مغرم بك و سرعان ما سيغير رأيه عن فكرة الورث .. انتظري قليلا .. فلقد انتظرت الأسابيع كلها "
مسحت دموعها و استعادت رباطة جأشها .. فكلام جاكي صحيح .. لن تنهار الآن ليس بعد الذي حدث بينهما اليوم .. لقد أثبت لها أنه يكن لها نفس المشاعر التي تحملها له .. لذلك لن تتأثر بكلام ماريا الغيورة .. لكن ماذا عن .. نتزوج ؟!!
في المساء أقيم احتفال لتذوق النبيذ الذي اشتهرت به عائلة آلفاريز دي تيلدو منذ قرون طويلة جدا .. و هناك لبس الرجال البذل الرسمية (تكسيدو )و تزينت النساء بفساتينهن الراقية .. بعكس ما بدوا عليه هذا الصباح بثيابهن الريفية العملية..
طرقت وانيتا على باب جناح لورا فأجابتها جاكلين بالدخول
- " مرحبا .. "
- " أهلا وانيتا .. كيف أساعدك ؟! "
- " دون باتريك يسأل إن كانت الآنسة لورا ستنزل أم لا ؟! "
لكن لورا أجابتها وهي تدخل عليهم غرفة الجلوس
- " أخبريه باني سأفعل .."
التفتت الاثنتان ينظران إلى لورا .. كانت أكثر من رائعة بفستانها الأسود الطويلة الذي استرسل على جسدها و كشف ظهرها كله .. رفعت شعرها إلى الأعلى و ارتدت قرطين ماسين و وضعت ماكياج يليق بالفستان الخلاب ..
كان ينتظرها كعادته أمام الدرج برفقة ماريو و داني و بعض الرجال .. حبس أنفاسه في صدره عندما رآها تنزل الدرج بطلتها البهية مبتسمة .. اقترب منها و أخذ يديها أمام مرأى ماريا التي كانت تتآكل في داخلها و تشب غضبا و حنقا على تلك الأمريكية الجريئة ..
همس في أذنها ..
- " لقد خطفت أنفاسي .. "
- " شكرا لك دون باتريك .."
- " أرجوك .. لقد تعدينا مرحلة الرسميات.. ناديني باسمي فقط .. باتريك "
ابتسمت خجلا عندما غمز لها بعينه
- " حسنا كما تريد .. باتريك .. هل يعجبك هذا ؟! "
- " كثيرا .. "
وضع يديه على خصرها و أخذ ينظر في عينيها .. ثم قال
- " هل تشرفيني بالرقص معي ؟! "
- " لك الشرف "
وضعت ذراعها حول رقبته و شبكت أصابعها بيده الأخرى .. و أخذ يرقص معها حتى أصبحا في المنتصف .. كانت تشعر بأنها سانديرلا تراقص الأمير.. و كلما أدراها بخفة تطاير فستانها و كأنها تملك القاعة لنفسها .. هي و هو .. يرقصان وحدهما ..
و كان حلمها قد أصبح حقيقة و هي بين ذراعي هذا الوسيم .. الذي لم تبعد الفتيات عيناهن عنه خاصة ببذلته التكسيدو السوداء التي تليق بجسده الرياضي .. و بشعره الأسود المرتب و ذقنه الحليق الأنيق ..
انتهت أغنية و بدأت أخرى لتنتهي مرة أخرى و هما يرقصان دون إحساس بالوقت..
عندما التفتت وجدت أنهما وحدين في الخارج ..
- " يا إلهي .. كيف وصلنا إلى هنا ؟! "
- " ألم أخبرك باني ساحر ؟! "
ضحكت .. فأخذ يديها و أجلسها على الكرسي و جلس بالقرب منها .. رفع يدها و قبلها برقة .. فسرت قشعريرة بكل جسدها ما إن لامست شفتيه جلدها ..
- " اسمعيني لورا .. دعينا نترك موضوع الورث و لا نتحدث فيه في أي وقت قريب .. و أوعدك بأن كل ما تريدينه سيكون لك .. لكن الآن دعينا نستمع بوجودنا معا .. ففي الحقيقة يا لورا.. أنا معجب بك جدا ..و حاولت كثيرا أن أبقي هذا الإعجاب بداخلي .. لكن لم أستطيع التحمل أكثر .."
شعرت بأنه سيغمى عليها .. زادت دقات قلبها بطريقة جنونية .. و شعرت بحرارة غير طبيعية في بدنها .. يا إلهي .. لم تستطع أن تنطق بحرف واحد .. و اكتفت بأن أومأت برأسها و ابتسمت بتوتر .. فبادلها الابتسامة ثم قرب شفتيه ليطبع قبلات على شفتيها المرتجفتين..
عندما ابتعد عنها قليلا استعادت وعيها .. و قالت له
- " ما الذي غيرك يا باتريك .. لقد كنت قاسي معي و معاديا قبل يومين فما الذي بدل حالك ؟! "
- " لقد فكرت مليا بأن هذا الأمر لابد منه .. و أنا كنت معجب بك حتى قبل أن أتعرف عليك ..و في ذلك اليوم عندما رقصت مع سام و وجوده معك جعلني أدرك باني لا أريد أن أفقدك لشخص آخر .. لقد جعلتني الغيرة أفكر كثيرا بنا "
- "إنني أشعر بالإطراء ..لكن كيف كنت معجب بي قبل أن تتعرف علي ؟! "
لوى شفتيه و رسم ابتسامة صغيرة فقال
- " لن تصدقي ما سأقوله لك .."
- " جربني .."
- " حسنا .. قبل شهر تقريبا كنت في المطار أنتظر طائرتي التي سأغادر بها من الولايات المتحدة ..من لوس أنجلوس إلى هنا .. كنت أنظر من فوق النافذة إلى الناس بالأسفل .. فرأيت أجمل فتاة رأتها عيني .. أملت أن ترفع رأسها و تنظر إلي .. و كأنني أحلم .. فقد رفعت رأسها فعلا .. و ابتسمت لي .. و بعد ذلك اختفت .. فنزلت أتبعها و هناك رأيت تجمع غفير و وميض آلات تصوير عندما اقتربت قليلا وجدت أمراة هيفاء شقراء كانت محط الاهتمام و الأنظار فسلبت عقلي و قلبي منذ حينها .. و عندما ارتديت الفستان الأخضر تلك الليلة و تركت شعرك الأشقر ملتف حول كتفيك و وميض آلة تصوير سام نبهت عقلي بان المرأة التي سلبتني العقل و القلب ما هي إلا أنت يا لورا .."
كانت غير مصدقة الكلام الذي قاله .. أو أنها صدقته لكنها تحت تأثير الصدمة .. كيف شاء للقدر أن يجمعهما معا ؟!! .. أمسكت وجهه بين يديه و خللت أصابعها في شعره الأسود الكثيف ..
- " آه يا باتريك .. لقد جعلتني أؤمن بالقدر أكثر .. "
أخذها بين ذراعيه و قبلها من جديد بكل شغف.. غاصت بين ضلوعه..و ذابت في اللحظة أكثر من مرة .. لكن داني دخل ليقاطعهما
- " آه أنا آسف .. لم أقصد مقاطعتكما.. اعذروني "
تركها باتريك .. فاستقامت واقفة و ابتعدت عنهما قليلا.. كانت تشعر بالإحراج
- " لا بأس .. ماذا تريد يا داني ؟! "
- " بعض رجال الأعمال يبحثون عنك .. أظن أنهم يردون عقد صفقة ( دو أميغو ) خاصة بعد تذوقهم للنبيذ .. "
- " حسنا .. أخبرهم بأني سأوافيهم حالا .."
دخل داني قبل باتريك .. لكنه وقف ليتصنت قليلا .. لا يعرف لم فعل ذلك!!.. هل يمكن أنه يشعر بالغيرة من صديقه؟! .. أم لأنه معجب جدا بلورا ؟!
وضع يده على كتفها و طبع قبلة ناعمة و رقيقة على ظهرها العاري .. و قال لها بهدوء
- " اعذريني لورا يجب أن أذهب .. "
كان يريد أن يبرر لها سبب ذهابه لكنها استدارت لتواجهه
- " لا بأس.. سأكون هنا .. انتظرك حتى لو تأخرت "
- " شكرا "
ثم طبع قبلة صغير على شفتيها و كأنهما اعتادا على التقبيل ..
طالت غيبته و بدأت تمل.. فجأة وضع يده على كتفها فوضعت يدها فوقها ثم استدارت لتواجهه .. و سرعان ما استنفرت منه و ابتعدت للخلف و قالت بعصبية
- " ماذا تريد يا داني ؟ ماذا تفعل هنا ؟! "
أشار لها بيده أن تهدأ قائلا ..
- " اهدئي يا لورا اهدئي .."
- " لن أهدأ حتى تغادر من هنا فورا "
- " اسمعني لورا لا أريد ان أفعل لك شيئا أو أؤذيك .. كل ما أريد فعله هو الاعتذار منك على تصرفي السابق .. لم تتسنى لي فرصة لأعبر لك عن مدى أسفي عن فعلتي المشينة .. لم أستطع تلك الليلة مقاومة دوافعي و رغباتي .. و لست ممن ينجر خلف رغباته و لقد ندمت أشد الندم على تلك الليلة و لا ألومك إن أصبحت تكرهيني.."
- " أنا لا أكره أحدا يا داني لكن لا أريدك أن تقترب مني "
- " أرجوك يا لورا أن تتقبلي أسفي .. فلا تنسي بأني كنت صديقك الوحيد هنا و وقفت إلى جانبك أكثر من مرة "
- " لكنك خذلت صداقتنا و أنا آسفة الأمر ليس بهذه السهولة لأن أسامحك.. "
أنزل رأسه حزنا ثم استدار ليتفاجأ بوجود باتريك واقف يسمع حديثهما
- " باتريك .!!"
قال باتريك بصوت خالي من المشاعر
- " هل تحاول انتهاز فرصة غيابي يا دانيال ؟! "
- " لا .. أبدا ..كل ما أردت فعله هو أن أقدم اعتذاري إلى لورا .. "
اقترب من لورا و قال لها بهدوء
- " حسنا لك أن تغادر الآن "
- " صدقني يا باتريك .."
- " لا بأس .. داني .. "
غادر داني متضايقا فالتفت باتريك ينظر إلى لورا التي ابتعدت عنه أيضا و استندت على الشرفة.. كانت عابسة و متضايقة جدا من داني و وجوده عكر مزاجها .. فاقترب منها و قال بهدوء
- " لورا ..أعرف بأن الأمر صعبا عليك.. لكنك إن فعلت و غفرت لداني فستساعدينني على مسامحته أيضا "
نظرت إليه .. كان الحزن باد على ملامحه
- " ماذا ؟! اعتقدت بأن الأمور بينكما تسير على ما يرام "
- " تقريبا .. "
- " و لم ؟ هو لم يخطيء بحقك "
- " بلى لقد فعل .. لورا أرجوك لا تسألي .. حاولي فقط أن تسامحينه.."
خللت أصابعها في خصلات شعره فهذا ما تحب فعله ..و قالت له بهدوء مع ابتسامة صغيرة
- " سأحاول من أجلك فقط ..."
- " شكرا لك .. أقدر لك هذا "
قبلها ثم قال لها و هو يتأمل جمال عينيها .. تعالي معي ..
- " إلى أين .."
- " إلى مكان لا يوجد به أحد ..."
جذبها من يدها و نزل الدرج الجانبي .. فتفاجأت لورا بأن هناك درج جانبي لا تعرف عنه بالشرفة و يؤدي إلى داخل القصر حيث مكتب باتريك الذي لم تدخله من قبل ..
دارت بالمكتب و مرت بالقرب من الكتب التي تمتد من السقف حتى الأرض كانت منبهرة لكثرة عدد الكتب .. اقترب منها فناولها كأسا ..
- " هل أعجبتك المكتبة ؟"
- " إن المكان رائع و دافئ .. و الكتب .. هل تحب القراءة ؟! "
- " نعم .. لكن هذه الكتب تعود لوالدي و أجدادي .. إنها قديمة جدا .."
- " هذا ما يجعلها رائعة .. و قيمة "
- " إن أردت تستطيع أن تقرئي منها ما شئت .."
تعلقت في رقبته و هي تبتسم له
- " شكرا لك .. "
- " لن تكفي الكلمة .."
قهقهت فقد عرفت ما يريده .. طبعت قبلة صغيرة .. فأخذها هو بقبلة أكبر .. حملها بين يديه ليضعها بهدوء على الأرض .. ثم ينظر إليها كأسد جائع .. يريد أن يلتهم فريسته .. انقض عليها بالتقبيل و ما هي إلا لحظات حتى دخلا في عالم الخيال .. عالم بعيد عن الواقع ..
استلقى بالقرب منها ينظر إليها .. يتوهج جسدها مثل تلك النار التي بالمدفأة... و جسده الحطب الذي يزيدها اشتعالا .. مدت يدها إلى وجهه .. فقبل راحة يديها و هي تمرر أناملها في تقاطيع وجهه الحادة .. و قال بصوت مثير ..
- " لورا ..يجب أن أذهب لتوديع ضيوفي "
أومأت مبتسمة و هي تجذب فستانها ...
بعد أن ارتدى ثيابه وقف عند الباب يتأملها طويلا .. و أخيرا قال ..
- " أراك صباح الغد .. أتمنى أن تنضمي إلينا على الإفطار "
- " سأفعل .. عمت مساءا "
- " و أنت كذلك .."
عندما غادر بقيت هي في المكتب تعيد اللحظات التي مرت عليها مع باتريك .. هل كانت تحلم بأنها بين أحضانه ؟! أم إنها الحقيقة ؟! و هل كانت مجرد نزوة عابرة ؟! أم أنه يكن لها مشاعر أكثر من ذلك و أنه بالفعل أرادها بكل حواسه ليس فقط لأها جذابة و أنها تعجبه .. بل لأنه واقع في عشقها.
كان جالسا في شرفته المطلة على حوض الاستحمام لأحدى أفخم الفنادق في مدريد .. يرشف من قهوته من جهة و ينفث دخان سيجارته من جهة أخرى .. و يحملق في الظرف الأبيض الذي وضعه أمامه المخبر..
- " هنا ستجد كل ما تريد معرفته عن لورا آغنر يا سيدي "
- " شكرا لك .. "
مد يده عبر الطاولة فسحب الظرف و أخذ يقلبه .. كان مترددا في فتحه .. لكنه فتحه بالنهاية و أخرج منه أوراق بيضاء قرأ أول ما لفت نظره حيث كان أسود بالخط العريض
( لورا آغنر أشهر عارضة أزياء في أمريكا )
إذا هذا ما أنت عليه يا لورا .. عارضة أزياء مشهورة .. أخذ يقرأ المزيد و المزيد .. أخرج قصاصات مجلة و جرائد تحمل صورا للورا و بعض أبرز العناوين عنها ..
( شقراء تكتسح دور عروض الأزياء )
( آغنر هي كامبل بنسخة شقراء )
(فستان مارك جيكوبس بجسد لورا آغنر )
و قرأ أجدد عنوان لمجلة (اكسبلوجر) تحمل صورة للورا بفستان ذهبي و تقف على أوراق الأشجار معلنة قدوم فصل الخريف .. فصل تساقط قلبه في حب تلك المرأة الذهبية.. أخذ يدقق في هذه الصورة و يفكر فيها ..
- " لورا .. لورا .."
دخل سام مفتعلا ضجة عارمة كعادته عندما يكون هناك شيئا ما يلح في باله..
- " ماذا هنالك يا سام ؟! "
- " انظري ماذا أحضرت لكما ؟!"
كان يحمل بيده فستان من القطن الأبيض ..
- " ما هذا ؟! "
سألته جاكلين باستغراب
- " و ما عساه يكون .. فستان أبيض من التراث الأسباني .. لمهرجان دوس العنب .."
أعادت لورا جملته الأخيرة
- " دوس العنب ؟! سمعت عنه من قبل .."
قاطعها ليكمل عنها
- " شرح لي ماريو كل شيء عنه .. يقومون بقطف العنب من الكروم و بعد ذلك يضعونه في برميل عملاق جدا .. و الأجمل في هذا الأمر هو أن الفتيات يرتدين الفساتين البيضاء التي تلتصق على أجسادهن البرونزية و يعصرن العنب بأقدامهن العارية على أنغام الموسيقى .. آه كم من الصور الرائعة سألتقط لك يا عزيزتي .."
- " و من قال لك بأني سأشارك في هذا المهرجان "
قال بحزن و ضيق
- " بلى ستفعلين .. أرجوك قولي بأنك ستفعلين .. لا يا لورا .. جاكلين أقنعيها "
أجابته جاكلين
- " ستفعل ما يحلو لها يا سام "
- " لا يا جاكي أقنعيها أرجوك .. و إلا لما أحضرتك معي ؟"
- " أنت أحضرتني معك ؟ إنك محتال يا سام .."
ضحكت لورا و جاكلين على تعابير وجهه ..
- " لقد طلب مني ماريو أن أوصل الخبر لك و هو من أعطاني الفستانين .. هذا يعني بأن الدوق هو من أمره بذلك "
- " حسنا سأحضر المهرجان و سأشارك فيه لكن ليس من أجل الدوق بل لي أنا و جاكي .. حتى نمرح قليلا .."
كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا حيث تجمع الجميع بسلالهم في الكروم لقطف العنب ..انبهرت لورا عندما رأت بأن جزءا من ورثها يشمل هذا الكروم العملاق .. الذي يمتد إلى أسفل الوادي ..و هناك بالأسفل رأت مبنى عملاق كتب عليه (مصنع ألفاريز دو تيلدو)..
ارتدت لورا و جاكلين الفستان الأبيض الذي أحضره سام .. و الذي يكشف كتفيها و أعلى صدرها و ربطت شعرها الأشقر برباط أحمر.. و حملت بيدها سلة أعطاه إياها ماريو الذي عندما رآها قال معلقا ..
- " تفضلي يا آنسة آغنر سلتك .. أتمنى ان تملئيها بالعنب الصالح "
ابتسمت معلقة
- " شكرا لك .. سأبذل جهدي "
أعلن أحد المسئولين عن التنظيم بدء المهرجان .. فركض الجميع نساء و رجال إلى الكروم .. و الكل كان يملأ سلته بالعنب الأحمر الناضج ..
حاولت أن تقطف واحدة لكن الأمر كان صعبا بالنسبة لها .. شدت بقوة و حاولت أن تقطعها.. كان داني يراقبها من بعيد و يقترب منها شيئا فشيئا..
أحست لورا بيد رجولية تحط فوق يدها و عرفته من رائحة عطره .. تجمدت في مكانها و تركت نضالها في قطع عنقود العنب..
- " تقطعيها هكذا بطريقة مائلة .."
سقط العنقود في سلتها .. عندها استدارت لتواجهه .. كان مبتسما و بدا لها أكثر وسامة من قبل خاصة ببروز لحية ذقنه قليلا و ارتداءه قميصا أبيض فتح أزراه الأولى ليبرز جزء من صدره البرونزي و فوقه سترة سوداء .. اللباس الأسباني..
كانت تنظر إليه بشوق و كأنه غاب عنها سنتين و ليس ليومين..
- " تبدين و كأنك من الأسبانيات لم أكن لأفرق بينك و بينهن لولا شعرك الأشقر .. "
اقترب منها ليزيح خصلة سقطت على جبيها ..اضطربت و اهتز بدنها و هي تنظر إليه .. لا يعقل أن يكون هذا الطويل العريض الواقف أمامها هو الدوق باتريك .. خاصة مع هذا المزاج المبتهج.. أو أن غيابه ليومين غيره كليا ؟! ..
نظر إلى سلتها الخاوية فضحك قائلا ..
- " اعتقد بأنني أنقذتك .. يجب أن تملئي ثلاث سلال من العنب على الأقل .."
- " حقا ؟! "
- " سأكون سعيدا بمساعدتك .. فآخر ما تريدينه هو أن تجرحي يديك الناعمتين بالشوك"
نظرت إلى عنقود العنب إن أطراف الغصن مليئة بالشوك الصغيرة ..
- " شكرا لك .. نبهتني.. و ماذا عنك ألن تملأ سلالك ؟! "
- " بلى سأفعل ذلك .. معك "
غمز لها بعينه ثم بدأ بقطف عنقود فآخر و هي تنظر باستغراب من تصرفاته و مزاجه المختلف ...
ما هي إلا دقائق حتى ملأ سلة واحدة و قال لها ضاحكا
- " هيا أسرعي .. لقد سبقتك .."
تركت الماضي خلفها .. و قالت معترضة مع ابتسامة
- " لم أكن أعلم أننا نتسابق .. هذا ليس عدلا "
- " حسنا إذا سنبدأ من جديد إن شئت .. "
- " يروق لي ذلك .."
كانا يقطفان العناقيد و يلقيانها بسلالهم بسرعة و جدية و كل منهما مركز ذهنه .. فجأة اصطدم بها فكادت أن تسقط و سلتها فوقها .. فأسرع بان حوط خصرها بيده و جرها إليه .. فتحت عينيها لتجد نفسها تحدق بعينيه الجميلتين ذات الرموش السوداء الطويلة .. بقيت لفترة بين ذراعيه و قلبها معلق بين السماء و الأرض ..
- " داني ألم تر الدوق ؟ لقد رأيت سيارته مركونة عند باب القصر "
- " إنه هناك .. انظر يا ماريو.. هناك بين الأشجار "
رأى ماريو منظر الدوق و لورا ملتصقين و يحدقان ببعضهما البعض .. تبادل ماريو و داني النظرات فسأله
- " ماذا يعني ذلك ؟! "
فرفع داني كتفيه بلا اكتراث و ابتعد .. استدار ماريو ليعطي سيده الخصوصية ..
- " هل وجدته يا ماريو ؟! "
- " آنسة ماريا .. لقد طلبت منك أن تنتظري ريثما أبحث عنه .. هيا تعالي معي "
أخذها بعيدا عن مكان تواجد لورا و باتريك و هما في منظر حميمي .. لعل الجنون يصيبها عندما تراهما معا ملتصقين ..
ذابت لورا و هي متشبثة في قميصه و قد لامست أطراف أصابعها صدره المكشوف .. لمعت عيناه و قال لها بطريقة ساحرة
- " يجب أن ترتدي هذا الفستان الأبيض كل يوم .. "
ثم شيئا فشيئا قرب شفتيه من رقبتها يقبلها .. فتعلقت به أكثر و هو يصعد بقبلاته حتى شفتيها الناعمتين .. و لم يتوقف إلا عندما سمع صوت الصفارة التي تعلن انتهاء وقت القطف ..
اتجه الجميع إلى البرميل الضخم حيث وضعوا فيه العنب المقطوف .. و كان الدوق و لورا آخر الواصلين ... حمل باتريك ثلاث سلال في يد و اثنتان باليد الأخرى .. بينما حملت لورا سلتين فقط .. و بعد أن ألقي العنب في البرميل .. بدأ عزف الموسيقى .. و حمل الرجال النساء داخل البرميل .. شهقت لورا عندما حملها باتريك من خصرها بحركة مفاجأة واضعا إياها داخل البرميل .. و بسرعة أخذت النساء يدها لتنظم إليهن في الرقص .. في البداية كانت الأنغام هادئة مع صفقات بطيئة و شيئا بدأت تزداد سرعت العزف و التصفيق ..و الرجال بالغناء .. لم تفهم لورا كلمات الأغنية .. لكنها رأت باتريك واقفا بسعادة يصفق و يغني و هو يتأملها .. فأخذت النساء تقفزن فوق العنب و تتطاير العصارة على وجهوهن و ثيابهن التي تحولت من اللون الأبيض إلى البنفسجي ..
كانت لورا و جاكي يضحكان و يلقيان العنب على بعضهما .. و كان سام يأخذ لقطات عدة لهما ..
رقصت لورا و هي تضحك بسعادة متناسية وجود باتريك يحدق فيها بكل افتتان و كان يذوب في كل مرة تشيح بشعرها الأشقر الكثيف المتطاير الذي تبلل بعصارة العنب محدثا جلبة عارمة في حواسه و عقله .. كانت عيناه تترقصان مع تمايل جسدها .. و كلما ارتفع فستانها مظهرا رجليها و فخذيها يرتفع قلبه معه ..
- " دون باتريك .. انضم إلينا "
- " هيا يا دون باتريشيو.. هيا "
كانت النساء تنادي عليه فأخذ الرجال يدفعونه نحو البرميل الضخم .. و يدفعونه حتى أسقطوه داخله .. و بسرعة ساعدته النساء على النهوض و شبكت ماريا أصابعها بأصابعه..أصبح هو في المنتصف و على يمينه و يساره مجموعة من النساء .. بينما لورا في الجهة المقابلة له .. و ينظر إليها يبتسم ..و في كل مرة تقترب المجوعتين ببعضها ثم تبتعد للخلف مرة أخرى .. كان يميل ناحية لورا و كأنه سيصطدم بها .. غمز لها فأنزلت رأسها خجللا و أبطأت من رقصها لشعورها بالإحراج من نظراته الفاحصة ..لم يعد يستطيع مقاومتها .. كانت مثيرة بمعنى الكلمة بثوبها الملتصق بجسدها و وجهها الملطخ باللون البنفسجي ..فترك يد ماريا و اتجه ناحية لورا .. أخذ يدها و جذبها إلى المنتصف .. زاد تصفيق الرجال و النساء الذين ينظرون إليهما .. كان يقود حركاتها و يلفها بكل سهولة و كأنه محترف بالرقص .. و لأول مرة تسمعه يغني .. كان يغني بصوت مرتفع .. تناست بأن هذا هو الدوق الذي عرفته طوال الثلاثة أسابيع الماضية ..الدوق المتكبر المتعجرف .. ذو الأعصاب الباردة .. الخالي من المشاعر .. الذي يتجاهلها .. إنه شخص آخر ..
- " عصر العنب .. أعصروا العنب .. دوس العنب .. "
هذا ما استطاعت فهمه من كلمات الأغنية الأسبانية التي أخذ الجميع ينشد بها ..
رقصوا لساعتين تقريبا و هم يدورون في حلقات و يؤدون حركات إيقاعية حتى تحول العنب إلى عصير سائل في البرميل .. عندها توقفت الموسيقى و توقفت الراقصات ..
صفق باتريك و قال بصوت مرتفع
- " غراسياس (شكرا ) .. أحسنتم جميعا "
ثم نظر إلى لورا و كأنه عاشق يتغزل بحبيبته .. نزل من البرميل, وضع يده على خصر لورا و انزلها على الأرض بخفة .. لكنه لم يفلتها بل أبقاها ملتصقة به و يديها على صدره ..
اشتعلت ماريا غيرة و هي ترى هذا الحب المتبادل بينهما .. و لم تعد تستطيع أن تتحمل المزيد فابتعدت بسرعة .. و تبعتها الفتيات الأخريات لتغيرن ثيابهن المبتلة ..
لم تصدق نانيرا عيناها عندما رأت اليوم ما دار بين باتريك و تلك الجريئة لورا .. إنه مفتون بها .. لقد استطاعت أن تلقي بسحرها عليه ..
بقي هو معها واقفين وحدهما بثيابهما المبتلة الملتصقة عندما غادر الجميع .. كان أكثر سحرا من قبل خاصة بخصلات شعره التي التصقت بجبينه .. أخرج من جيب بنطاله وشاحها الذي كانت تضعه فوق رأسها .. توترت و هي تأخذه من يده ثم قالت بعد أن بللت ريقها الجاف ..
- " اعذرني دون باتريك يجب أن أذهب .."
وضع سبابته على شفتيها
- " اششش..ستذهبين عندما يحين الوقت لذلك "
أخذ قلبها يدق بعنف بين ضلوعها عندما قرب شفتيه فلامست شفتيها ..قبلها .. بنهم و شغف .. تعلقت به بقوة و بادلته حرارة التقبيل .. أغمضت عينيها لتنعم بهذه اللحظة بين أحضانه ..
الصقها على البرميل و حشر جسدها بجسده و انقض عليها بقبلاته في وجهها و رقبتها و صدرها المكشوف ..و امتزج طعم قبلاتها بطعم العنب اللذيذ .. ذابت مثل الشمعة تحت حرارة جسده و قبلاته .. و تمنت أن لا يتوقف أبدا ..
لكن هذا لا يدوم أبدا .. أنهى قبلاته بواحدة على كتفها ثم رفع رأسه ليحدق في عينيها الساحرتين
- " لديك أجمل عينين رأيتهما في حياتي "
أمسكت وجهه بيديها و أخذت ترفع خصلات شعره المبتلة .. إنها هائمة بحبه .. طبعت قبلة صغيرة على جبينه ثم ابتعدت عنه بسرعة و هي تركض إلى القصر .. كانت مبتسمة و سعيدة .. و أخيرا فتح لها باب السعادة .. لكن هذه السعادة لا تدوم طويلا !!!
كانت ماريا في انتظارها في غرفة الجلوس و ما أن صعدت لورا أول خطوات الدرج حتى أوقفتها
- " آنسة آغنر .."
نزلت لورا الدرجات و اقتربت من ماريا
- " تفضلي .. كيف أخدمك ؟! "
- " لابد أنك لا تعرفين من أكون "
- " بصراحة لا لكنني رأيتك عدة مرات هنا من قبل "
- " أنا ماريا سيلفادور .."
استغربت لورا .. فماذا تريد منها هذه السيدة و لم تقول لها من تكون ؟؟ انا لا أبه بك .. فاتركيني أصعد حجرتي و أزف خبر سعادتي لجاكلين .. لكنها عوضا عن ذلك قالت لها
- " أهلا و سهلا آنسة سيلفادور .. "
- " اسمعيني يا لورا لست هنا لأعقد صداقة معك أو أي شيء من هذا القبيل فأنت في نظري دخيلة ليس إلا .. "
عبس وجه لورا و أعادت ما قالته ماريا
- " دخيلة؟! ماذا تعنين "
- " وجودك في هذا القصر و قربك من باتريك "
- " أنت لا تعرفين عن سبب وجودي هنا .. و قربي من دون باتريك ليس من شأنك "
- " بلى من شأني ففي القريب العاجل سنتزوج .. لذلك يجب أن توقفي لعبتك السخيفة فلقد انكشفت يا آنسة .."
استغربت لورا هذا التهجم عليها من امرأة لا تعرفها .. و ماذا قالت ؟ نتزوج ؟!!
- " أية لعبة عن ماذا تتحدثين ؟!.. "
- " أنت تعرفين جيدا ما أعنيه .. إلقاء نفسك على الدوق ..في حين أنت مولعة برجل آخر غيره .."
- " غيره ؟! ماذا تقولين ..؟!"
- " اسمعيني إنه لا يريد فتاة أمريكية لعوبة و لا يعرف عنها شيئا لتكون زوجته و أما لأبنائه .. كما و أنها لا تتمتع باللباقة و المستوي الذي أنعم به أنا.."
قاطعتها و قالت بعصبية
- " لا .. تعديت حدودك كثيرا و لولا لباقتي لبادلتك الإهانات .. "
ثم استدارت و أخذت تصعد الدرج فصرخت ماريا
- " هيا افعلي .. أريني حقيقتك يا آنسة أغنر .. "
لم تعرها لورا انتباها و دخلت حجرتها .. و هناك انهارت بالبكاء ..يبدو بان كل ما تفعله لورا منذ قدومها هنا .. هو البكاء .. فهي لم تعرف عنه شيئا منذ مدة طويلة.. و ها هي الآن لا تمر عليها لحظة هنا دون أن تنهمر دموعها على وجنتيها .. اقتربت منها جاكلين و حضنتها بقوة ...
- " لم تبكين يا عزيزتي ؟! "
- "جاكي .. لم أعد احتمل بقائي هنا .. لا أريد الورث و لا أريد أي شيء منهم .. دعينا نغادر .."
- " لم يا لورا و أنت تحرزين تقدما ملحوظا .. لقد رأيتك اليوم مع الدوق و كيف كان يعاملك بكل افتتان .. إنه مغرم بك و سرعان ما سيغير رأيه عن فكرة الورث .. انتظري قليلا .. فلقد انتظرت الأسابيع كلها "
مسحت دموعها و استعادت رباطة جأشها .. فكلام جاكي صحيح .. لن تنهار الآن ليس بعد الذي حدث بينهما اليوم .. لقد أثبت لها أنه يكن لها نفس المشاعر التي تحملها له .. لذلك لن تتأثر بكلام ماريا الغيورة .. لكن ماذا عن .. نتزوج ؟!!
في المساء أقيم احتفال لتذوق النبيذ الذي اشتهرت به عائلة آلفاريز دي تيلدو منذ قرون طويلة جدا .. و هناك لبس الرجال البذل الرسمية (تكسيدو )و تزينت النساء بفساتينهن الراقية .. بعكس ما بدوا عليه هذا الصباح بثيابهن الريفية العملية..
طرقت وانيتا على باب جناح لورا فأجابتها جاكلين بالدخول
- " مرحبا .. "
- " أهلا وانيتا .. كيف أساعدك ؟! "
- " دون باتريك يسأل إن كانت الآنسة لورا ستنزل أم لا ؟! "
لكن لورا أجابتها وهي تدخل عليهم غرفة الجلوس
- " أخبريه باني سأفعل .."
التفتت الاثنتان ينظران إلى لورا .. كانت أكثر من رائعة بفستانها الأسود الطويلة الذي استرسل على جسدها و كشف ظهرها كله .. رفعت شعرها إلى الأعلى و ارتدت قرطين ماسين و وضعت ماكياج يليق بالفستان الخلاب ..
كان ينتظرها كعادته أمام الدرج برفقة ماريو و داني و بعض الرجال .. حبس أنفاسه في صدره عندما رآها تنزل الدرج بطلتها البهية مبتسمة .. اقترب منها و أخذ يديها أمام مرأى ماريا التي كانت تتآكل في داخلها و تشب غضبا و حنقا على تلك الأمريكية الجريئة ..
همس في أذنها ..
- " لقد خطفت أنفاسي .. "
- " شكرا لك دون باتريك .."
- " أرجوك .. لقد تعدينا مرحلة الرسميات.. ناديني باسمي فقط .. باتريك "
ابتسمت خجلا عندما غمز لها بعينه
- " حسنا كما تريد .. باتريك .. هل يعجبك هذا ؟! "
- " كثيرا .. "
وضع يديه على خصرها و أخذ ينظر في عينيها .. ثم قال
- " هل تشرفيني بالرقص معي ؟! "
- " لك الشرف "
وضعت ذراعها حول رقبته و شبكت أصابعها بيده الأخرى .. و أخذ يرقص معها حتى أصبحا في المنتصف .. كانت تشعر بأنها سانديرلا تراقص الأمير.. و كلما أدراها بخفة تطاير فستانها و كأنها تملك القاعة لنفسها .. هي و هو .. يرقصان وحدهما ..
و كان حلمها قد أصبح حقيقة و هي بين ذراعي هذا الوسيم .. الذي لم تبعد الفتيات عيناهن عنه خاصة ببذلته التكسيدو السوداء التي تليق بجسده الرياضي .. و بشعره الأسود المرتب و ذقنه الحليق الأنيق ..
انتهت أغنية و بدأت أخرى لتنتهي مرة أخرى و هما يرقصان دون إحساس بالوقت..
عندما التفتت وجدت أنهما وحدين في الخارج ..
- " يا إلهي .. كيف وصلنا إلى هنا ؟! "
- " ألم أخبرك باني ساحر ؟! "
ضحكت .. فأخذ يديها و أجلسها على الكرسي و جلس بالقرب منها .. رفع يدها و قبلها برقة .. فسرت قشعريرة بكل جسدها ما إن لامست شفتيه جلدها ..
- " اسمعيني لورا .. دعينا نترك موضوع الورث و لا نتحدث فيه في أي وقت قريب .. و أوعدك بأن كل ما تريدينه سيكون لك .. لكن الآن دعينا نستمع بوجودنا معا .. ففي الحقيقة يا لورا.. أنا معجب بك جدا ..و حاولت كثيرا أن أبقي هذا الإعجاب بداخلي .. لكن لم أستطيع التحمل أكثر .."
شعرت بأنه سيغمى عليها .. زادت دقات قلبها بطريقة جنونية .. و شعرت بحرارة غير طبيعية في بدنها .. يا إلهي .. لم تستطع أن تنطق بحرف واحد .. و اكتفت بأن أومأت برأسها و ابتسمت بتوتر .. فبادلها الابتسامة ثم قرب شفتيه ليطبع قبلات على شفتيها المرتجفتين..
عندما ابتعد عنها قليلا استعادت وعيها .. و قالت له
- " ما الذي غيرك يا باتريك .. لقد كنت قاسي معي و معاديا قبل يومين فما الذي بدل حالك ؟! "
- " لقد فكرت مليا بأن هذا الأمر لابد منه .. و أنا كنت معجب بك حتى قبل أن أتعرف عليك ..و في ذلك اليوم عندما رقصت مع سام و وجوده معك جعلني أدرك باني لا أريد أن أفقدك لشخص آخر .. لقد جعلتني الغيرة أفكر كثيرا بنا "
- "إنني أشعر بالإطراء ..لكن كيف كنت معجب بي قبل أن تتعرف علي ؟! "
لوى شفتيه و رسم ابتسامة صغيرة فقال
- " لن تصدقي ما سأقوله لك .."
- " جربني .."
- " حسنا .. قبل شهر تقريبا كنت في المطار أنتظر طائرتي التي سأغادر بها من الولايات المتحدة ..من لوس أنجلوس إلى هنا .. كنت أنظر من فوق النافذة إلى الناس بالأسفل .. فرأيت أجمل فتاة رأتها عيني .. أملت أن ترفع رأسها و تنظر إلي .. و كأنني أحلم .. فقد رفعت رأسها فعلا .. و ابتسمت لي .. و بعد ذلك اختفت .. فنزلت أتبعها و هناك رأيت تجمع غفير و وميض آلات تصوير عندما اقتربت قليلا وجدت أمراة هيفاء شقراء كانت محط الاهتمام و الأنظار فسلبت عقلي و قلبي منذ حينها .. و عندما ارتديت الفستان الأخضر تلك الليلة و تركت شعرك الأشقر ملتف حول كتفيك و وميض آلة تصوير سام نبهت عقلي بان المرأة التي سلبتني العقل و القلب ما هي إلا أنت يا لورا .."
كانت غير مصدقة الكلام الذي قاله .. أو أنها صدقته لكنها تحت تأثير الصدمة .. كيف شاء للقدر أن يجمعهما معا ؟!! .. أمسكت وجهه بين يديه و خللت أصابعها في شعره الأسود الكثيف ..
- " آه يا باتريك .. لقد جعلتني أؤمن بالقدر أكثر .. "
أخذها بين ذراعيه و قبلها من جديد بكل شغف.. غاصت بين ضلوعه..و ذابت في اللحظة أكثر من مرة .. لكن داني دخل ليقاطعهما
- " آه أنا آسف .. لم أقصد مقاطعتكما.. اعذروني "
تركها باتريك .. فاستقامت واقفة و ابتعدت عنهما قليلا.. كانت تشعر بالإحراج
- " لا بأس .. ماذا تريد يا داني ؟! "
- " بعض رجال الأعمال يبحثون عنك .. أظن أنهم يردون عقد صفقة ( دو أميغو ) خاصة بعد تذوقهم للنبيذ .. "
- " حسنا .. أخبرهم بأني سأوافيهم حالا .."
دخل داني قبل باتريك .. لكنه وقف ليتصنت قليلا .. لا يعرف لم فعل ذلك!!.. هل يمكن أنه يشعر بالغيرة من صديقه؟! .. أم لأنه معجب جدا بلورا ؟!
وضع يده على كتفها و طبع قبلة ناعمة و رقيقة على ظهرها العاري .. و قال لها بهدوء
- " اعذريني لورا يجب أن أذهب .. "
كان يريد أن يبرر لها سبب ذهابه لكنها استدارت لتواجهه
- " لا بأس.. سأكون هنا .. انتظرك حتى لو تأخرت "
- " شكرا "
ثم طبع قبلة صغير على شفتيها و كأنهما اعتادا على التقبيل ..
طالت غيبته و بدأت تمل.. فجأة وضع يده على كتفها فوضعت يدها فوقها ثم استدارت لتواجهه .. و سرعان ما استنفرت منه و ابتعدت للخلف و قالت بعصبية
- " ماذا تريد يا داني ؟ ماذا تفعل هنا ؟! "
أشار لها بيده أن تهدأ قائلا ..
- " اهدئي يا لورا اهدئي .."
- " لن أهدأ حتى تغادر من هنا فورا "
- " اسمعني لورا لا أريد ان أفعل لك شيئا أو أؤذيك .. كل ما أريد فعله هو الاعتذار منك على تصرفي السابق .. لم تتسنى لي فرصة لأعبر لك عن مدى أسفي عن فعلتي المشينة .. لم أستطع تلك الليلة مقاومة دوافعي و رغباتي .. و لست ممن ينجر خلف رغباته و لقد ندمت أشد الندم على تلك الليلة و لا ألومك إن أصبحت تكرهيني.."
- " أنا لا أكره أحدا يا داني لكن لا أريدك أن تقترب مني "
- " أرجوك يا لورا أن تتقبلي أسفي .. فلا تنسي بأني كنت صديقك الوحيد هنا و وقفت إلى جانبك أكثر من مرة "
- " لكنك خذلت صداقتنا و أنا آسفة الأمر ليس بهذه السهولة لأن أسامحك.. "
أنزل رأسه حزنا ثم استدار ليتفاجأ بوجود باتريك واقف يسمع حديثهما
- " باتريك .!!"
قال باتريك بصوت خالي من المشاعر
- " هل تحاول انتهاز فرصة غيابي يا دانيال ؟! "
- " لا .. أبدا ..كل ما أردت فعله هو أن أقدم اعتذاري إلى لورا .. "
اقترب من لورا و قال لها بهدوء
- " حسنا لك أن تغادر الآن "
- " صدقني يا باتريك .."
- " لا بأس .. داني .. "
غادر داني متضايقا فالتفت باتريك ينظر إلى لورا التي ابتعدت عنه أيضا و استندت على الشرفة.. كانت عابسة و متضايقة جدا من داني و وجوده عكر مزاجها .. فاقترب منها و قال بهدوء
- " لورا ..أعرف بأن الأمر صعبا عليك.. لكنك إن فعلت و غفرت لداني فستساعدينني على مسامحته أيضا "
نظرت إليه .. كان الحزن باد على ملامحه
- " ماذا ؟! اعتقدت بأن الأمور بينكما تسير على ما يرام "
- " تقريبا .. "
- " و لم ؟ هو لم يخطيء بحقك "
- " بلى لقد فعل .. لورا أرجوك لا تسألي .. حاولي فقط أن تسامحينه.."
خللت أصابعها في خصلات شعره فهذا ما تحب فعله ..و قالت له بهدوء مع ابتسامة صغيرة
- " سأحاول من أجلك فقط ..."
- " شكرا لك .. أقدر لك هذا "
قبلها ثم قال لها و هو يتأمل جمال عينيها .. تعالي معي ..
- " إلى أين .."
- " إلى مكان لا يوجد به أحد ..."
جذبها من يدها و نزل الدرج الجانبي .. فتفاجأت لورا بأن هناك درج جانبي لا تعرف عنه بالشرفة و يؤدي إلى داخل القصر حيث مكتب باتريك الذي لم تدخله من قبل ..
دارت بالمكتب و مرت بالقرب من الكتب التي تمتد من السقف حتى الأرض كانت منبهرة لكثرة عدد الكتب .. اقترب منها فناولها كأسا ..
- " هل أعجبتك المكتبة ؟"
- " إن المكان رائع و دافئ .. و الكتب .. هل تحب القراءة ؟! "
- " نعم .. لكن هذه الكتب تعود لوالدي و أجدادي .. إنها قديمة جدا .."
- " هذا ما يجعلها رائعة .. و قيمة "
- " إن أردت تستطيع أن تقرئي منها ما شئت .."
تعلقت في رقبته و هي تبتسم له
- " شكرا لك .. "
- " لن تكفي الكلمة .."
قهقهت فقد عرفت ما يريده .. طبعت قبلة صغيرة .. فأخذها هو بقبلة أكبر .. حملها بين يديه ليضعها بهدوء على الأرض .. ثم ينظر إليها كأسد جائع .. يريد أن يلتهم فريسته .. انقض عليها بالتقبيل و ما هي إلا لحظات حتى دخلا في عالم الخيال .. عالم بعيد عن الواقع ..
استلقى بالقرب منها ينظر إليها .. يتوهج جسدها مثل تلك النار التي بالمدفأة... و جسده الحطب الذي يزيدها اشتعالا .. مدت يدها إلى وجهه .. فقبل راحة يديها و هي تمرر أناملها في تقاطيع وجهه الحادة .. و قال بصوت مثير ..
- " لورا ..يجب أن أذهب لتوديع ضيوفي "
أومأت مبتسمة و هي تجذب فستانها ...
بعد أن ارتدى ثيابه وقف عند الباب يتأملها طويلا .. و أخيرا قال ..
- " أراك صباح الغد .. أتمنى أن تنضمي إلينا على الإفطار "
- " سأفعل .. عمت مساءا "
- " و أنت كذلك .."
عندما غادر بقيت هي في المكتب تعيد اللحظات التي مرت عليها مع باتريك .. هل كانت تحلم بأنها بين أحضانه ؟! أم إنها الحقيقة ؟! و هل كانت مجرد نزوة عابرة ؟! أم أنه يكن لها مشاعر أكثر من ذلك و أنه بالفعل أرادها بكل حواسه ليس فقط لأها جذابة و أنها تعجبه .. بل لأنه واقع في عشقها.
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 17
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
-10-
مر يومان على حفلة تذوق النبيذ التي تقام كل سنة بعد مهرجان دوس العنب .. و إبرام باتريك لصفقة ( دو أميغو ) المتعلقة بالنبيذ .. و على الإفطار كان ماريو و سانتياغو يتناقشون مع باتريك عن أهمية الصفقة و إنها سوف ترفع أسهم المصنع و سيشتهر النبيذ خارج أسبانيا .. و سيفتح فرعا للمصنع في كاليفورنيا ..
دخلت لورا غرفة الطعام و ألقت تحية على الجالسين ..بادلها باتريك الابتسامة و أكمل حديثه .. و بعد دقائق تبعها سام و جاكلين..
- " صباح الخير جميعا "
قال سام بسرور كعادته .. فابتسم له باتريك على الرغم من حقده عليه ..
فسأل قاطعا على الثلاثة نقاشهم الأمر الذي أزعج باتريك كثيرا ..
- " ماذا تفعلون هنا للمتعة ؟"
نظر باتريك إلى ماريو حتى يجيبه .. فقال له ماريو بود
- " باستطاعتك يا سيد سام أن تسبح في حوض الاستحمام.. أو أخذ جولة في الوادي.."
- " لقد فعلنا كل هذا .. كما أن الجو بارد للاستحمام "
أجابه باتريك بانزعاج
- " ما رأيك إذا أن تذهب للمدينة و تقضي هناك ثلاثة أيام .؟؟. "
أعجبت سام الفكرة فسأل لورا
- " إنها لفكرة جهنمية يا عزيزتي لورا ما رأيك فيها ؟"
أصبح الأمر جدي بالنسبة لباتريك فرفع رأسه عن الأوراق و أخذ يحملق في وجه لورا التي احتارت قليلا .. كان يتحرى هو أيضا إجابتها .. فقالت له
- " ربما يوم آخر يا سام .."
ارتاح باتريك .. فهو لا يريد أن تتركه لورا ..ليس بعد أن اقترب منها أخيرا .. و بعد الذي حدث ذلك اليوم في المكتب .. يريد أن يكرره بين فترة و أخرى ..
همست في أذن سام عن السبب الذي جعلها ترفض الذهاب عندما أشاح باتريك بنظره عنها و أخذ يقلب الأوراق بانزعاج ..
جذبت لورا جاكلين خارج غرفة الطعام و أخبرتها عن فكرة سام .. و إنها من الأفضل أن تكون هنا مع باتريك لكم يوم .. لعله يتقرب منها أكثر إن وجدها وحيدة.. و لعله ينهي معها المسائل العالقة..
و بالطبع جاكي الحكيمة وافقت و قررت أن تغادر مع سام ليومان فقط ..
صعد الثلاثة ليوضبوا حقائبهما .. و بكل سهولة قام سام بعمل حجوزات الفندق الذي سيقيمان فيه ليومان من خلال الإنترنت .. يا له من عصر السرعة ..
و بعد غضون ساعة كانت سيارة الفندق التي طلبها سام تنتظرهما في الخارج ... سمع باتريك صوت محرك السيارة .. فخرج من مكتبه بسرعة و رأى لورا واقفة فسألها ..
- " هل أنتم جميعا ذاهبون؟ "
- " لا .. سام و جاكي فقط .. "
قبل أن يصعد سام السيارة توقف ليودع لورا ثم نظر إلى باتريك مطولا .. استغرب الآخر هذه النظرات الفاحصة فعبس بوجهه .. لكن سام قال له
- " أتعرف شيئا يا دون باتريك ؟! "
- " ما هو هذا الشيء ؟ "
- " إنك تصلح لأن تكون عارض أزياء .. ألم تصور إعلانات من قبل ؟! أعتقد بأنك تصلح لإعلان لمستحضر تجميلي أو ل...."
جذبته جاكلين لداخل السيارة و هي تودعهم و تخبر سائق السيارة أن ينطلق ..
كان مدهش من كلام سام غريب الأطوار ذلك .. بعد أن أدرك أنه كان جدي و رأى لورا تضحك بهدوء .. انفجر ضاحكا .. ثم فجأة توقف عن الضحك و ابتسم لها .. كان يريد أن يعرف لم لم ترافقهما .. لكنه أعدل عن ذلك .. و قال
- " سنذهب في جولة إلى المصنع .. هل تودين مرافقتنا ؟ "
- " نعم و لم لا ؟! "
هي المرأة الوحيدة بين الرجال الذين ترافقهم و الآخرين الذين يعملون في المصنع.. باختصار كانت محط الأنظار.. امرأة جميلة و صبية و أنيقة و شقراء و هنا من النادر رؤية الشقراوات فكيف لا تكون محط أنظار الرجال ؟؟
سارت بالقرب من باتريك الذين كان يشرح لعاقدي الصفقة عن طرق سير العمل بالمصنع .. إن المكان هائل .. حيث الأجهزة و المعدات العملاقة..
بعد جولتهم في المصنع .. أخذهم باتريك في جولة أخرى بين الكروم .. لكن هذه المرة على ظهر الخيل ..
توقف باتريك ليسألها ..
- " هل تردين إكمال الجولة معنا يا لورا؟ .. أم تفضلين العودة مع ماريو إلى القصر؟؟ "
- " لا .. سأرافقكم .. إن الأمر ممتع"
- " حقا ؟! و هل أنت مستعدة لركوب الخيل ؟ "
ضحكت فهو يلمح عن تلك الحادثة المجنونة .. سكتت قليلا لكنه أردف قائلا
- " سيسعدني أن نتشارك أنا و أنت جواد واحد .. فما قولك ؟"
أنزلت عيناها و فكرت قليلا .. ثم قالت بابتسامة ..
- " و لم لا .. فبذلك لن أتوتر و أنا أخشى السقوط .. أو أن يركض فيني الخيل بلا توقف"
- " بالطبع .. تقصدين مثل المرة السابقة "
- " هذا ما كنت أنت تقصده "
- " حقا و هل كنت أقصد شيئا ؟ "
- " لا .. على الأقل سيكون هناك من أستند عليه و أتشبث به جيدا خشية السقوط "
قهقه مجيبا إياها
- " حسنا إذا .. أعطني يدك "
رفعها فوق ظهر (اسبرينسيس) الجواد الذي هاج بها راكضا حيث القصر عندما أصابها الجنون الذي دفعها لتلك الفعلة .. و بعدها صعد خلفها .. و قادهم إلى حيث الكروم ..
غمرها شعور جميل .. فهي كالأميرة التي يحملها الفارس النبيل و يسير بها بين الغابات .. امتزجت رائحة العنب و الزروع برائحة عطرة الشهية .. و تمنت أن تبقى هكذا للأبد .. لكن للأسف .. ليسا لوحدهم .. فنظرات داني الثقابة المزعجة جعلتها تدرك بان هذا الحلم لا يبقى أبدا .. كما و أن أحد الرجال الذين صحبهم معهم باتريك في الجولة لا ينفك يسأل أسئلة كثيرة و بلا توقف ..
بعد هذه الجولة ودع باتريك الرجال .. لكنه عوضا من أن يدخل القصر ظل واقفا ينظر إلى المفاجأة..
توقفت سيارة سوداء ليخرج منها رجل كبير في السن و خلفه امرأتان .. عرفت لورا من تكون الثانية .. إنها .. ماريا ..
- " دون باتريك .. كيف حالك ؟"
- " أهلا سيد سيلفادور .. بخير .."
- " تبدو مصدوما لقدومنا أليس كذلك ؟"
شعر باتريك بالإحراج فقال
- " بعض الشيء .. إنها مفاجأة .. لم يخبرني أحد بقدومك لكنت أكثر مضيافا "
- " لا تقلق .. لقد قامت نانيرا إيزابيل باللازم "
- " حقا ؟! "
في اللحظة خرجت نانيرا و صافحت السيد سيلفادور و عانقت السيدة سيلفادور .. و الذي جعل باتريك يفتح فمه بدهشة أكثر عندما قالت نانيرا للسائق أن يأخذ بحقائبهم للداخل ..
بعد أن دخلوا القصر أوقف باتريك نانيرا و سألها بعصبية
- " ماذا يفعلون هنا ؟ "
- " دون باتريشو .. اهدأ .. إنهم يقضون بداية فصل الخريف هنا لمدة أسبوع "
- " أسبوع .. و منذ متى ؟؟ "
- " منذ أن غادرت أسبانيا يا عزيزي .. اقتربت الكونتيسة من السيدة سيلفادور و كذلك زوجها أصبح صديق السيد سيلفادور .. و منذ حينها و هم يقضون أول أسبوع من الخريف هنا .. و لم أشأ أنا أن ألقي هذا التقليد .. خاصة و أن السيدة سيلفادور عانت كثيرا لفقدان الكونتيسة .. "
- " و .."
لم تعطه فرصة ليتحدث فأكملت قائلة
- " دعنا ندخل .. كي لا نتأخر على ضيوفنا "
\
وبينما يهمان بالدخول حتى خرجت لورا و الشرر يتطاير من عينيها و هي تنظر بحقد إلى نانيرا
- " هل أنت بخير يا لورا ؟"
- " لا أعتقد ذلك .. فالمصونة نانيرا قامت بنقل أغراضي إلى الحجرة الصغيرة في الأسفل "
تضايق باتريك و نظر إلى نانيرا متسائلا
- " هل هذا صحيح ؟"
- " لقد اعتقدت بأنها ذهبت مع أصدقائها إلى مدريد .. كما و أن هذا الجناح قد خصصته الكونتيسة لهم .. و ليس من العدل و الضيافة أن نجعلهما يقيمان في .. غرفة الضيوف السفلية .. أنا آسفة يا لورا .. اعذريني .. "
ثم تركتهم و صعدت إلى الطابق العلوي ..
دنا باتريك منها و هو ممسك وجهها بيديه و قال بضيق ..
- " لا أعرف ماذا أقول لك يا لورا .. أنا متفاجيء أيضا من وجودهم هنا .. و في نفس الوقت محرج منك .."
- " لا عليك .. ستروقني الغرفة الصغيرة .."
في المساء تجمعوا حول المائدة لتناول وجبة العشاء .. كان السيد سيلفادور وديعا بالنسبة لزوجته الشرسة التي لا تتوقف عن التهامس مع نانيرا و ابنتها ماريا المتعجرفة .. و توجيه نظرات غير ودودة للورا ..
- " آنسة آغنر .. "
رفعت لورا رأسها و نظرت إلى السيد سيلفادور الذي ناد عليها
- " نعم .."
- " إذا أنت من الولايات المتحدة كما سمعت "
- " هذا صحيح ..."
تكلم داني قائلا
- " لكن لها جذور أسبانية .."
- " و كيف ذلك ؟ "
قال باتريك و هو متضايق من هذا النقاش ..
- " إنها ابنة بابلو .. "
ترك السيد سيلفادور ملعقته و شهقت زوجته و كذلك فعلت ماريا
- " ابنة كارلوس ؟؟ لم يخبرني بأن لديه ابنة "
انزعجت لورا و أجابتهم بطريقة دفاعية
- " و أنا كذلك لم أعرف بوجود أب بيولوجي لي فلقد اعتقدت كل هذه الخمسة و عشرين سنة بأن بيتر آغنر هو والدي .. "
رفعت السيدة سيلفادور رأسها و سألتها
- " و ما الذي أتى بك إلى هنا و أنت لا تعرفين والدك ؟ "
حدجها زوجها بنظرة حادة .. و قال مبتسما للورا
- " لا داعي لأن تجيبيها فهي حشرية و فضولية أكثر من اللازم أعذريها يا ابنتي "
- " لا بأس .. "
تعاطف باتريك مع لورا التي تشعر بالغربة هنا .. أنزلت رأسها فهي لا تريده أن يرى الحزن الذي اعتراها .. و كلما ذكر موضوع والدها تتضايق ..
جلس الجميع بعد العشاء في غرفة الجلوس الصغيرة التي تحوي مدخنة كبيرة لشرب القهوة ..
و كعادتهن النسوة يتحدثن عن لورا و ينظرن إليها بطريقة أزعجتها ..
عندما استقامت لورا لتغادر سألها باتريك
- " إلى أين يا لورا ؟ "
- " استأذنكما .. أريد الذهاب إلى حجرتي "
لكن السيد سيلفادور قال لها
- " اجلسي قليلا .. فنحن لم نتشرف بعد بمعرفتك آنسة آغنر "
جلست مجاملة له ..
- " ماذا تفعلين آنسة آغنر لكسب رزقك ؟"
أطرقت عليها السيدة سيلفادور هذا السؤال .. فقالت لورا بكل ثقة
- " أنا عارضة أزياء "
رفع داني رأسه .. و الآن تذكر أين رآها و لم كان وجهها مألوف بالنسبة له .. فلقد رآها من قبل في المجلات و تلك الليلة في المطار ..
- " إذن أنت هي تلك الفتاة في المطار التي ... "
أراد أن يكمل لكن باتريك قاطعة و أكمل عنه
- " لورا عارضة أزياء مشهورة و ناجحة في هوليوود "
- " هل هذا صحيح آنسة آغنر ؟؟"
- " إنني في بداياتي .. لكني أمارس عرض الأزياء كهواية فقط .. فأنا درست علم الآثار في الجامعة و أريد أن آخذ شهادة عليا في هذا المجال "
انبهر باتريك فهذه معلومة جديدة عليه .. و لأول مرة يشعر بأنه يريد أن يعرف المزيد عن هذه المرأة المذهلة ..
- " إذا أنت هنا لاستكشاف هذا القصر .. إذ يعتبر من الآثار التي تهمك آنسة آغنر ؟ "
قالت ماريا حتى تحرج لورا .. لكن الأخرى لم تجد إحراج بهذا السؤال فقالت
- " نعم .. صحيح كلامك .. هذا القصر من الآثار التي بهرتني حقا .. لكني لست هنا لهذا الغرض و أنت تعرفين ذلك جيدا "
أضافت ماريا بخبث
- " لا .. لا أعرف حقيقة لم أنت هنا ؟ "
استقامت لورا واقفة و هذه المرة وجهت كلامها لباتريك و السيد سيلفادور
- " أستأذنكما .. "
و عندما خرجت بسرعة سمعت النسوة يضحكن بخبث .. دخلت حجرتها و أقفلت الباب ..
شعرت بضيق و هي حبيسة الغرفة الصغيرة التي لم تعتاد عليها .. فقررت أن تخرج لتتفسح قليلا خاصة و أن الجو أصبح باردا قليلا لينعشها ..
ارتدت روبها الأبيض و أخذت تتمشى في حديقة القصر المظلمة .. ففي هذا الوقت الكل يفترض أن يكون نائما , تمنت بأنها رافقت سام و جاكلين .. و لعلها تفعل غدا و تذهب لمرافقتهما ..
متى سيفرج عنها هذا السجان و يتركها تعود إلى ديارها ؟؟ تريد أن تعرف ماذا سيكون مصيرها و هي قريبة منه تتعلق به أكثر فأكثر كل يوم ..
- " لعلك تريدين قهوة تدفئك في هذا الجو البارد "
استدارت تنظر ناحية الصوت لتجد باتريك واقفا و بيده كوبين من القهوة .. مدت يدها فتناولت القهوة منه و قالت مبتسمة
- " شكرا لك "
- " على الرحب و السعة .. هل تسمحين لي بالجلوس ؟ "
دنت قليلا ليجلس و هي تجيبه
- " بالطبع .. تفضل "
جلس و رشف من قهوته .. كانت تنظر أمامها محاولة تجنبه قدر الإمكان .. لكنه كان يحدق فيها .. و قال بهدوء
- " يبدو بأنك اعتدت على حجرتك القديمة و لم تستطيعي النوم في فراشك الجديد "
- " ربما "
أجابته بلا نفس في الحديث معه .. فهو السبب في كل ما تشعر به من إرهاق و أرق .. ليته يتحدث معها و ينهيا المسألة فتعود إلى وطنها معززة مكرمة ..
- " ما بك يا لورا ؟ هل أنت بخير ؟ "
- " نعم .. اعتقد ذلك .. "
- " تعتقدين ذلك .. "
أجبرها على النظر إليه بأن جذب وجهها بيده .. و عندما أنزلت عيناها أدرك بأنها منزعجة منه استقام واقفا فرفعت رأسها تنظر إليه .. لكنه مد يده إليها .. و قال مبتسما
- " تعال معي "
- " إلى أين ؟! "
- " سترين .. هيا "
أمسكت بيده .. لأول مرة تشعر بدفئها حقا .. غمز لها و هو يصحبها ناحية الإسطبل .. و يتوقف عند الباب .. ثم يساعدها على ركوب الخيل و قفز هو خلفها ..
- " إلى أين سنذهب يا باتريك ؟ "
نظر إليها قبل أن ينطلق بالحصان
- " لقد أحببت اليوم امتطاءنا لحصان واحد .. و تمنيت لو كنا لوحدنا نستمتع بالنسيم البارد.."
ابتسمت .. استطاع بكل سهولة أن يرسم الابتسامة على وجهها .. و صدفة بأنهما فكرا بنفس التفكير اليوم ..
كان يقود الجواد بهدوء حتى خرج عن حدود القصر .. وضعت لورا رأسها على صدره .. و تركت لنفسها استنشاق رائحة عطره .. من رقبته .. سرت قشعريرة في بدن باتريك فطبع قبلة صغيرة على أنفها ..
توقفت عند الشلال الذي انعكس على سطحه ضوء القمر.. أنزلها عن ظهر الخيل .. و كان ينظر إليها بافتتان في رداءها الأبيض و كأنها أميرة قد خرجت من حلمه
- " لقد قدمت إلى هذا المكان مرتين .. إنه رائع.. لكن ضوء القمر و سواد الليل جعله كلوحة فنية
اقترب منها و قال بسحر
- " و وجودك بالقرب مني .. يجعل هذا المكان كحلم لا أريد الاستيقاظ منه "
أمسك وجهها بين يديه و راح يمرر إبهامه في تقاطيع وجهها .. ثم أخذها بين يديه يقبلها .. ذابت كالشمعة .. و طالت اللحظة بينهما حتى توقف ليتأمل وجهها الجميل ..
- " أنك جميلة جدا "
- " و أنت وسيم أيضا "
ابتسم .. و قال ضاحكا
- " لم أكن وسيما عندما كنت مراهقا .. "
- " لا أصدق هذا .. فلفقد رأيت صورة لك في غرفة الجلوس "
ضحك قليلا و شاركته ..ثم عادت ملامح وجهه جدية ..
- " هل كنت تتمنين لو أنك عرفت والدك من قبل ؟ "
- " لا .. فلطالما كان بيتر أبا و صديقا لي .. "
- " و الآن عندما عرفت بأن لك أبا بيولوجيا .. ألم تشعري بالفضول لمعرفته ؟ "
أنزلت رأسها حزنا و قالت
- " آلمني كثيرا أن أعرف بأن بيتر ليس والدي الحقيقي .. مع أني أعرف جيدا أن وجود أب غيره لن يحدث فرقا .. لكن كما قلت الفضول دفعني لأن أقبل دعوة المحامي سانتياغو عندما اتصل بي .. لأعرف من كان والدي .. و ماذا خبأ لي ؟؟ هل كان فعلا يهتم بي كما كانت تقول والدتي بأنه يسمع أخباري و يعرف بأني عارضة أزياء فيقوم بشراء كل مجلة أعرض فيها و يتابع أخباري.. هذا شيء كنت أتمنى لو أعرفه .. و هذا هو السبب الأول في قدومي هنا .. يجب أن تصدقني يا باتريك .. أنا لست هنا طمعا في الميراث .. أبدا .. "
أبعد خصلة عن خدها .. و قال
- " و لم أقل بأنك طامعة بالورث يا لورا .. "
ثم قبل خدها و ساعدها على الوقوف .. سألته بضيق
- " هل سنعود ؟ "
- " لا .. أريد أن آخذك إلى مكان آخر "
أوقف الحصان عند الإسطبل ثم سار معها حتى البيت الصغير الذي جعلها تقضي الليل فيه وحيدة ..
أنار الأضواء و أشار لها بالدخول ...
- " ماذا نفعل هنا يا باتريك ؟ هل تريد حبسي مثل المرة السابقة ؟ "
ضحك و اقترب منها
- " أبدا .. و أنا آسف عن تلك الليلة .. كنت أحمقا .. "
- " أعرف ذلك "
زاد ضحكه .. و هو يجذب يدها لتجلس على الكنبة .. ثم ألقى قطعتين خشب في المدفأة و قام بإضرام النار فيها ..
- " آتي إلى هذا المكان عندما أريد أن أنعزل عن الجميع "
ثم جلس بالقرب منها و قال ..
- " عرفت والدك عندما كان مستشارا قانونيا لوالدي و ساعده الأيمن .. لم أكن أعرف بأنه و والدتي على علاقة إلا عندما توفي والدي .. و كنت وقتها أبلغ الثامنة عشر .. كنت قريبا جدا من أبي .. وعندما شعرت بان هناك شيء يجري بين والدتي و كارلوس قمت بطرده من القصر .. و توليت أنا الشؤون هنا .. لكن المفاجأة هو عندما علمت بأن والدتي تذهب كل يوم إلى مدريد لملاقاته بينما أكون أنا هنا أتلقى تعليمي .. حاولت أن لا أعر الأمر اهتمام لكن بعد سنوات أتت لتلقي علي قنبلتها و تخبرني باني غدوت شابا استطيع الاعتناء بنفسي و أنها تشعر بالوحدة و تريد الزواج .. و من من ؟!! "
- " من كارلوس بالتأكيد "
- " نعم .. كنت حاقدا عليه .. لأنه خان والدي الذي اعتبره صديقه الوفي .. و أخبرت والدتي إن تزوجت منه سأغادر القصر .."
- " و اختارته !! "
- " للأسف نعم .. فقررت أن أرحل عن هنا بكرامتي .. فوالدتي اختارت الغريب على ابنها .. و لم نتحدث طيلة ستة سنوات "
ضمته إليها و مسحت على رأسه ..
- " هل أنت نادم يا باتريك ؟ "
- " نعم .. لأنني كنت أناني .. تمنيت لو أني حاولت أن اقترب منها لأعرف السبب الذي جعلها تخون والدي مع كارلوس .. لعلني أجد لنفسي سببا في مسامحته لكن الحقد يا لورا قد أعمى بصيرتي .. فرحلت و أنا أحمل كرها لهما معا .. و الآن أتمنى أن يعود ذلك اليوم الذي وقفت و صرخت بوجهها فألقيت عليها سيل من الكلمات الجارحة و المهينة .. تمنيت لو أنقطع لساني وقتها .. "
- " لقد حدث ما حدث .. و أنا أعرف يا باتريك بأن مما جرى بينكما ستظل والدتك تحبك و تنظر إليك من حيث هي الآن "
- " ربما صحيح ما تقولينه يا لورا .. لكني أريد أن أعرف والدتي أكثر من خلال زوجها.."
- "ماذا تعني ؟! "
- " بعد أن توفيا .. نقلت معظم أغراض كارلوس إلى هنا .. و لأني آتي إلى هنا بين فترة لأنعزل عن الجميع كنت أبحث في أغراضه .. و وجدت أشياء و رسائل كثيرة .. لكني توقفت .. فهذا ليس من حقي أن أقرأ ما كتب في رسائله .. "
سكت و أخذ ينظر إليها ..
- " أنت الشخص الوحيد الذي له الحق برؤية أغراضه الشخصية ... "
- " ماذا ؟! لا يا باتريك .. "
- " لم يا لورا .. ألا تريدين أن تعرفي والدك كما تقولين ؟ ألا تشعرين بالفضول لمعرفة إن كان فعلا يهتم بك مثل ما قالته لك والدتك "
- " نعم هذا صحيح .. لكني .. لا اعرف ماذا أقول لك يا باتريك ؟ "
أحضر صندوقا وضعه أمامها
- " هنا ستجدين كل شيء .. "
دفعت بالصندوق بعيدا عنها و هي تقول له ..
- " أنا لا أشعر بان كارلوس والدي .. و هذا ما يدفعني لرفض فكرتك يا باتريك "
- " لكن شئت أم أبيت هو والدك .. و لقد أورثك آنت ما يملكه .. أنت الاسم الوحيد الذي ذكر في وصيته يا لورا .. فماذا يعني هذا ؟! "
أخذت تنظر إلى الصندوق أمامها .. و ترددت .. لكن باتريك أومأ برأس مشجعا إياها على فتحة ..
فمدت يدها و فتحته .. و جذبت أول شيء وقعت عليه عيناها ..
- " هذه .. أنا .. في عيد ميلادي السادس .. "
ثم جذبت صورة أخرى و أخرى .. و كلها صور لها على اختلاف مراحل حياتها .. أخذت تنظر إلى الصور مع باتريك .. و هي تبتسم تارة و تدمع تارة أخرى ..
- " إنها تقارير عني .. تقارير المدرسة .. "
- " دعيني أرى .."
أخذ الأوراق منها و قال مبتسما
- " كنت طالبة مثالية يا لورا "
ضحكت و جذبت أوراق أخرى .. حتى سقطت على الأرض ورقة .. حملها باتريك و قال
- " ينبغي لك أن تنظري إلى هذه "
أخذت الورقة منه .. و قرأتها .. كانت رسالة من والدها لها .. لكنها لم تصل إليها أبدا
- " ابنتي العزيزة .. لورا .. كنت أتمنى لو أراسلك كل يوم .. لكن شاء القدر بأن أكون بعيدا عنك و أن يقوم شخص غيري بتربيتك .. لعله من الأفضل لك أن تعيشي في كنف والدين يحبانك .. حتى لا تشعري يا حلوتي بأنك تختلفين عن من حولك .. و اليوم تبلغين الثامنة عشر .. و أنا أحمل صورتك بين يدي التي أرسلتها لي والدتك .. و كم أنت جميلة بفستانك الزهري .. أتساءل إن كان هذا الشاب الواقف بالقرب منك يحبك أو معجب بك أم أنه مجرد ابن الجيران الذي يزعجك دائما ؟! .. سمعتك ذات يوم و أنا أتحدث إلى والدتك بالهاتف عن خبر قبولك في جامعة لوس انجلوس و فرحت لك كثيرا فعزمت أن أشتري لك سيارة بنفسي .. هذا أقل شيء أستطيع فعله من أجلك .. أتمنى لو أن أحضنك بين يدي .. لكن الأمر سيكون غريبا .. أحبك .. و كل عام و أنت بخير.. والدك المحب .. كارلوس دي بابلو "
ظلت لفترة تحدق بالورقة التي بين يديها و تعيد قراءتها أكثر من مرة .. و فجأة سقطت دمعتها ..
أخذ باتريك الورقة من يدها وضعها في الصندوق و أغلقه .. ثم احتضن لورا و أسند رأسها على صدره .. كانت تبكي بحرقة .. بألم .. لعل هذا ما تحتاجه الآن .. تركها تبكي دون أن ينبس ببنت شفة .. تعلقت به .. و توقفت عن البكاء عندما أنهكها .. لكنها لم تبتعد عن صدر باتريك .. أغمضت عيناها .. و غفت لدقائق .. و دون أن تشعر .. أصبحت هذه الدقائق ساعات إلى أن سل الفجر خيوطه .. و تسللت أشعة الشمس من بين ستائر المنزل الصغير ...
مر يومان على حفلة تذوق النبيذ التي تقام كل سنة بعد مهرجان دوس العنب .. و إبرام باتريك لصفقة ( دو أميغو ) المتعلقة بالنبيذ .. و على الإفطار كان ماريو و سانتياغو يتناقشون مع باتريك عن أهمية الصفقة و إنها سوف ترفع أسهم المصنع و سيشتهر النبيذ خارج أسبانيا .. و سيفتح فرعا للمصنع في كاليفورنيا ..
دخلت لورا غرفة الطعام و ألقت تحية على الجالسين ..بادلها باتريك الابتسامة و أكمل حديثه .. و بعد دقائق تبعها سام و جاكلين..
- " صباح الخير جميعا "
قال سام بسرور كعادته .. فابتسم له باتريك على الرغم من حقده عليه ..
فسأل قاطعا على الثلاثة نقاشهم الأمر الذي أزعج باتريك كثيرا ..
- " ماذا تفعلون هنا للمتعة ؟"
نظر باتريك إلى ماريو حتى يجيبه .. فقال له ماريو بود
- " باستطاعتك يا سيد سام أن تسبح في حوض الاستحمام.. أو أخذ جولة في الوادي.."
- " لقد فعلنا كل هذا .. كما أن الجو بارد للاستحمام "
أجابه باتريك بانزعاج
- " ما رأيك إذا أن تذهب للمدينة و تقضي هناك ثلاثة أيام .؟؟. "
أعجبت سام الفكرة فسأل لورا
- " إنها لفكرة جهنمية يا عزيزتي لورا ما رأيك فيها ؟"
أصبح الأمر جدي بالنسبة لباتريك فرفع رأسه عن الأوراق و أخذ يحملق في وجه لورا التي احتارت قليلا .. كان يتحرى هو أيضا إجابتها .. فقالت له
- " ربما يوم آخر يا سام .."
ارتاح باتريك .. فهو لا يريد أن تتركه لورا ..ليس بعد أن اقترب منها أخيرا .. و بعد الذي حدث ذلك اليوم في المكتب .. يريد أن يكرره بين فترة و أخرى ..
همست في أذن سام عن السبب الذي جعلها ترفض الذهاب عندما أشاح باتريك بنظره عنها و أخذ يقلب الأوراق بانزعاج ..
جذبت لورا جاكلين خارج غرفة الطعام و أخبرتها عن فكرة سام .. و إنها من الأفضل أن تكون هنا مع باتريك لكم يوم .. لعله يتقرب منها أكثر إن وجدها وحيدة.. و لعله ينهي معها المسائل العالقة..
و بالطبع جاكي الحكيمة وافقت و قررت أن تغادر مع سام ليومان فقط ..
صعد الثلاثة ليوضبوا حقائبهما .. و بكل سهولة قام سام بعمل حجوزات الفندق الذي سيقيمان فيه ليومان من خلال الإنترنت .. يا له من عصر السرعة ..
و بعد غضون ساعة كانت سيارة الفندق التي طلبها سام تنتظرهما في الخارج ... سمع باتريك صوت محرك السيارة .. فخرج من مكتبه بسرعة و رأى لورا واقفة فسألها ..
- " هل أنتم جميعا ذاهبون؟ "
- " لا .. سام و جاكي فقط .. "
قبل أن يصعد سام السيارة توقف ليودع لورا ثم نظر إلى باتريك مطولا .. استغرب الآخر هذه النظرات الفاحصة فعبس بوجهه .. لكن سام قال له
- " أتعرف شيئا يا دون باتريك ؟! "
- " ما هو هذا الشيء ؟ "
- " إنك تصلح لأن تكون عارض أزياء .. ألم تصور إعلانات من قبل ؟! أعتقد بأنك تصلح لإعلان لمستحضر تجميلي أو ل...."
جذبته جاكلين لداخل السيارة و هي تودعهم و تخبر سائق السيارة أن ينطلق ..
كان مدهش من كلام سام غريب الأطوار ذلك .. بعد أن أدرك أنه كان جدي و رأى لورا تضحك بهدوء .. انفجر ضاحكا .. ثم فجأة توقف عن الضحك و ابتسم لها .. كان يريد أن يعرف لم لم ترافقهما .. لكنه أعدل عن ذلك .. و قال
- " سنذهب في جولة إلى المصنع .. هل تودين مرافقتنا ؟ "
- " نعم و لم لا ؟! "
هي المرأة الوحيدة بين الرجال الذين ترافقهم و الآخرين الذين يعملون في المصنع.. باختصار كانت محط الأنظار.. امرأة جميلة و صبية و أنيقة و شقراء و هنا من النادر رؤية الشقراوات فكيف لا تكون محط أنظار الرجال ؟؟
سارت بالقرب من باتريك الذين كان يشرح لعاقدي الصفقة عن طرق سير العمل بالمصنع .. إن المكان هائل .. حيث الأجهزة و المعدات العملاقة..
بعد جولتهم في المصنع .. أخذهم باتريك في جولة أخرى بين الكروم .. لكن هذه المرة على ظهر الخيل ..
توقف باتريك ليسألها ..
- " هل تردين إكمال الجولة معنا يا لورا؟ .. أم تفضلين العودة مع ماريو إلى القصر؟؟ "
- " لا .. سأرافقكم .. إن الأمر ممتع"
- " حقا ؟! و هل أنت مستعدة لركوب الخيل ؟ "
ضحكت فهو يلمح عن تلك الحادثة المجنونة .. سكتت قليلا لكنه أردف قائلا
- " سيسعدني أن نتشارك أنا و أنت جواد واحد .. فما قولك ؟"
أنزلت عيناها و فكرت قليلا .. ثم قالت بابتسامة ..
- " و لم لا .. فبذلك لن أتوتر و أنا أخشى السقوط .. أو أن يركض فيني الخيل بلا توقف"
- " بالطبع .. تقصدين مثل المرة السابقة "
- " هذا ما كنت أنت تقصده "
- " حقا و هل كنت أقصد شيئا ؟ "
- " لا .. على الأقل سيكون هناك من أستند عليه و أتشبث به جيدا خشية السقوط "
قهقه مجيبا إياها
- " حسنا إذا .. أعطني يدك "
رفعها فوق ظهر (اسبرينسيس) الجواد الذي هاج بها راكضا حيث القصر عندما أصابها الجنون الذي دفعها لتلك الفعلة .. و بعدها صعد خلفها .. و قادهم إلى حيث الكروم ..
غمرها شعور جميل .. فهي كالأميرة التي يحملها الفارس النبيل و يسير بها بين الغابات .. امتزجت رائحة العنب و الزروع برائحة عطرة الشهية .. و تمنت أن تبقى هكذا للأبد .. لكن للأسف .. ليسا لوحدهم .. فنظرات داني الثقابة المزعجة جعلتها تدرك بان هذا الحلم لا يبقى أبدا .. كما و أن أحد الرجال الذين صحبهم معهم باتريك في الجولة لا ينفك يسأل أسئلة كثيرة و بلا توقف ..
بعد هذه الجولة ودع باتريك الرجال .. لكنه عوضا من أن يدخل القصر ظل واقفا ينظر إلى المفاجأة..
توقفت سيارة سوداء ليخرج منها رجل كبير في السن و خلفه امرأتان .. عرفت لورا من تكون الثانية .. إنها .. ماريا ..
- " دون باتريك .. كيف حالك ؟"
- " أهلا سيد سيلفادور .. بخير .."
- " تبدو مصدوما لقدومنا أليس كذلك ؟"
شعر باتريك بالإحراج فقال
- " بعض الشيء .. إنها مفاجأة .. لم يخبرني أحد بقدومك لكنت أكثر مضيافا "
- " لا تقلق .. لقد قامت نانيرا إيزابيل باللازم "
- " حقا ؟! "
في اللحظة خرجت نانيرا و صافحت السيد سيلفادور و عانقت السيدة سيلفادور .. و الذي جعل باتريك يفتح فمه بدهشة أكثر عندما قالت نانيرا للسائق أن يأخذ بحقائبهم للداخل ..
بعد أن دخلوا القصر أوقف باتريك نانيرا و سألها بعصبية
- " ماذا يفعلون هنا ؟ "
- " دون باتريشو .. اهدأ .. إنهم يقضون بداية فصل الخريف هنا لمدة أسبوع "
- " أسبوع .. و منذ متى ؟؟ "
- " منذ أن غادرت أسبانيا يا عزيزي .. اقتربت الكونتيسة من السيدة سيلفادور و كذلك زوجها أصبح صديق السيد سيلفادور .. و منذ حينها و هم يقضون أول أسبوع من الخريف هنا .. و لم أشأ أنا أن ألقي هذا التقليد .. خاصة و أن السيدة سيلفادور عانت كثيرا لفقدان الكونتيسة .. "
- " و .."
لم تعطه فرصة ليتحدث فأكملت قائلة
- " دعنا ندخل .. كي لا نتأخر على ضيوفنا "
\
وبينما يهمان بالدخول حتى خرجت لورا و الشرر يتطاير من عينيها و هي تنظر بحقد إلى نانيرا
- " هل أنت بخير يا لورا ؟"
- " لا أعتقد ذلك .. فالمصونة نانيرا قامت بنقل أغراضي إلى الحجرة الصغيرة في الأسفل "
تضايق باتريك و نظر إلى نانيرا متسائلا
- " هل هذا صحيح ؟"
- " لقد اعتقدت بأنها ذهبت مع أصدقائها إلى مدريد .. كما و أن هذا الجناح قد خصصته الكونتيسة لهم .. و ليس من العدل و الضيافة أن نجعلهما يقيمان في .. غرفة الضيوف السفلية .. أنا آسفة يا لورا .. اعذريني .. "
ثم تركتهم و صعدت إلى الطابق العلوي ..
دنا باتريك منها و هو ممسك وجهها بيديه و قال بضيق ..
- " لا أعرف ماذا أقول لك يا لورا .. أنا متفاجيء أيضا من وجودهم هنا .. و في نفس الوقت محرج منك .."
- " لا عليك .. ستروقني الغرفة الصغيرة .."
في المساء تجمعوا حول المائدة لتناول وجبة العشاء .. كان السيد سيلفادور وديعا بالنسبة لزوجته الشرسة التي لا تتوقف عن التهامس مع نانيرا و ابنتها ماريا المتعجرفة .. و توجيه نظرات غير ودودة للورا ..
- " آنسة آغنر .. "
رفعت لورا رأسها و نظرت إلى السيد سيلفادور الذي ناد عليها
- " نعم .."
- " إذا أنت من الولايات المتحدة كما سمعت "
- " هذا صحيح ..."
تكلم داني قائلا
- " لكن لها جذور أسبانية .."
- " و كيف ذلك ؟ "
قال باتريك و هو متضايق من هذا النقاش ..
- " إنها ابنة بابلو .. "
ترك السيد سيلفادور ملعقته و شهقت زوجته و كذلك فعلت ماريا
- " ابنة كارلوس ؟؟ لم يخبرني بأن لديه ابنة "
انزعجت لورا و أجابتهم بطريقة دفاعية
- " و أنا كذلك لم أعرف بوجود أب بيولوجي لي فلقد اعتقدت كل هذه الخمسة و عشرين سنة بأن بيتر آغنر هو والدي .. "
رفعت السيدة سيلفادور رأسها و سألتها
- " و ما الذي أتى بك إلى هنا و أنت لا تعرفين والدك ؟ "
حدجها زوجها بنظرة حادة .. و قال مبتسما للورا
- " لا داعي لأن تجيبيها فهي حشرية و فضولية أكثر من اللازم أعذريها يا ابنتي "
- " لا بأس .. "
تعاطف باتريك مع لورا التي تشعر بالغربة هنا .. أنزلت رأسها فهي لا تريده أن يرى الحزن الذي اعتراها .. و كلما ذكر موضوع والدها تتضايق ..
جلس الجميع بعد العشاء في غرفة الجلوس الصغيرة التي تحوي مدخنة كبيرة لشرب القهوة ..
و كعادتهن النسوة يتحدثن عن لورا و ينظرن إليها بطريقة أزعجتها ..
عندما استقامت لورا لتغادر سألها باتريك
- " إلى أين يا لورا ؟ "
- " استأذنكما .. أريد الذهاب إلى حجرتي "
لكن السيد سيلفادور قال لها
- " اجلسي قليلا .. فنحن لم نتشرف بعد بمعرفتك آنسة آغنر "
جلست مجاملة له ..
- " ماذا تفعلين آنسة آغنر لكسب رزقك ؟"
أطرقت عليها السيدة سيلفادور هذا السؤال .. فقالت لورا بكل ثقة
- " أنا عارضة أزياء "
رفع داني رأسه .. و الآن تذكر أين رآها و لم كان وجهها مألوف بالنسبة له .. فلقد رآها من قبل في المجلات و تلك الليلة في المطار ..
- " إذن أنت هي تلك الفتاة في المطار التي ... "
أراد أن يكمل لكن باتريك قاطعة و أكمل عنه
- " لورا عارضة أزياء مشهورة و ناجحة في هوليوود "
- " هل هذا صحيح آنسة آغنر ؟؟"
- " إنني في بداياتي .. لكني أمارس عرض الأزياء كهواية فقط .. فأنا درست علم الآثار في الجامعة و أريد أن آخذ شهادة عليا في هذا المجال "
انبهر باتريك فهذه معلومة جديدة عليه .. و لأول مرة يشعر بأنه يريد أن يعرف المزيد عن هذه المرأة المذهلة ..
- " إذا أنت هنا لاستكشاف هذا القصر .. إذ يعتبر من الآثار التي تهمك آنسة آغنر ؟ "
قالت ماريا حتى تحرج لورا .. لكن الأخرى لم تجد إحراج بهذا السؤال فقالت
- " نعم .. صحيح كلامك .. هذا القصر من الآثار التي بهرتني حقا .. لكني لست هنا لهذا الغرض و أنت تعرفين ذلك جيدا "
أضافت ماريا بخبث
- " لا .. لا أعرف حقيقة لم أنت هنا ؟ "
استقامت لورا واقفة و هذه المرة وجهت كلامها لباتريك و السيد سيلفادور
- " أستأذنكما .. "
و عندما خرجت بسرعة سمعت النسوة يضحكن بخبث .. دخلت حجرتها و أقفلت الباب ..
شعرت بضيق و هي حبيسة الغرفة الصغيرة التي لم تعتاد عليها .. فقررت أن تخرج لتتفسح قليلا خاصة و أن الجو أصبح باردا قليلا لينعشها ..
ارتدت روبها الأبيض و أخذت تتمشى في حديقة القصر المظلمة .. ففي هذا الوقت الكل يفترض أن يكون نائما , تمنت بأنها رافقت سام و جاكلين .. و لعلها تفعل غدا و تذهب لمرافقتهما ..
متى سيفرج عنها هذا السجان و يتركها تعود إلى ديارها ؟؟ تريد أن تعرف ماذا سيكون مصيرها و هي قريبة منه تتعلق به أكثر فأكثر كل يوم ..
- " لعلك تريدين قهوة تدفئك في هذا الجو البارد "
استدارت تنظر ناحية الصوت لتجد باتريك واقفا و بيده كوبين من القهوة .. مدت يدها فتناولت القهوة منه و قالت مبتسمة
- " شكرا لك "
- " على الرحب و السعة .. هل تسمحين لي بالجلوس ؟ "
دنت قليلا ليجلس و هي تجيبه
- " بالطبع .. تفضل "
جلس و رشف من قهوته .. كانت تنظر أمامها محاولة تجنبه قدر الإمكان .. لكنه كان يحدق فيها .. و قال بهدوء
- " يبدو بأنك اعتدت على حجرتك القديمة و لم تستطيعي النوم في فراشك الجديد "
- " ربما "
أجابته بلا نفس في الحديث معه .. فهو السبب في كل ما تشعر به من إرهاق و أرق .. ليته يتحدث معها و ينهيا المسألة فتعود إلى وطنها معززة مكرمة ..
- " ما بك يا لورا ؟ هل أنت بخير ؟ "
- " نعم .. اعتقد ذلك .. "
- " تعتقدين ذلك .. "
أجبرها على النظر إليه بأن جذب وجهها بيده .. و عندما أنزلت عيناها أدرك بأنها منزعجة منه استقام واقفا فرفعت رأسها تنظر إليه .. لكنه مد يده إليها .. و قال مبتسما
- " تعال معي "
- " إلى أين ؟! "
- " سترين .. هيا "
أمسكت بيده .. لأول مرة تشعر بدفئها حقا .. غمز لها و هو يصحبها ناحية الإسطبل .. و يتوقف عند الباب .. ثم يساعدها على ركوب الخيل و قفز هو خلفها ..
- " إلى أين سنذهب يا باتريك ؟ "
نظر إليها قبل أن ينطلق بالحصان
- " لقد أحببت اليوم امتطاءنا لحصان واحد .. و تمنيت لو كنا لوحدنا نستمتع بالنسيم البارد.."
ابتسمت .. استطاع بكل سهولة أن يرسم الابتسامة على وجهها .. و صدفة بأنهما فكرا بنفس التفكير اليوم ..
كان يقود الجواد بهدوء حتى خرج عن حدود القصر .. وضعت لورا رأسها على صدره .. و تركت لنفسها استنشاق رائحة عطره .. من رقبته .. سرت قشعريرة في بدن باتريك فطبع قبلة صغيرة على أنفها ..
توقفت عند الشلال الذي انعكس على سطحه ضوء القمر.. أنزلها عن ظهر الخيل .. و كان ينظر إليها بافتتان في رداءها الأبيض و كأنها أميرة قد خرجت من حلمه
- " لقد قدمت إلى هذا المكان مرتين .. إنه رائع.. لكن ضوء القمر و سواد الليل جعله كلوحة فنية
اقترب منها و قال بسحر
- " و وجودك بالقرب مني .. يجعل هذا المكان كحلم لا أريد الاستيقاظ منه "
أمسك وجهها بين يديه و راح يمرر إبهامه في تقاطيع وجهها .. ثم أخذها بين يديه يقبلها .. ذابت كالشمعة .. و طالت اللحظة بينهما حتى توقف ليتأمل وجهها الجميل ..
- " أنك جميلة جدا "
- " و أنت وسيم أيضا "
ابتسم .. و قال ضاحكا
- " لم أكن وسيما عندما كنت مراهقا .. "
- " لا أصدق هذا .. فلفقد رأيت صورة لك في غرفة الجلوس "
ضحك قليلا و شاركته ..ثم عادت ملامح وجهه جدية ..
- " هل كنت تتمنين لو أنك عرفت والدك من قبل ؟ "
- " لا .. فلطالما كان بيتر أبا و صديقا لي .. "
- " و الآن عندما عرفت بأن لك أبا بيولوجيا .. ألم تشعري بالفضول لمعرفته ؟ "
أنزلت رأسها حزنا و قالت
- " آلمني كثيرا أن أعرف بأن بيتر ليس والدي الحقيقي .. مع أني أعرف جيدا أن وجود أب غيره لن يحدث فرقا .. لكن كما قلت الفضول دفعني لأن أقبل دعوة المحامي سانتياغو عندما اتصل بي .. لأعرف من كان والدي .. و ماذا خبأ لي ؟؟ هل كان فعلا يهتم بي كما كانت تقول والدتي بأنه يسمع أخباري و يعرف بأني عارضة أزياء فيقوم بشراء كل مجلة أعرض فيها و يتابع أخباري.. هذا شيء كنت أتمنى لو أعرفه .. و هذا هو السبب الأول في قدومي هنا .. يجب أن تصدقني يا باتريك .. أنا لست هنا طمعا في الميراث .. أبدا .. "
أبعد خصلة عن خدها .. و قال
- " و لم أقل بأنك طامعة بالورث يا لورا .. "
ثم قبل خدها و ساعدها على الوقوف .. سألته بضيق
- " هل سنعود ؟ "
- " لا .. أريد أن آخذك إلى مكان آخر "
أوقف الحصان عند الإسطبل ثم سار معها حتى البيت الصغير الذي جعلها تقضي الليل فيه وحيدة ..
أنار الأضواء و أشار لها بالدخول ...
- " ماذا نفعل هنا يا باتريك ؟ هل تريد حبسي مثل المرة السابقة ؟ "
ضحك و اقترب منها
- " أبدا .. و أنا آسف عن تلك الليلة .. كنت أحمقا .. "
- " أعرف ذلك "
زاد ضحكه .. و هو يجذب يدها لتجلس على الكنبة .. ثم ألقى قطعتين خشب في المدفأة و قام بإضرام النار فيها ..
- " آتي إلى هذا المكان عندما أريد أن أنعزل عن الجميع "
ثم جلس بالقرب منها و قال ..
- " عرفت والدك عندما كان مستشارا قانونيا لوالدي و ساعده الأيمن .. لم أكن أعرف بأنه و والدتي على علاقة إلا عندما توفي والدي .. و كنت وقتها أبلغ الثامنة عشر .. كنت قريبا جدا من أبي .. وعندما شعرت بان هناك شيء يجري بين والدتي و كارلوس قمت بطرده من القصر .. و توليت أنا الشؤون هنا .. لكن المفاجأة هو عندما علمت بأن والدتي تذهب كل يوم إلى مدريد لملاقاته بينما أكون أنا هنا أتلقى تعليمي .. حاولت أن لا أعر الأمر اهتمام لكن بعد سنوات أتت لتلقي علي قنبلتها و تخبرني باني غدوت شابا استطيع الاعتناء بنفسي و أنها تشعر بالوحدة و تريد الزواج .. و من من ؟!! "
- " من كارلوس بالتأكيد "
- " نعم .. كنت حاقدا عليه .. لأنه خان والدي الذي اعتبره صديقه الوفي .. و أخبرت والدتي إن تزوجت منه سأغادر القصر .."
- " و اختارته !! "
- " للأسف نعم .. فقررت أن أرحل عن هنا بكرامتي .. فوالدتي اختارت الغريب على ابنها .. و لم نتحدث طيلة ستة سنوات "
ضمته إليها و مسحت على رأسه ..
- " هل أنت نادم يا باتريك ؟ "
- " نعم .. لأنني كنت أناني .. تمنيت لو أني حاولت أن اقترب منها لأعرف السبب الذي جعلها تخون والدي مع كارلوس .. لعلني أجد لنفسي سببا في مسامحته لكن الحقد يا لورا قد أعمى بصيرتي .. فرحلت و أنا أحمل كرها لهما معا .. و الآن أتمنى أن يعود ذلك اليوم الذي وقفت و صرخت بوجهها فألقيت عليها سيل من الكلمات الجارحة و المهينة .. تمنيت لو أنقطع لساني وقتها .. "
- " لقد حدث ما حدث .. و أنا أعرف يا باتريك بأن مما جرى بينكما ستظل والدتك تحبك و تنظر إليك من حيث هي الآن "
- " ربما صحيح ما تقولينه يا لورا .. لكني أريد أن أعرف والدتي أكثر من خلال زوجها.."
- "ماذا تعني ؟! "
- " بعد أن توفيا .. نقلت معظم أغراض كارلوس إلى هنا .. و لأني آتي إلى هنا بين فترة لأنعزل عن الجميع كنت أبحث في أغراضه .. و وجدت أشياء و رسائل كثيرة .. لكني توقفت .. فهذا ليس من حقي أن أقرأ ما كتب في رسائله .. "
سكت و أخذ ينظر إليها ..
- " أنت الشخص الوحيد الذي له الحق برؤية أغراضه الشخصية ... "
- " ماذا ؟! لا يا باتريك .. "
- " لم يا لورا .. ألا تريدين أن تعرفي والدك كما تقولين ؟ ألا تشعرين بالفضول لمعرفة إن كان فعلا يهتم بك مثل ما قالته لك والدتك "
- " نعم هذا صحيح .. لكني .. لا اعرف ماذا أقول لك يا باتريك ؟ "
أحضر صندوقا وضعه أمامها
- " هنا ستجدين كل شيء .. "
دفعت بالصندوق بعيدا عنها و هي تقول له ..
- " أنا لا أشعر بان كارلوس والدي .. و هذا ما يدفعني لرفض فكرتك يا باتريك "
- " لكن شئت أم أبيت هو والدك .. و لقد أورثك آنت ما يملكه .. أنت الاسم الوحيد الذي ذكر في وصيته يا لورا .. فماذا يعني هذا ؟! "
أخذت تنظر إلى الصندوق أمامها .. و ترددت .. لكن باتريك أومأ برأس مشجعا إياها على فتحة ..
فمدت يدها و فتحته .. و جذبت أول شيء وقعت عليه عيناها ..
- " هذه .. أنا .. في عيد ميلادي السادس .. "
ثم جذبت صورة أخرى و أخرى .. و كلها صور لها على اختلاف مراحل حياتها .. أخذت تنظر إلى الصور مع باتريك .. و هي تبتسم تارة و تدمع تارة أخرى ..
- " إنها تقارير عني .. تقارير المدرسة .. "
- " دعيني أرى .."
أخذ الأوراق منها و قال مبتسما
- " كنت طالبة مثالية يا لورا "
ضحكت و جذبت أوراق أخرى .. حتى سقطت على الأرض ورقة .. حملها باتريك و قال
- " ينبغي لك أن تنظري إلى هذه "
أخذت الورقة منه .. و قرأتها .. كانت رسالة من والدها لها .. لكنها لم تصل إليها أبدا
- " ابنتي العزيزة .. لورا .. كنت أتمنى لو أراسلك كل يوم .. لكن شاء القدر بأن أكون بعيدا عنك و أن يقوم شخص غيري بتربيتك .. لعله من الأفضل لك أن تعيشي في كنف والدين يحبانك .. حتى لا تشعري يا حلوتي بأنك تختلفين عن من حولك .. و اليوم تبلغين الثامنة عشر .. و أنا أحمل صورتك بين يدي التي أرسلتها لي والدتك .. و كم أنت جميلة بفستانك الزهري .. أتساءل إن كان هذا الشاب الواقف بالقرب منك يحبك أو معجب بك أم أنه مجرد ابن الجيران الذي يزعجك دائما ؟! .. سمعتك ذات يوم و أنا أتحدث إلى والدتك بالهاتف عن خبر قبولك في جامعة لوس انجلوس و فرحت لك كثيرا فعزمت أن أشتري لك سيارة بنفسي .. هذا أقل شيء أستطيع فعله من أجلك .. أتمنى لو أن أحضنك بين يدي .. لكن الأمر سيكون غريبا .. أحبك .. و كل عام و أنت بخير.. والدك المحب .. كارلوس دي بابلو "
ظلت لفترة تحدق بالورقة التي بين يديها و تعيد قراءتها أكثر من مرة .. و فجأة سقطت دمعتها ..
أخذ باتريك الورقة من يدها وضعها في الصندوق و أغلقه .. ثم احتضن لورا و أسند رأسها على صدره .. كانت تبكي بحرقة .. بألم .. لعل هذا ما تحتاجه الآن .. تركها تبكي دون أن ينبس ببنت شفة .. تعلقت به .. و توقفت عن البكاء عندما أنهكها .. لكنها لم تبتعد عن صدر باتريك .. أغمضت عيناها .. و غفت لدقائق .. و دون أن تشعر .. أصبحت هذه الدقائق ساعات إلى أن سل الفجر خيوطه .. و تسللت أشعة الشمس من بين ستائر المنزل الصغير ...
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 18
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
11-
فتحت عيناها لتجد نفسها نائمة على الكنبة و في مكان غير حجرة نومها .. رفعت عيناها عن صدر عريض كانت مخبأة وجهها به .. فرفعت رأسها لتجده ..باتريك .. نائما بسلام ..قبلت رقبته .. فاستيقظ .. مبتسما لها .. باعث دفئا لجسدها في هذا الجو البارد .. و لأن النار قد خمدت ..
- " صباح الخير"
قال لها مع ابتسامة عريضة ..
- " صباح النور .."
ثم عادت إلى أحضانه مرة أخرى .. و أغمضت عينيها من جديد ...
- " أين دون باتريشيو ؟ "
سألت نانيرا ماريو و هو يدخل القصر ..
- " أعتقد بأنه لا يزال نائما في حجرته "
- " لا .. "
- " إذا ربما استيقظ باكرا و خرج إلى الإسطبل "
- " اذهب و ابحث عنه .. ليتناول الإفطار مع السيد سيلفادور و زوجته "
- " في الحال سيدتي .."
اتجه إلى الإسطبل و سأل سائس الخيل عن ما إذا رأى اليوم الدوق .. فأجابه بالنفي ..
أين عساه يكون اختفى .. بالطبع .. المنزل الصغير .. فهناك يحب أن يقضي وقته عندما يريد أن يعتزل عن الجميع .. اقترب من الباب لكنه قبل أن يمد يده لفتحه سمع أصوات بالداخل .. لرجل و أمرآة .. لباتريك .. و !!!!
سيتوقف قلب نانيرا بكل تأكيد .. إنه في ورطة .. فماذا يفعل ؟
من الصعب عليه أن يدخل البيت ليجد الدوق مع لورا في وضع حميم .. لا .. سأعود للقصر و اخبر نانيرا بأنني لم أجد الدوق في الإسطبل .. لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن
عندما استدار اصطدم بداني .. فقال بهلع
- " داني !! "
شعر داني بريب و شك و هو ينظر إلى وجه ماريو المضطرب
- " من بالداخل يا ماريو ؟"
- " لا أحد "
صد ماريو عن الباب حتى لا يقوم داني بفتحه
- " دعني أمر "
- " لا يا داني "
حاول داني دفعه .. دون جدوى لأن ماريو كان متشبثا بالباب بقوة ..
لكن الباب فتح .. و كاد ماريو أن يقع أرضا لو أن باتريك لم يمسكه .. وقف ينظر إلى الاثنان و تساءل ..
- " ماذا يجري هنا ؟"
نظر إليها داني متفحصا .. و هو يرى قميصه مفتوح و شعره مبعثر !!
- " نبحث عنك .. ماذا تفعل هنا يا باتريك ؟"
قال داني ذلك بانزعاج .. فأضاف ماريو
- " نانيرا تبحث عنك .. تقول بأنك يجب أن تنضم إليهم على الإفطار "
- " ألم يعد السيد سيلفادور إلى منزله بعد ؟ "
قالها بعصبية و كتف يديه .. مما جعل داني يضحك عليه و يقول
- " لا .. و لن يفعل حتى تخطب ابنته منه "
- " ماذا ؟! "
سأله باتريك بعصبية .. فأجاب داني مبتسما و كأنه يستهزأ بصديقة
- " ألم تكن تعرف سبب قدومه.. الأمر واضح يا باتريك "
جذبه باتريك بعيدا حتى لا تسمعه لورا فتتضايق .. و قال و هو صارا على أسنانه
- " اذهبا إلى القصر و سأوافيكما حالا "
- " لك ما شئت "
حاول داني أن ينظر من في الداخل .. لكن باتريك استوقفه و قال ناهرا
- " حالا يا داني .."
الأمر واضح يا داني .. من يكون في الداخل ؟؟ مستحيل أن تكون ماريا .. إذن ... لورا بكل تأكيد
قال في سره .. ثم غادر
عاد إلى الداخل فلم يجد لورا جالسة على الكنبة ...
- " لورا .. أين أنت ؟ "
خرجت من الحجرة الصغيرة و نظرت إليه بفتور ..
- " اذهب يا باتريك .. فضيوفك بانتظارك "
اقترب منها و أمسك بخصرها
- " سأفعل .. لكن ماذا عنك ؟ "
- " سأبقى هنا قليلا .. "
- " حسنا "
رفع رأسها و أبعد شعرها عن وجهها ثم أخذها في قبلة طويلة .. دفعها على الكنبة و ما فوقها و قال ضاحكا
- " أستطيع أن أذهب لاحقا "
ضحكت .. و أكمل تقبيلها لكنها أوقفته قائلة
- " يستحسن أن تذهب .."
- " هل تريديني أن أفعل ؟"
- "لا .. أعني ... إنهم ضيوفك"
- " أصبت .. ضيوف ثقال على قلبي بعكسك "
حاول تقبيلها مرة أخرها لكنها أشاحت عنه لتجلس و قد بان على ملامحها الضيق .. أمسك ذقنها و رفعه لتنظر إليه بإبهامه
- " ما بك ؟ "
أنزلت رأسها .. ما بها ؟! تذكرت كلام ماريا ذلك اليوم عندما أوقفتها و هجمت عليها مما ترك جرحا نازفا في قلبها .. جعلها تدرك الحقيقة .. و إن كانت مرة ..
- " لا شيء .. هيا باتريك يجب أن تذهب "
أومأ برأسه و استقام واقفا وقال بضيق
- " أراك لاحقا إذن .."
ثم خرج دون أن يلتفت إليها .. و آلمها ذلك كثيرا .. لكن أليس هذا ما أرادته ؟!
رأته نانيرا داخل فأمسكت به موقفة إياه عند المدخل .. و قالت بنبرة الأم المعاتبة
- " أين كنت ؟ و هل هذه ثياب أمس ؟ "
- " نعم .. لقد غفوت في البيت الصغير "
- " و لم فعلت ذلك يا بني ؟ ماذا كنت تفعل هناك ؟!"
- " نانيرا أرجوك .. دعيني أدخل حتى أقوم بتغير ثيابي و انضم إليكم .. "
- " تفضل "
مر من أمامها فلمحته ماريا .. التي قامت من كرسيها و اقتربت من نانيرا سألتها و هي تنظر إلى باتريك يصعد الدرج ..
- " هل بات في الخارج ؟ "
- " نعم .. هذا ما قاله لي .. في البيت الصغير "
- " معها ؟! "
- " لا اعتقد .. إنها في حجرتها على ما يبدو "
كانت ماريا تشك بالأمر و نظرت باتجاه حجرة لورا .. و قالت
- " هل من عادتها النوم إلى هذا الوقت المتأخر .."
- " لا أعلم يا عزيزتي .. ما الذي يقلقك ؟هل لورا تقلقك ؟"
تأففت و قالت بضيق صدر
- " إنه يقضي معها معظم الأوقات .. إذا نعم أظن إن لورا تزعجني و تؤرق نومي "
في هذه اللحظة كانت لورا تهم بدخول القصر لكنها توقفت عندما رأت نانيرا و ماريا واقفتان عند المدخل و يتحدثان بصوت خافض كي لا يسمعهما أحد .. حاولت ان تنصت لما يقولون لكنها و مهما فعلت لن تفهم شيئا .. فهما يتحدثان بالإسبانية ..
شهقت عندما أحست بيد توضع على كتفها فاستدارت لتنظر إلى وجهه
- " داني !! "
سألها و بفمه ابتسامة سخرية ..
- " ماذا تفعلين هنا يا لورا ؟ هل تتنصتين على ماريا و نانيرا ؟؟"
أرادت أن تنفي لكن هذه الحقيقة .. فقالت معترضة تصرفهما و كأنها تدافع عن نفسها
- " إنهما يتحدثان عني "
- " حقا ؟ و كيف عرفت ؟ هل تفهمين الإسبانية ؟! "
- " لا .. لكني سمعت اسمي "
تنصت داني قليلا و قال
- " أصبت ..إنهما يتحدثان عنك "
لم تستغرب فقد سمعتهما يحضران اسمها
- " حقا ؟ و ماذا يقولان ؟"
- " لا .. لن أخبرك "
- " أرجوك يا داني يجب أن أعرف "
- " لن يعجبك هذا يا لورا "
- " داني .. أرجوك "
سكت قليلا .. ثم قال بصوت مؤثر
- " أعرفي يا لورا باني كنت الشخص الوحيد الذي لم يحاول أن يؤذيك هنا"
- " نعم .. لكن ذلك اليوم ... "
قاطعها قائلا
- " ذلك اليوم .. كان خطأ فادح .. و أنا نادم أشد الندم يا لورا .. لقد اعتقدت بأنك تبادليني الإعجاب نفسه .. لكن هذا لا يبرر فعلتي الشنيعة .. أتمنى أن تسامحيني "
وضعت يدها على كتفه و قالت بهدوء ..
- " لا عليك .. سأحاول أن أنسى ذلك .. أرجوك الآن أخبرني بحديثهما "
- " لكن الأمر لن يعجبك "
- " لا بأس .. أريد أن أعرف فالأمر عني أليس كذلك ؟! "
- " نعم ..حسنا .. سأخبرك.. "
قرب أذنيه من الباب ليسمع جيدا .. و اخذ يترجم كل كلمة دارت بينهما للورا ...
ربتت نانيرا على كتفها و قالت
- " ألا تعرفين ما يفعل دون باتريشيو ؟"
أجابتها ماريا و قد بان على صوتها الضيق
- " لا ..لكن يبدو لي بأنه معجب بها كثيرا.. و هذا ما قاله لي ذلك اليوم .. "
- " أبدا يا عزيزتي .. إنه يحبك أنت ..أنت حبه الأول و من الصعب أن ينسى الإنسان حبه الأول.. كل ما يفعله باتريك هو دفعك للشعور بالغيرة .. "
- " لا أعتقد ذلك"
- " صدقيني .. كما أن ماريو أخبرني بأنه يريد أن يكسب ودها فيجعلها بذلك تتنازل عن كل شي أو أن تبيعه حصتها من الورث .. "
- " حقا ؟! و هل هذا صحيح ؟!"
- " كوني متأكدة .. "
- " و كيف أتأكد ؟!"
- " لأن بكل ببساطة لا يمكن أن يعشق هذه الفتاة الجريئة فهو ينتقدها في كل مرة يراها .. إنه يحاول دفعها للجنون .."
- "لقد طمأنتني يا نانيرا .. شكرا لك "
- " على الرحب و السعة ... و اعلمي يا ماريا بأن باتريك لن يتزوج غيرك فقد رأيته تلك الليلة يخرج خاتم زواج الكونتيسة و ينظر إليه .. و عندما انتبه إلي أدخله في درجه بسرعة .. سألته إن كان ينوي الزواج فلم يخطئني و قال لي ببساطة .. ربما .. و كان ذلك بعد أن راقصك في حفلة فوزه بالسباق "
انبسطت ماريا و ابتسمت .. قائلة
- "و أنا لا أريد غيره "
- " جيد .. و الآن تعالي معي و حاولي التقرب منه أكثر يا عزيزتي .."
كادت لورا أن تسقط أرضا و هي تسمع هذه الكلمات تخرج من فم داني ..تجمعت الدموع في عينيها .. أراد أن يضع يده عليها لكنها ابتعدت عنه فقال لها
- " أنا آسف يا لورا قلت لك بان هذا لن يعجبك "
أومأت برأسها قائلة بصوت متألم
- " لا عليك .. شكرا لك.. فانا من طلب ذلك منك و ألح عليك "
- " لورا هل ستكونين بخير ؟"
- " نعم أعتقد .."
- " ماذا ستفعلين الآن بعد أن عرفت الحقيقة ؟"
نظرت إليه بغضب و قالت
- " الحقيقة ؟ إذا أنت تعرف أيضا بأن باتريك يريد التقرب مني كي ... يا إلهي .."
أنزل رأسه و اكتفى بالنظر إلى الأرض .. فثارت ثائرتها و لكزته
- " أخبرني يا داني .. هل كنت تعلم ؟ "
- " نعم يا لورا .. كلنا .. و أنت أيضا .. في داخلك كنت تعلمين بأن لا يمكن أن يحدث شيئا بينكما أنت و باتريك .. و كما تعلمين بأنه لن يتزوج إلا من ماريا "
وضعت يدها على فمها تكتم صرخة قهر كادت أن تخرج منها .. حاول أن يقترب منها مجددا لكنها أوقفته بإشارة منها و قالت
- " توقف .. اتركني وحدي .. "
- " لورا .."
- " داني .. اتركني وحدي .. سأعود إلى حجرتي "
- " افعلي ما تريدين .. لكن صدقيني لم أنوي لك سوءا أبدا .."
لم ترد عليه بل اتجهت إلى حجرتها و قامت بفتح النافذة بقوة .. فهي لا تريد أن يظن الجميع بأنها قد باتت في الخارج مع باتريك خاصة و هي ترتدي قميص النوم و كمشيرها الأبيض فوقه .. دخلت حجرتها و ارتمت على السرير و انهارت باكية .. بكت قهرا و ألما و حزنا لأنها ضيعت من وقتها الكثير ..على شيء ليس هي بحاجة إليه .. و الآن سترحل .. بكرامتها و عزتها فمنذ أن جاءت إلى هنا و هي تشعر بالمرارة و الندم لقدومها .. و ما الذي يجبرها على البقاء بعد كل ذلك .. لقد طفح الكيل .. لا تريد شيئا .. لا الورث ولا ذلك الحب المؤلم ..
اتصلت على سام و أخبرته بأنها سترحل عن هذا المكان و ستعود إلى وطنها و روتينها اليومي ..و بعد أربع ساعات أتى لاصطحابها دون علم أحد و أخذها إلى الفندق حيث يقيم هو و جاكلين ..
قصت عليهم سبب قرارها المفاجئ ..سام وافقها على قرارها لكن جاكلين كانت مترددة .. و فضلت أن تصر لورا على موقفها أكثر ... و لم تعد لورا تستحمل المزيد من الإهانات و المؤامرات .. لدرجة بأن باتريك تجرأ لأن يلمس عواطفها و يلعب بها كدمية ثم يرميها بعد أن ينتهي منها ..
فتحت عيناها لتجد نفسها نائمة على الكنبة و في مكان غير حجرة نومها .. رفعت عيناها عن صدر عريض كانت مخبأة وجهها به .. فرفعت رأسها لتجده ..باتريك .. نائما بسلام ..قبلت رقبته .. فاستيقظ .. مبتسما لها .. باعث دفئا لجسدها في هذا الجو البارد .. و لأن النار قد خمدت ..
- " صباح الخير"
قال لها مع ابتسامة عريضة ..
- " صباح النور .."
ثم عادت إلى أحضانه مرة أخرى .. و أغمضت عينيها من جديد ...
- " أين دون باتريشيو ؟ "
سألت نانيرا ماريو و هو يدخل القصر ..
- " أعتقد بأنه لا يزال نائما في حجرته "
- " لا .. "
- " إذا ربما استيقظ باكرا و خرج إلى الإسطبل "
- " اذهب و ابحث عنه .. ليتناول الإفطار مع السيد سيلفادور و زوجته "
- " في الحال سيدتي .."
اتجه إلى الإسطبل و سأل سائس الخيل عن ما إذا رأى اليوم الدوق .. فأجابه بالنفي ..
أين عساه يكون اختفى .. بالطبع .. المنزل الصغير .. فهناك يحب أن يقضي وقته عندما يريد أن يعتزل عن الجميع .. اقترب من الباب لكنه قبل أن يمد يده لفتحه سمع أصوات بالداخل .. لرجل و أمرآة .. لباتريك .. و !!!!
سيتوقف قلب نانيرا بكل تأكيد .. إنه في ورطة .. فماذا يفعل ؟
من الصعب عليه أن يدخل البيت ليجد الدوق مع لورا في وضع حميم .. لا .. سأعود للقصر و اخبر نانيرا بأنني لم أجد الدوق في الإسطبل .. لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن
عندما استدار اصطدم بداني .. فقال بهلع
- " داني !! "
شعر داني بريب و شك و هو ينظر إلى وجه ماريو المضطرب
- " من بالداخل يا ماريو ؟"
- " لا أحد "
صد ماريو عن الباب حتى لا يقوم داني بفتحه
- " دعني أمر "
- " لا يا داني "
حاول داني دفعه .. دون جدوى لأن ماريو كان متشبثا بالباب بقوة ..
لكن الباب فتح .. و كاد ماريو أن يقع أرضا لو أن باتريك لم يمسكه .. وقف ينظر إلى الاثنان و تساءل ..
- " ماذا يجري هنا ؟"
نظر إليها داني متفحصا .. و هو يرى قميصه مفتوح و شعره مبعثر !!
- " نبحث عنك .. ماذا تفعل هنا يا باتريك ؟"
قال داني ذلك بانزعاج .. فأضاف ماريو
- " نانيرا تبحث عنك .. تقول بأنك يجب أن تنضم إليهم على الإفطار "
- " ألم يعد السيد سيلفادور إلى منزله بعد ؟ "
قالها بعصبية و كتف يديه .. مما جعل داني يضحك عليه و يقول
- " لا .. و لن يفعل حتى تخطب ابنته منه "
- " ماذا ؟! "
سأله باتريك بعصبية .. فأجاب داني مبتسما و كأنه يستهزأ بصديقة
- " ألم تكن تعرف سبب قدومه.. الأمر واضح يا باتريك "
جذبه باتريك بعيدا حتى لا تسمعه لورا فتتضايق .. و قال و هو صارا على أسنانه
- " اذهبا إلى القصر و سأوافيكما حالا "
- " لك ما شئت "
حاول داني أن ينظر من في الداخل .. لكن باتريك استوقفه و قال ناهرا
- " حالا يا داني .."
الأمر واضح يا داني .. من يكون في الداخل ؟؟ مستحيل أن تكون ماريا .. إذن ... لورا بكل تأكيد
قال في سره .. ثم غادر
عاد إلى الداخل فلم يجد لورا جالسة على الكنبة ...
- " لورا .. أين أنت ؟ "
خرجت من الحجرة الصغيرة و نظرت إليه بفتور ..
- " اذهب يا باتريك .. فضيوفك بانتظارك "
اقترب منها و أمسك بخصرها
- " سأفعل .. لكن ماذا عنك ؟ "
- " سأبقى هنا قليلا .. "
- " حسنا "
رفع رأسها و أبعد شعرها عن وجهها ثم أخذها في قبلة طويلة .. دفعها على الكنبة و ما فوقها و قال ضاحكا
- " أستطيع أن أذهب لاحقا "
ضحكت .. و أكمل تقبيلها لكنها أوقفته قائلة
- " يستحسن أن تذهب .."
- " هل تريديني أن أفعل ؟"
- "لا .. أعني ... إنهم ضيوفك"
- " أصبت .. ضيوف ثقال على قلبي بعكسك "
حاول تقبيلها مرة أخرها لكنها أشاحت عنه لتجلس و قد بان على ملامحها الضيق .. أمسك ذقنها و رفعه لتنظر إليه بإبهامه
- " ما بك ؟ "
أنزلت رأسها .. ما بها ؟! تذكرت كلام ماريا ذلك اليوم عندما أوقفتها و هجمت عليها مما ترك جرحا نازفا في قلبها .. جعلها تدرك الحقيقة .. و إن كانت مرة ..
- " لا شيء .. هيا باتريك يجب أن تذهب "
أومأ برأسه و استقام واقفا وقال بضيق
- " أراك لاحقا إذن .."
ثم خرج دون أن يلتفت إليها .. و آلمها ذلك كثيرا .. لكن أليس هذا ما أرادته ؟!
رأته نانيرا داخل فأمسكت به موقفة إياه عند المدخل .. و قالت بنبرة الأم المعاتبة
- " أين كنت ؟ و هل هذه ثياب أمس ؟ "
- " نعم .. لقد غفوت في البيت الصغير "
- " و لم فعلت ذلك يا بني ؟ ماذا كنت تفعل هناك ؟!"
- " نانيرا أرجوك .. دعيني أدخل حتى أقوم بتغير ثيابي و انضم إليكم .. "
- " تفضل "
مر من أمامها فلمحته ماريا .. التي قامت من كرسيها و اقتربت من نانيرا سألتها و هي تنظر إلى باتريك يصعد الدرج ..
- " هل بات في الخارج ؟ "
- " نعم .. هذا ما قاله لي .. في البيت الصغير "
- " معها ؟! "
- " لا اعتقد .. إنها في حجرتها على ما يبدو "
كانت ماريا تشك بالأمر و نظرت باتجاه حجرة لورا .. و قالت
- " هل من عادتها النوم إلى هذا الوقت المتأخر .."
- " لا أعلم يا عزيزتي .. ما الذي يقلقك ؟هل لورا تقلقك ؟"
تأففت و قالت بضيق صدر
- " إنه يقضي معها معظم الأوقات .. إذا نعم أظن إن لورا تزعجني و تؤرق نومي "
في هذه اللحظة كانت لورا تهم بدخول القصر لكنها توقفت عندما رأت نانيرا و ماريا واقفتان عند المدخل و يتحدثان بصوت خافض كي لا يسمعهما أحد .. حاولت ان تنصت لما يقولون لكنها و مهما فعلت لن تفهم شيئا .. فهما يتحدثان بالإسبانية ..
شهقت عندما أحست بيد توضع على كتفها فاستدارت لتنظر إلى وجهه
- " داني !! "
سألها و بفمه ابتسامة سخرية ..
- " ماذا تفعلين هنا يا لورا ؟ هل تتنصتين على ماريا و نانيرا ؟؟"
أرادت أن تنفي لكن هذه الحقيقة .. فقالت معترضة تصرفهما و كأنها تدافع عن نفسها
- " إنهما يتحدثان عني "
- " حقا ؟ و كيف عرفت ؟ هل تفهمين الإسبانية ؟! "
- " لا .. لكني سمعت اسمي "
تنصت داني قليلا و قال
- " أصبت ..إنهما يتحدثان عنك "
لم تستغرب فقد سمعتهما يحضران اسمها
- " حقا ؟ و ماذا يقولان ؟"
- " لا .. لن أخبرك "
- " أرجوك يا داني يجب أن أعرف "
- " لن يعجبك هذا يا لورا "
- " داني .. أرجوك "
سكت قليلا .. ثم قال بصوت مؤثر
- " أعرفي يا لورا باني كنت الشخص الوحيد الذي لم يحاول أن يؤذيك هنا"
- " نعم .. لكن ذلك اليوم ... "
قاطعها قائلا
- " ذلك اليوم .. كان خطأ فادح .. و أنا نادم أشد الندم يا لورا .. لقد اعتقدت بأنك تبادليني الإعجاب نفسه .. لكن هذا لا يبرر فعلتي الشنيعة .. أتمنى أن تسامحيني "
وضعت يدها على كتفه و قالت بهدوء ..
- " لا عليك .. سأحاول أن أنسى ذلك .. أرجوك الآن أخبرني بحديثهما "
- " لكن الأمر لن يعجبك "
- " لا بأس .. أريد أن أعرف فالأمر عني أليس كذلك ؟! "
- " نعم ..حسنا .. سأخبرك.. "
قرب أذنيه من الباب ليسمع جيدا .. و اخذ يترجم كل كلمة دارت بينهما للورا ...
ربتت نانيرا على كتفها و قالت
- " ألا تعرفين ما يفعل دون باتريشيو ؟"
أجابتها ماريا و قد بان على صوتها الضيق
- " لا ..لكن يبدو لي بأنه معجب بها كثيرا.. و هذا ما قاله لي ذلك اليوم .. "
- " أبدا يا عزيزتي .. إنه يحبك أنت ..أنت حبه الأول و من الصعب أن ينسى الإنسان حبه الأول.. كل ما يفعله باتريك هو دفعك للشعور بالغيرة .. "
- " لا أعتقد ذلك"
- " صدقيني .. كما أن ماريو أخبرني بأنه يريد أن يكسب ودها فيجعلها بذلك تتنازل عن كل شي أو أن تبيعه حصتها من الورث .. "
- " حقا ؟! و هل هذا صحيح ؟!"
- " كوني متأكدة .. "
- " و كيف أتأكد ؟!"
- " لأن بكل ببساطة لا يمكن أن يعشق هذه الفتاة الجريئة فهو ينتقدها في كل مرة يراها .. إنه يحاول دفعها للجنون .."
- "لقد طمأنتني يا نانيرا .. شكرا لك "
- " على الرحب و السعة ... و اعلمي يا ماريا بأن باتريك لن يتزوج غيرك فقد رأيته تلك الليلة يخرج خاتم زواج الكونتيسة و ينظر إليه .. و عندما انتبه إلي أدخله في درجه بسرعة .. سألته إن كان ينوي الزواج فلم يخطئني و قال لي ببساطة .. ربما .. و كان ذلك بعد أن راقصك في حفلة فوزه بالسباق "
انبسطت ماريا و ابتسمت .. قائلة
- "و أنا لا أريد غيره "
- " جيد .. و الآن تعالي معي و حاولي التقرب منه أكثر يا عزيزتي .."
كادت لورا أن تسقط أرضا و هي تسمع هذه الكلمات تخرج من فم داني ..تجمعت الدموع في عينيها .. أراد أن يضع يده عليها لكنها ابتعدت عنه فقال لها
- " أنا آسف يا لورا قلت لك بان هذا لن يعجبك "
أومأت برأسها قائلة بصوت متألم
- " لا عليك .. شكرا لك.. فانا من طلب ذلك منك و ألح عليك "
- " لورا هل ستكونين بخير ؟"
- " نعم أعتقد .."
- " ماذا ستفعلين الآن بعد أن عرفت الحقيقة ؟"
نظرت إليه بغضب و قالت
- " الحقيقة ؟ إذا أنت تعرف أيضا بأن باتريك يريد التقرب مني كي ... يا إلهي .."
أنزل رأسه و اكتفى بالنظر إلى الأرض .. فثارت ثائرتها و لكزته
- " أخبرني يا داني .. هل كنت تعلم ؟ "
- " نعم يا لورا .. كلنا .. و أنت أيضا .. في داخلك كنت تعلمين بأن لا يمكن أن يحدث شيئا بينكما أنت و باتريك .. و كما تعلمين بأنه لن يتزوج إلا من ماريا "
وضعت يدها على فمها تكتم صرخة قهر كادت أن تخرج منها .. حاول أن يقترب منها مجددا لكنها أوقفته بإشارة منها و قالت
- " توقف .. اتركني وحدي .. "
- " لورا .."
- " داني .. اتركني وحدي .. سأعود إلى حجرتي "
- " افعلي ما تريدين .. لكن صدقيني لم أنوي لك سوءا أبدا .."
لم ترد عليه بل اتجهت إلى حجرتها و قامت بفتح النافذة بقوة .. فهي لا تريد أن يظن الجميع بأنها قد باتت في الخارج مع باتريك خاصة و هي ترتدي قميص النوم و كمشيرها الأبيض فوقه .. دخلت حجرتها و ارتمت على السرير و انهارت باكية .. بكت قهرا و ألما و حزنا لأنها ضيعت من وقتها الكثير ..على شيء ليس هي بحاجة إليه .. و الآن سترحل .. بكرامتها و عزتها فمنذ أن جاءت إلى هنا و هي تشعر بالمرارة و الندم لقدومها .. و ما الذي يجبرها على البقاء بعد كل ذلك .. لقد طفح الكيل .. لا تريد شيئا .. لا الورث ولا ذلك الحب المؤلم ..
اتصلت على سام و أخبرته بأنها سترحل عن هذا المكان و ستعود إلى وطنها و روتينها اليومي ..و بعد أربع ساعات أتى لاصطحابها دون علم أحد و أخذها إلى الفندق حيث يقيم هو و جاكلين ..
قصت عليهم سبب قرارها المفاجئ ..سام وافقها على قرارها لكن جاكلين كانت مترددة .. و فضلت أن تصر لورا على موقفها أكثر ... و لم تعد لورا تستحمل المزيد من الإهانات و المؤامرات .. لدرجة بأن باتريك تجرأ لأن يلمس عواطفها و يلعب بها كدمية ثم يرميها بعد أن ينتهي منها ..
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 19
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
- " على الأقل يا صديقتي تكلمي مع المحامي سانتياغو لعله يستطيع رفع دعوى قضائية "
قالت لها جاكلين .. فأجابت لورا بعصبية
- " آخر ما سيقوم به ذلك المحامي هو رفع دعوى على سيده .. أنت لا تعرفين .. هنا الجميع يعمل ألف حساب للدوق "
- " يا له من مجتمع ديكتاتوري"
- " أتعلمين رغم كل شيء سيء استطعت أن أبحث في الأمور المشرقة فيهم .. و استطعت أن ... أن .. أحبه رغم قسوته .. لأني حاولت أن أرى فيه الإنسان ..."
لم تستطع أن تكمل جملتها لان العبرة خنقتها و ضيقت عليها أنفاسها ..
عاد سام و قد أحضر معه تذاكر رحلة العودة إلى لوس أنجلوس ..
- " سنغادر غدا ظهرا فهذا أقرب وقت ... لن تغادر أية طائرة الآن لتدهور الأوضاع الجوية "
- " لا بأس .. سنحاول أن نقضي وقتا ممتعا هنا "
قالت جاكلين مشجعة صديقتها لتنسى حزنها و ألمها ..
- " ستقام حفلة في الفندق هنا .. "
سألها سام بابتهاج و هو يضع التذاكر جانبا .. و يمسح دموعها بيده ..
- " رائع .. ما رأيك يا لورا ؟ "
- " لا أشعر برغبة في الذهاب .. لكني مع ذلك سأذهب معكما فهذا أقل شيء أستطيع فعله من أجلكما .. "
فتحت ذراعيها لتضمها في آن واحد ..
في المساء افتقد باتريك لورا .. و كان بين حين و أخرى يمر بالقرب من حجرتها و يحاول أن يتنصت .. لعله يسمع لها حسا .. لكن لا شيء ..
رأته ماريا واقفا وحده فاتجهت إليه ..
- " ما رأيك بان نركب الخيل و نتسابق كالأيام الخوالي يا باتريك ؟"
أجابها بفتور دون أن يكلف نفسه بالنظر إليها ..
- " أنا متعب قليلا يا ماريا .. ربما في وقت لاحق .. اعذريني "
- " حسنا كما تشاء .. أبي يبحث عنك .. في الحديقة يريدك أن تشاركه التدخين و التكلم عن التجارة و الأشياء السخيفة هذه .."
- " حسنا .."
تركته بسرعة .. فلمح وانيتا و هو خارجا من بعيد .. نادى عليها و سألها
- " ألم تر لورا اليوم ؟ "
- " لا يا سيدي لم أفعل "
تأفف .. ثم خرج لينضم إلى السيد سيلفادور في الحديقة و جلس معه مشعلا سيجارته و أخذ ينفثها بعصبية .. لا يعرف لم أتاه حدس بأن شيء سيء سيحدث ؟ أو أنه حدث و انتهى و هو في غفلة عن الأمر .. كان السيد سيلفادور يتكلم عن الوضع الاقتصادي و كيفية تحسينه في ألبا و جعلها منطقة سياحية ريفية .. و من الطبيعي أن يتناقش في هذا الأمر مع الدوق .. دوق ألبا .. الذي لم يكن فكره معه بل بشيء آخر .. بإحساسه الغريب .. بلورا !!
- " ما قولك يا دون باتريك ؟"
أيقظه صوت السيد سيلفادور من أفكاره العميقة فالتفت إليه و قال باسما
- " عفوا ؟ "
- " ما بك ؟؟ ما رأيك أن نذهب غدا للصيد ؟ "
- " الصيد !! "
- " نعم .. لديك بندقية أليس كذلك ؟ "
- " آه الصيد .. نعم بكل تأكيد.."
- " رائع .. "
نظر العجوز إلى ساعاته و قال
- " لقد تأخر الوقت .. يجب أن يذهب هذا العجوز إلى فراشه .. و أنت كذلك لأننا سنغادر في الصباح الباكر "
ثم وقف و هو يضحك
- " بلغ سلامي للآنسة آغنر .. آه صحيح أين هي اليوم ؟ "
أحرجه سؤاله فأشار بيده بأنه لا يعلم .. و ليته يعرف أين هي .. فأنه مشتاق لها على الرغم من أنه رآها هذا الصباح
- " عمت مساءا يا بني "
- " و أنت كذلك "
ظل جالسا ينظر إلى نافذة حجرتها المظلمة ... أين عساها تكون ؟!
- " باتريك .."
سمع صوتا فقفز قلبه فرحا .. لكنه عندما استدار تجهم وجهه و عبس
- " ماريا ؟! "
- " انظر ماذا وجدت ؟ "
وضعت أمامه ألبوم صورا لهما عندما كانا مراهقين و شابين يافعين ..
لا يشعر برغبة في النظر إلى تلك الصور .. فباله مشغول .. ألا ترين ؟!
كانت تقلب الصفحات أمامه و تضحك و هي تتذكر كل موقف التقطت فيه الصورة .. لم يكن يشاركها الضحك حتى .. و أحست بذلك الجفاء منه فنظرت إليه بغضب قائلة
- " أين يسرح فكرك يا باتريك ؟ "
- " لا شيء .. بالصور .. "
- " حقا ؟! "
قالها برود
- " نعم "
- " لا أعتقد ذلك .. إنك لا تنظر إلى الصور حتى "
لم ينطق بكلمة .. بل قام بإشعال سيجارة أخرى ... أحست بانها مثل هذه السيارة التي تشتعل و تحترق و هو بكل برود ينفث دخانها ... فصرخت بوجهه
- " حسنا .. سأعترف لك .. إني أموت في اليوم غيرة مئة مرة .. فتوقف عن لعبتك.."
و كأنه تلقى لطمة على وجهه و نظر إليها مستغربا ..
- " لعبة ؟! "
- " أنت تعرف ما أقصد "
استدارت لتغادر لكنه جذبها من يدها بقوة لتقف و قال لها بصوته المهيب ..
- " وضحي لي .."
توقفت لحظات و هي تشعر بشيء من الخوف .. و بعد فترة صمت قالت ..
- " أنت و لورا .. لقد نجحت في إشعال الغيرة داخلي فتوقف و دعنا نبدأ من جديد .. "
قهقه قهرا و سخرية من القدر .. و ترك يدها
- " هل تعتقدين بأن ما يحدث بيني و بين لورا هو لعبة لأجعلك تشعرين بالغيرة و من ثم تعترفين لي فنبدأ من جديد ..؟ "
- " ماذا تعني ؟ "
- " أنت مخطئة يا عزيزتي .. أنا و أنت كنا خدعة .. فرضنا أهلنا على بعض .. لم نكن نحب بعض أبدا .. "
تجمعت عيناها بالدموع و هي تسمع هذا الكلام الجارح من باتريك .. و قالت بانكسار بضعف ..
- " بلى .. أنا أحبك يا باتريك"
نظر إليها .. لا يعرف ماذا يقول .. لا يريد أن يجرحها أكثر ..فاستقام واقفا ليقترب منها و طبع قبلة على جبينها و قال بضيق
- " عمت مساءا يا ماريا ... و لا تنتظري مني شيء .. و إن كنت تعتقدين باني ألعب عليك فأنت مخطئة "
- " ماذا يعني هذا ؟ "
- " تصبحين على خير "
- " باتريك توقف.. ماذا يعني هذا ؟!! "
لكنه تركها و غادر ليدخل حجرته و يقفل على نفسه الباب .. أخذ يجول في الجناح ذهابا و إيابا و القلق يتاءكل بداخله ... نظر إلى ساعته التي تشير إلى الواحدة صباحا .. يا إلهي الوقت يسير ببطء و كأنه قد توقف ... خرج إلى شرفته و أخذ ينظر ناحية حجرة لورا بالأسفل .. الأنوار لا تزال مطفئة .. ما الذي يحدث ؟ّ
لم يعد يستحمل أكثر .. خرج من غرفته و كالطائرة اتجه إلى حجرة لورا .. طرق الباب .. لا أحد يجيب .. طرق مرة أخرى .. فثالثة .. دون أي حس أو حركة تصدر .. فتح طرف الباب و قال
- " لورا .. لورا .. هل أنت هنا ؟ "
أجابه صوت زفير الهواء من النافذة المفتوحة.. دخل الحجرة و أضاء الأنوار .. لا أحد بالداخل .. قرصه قلبه بقوة .. و لأول مرة يشعر بان لا حول له و لا قوة .. التف يبحث عن شيء ما .. فلم يجد حقائبها و لا ثيابها !!! أين ذهبت لورا ؟!! هل غادرت ؟!! و لم ؟!!
وقفت على الطاولة و أخذت ترقص بجنون كانت ثملة جدا .. و الرجال يحومون حولها و يرقصون فرحين بالقرب منها .. و هي بلا اكتراث .. كان سام جالسا يراقبها و بيده كاميرته و يأخذ لها عدة لقطات .. لكزته جاكلين بانزعاج قائلة
- " إنك لا تضيع وقتك أليس كذلك ؟"
نظر إليها معترضا
- " ماذا ؟! "
أشارت ناحية لورا التي كانت تبدو لها إنسانة غريبة غير صديقتها
- " انظر إليها !! "
قال بلا مبالاة
- " إنها تحاول نسيان ذلك المعتوه .. بقضاء وقت ممتع "
- " أعتقد أن أحد المرعبين سوف يهجم عليها "
- " لا تقلقي .. إنها تعرف كيف تدافع عن نفسها .. بالله عليك إنها لورا آغنر "
فأجابته جاكلين باستهزاء من عدم اكتراثه
- " نعم أصبت .. تحمي نفسها .. و هي بهذه الحال "
فجأة توقفت لورا عن الرقص و دفعت أحد الشباب الراقصين بعيدا عنها..و اتجهت ناحية البار حيث سام و جاكلين .. تطلب كأسا آخر .. و تشربه دفعة واحدة .. و بعدها وضعت رأسها على المنضدة ... و ما هي إلا دقائق حتى دخلت بسبات عميق ..
- " سام .. ساعدني على حمل لورا إلى الحجرة .. لقد أفرطت في الشرب ..إنها نائمة "
حملها سام و صعد بها الحجرة .. وضعها في الفراش .. فاستلقت كالطفلة الصغيرة ..
قال معلقا و هو ينظر إليها
- " تلك المجنونة .."
- " إنها ليست مجنونة بل مجروحة.. لقد كنت تقول بأنها كانت تقضي وقت ممتع.. "
- "هذا صحيح ..لكن كان المفروض منذ البداية أن تقوم برفع دعوى قضائية على ذلك الدوق المتعجرف .. كنت وكلتها أشهر المحامين في لوس أنجلوس لو تركتني أفعل "
- " ليس الآن هو وقت اللوم يا سام .. همنا الوحيد أن نبعدها عنه الآن .. هل يعرف باتريك أين نقيم ؟ "
- " لا .. كما أنني لا أظنه سيبحث عنها .. "
- " كيف و هي لم تقدم تنازل أو أي شيء بشأن ذلك الورث اللعين الذي لم يجلب إلا المشاكل ؟ "
- " أتمنى لو أني أوسعه ضربا .."
صوت لورا الحالمة قاطعهما .. اقترب منها سام ليسمع بماذا تتمتم لورا ..
- " باتريك !! .. باتريك ّ!! "
قالت لها جاكلين .. فأجابت لورا بعصبية
- " آخر ما سيقوم به ذلك المحامي هو رفع دعوى على سيده .. أنت لا تعرفين .. هنا الجميع يعمل ألف حساب للدوق "
- " يا له من مجتمع ديكتاتوري"
- " أتعلمين رغم كل شيء سيء استطعت أن أبحث في الأمور المشرقة فيهم .. و استطعت أن ... أن .. أحبه رغم قسوته .. لأني حاولت أن أرى فيه الإنسان ..."
لم تستطع أن تكمل جملتها لان العبرة خنقتها و ضيقت عليها أنفاسها ..
عاد سام و قد أحضر معه تذاكر رحلة العودة إلى لوس أنجلوس ..
- " سنغادر غدا ظهرا فهذا أقرب وقت ... لن تغادر أية طائرة الآن لتدهور الأوضاع الجوية "
- " لا بأس .. سنحاول أن نقضي وقتا ممتعا هنا "
قالت جاكلين مشجعة صديقتها لتنسى حزنها و ألمها ..
- " ستقام حفلة في الفندق هنا .. "
سألها سام بابتهاج و هو يضع التذاكر جانبا .. و يمسح دموعها بيده ..
- " رائع .. ما رأيك يا لورا ؟ "
- " لا أشعر برغبة في الذهاب .. لكني مع ذلك سأذهب معكما فهذا أقل شيء أستطيع فعله من أجلكما .. "
فتحت ذراعيها لتضمها في آن واحد ..
في المساء افتقد باتريك لورا .. و كان بين حين و أخرى يمر بالقرب من حجرتها و يحاول أن يتنصت .. لعله يسمع لها حسا .. لكن لا شيء ..
رأته ماريا واقفا وحده فاتجهت إليه ..
- " ما رأيك بان نركب الخيل و نتسابق كالأيام الخوالي يا باتريك ؟"
أجابها بفتور دون أن يكلف نفسه بالنظر إليها ..
- " أنا متعب قليلا يا ماريا .. ربما في وقت لاحق .. اعذريني "
- " حسنا كما تشاء .. أبي يبحث عنك .. في الحديقة يريدك أن تشاركه التدخين و التكلم عن التجارة و الأشياء السخيفة هذه .."
- " حسنا .."
تركته بسرعة .. فلمح وانيتا و هو خارجا من بعيد .. نادى عليها و سألها
- " ألم تر لورا اليوم ؟ "
- " لا يا سيدي لم أفعل "
تأفف .. ثم خرج لينضم إلى السيد سيلفادور في الحديقة و جلس معه مشعلا سيجارته و أخذ ينفثها بعصبية .. لا يعرف لم أتاه حدس بأن شيء سيء سيحدث ؟ أو أنه حدث و انتهى و هو في غفلة عن الأمر .. كان السيد سيلفادور يتكلم عن الوضع الاقتصادي و كيفية تحسينه في ألبا و جعلها منطقة سياحية ريفية .. و من الطبيعي أن يتناقش في هذا الأمر مع الدوق .. دوق ألبا .. الذي لم يكن فكره معه بل بشيء آخر .. بإحساسه الغريب .. بلورا !!
- " ما قولك يا دون باتريك ؟"
أيقظه صوت السيد سيلفادور من أفكاره العميقة فالتفت إليه و قال باسما
- " عفوا ؟ "
- " ما بك ؟؟ ما رأيك أن نذهب غدا للصيد ؟ "
- " الصيد !! "
- " نعم .. لديك بندقية أليس كذلك ؟ "
- " آه الصيد .. نعم بكل تأكيد.."
- " رائع .. "
نظر العجوز إلى ساعاته و قال
- " لقد تأخر الوقت .. يجب أن يذهب هذا العجوز إلى فراشه .. و أنت كذلك لأننا سنغادر في الصباح الباكر "
ثم وقف و هو يضحك
- " بلغ سلامي للآنسة آغنر .. آه صحيح أين هي اليوم ؟ "
أحرجه سؤاله فأشار بيده بأنه لا يعلم .. و ليته يعرف أين هي .. فأنه مشتاق لها على الرغم من أنه رآها هذا الصباح
- " عمت مساءا يا بني "
- " و أنت كذلك "
ظل جالسا ينظر إلى نافذة حجرتها المظلمة ... أين عساها تكون ؟!
- " باتريك .."
سمع صوتا فقفز قلبه فرحا .. لكنه عندما استدار تجهم وجهه و عبس
- " ماريا ؟! "
- " انظر ماذا وجدت ؟ "
وضعت أمامه ألبوم صورا لهما عندما كانا مراهقين و شابين يافعين ..
لا يشعر برغبة في النظر إلى تلك الصور .. فباله مشغول .. ألا ترين ؟!
كانت تقلب الصفحات أمامه و تضحك و هي تتذكر كل موقف التقطت فيه الصورة .. لم يكن يشاركها الضحك حتى .. و أحست بذلك الجفاء منه فنظرت إليه بغضب قائلة
- " أين يسرح فكرك يا باتريك ؟ "
- " لا شيء .. بالصور .. "
- " حقا ؟! "
قالها برود
- " نعم "
- " لا أعتقد ذلك .. إنك لا تنظر إلى الصور حتى "
لم ينطق بكلمة .. بل قام بإشعال سيجارة أخرى ... أحست بانها مثل هذه السيارة التي تشتعل و تحترق و هو بكل برود ينفث دخانها ... فصرخت بوجهه
- " حسنا .. سأعترف لك .. إني أموت في اليوم غيرة مئة مرة .. فتوقف عن لعبتك.."
و كأنه تلقى لطمة على وجهه و نظر إليها مستغربا ..
- " لعبة ؟! "
- " أنت تعرف ما أقصد "
استدارت لتغادر لكنه جذبها من يدها بقوة لتقف و قال لها بصوته المهيب ..
- " وضحي لي .."
توقفت لحظات و هي تشعر بشيء من الخوف .. و بعد فترة صمت قالت ..
- " أنت و لورا .. لقد نجحت في إشعال الغيرة داخلي فتوقف و دعنا نبدأ من جديد .. "
قهقه قهرا و سخرية من القدر .. و ترك يدها
- " هل تعتقدين بأن ما يحدث بيني و بين لورا هو لعبة لأجعلك تشعرين بالغيرة و من ثم تعترفين لي فنبدأ من جديد ..؟ "
- " ماذا تعني ؟ "
- " أنت مخطئة يا عزيزتي .. أنا و أنت كنا خدعة .. فرضنا أهلنا على بعض .. لم نكن نحب بعض أبدا .. "
تجمعت عيناها بالدموع و هي تسمع هذا الكلام الجارح من باتريك .. و قالت بانكسار بضعف ..
- " بلى .. أنا أحبك يا باتريك"
نظر إليها .. لا يعرف ماذا يقول .. لا يريد أن يجرحها أكثر ..فاستقام واقفا ليقترب منها و طبع قبلة على جبينها و قال بضيق
- " عمت مساءا يا ماريا ... و لا تنتظري مني شيء .. و إن كنت تعتقدين باني ألعب عليك فأنت مخطئة "
- " ماذا يعني هذا ؟ "
- " تصبحين على خير "
- " باتريك توقف.. ماذا يعني هذا ؟!! "
لكنه تركها و غادر ليدخل حجرته و يقفل على نفسه الباب .. أخذ يجول في الجناح ذهابا و إيابا و القلق يتاءكل بداخله ... نظر إلى ساعته التي تشير إلى الواحدة صباحا .. يا إلهي الوقت يسير ببطء و كأنه قد توقف ... خرج إلى شرفته و أخذ ينظر ناحية حجرة لورا بالأسفل .. الأنوار لا تزال مطفئة .. ما الذي يحدث ؟ّ
لم يعد يستحمل أكثر .. خرج من غرفته و كالطائرة اتجه إلى حجرة لورا .. طرق الباب .. لا أحد يجيب .. طرق مرة أخرى .. فثالثة .. دون أي حس أو حركة تصدر .. فتح طرف الباب و قال
- " لورا .. لورا .. هل أنت هنا ؟ "
أجابه صوت زفير الهواء من النافذة المفتوحة.. دخل الحجرة و أضاء الأنوار .. لا أحد بالداخل .. قرصه قلبه بقوة .. و لأول مرة يشعر بان لا حول له و لا قوة .. التف يبحث عن شيء ما .. فلم يجد حقائبها و لا ثيابها !!! أين ذهبت لورا ؟!! هل غادرت ؟!! و لم ؟!!
وقفت على الطاولة و أخذت ترقص بجنون كانت ثملة جدا .. و الرجال يحومون حولها و يرقصون فرحين بالقرب منها .. و هي بلا اكتراث .. كان سام جالسا يراقبها و بيده كاميرته و يأخذ لها عدة لقطات .. لكزته جاكلين بانزعاج قائلة
- " إنك لا تضيع وقتك أليس كذلك ؟"
نظر إليها معترضا
- " ماذا ؟! "
أشارت ناحية لورا التي كانت تبدو لها إنسانة غريبة غير صديقتها
- " انظر إليها !! "
قال بلا مبالاة
- " إنها تحاول نسيان ذلك المعتوه .. بقضاء وقت ممتع "
- " أعتقد أن أحد المرعبين سوف يهجم عليها "
- " لا تقلقي .. إنها تعرف كيف تدافع عن نفسها .. بالله عليك إنها لورا آغنر "
فأجابته جاكلين باستهزاء من عدم اكتراثه
- " نعم أصبت .. تحمي نفسها .. و هي بهذه الحال "
فجأة توقفت لورا عن الرقص و دفعت أحد الشباب الراقصين بعيدا عنها..و اتجهت ناحية البار حيث سام و جاكلين .. تطلب كأسا آخر .. و تشربه دفعة واحدة .. و بعدها وضعت رأسها على المنضدة ... و ما هي إلا دقائق حتى دخلت بسبات عميق ..
- " سام .. ساعدني على حمل لورا إلى الحجرة .. لقد أفرطت في الشرب ..إنها نائمة "
حملها سام و صعد بها الحجرة .. وضعها في الفراش .. فاستلقت كالطفلة الصغيرة ..
قال معلقا و هو ينظر إليها
- " تلك المجنونة .."
- " إنها ليست مجنونة بل مجروحة.. لقد كنت تقول بأنها كانت تقضي وقت ممتع.. "
- "هذا صحيح ..لكن كان المفروض منذ البداية أن تقوم برفع دعوى قضائية على ذلك الدوق المتعجرف .. كنت وكلتها أشهر المحامين في لوس أنجلوس لو تركتني أفعل "
- " ليس الآن هو وقت اللوم يا سام .. همنا الوحيد أن نبعدها عنه الآن .. هل يعرف باتريك أين نقيم ؟ "
- " لا .. كما أنني لا أظنه سيبحث عنها .. "
- " كيف و هي لم تقدم تنازل أو أي شيء بشأن ذلك الورث اللعين الذي لم يجلب إلا المشاكل ؟ "
- " أتمنى لو أني أوسعه ضربا .."
صوت لورا الحالمة قاطعهما .. اقترب منها سام ليسمع بماذا تتمتم لورا ..
- " باتريك !! .. باتريك ّ!! "
MAHMOUD-62- 1
- زقم العضويه : 2
عدد المساهمات : 1699
نقاظ : 8008
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 29/12/2009
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 20
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
بجد مبدعه زى اختك بارك الله فيكم
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 21
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
هى المجاملة دى لي ولا لختى يعنى
MAHMOUD-62- 1
- زقم العضويه : 2
عدد المساهمات : 1699
نقاظ : 8008
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 29/12/2009
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 22
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
انتى واختك اروع من بعض
بارك الله فيكم
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 23
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
ربنا يخليك
بتحرجنى والله
بتحرجنى والله
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 24
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
-12-
مر شهر و نصف و لورا تحاول أن تنهك نفسها بالعمل و الدراسة .. إكمال دراستها للحصول على درجة الماجستير في علم الآثار , فتذهب منذ الصباح الباكر إلى الجامعة و تعود عصرا لتناول وجبة مع سام و من بعدها تبدأ في العمل بالأستوديو و التصوير و عروض الأزياء و الحفلات التي تدعو إليها و من ثم تعود إلى المنزل في وقت متأخر جدا .. فتضع رأسها على الوسادة و تغط في سبات عميق ثم تستيقظ في الصباح و هكذا ... كل ذلك حتى تنسى باتريك و الحب الذي يعتصر قلبها كل وقت و كل دقيقة تنفرد بنفسها , فتأتي صورته لتزعزعها من جديد..
و في ذلك اليوم و بعد الانتهاء من التصوير ذهبت هي وسام لاصطحاب جاكلين إلى إحدى عروض الأزياء لشراء فستان زفافها .. فجاكي ستتزوج من صديقها براد ويسلي في نهاية الأسبوع ..
- " ماذا ؟! نهاية الأسبوع لابد إنك جننت يا جاكي "
تبادلت لورا و جاكي النظرات مستغربين من سام المعترض
- " و لم لا يا سام ؟ "
- " كيف ستنهي كل شيء خلال أسبوع واحد .. "
- " لا تقلق فلقدنا بدأنا بذلك منذ فترة طويلة "
و أخذتا تضحكان و تلكزان بعضهما البعض الأمر الذي جعل سام يثور و يصيح بجنون ...
- " لكن ماذا عن عرض مارك جيكوبس يا لورا ؟! .. فهو أيضا في نهاية الأسبوع .. "
توقفتا عن الضحك فجأة بالفعل ماذا ستفعل حيال ذلك فلا تستطيع أن ترفض عرض مارك جيكوبس خاصة و أنها قامت بالتوقيع على العقد .. سيكون الأمر صعبا
- " لن تقولي شيئا سلبيا يا لورا بل ستذهبين .. لأنك وقعت على العقد و لن ترفضيه .. إنه مارك جيكوبس .. و أنت يا جاكي حاولي أن تغيري موعد زفافك .. من أجل لورا "
فأجابت جاكي مبتسمة و مطمئنة
- " أعتقد بأن حفل الزفاف سيكون بعد عرض الأزياء .. اهدأ يا سام"
لكن لورا قالت بقلق ..
- " لكني لن أكون موجودة في ليلة العشاء يا جاكي فكيف ذلك و أنا صاحبة الشرف ؟!"
ربتت على كتفها و قالت
- " سنذهب جميعنا إلى عرض مارك جيكوبس .. نحن مدعوون أليس كذلك يا سام ؟ "
- " نعم بكل تأكيد "
- " جيد و بعد عرض الأزياء .. سنقيم حفل العشاء .. و سنذهب جميعنا معا .. "
ضمها سام بقوة .. و قبلها
- " ستكونين أجمل عروس يا جاكي ... "
- " يا محتال "
كان ينظر من نافذته إلى جبل هوليوود عندما اقترب منه ماريو ليقول له بأن الطائرة قد حطت .. ما أن نزل من الطائرة حتى لفحه الهواء البارد و شعر بأن الروح تعود له من جديد .. فتفكيره و إحساسه بأن لورا موجود على هذه الأرض يبعث في نفسه الدفء و السرور و البهجة ..
اتجه إلى قصره في إحدى ضواحي لوس انجلوس .. قال له ماريو بأنه يجب أن يقابل أصحاب العقد الذي أبرمه معهم في ألبا مساء اليوم ..
- " ليس اليوم يا ماريو ...أبلغهم باني متعب .. فلدي أمر أهم من ذلك "
- " ألن تذهب إلى الشركة يا سيدي؟ "
- " لا .. غدا .. ربما .. أو الذي بعده .. "
- " لكن .."
قاطعه باتريك قبل أن يضيف أي شيء و قال بصوت حاد ..
- " ماريو ألغي كل ارتباطي لهذا الأسبوع .. فلقد قلت لك لدي أمر أهم من العمل كما و إنني وصلت للتو .. بالله عليك يجب أن آخذ قسط من الراحة ... و أنت تعلم جيدا السبب الرئيسي لقدومي إلى لوس انجلوس .."
ثم دخل حجرته و أخذ الهاتف ليتصل بصديقه ( بن ) الذي يعمل صحفي لأحد المجلات المشهورة في الولايات المتحدة .. و ما أن أغلق باتريك الهاتف منه حتى وصل بن بعد دقائق قليلة .. و هو يحمل بيده مجلات و جرائد مختلفة..
- " مرحبا يا صديقي كيف حالك ؟"
- " بخير"
صافحه باتريك و دعاه للجلوس .. فمد الأخير المجلات له و هو يبتسم بخبث ..
- " هذا ما طلبته أليس كذلك ؟! "
- " نعم شكرا لك .."
أخذ مجلة (اكسبلوجر) التي يحتوي غلافها على صورة للورا بفساتن أبيض أسباني و هو الذي ارتدته لمهرجان دوس العنب .. فتح المجلة إلى الصفحات التي تتكلم عن لورا .. و كان العنوان ( لورا آغنر .. عشت قصة خيالية في ألبا )
و من بعدها عدة صور لها في القصر و في الشلال و هي ترقص بالقرب من باتريك .. لكن لم يظهر وجهه إلا جزء من ظهره .. و صورا عديدة أخرى آلمته و أبهجته في نفس الوقت ..
أغلق المجلة بسرعة و تركها مع المجلات جانبا و سأل بن و هو يحتسي فنجان القهوة ..
- " ماذا لديك لتقول لي يا بن ؟ "
- " لم أنت مهتم جدا بالآنسة آغنر ؟ "
- " ستعرف ذلك لاحقا .. لكن أخبرني الآن "
- " حسنا ..ما عرفته بأن لديها غدا عرض أزياء لمارك جيكوبس .."
تغيرت نبرة صوت بن و هو يضيف , مما جعل القلق يجتاح باتريك فيستحثه على النطق بنفاذ صبر فقال ..
- " و في اليوم الذي بعده سيقام حفل زفافها "
ترك باتريك قهوته و سأله بعصبية
- " ماذا ؟ زفافها ؟ هل أنت متأكد ؟! "
- " نعم .. إن الكل يتحدث عنها و عن زفافها .. فهي منذ أسابيع ترتاد دور الازياء المتعلقة بفساتين الأعراس .. و الجرائد تتكلم عنها .. اقرأ .. "
شعر باتريك بطعنة خيانة في قلبه .. إذا قد تكون لورا هي من كان يلعب لعبة و يحاول التقرب منه من أجل حصولها على الورث و كل شيء .. استقام واقفا بعصبية ... و أخذ يجول في أرجاء الحجرة ..أمام مرأى ماريو الذي دخل و سأل بن
- " ما به دون باتريك ؟ "
كان بن يشعر بالضيق من تصرف باتريك المفاجئ .. فأجاب ماريو
- " لقد أخبرته أن لورا آغنر ستتزوج بعد غد "
- " ماذا ؟!!"
علا صوت ماريو بسبب الصدمة,,
فالتفت باتريك ينظر إليهما بغضب .. و قال موجها الحديث إليهما
- " كيف أستطيع الحصول على بطاقة دخول لعرض مارك جيكوبس ؟! "
مر شهر و نصف و لورا تحاول أن تنهك نفسها بالعمل و الدراسة .. إكمال دراستها للحصول على درجة الماجستير في علم الآثار , فتذهب منذ الصباح الباكر إلى الجامعة و تعود عصرا لتناول وجبة مع سام و من بعدها تبدأ في العمل بالأستوديو و التصوير و عروض الأزياء و الحفلات التي تدعو إليها و من ثم تعود إلى المنزل في وقت متأخر جدا .. فتضع رأسها على الوسادة و تغط في سبات عميق ثم تستيقظ في الصباح و هكذا ... كل ذلك حتى تنسى باتريك و الحب الذي يعتصر قلبها كل وقت و كل دقيقة تنفرد بنفسها , فتأتي صورته لتزعزعها من جديد..
و في ذلك اليوم و بعد الانتهاء من التصوير ذهبت هي وسام لاصطحاب جاكلين إلى إحدى عروض الأزياء لشراء فستان زفافها .. فجاكي ستتزوج من صديقها براد ويسلي في نهاية الأسبوع ..
- " ماذا ؟! نهاية الأسبوع لابد إنك جننت يا جاكي "
تبادلت لورا و جاكي النظرات مستغربين من سام المعترض
- " و لم لا يا سام ؟ "
- " كيف ستنهي كل شيء خلال أسبوع واحد .. "
- " لا تقلق فلقدنا بدأنا بذلك منذ فترة طويلة "
و أخذتا تضحكان و تلكزان بعضهما البعض الأمر الذي جعل سام يثور و يصيح بجنون ...
- " لكن ماذا عن عرض مارك جيكوبس يا لورا ؟! .. فهو أيضا في نهاية الأسبوع .. "
توقفتا عن الضحك فجأة بالفعل ماذا ستفعل حيال ذلك فلا تستطيع أن ترفض عرض مارك جيكوبس خاصة و أنها قامت بالتوقيع على العقد .. سيكون الأمر صعبا
- " لن تقولي شيئا سلبيا يا لورا بل ستذهبين .. لأنك وقعت على العقد و لن ترفضيه .. إنه مارك جيكوبس .. و أنت يا جاكي حاولي أن تغيري موعد زفافك .. من أجل لورا "
فأجابت جاكي مبتسمة و مطمئنة
- " أعتقد بأن حفل الزفاف سيكون بعد عرض الأزياء .. اهدأ يا سام"
لكن لورا قالت بقلق ..
- " لكني لن أكون موجودة في ليلة العشاء يا جاكي فكيف ذلك و أنا صاحبة الشرف ؟!"
ربتت على كتفها و قالت
- " سنذهب جميعنا إلى عرض مارك جيكوبس .. نحن مدعوون أليس كذلك يا سام ؟ "
- " نعم بكل تأكيد "
- " جيد و بعد عرض الأزياء .. سنقيم حفل العشاء .. و سنذهب جميعنا معا .. "
ضمها سام بقوة .. و قبلها
- " ستكونين أجمل عروس يا جاكي ... "
- " يا محتال "
كان ينظر من نافذته إلى جبل هوليوود عندما اقترب منه ماريو ليقول له بأن الطائرة قد حطت .. ما أن نزل من الطائرة حتى لفحه الهواء البارد و شعر بأن الروح تعود له من جديد .. فتفكيره و إحساسه بأن لورا موجود على هذه الأرض يبعث في نفسه الدفء و السرور و البهجة ..
اتجه إلى قصره في إحدى ضواحي لوس انجلوس .. قال له ماريو بأنه يجب أن يقابل أصحاب العقد الذي أبرمه معهم في ألبا مساء اليوم ..
- " ليس اليوم يا ماريو ...أبلغهم باني متعب .. فلدي أمر أهم من ذلك "
- " ألن تذهب إلى الشركة يا سيدي؟ "
- " لا .. غدا .. ربما .. أو الذي بعده .. "
- " لكن .."
قاطعه باتريك قبل أن يضيف أي شيء و قال بصوت حاد ..
- " ماريو ألغي كل ارتباطي لهذا الأسبوع .. فلقد قلت لك لدي أمر أهم من العمل كما و إنني وصلت للتو .. بالله عليك يجب أن آخذ قسط من الراحة ... و أنت تعلم جيدا السبب الرئيسي لقدومي إلى لوس انجلوس .."
ثم دخل حجرته و أخذ الهاتف ليتصل بصديقه ( بن ) الذي يعمل صحفي لأحد المجلات المشهورة في الولايات المتحدة .. و ما أن أغلق باتريك الهاتف منه حتى وصل بن بعد دقائق قليلة .. و هو يحمل بيده مجلات و جرائد مختلفة..
- " مرحبا يا صديقي كيف حالك ؟"
- " بخير"
صافحه باتريك و دعاه للجلوس .. فمد الأخير المجلات له و هو يبتسم بخبث ..
- " هذا ما طلبته أليس كذلك ؟! "
- " نعم شكرا لك .."
أخذ مجلة (اكسبلوجر) التي يحتوي غلافها على صورة للورا بفساتن أبيض أسباني و هو الذي ارتدته لمهرجان دوس العنب .. فتح المجلة إلى الصفحات التي تتكلم عن لورا .. و كان العنوان ( لورا آغنر .. عشت قصة خيالية في ألبا )
و من بعدها عدة صور لها في القصر و في الشلال و هي ترقص بالقرب من باتريك .. لكن لم يظهر وجهه إلا جزء من ظهره .. و صورا عديدة أخرى آلمته و أبهجته في نفس الوقت ..
أغلق المجلة بسرعة و تركها مع المجلات جانبا و سأل بن و هو يحتسي فنجان القهوة ..
- " ماذا لديك لتقول لي يا بن ؟ "
- " لم أنت مهتم جدا بالآنسة آغنر ؟ "
- " ستعرف ذلك لاحقا .. لكن أخبرني الآن "
- " حسنا ..ما عرفته بأن لديها غدا عرض أزياء لمارك جيكوبس .."
تغيرت نبرة صوت بن و هو يضيف , مما جعل القلق يجتاح باتريك فيستحثه على النطق بنفاذ صبر فقال ..
- " و في اليوم الذي بعده سيقام حفل زفافها "
ترك باتريك قهوته و سأله بعصبية
- " ماذا ؟ زفافها ؟ هل أنت متأكد ؟! "
- " نعم .. إن الكل يتحدث عنها و عن زفافها .. فهي منذ أسابيع ترتاد دور الازياء المتعلقة بفساتين الأعراس .. و الجرائد تتكلم عنها .. اقرأ .. "
شعر باتريك بطعنة خيانة في قلبه .. إذا قد تكون لورا هي من كان يلعب لعبة و يحاول التقرب منه من أجل حصولها على الورث و كل شيء .. استقام واقفا بعصبية ... و أخذ يجول في أرجاء الحجرة ..أمام مرأى ماريو الذي دخل و سأل بن
- " ما به دون باتريك ؟ "
كان بن يشعر بالضيق من تصرف باتريك المفاجئ .. فأجاب ماريو
- " لقد أخبرته أن لورا آغنر ستتزوج بعد غد "
- " ماذا ؟!!"
علا صوت ماريو بسبب الصدمة,,
فالتفت باتريك ينظر إليهما بغضب .. و قال موجها الحديث إليهما
- " كيف أستطيع الحصول على بطاقة دخول لعرض مارك جيكوبس ؟! "
HAMS- مشرف عام الاقسام الرومانسيه
- زقم العضويه : 58
عدد المساهمات : 720
نقاظ : 6279
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 32
الموقع : مصر
- مساهمة رقم 25
رد: لورا و الدوق الأسباني (كاملة) ماري روك
جلست في غرفة التبديل مع باقي عارضات الأزياء و هي تشعر بتوتر .. على الرغم من اعتيادها على عرض الأزياء أمام ملايين من الناس و آلات التصوير إلا أنها دائما ما تشعر بالرهبة و الخوف .. و هو أمر طبيعي لامرأة ناجحة مثلها ... وقفت لتطل من خلف الكواليس على الجالسين لعلها تلمح والديها أو أي أحد يطمأنها ..
تصلبت في مكانها عندما لمحت من بعيد شخصا طويل و عريض المنكبين يدخل و خلفه رجلين و يجلس بعيدا عن المسرح .. و بدا لها كأنها رأت باتريك !!
حاولت أن تدقق النظر أكثر .. لابد أنها قد جنت ..
دخل سام و هو ينظر إليها متوترة و متصلبة .. جذبها إلى الكنبة فقدم لها كأسا لتهدأ أعصابها قليلا
- " ما بك يا عزيزتي ؟! "
لم تنطق .. فمازالت تنظر ناحية المقاعد و تعيد في مخيلتها ذلك الشخص الذي يشبه باتريك كثيرا .. هزها سام بقوة فانتبهت له و نظرت إليه ..
- " لورا ؟؟ أنت بخير أليس كذلك ؟ "
أومأت إيجابا .. ثم فجأة نفت بهزة من رأسها ..
- " قولي لي يا لورا ما بك ؟! هل أزعجك أحد ؟ "
وقفت و مشت ناحية المسرح فتبعها مستغربا .. أشارت ناحية الرجل الجالس بعيدا و قالت
- " أنظر هناك "
نظر إلى حيث أشارت فقال
- " من عساه يكون ؟!"
- " باتريك "
دقق النظر .. ثم انفجر ضاحكا و جذبها للخلف مرة أخرى و هو يقول
- " إنه التوتر و الضغط يا عزيزتي يجعلك تتوهمين أشياء .. "
- " لا أنا متأكدة ..هذا باتريك .. سام أنظر .. "
نظر من أجلها مرة أخرى .. و هذه المرة لم يجد ذلك الرجل الذي كانت تشير إليه جالسا ..
- " لو كان ذلك الشخص الذي تشيرين إليه هو بالفعل باتريك لرأيت داني و ماريو معه .. أنظري .. لا يوجد أحد بالمقعد .. باتريك ليس هنا .. إنه في ألبا .. أسبانيا .."
أخذت نفسا عميقا .. فاحتست الكأس الذي أحضره لها باتريك دفعة واحدة .. وضع يده على كتفها و هو يقول بصوت حاني ..
- " اهدئي .. و ابتسمي .. سيكون كل شيء على ما يرام يا عزيزتي.."
أومأت له برأسها قبل أن يغادر حجرة التبديل و ما إن خرج حتى بدأت في ارتداء ثيابها و استعدت للدخول .. اهدئي يا لورا .. الذي لمحته شخصا يشبه باتريك .. هل أنا مشتاقة له لهذه الدرجة التي قمت أجسده أمامي في كل وقت ..
بدأ عرض الأزياء .. فدخلت العارضات قبل لورا .. و ها قد أتى دورها .. دخلت فأحدثت ضجة عارمة .. و كأن آلات التصوير قد جنت و هي تتوهج بفلاشات بيضاء و زرقاء.. صفق الجمهور بحرارة ..
عاد باتريك إلى مقعده في الصف الأخير و انتبه إلى أن سبب هذه الضجة هو دخول لورا المسرح.. لورا بفستان أرجواني و شعر أشقر مرفوع و جسد مثير ممشوق .. أخذ يحملق فيها .. لقد خطفت أنفاسه و هو يرى لورا على حقيقتها .. لورا الجميلة البهية الطلة .. لم يكن يعرف بأن لها معجبين لهذه الدرجة .. يذوبون مثله كلما خطت لورا أمامهم بثقة .. و كأنها تعرف بأنها تثيرهم و تغريهم أخذ يتمعن النظر فيها و في مشيتها على الرواق الأبيض الطويل ..
حاولت أن تنظر في وجوه الجالسين لكنها لم تستطع أن تلمح أي أحد بسبب فلاشات آلات التصوير و الضوء الأبيض الساطع المسلط عليها ..
همس بصوت خافت يسأل بن عندما رأى سام واقف أمام لورا يحيها و يحاول أن يبعث الهدوء إليها بابتسامته و من ثم تغمز له بعينيها بحركة شيطانية مما جعلت قلب باتريك يثور بالداخل و يشعر بحرارة غمزتها على بعد أمتار عنها ...
- " ألم تعرف ممن ستتزوج لورا غدا ؟ هل هو سام ؟ "
- " تقصد سام ديكاري .. مدير أعمالها الفرنسي ؟ "
- " نعم هذا هو "
و أشار ناحيته فانفجر بن ضاحكا .. و قال
- " إن سام ليس من النوع الذي يهتم بالفتيات الجميلات .. إن كنت تفهم ما أعني "
صدم باتريك لكنه مع ذلك ضحك على غباءه فلقد شعر بالغيرة منه لفترة طويلة ..
انتهى العرض بعد أن دخل مصمم الأزياء المشهور مارك جيكوبس ممسكا بيد لورا و كانت قد غيرت فستانها لترتدي فستان أسود قصير و منفوش في النهاية بطريقة غريبة و بوسطه حزام أبيض ذو نقشات ذهبية .. و كانت قد غيرت طريقة تصفيف شعرها ليكون مسدولا و لاول مرة يراها تضع مكياج ذو ألوان غامقة..
دخلا و قد أحدثا ضجة أخرى كبيرة .. و كان المصورين يتهاجمون على إلتقطات أكبر عدد من الصور لهذين النجمين ..
توقفا أمام آلات التصوير و الجمهور .. ثم انحنى المصمم يحي الجمهور الذين وقفوا مصفقين له لإبداعاته في تصميم الأزياء .. ثم تنحى جانبا و أشار على لورا و قال بصوت عال .. لكن بسبب الضوضاء لم يسمع من صوته شيئا ..
- " لورا آغنر "
فصفق الجمهور أكثر .. و من بينهم باتريك .. الذي لم يبعد عينيه عنها و لا ثانية .. حتى أنه لم يرمش خوفا من أن يفوته شيء من النظر إلى معذبته ..
و بعد ذلك العرض الرائع ذهبت لورا مع الأصدقاء و الأقارب إلى حفل عشاء الذي تقيمه جاكلين بمناسبة حفل زفافها في الغد ( عشاء تدريب) (ري هيرسال دينير ) .. و هناك تلقت لورا العديد من التهنيئات و المباركات على نجاحها اليوم و كيف أنها بدت ساحرة و مبهرة .. رقصت و استمتعت حتى وقت متأخر من الليل محاولة بذلك نسيان باتريك ..
قفزت من فراشها في الصباح .. فلقد تأخرت بالاستيقاظ بسبب تأخرها بالنوم أمس و كل ذلك أنها كانت تحلم أحلام مزعجة .. فلقد رأت باتريك يدخل إلى غرفة التبديل و يأخذها بين يديه قائلا لها بأنه يحبها و من ثم يقبلها ..
بسرعة استحمت و جذبت فستانها الذي سترتديه اليوم معها و اتجهت إلى منزل والديها حيث يقام الحفل هناك .. استقبلتها والدتها التي كانت مشغولة بإعطاء الأوامر للطباخين و النادلين.. و صاحب الزهور عندما دخلت لورا راكضة .. فصاحت عليها معاتبة
- " لورا لقد تأخرت يا عزيزتي .. هيا أسرعي فجاكلين ستصاب بنوبة جنون "
- " لم ؟ ما بها ؟ "
لكنها صعدت الدرج ركضا دون أن تسمع جواب والدتها ... دخلت الحجرة حيث جاكلين واقفة بملابسها الداخلية و هي تبكي
- " ماذا يجري يا جاكي ؟ هل كل شيء بخير ؟ "
- " لا .. لقد تمزق الفستان ..."
ثم أشارت ناحية التمزق .. عندما رأته لورا حبست ضحكتها فلقد اعتقدت لورا بأنه كبير جدا و الذي جعلها تعتقد ذلك هو منظر جاكي منهارة على شق بسيط في الفستان صعب رؤيته ..
- " اهدئي عزيزتي .. سوف أتصل بالخياطة التي تعمل بالأستوديو "
أخذت لورا الهاتف و قامت بالاتصال بالخياطة التي أجابتها على الفور ..
- " قالت بأنها ستصل خلال دقائق .. اهدئي .."
- " كيف أهدأ يا لورا كيف و لم تأتي مصممة الشعر بعد .. و .. "
قاطعتها .. و أجلستها على الكرسي
- " جاكلين .. أنظري إلي .. سأحضر لك فنجان قهوة .. فأعصابك مشدودة جدا .. و هذا شيء طبيعي .. لكن كل شيء سيكون على ما يرام .. لقد عانيت من لحظات محرجة في عروض الأزياء .. و كدت أصاب بالجنون مثلك .. و أصبت فعلا .. فقد كنت أتوهم شخص بالأمس .. "
نظرت إليها جاكلين و قد توقفت عن البكاء .. و هي تسألها
- " توهمت شخص ؟! من ؟! "
حاولت أن تطرد تلك الذكرى من مخيلها فقالت
- " لا عليك .. اهدئي الآن .. فاليوم هو يومك .. و لن يبدأ الحفل إلا بعد أن تكوني أنت مستعدة و جاهزة .."
مسحت دموعها و هي تبتسم لها عندها دخل سام .. و شهق بصوت عال عندما رأى الاثنتين غير مستعدتان ...و قال و كأنه الآمر الناهي هنا ..
- " ما هذا؟ .. "
ثم صفق بيديه
- " هيا يا لورا إلى حجرتك للاستعداد.. جاكي توقفي عن البكاء الذي سيجعل عيناك تنتفخان بشيء غير معقول بيوم عرسك .. و ستكون الصور بشعة و قبيحة .."
لم تستطع أن تكبح ضحكتها فضحكت لورا معها أيضا ..سألته و قد تمكن منها القلق من جديد ..
- " و براد .."
أردف قائلا مقاطعا إياها
- " براد يستعد بدوره و هو لا يستطيع الانتظار كي يتزوج بك يا عزيزتي .."
اقترب ليحضنها و يقبل عينيها المتورمتين ..
-" يا حلوتي .. أنا مسيطر على الوضع .. و السيدة آغنر تقوم بكل شيء .. سيكون الحفل ساحرا مثلما تمنيت .."
ثم جذب لورا و أخرجها و دفعها لحجرتها حتى تستعد ...
و ما هي إلا دقائق حتى حضرت الخياطة و مصممة الشعر و دخلتا حجرة جاكلين .. عندئذ اطمأنت لورا و دخلت حجرتها كي تستعد بدورها ..
تصلبت في مكانها عندما لمحت من بعيد شخصا طويل و عريض المنكبين يدخل و خلفه رجلين و يجلس بعيدا عن المسرح .. و بدا لها كأنها رأت باتريك !!
حاولت أن تدقق النظر أكثر .. لابد أنها قد جنت ..
دخل سام و هو ينظر إليها متوترة و متصلبة .. جذبها إلى الكنبة فقدم لها كأسا لتهدأ أعصابها قليلا
- " ما بك يا عزيزتي ؟! "
لم تنطق .. فمازالت تنظر ناحية المقاعد و تعيد في مخيلتها ذلك الشخص الذي يشبه باتريك كثيرا .. هزها سام بقوة فانتبهت له و نظرت إليه ..
- " لورا ؟؟ أنت بخير أليس كذلك ؟ "
أومأت إيجابا .. ثم فجأة نفت بهزة من رأسها ..
- " قولي لي يا لورا ما بك ؟! هل أزعجك أحد ؟ "
وقفت و مشت ناحية المسرح فتبعها مستغربا .. أشارت ناحية الرجل الجالس بعيدا و قالت
- " أنظر هناك "
نظر إلى حيث أشارت فقال
- " من عساه يكون ؟!"
- " باتريك "
دقق النظر .. ثم انفجر ضاحكا و جذبها للخلف مرة أخرى و هو يقول
- " إنه التوتر و الضغط يا عزيزتي يجعلك تتوهمين أشياء .. "
- " لا أنا متأكدة ..هذا باتريك .. سام أنظر .. "
نظر من أجلها مرة أخرى .. و هذه المرة لم يجد ذلك الرجل الذي كانت تشير إليه جالسا ..
- " لو كان ذلك الشخص الذي تشيرين إليه هو بالفعل باتريك لرأيت داني و ماريو معه .. أنظري .. لا يوجد أحد بالمقعد .. باتريك ليس هنا .. إنه في ألبا .. أسبانيا .."
أخذت نفسا عميقا .. فاحتست الكأس الذي أحضره لها باتريك دفعة واحدة .. وضع يده على كتفها و هو يقول بصوت حاني ..
- " اهدئي .. و ابتسمي .. سيكون كل شيء على ما يرام يا عزيزتي.."
أومأت له برأسها قبل أن يغادر حجرة التبديل و ما إن خرج حتى بدأت في ارتداء ثيابها و استعدت للدخول .. اهدئي يا لورا .. الذي لمحته شخصا يشبه باتريك .. هل أنا مشتاقة له لهذه الدرجة التي قمت أجسده أمامي في كل وقت ..
بدأ عرض الأزياء .. فدخلت العارضات قبل لورا .. و ها قد أتى دورها .. دخلت فأحدثت ضجة عارمة .. و كأن آلات التصوير قد جنت و هي تتوهج بفلاشات بيضاء و زرقاء.. صفق الجمهور بحرارة ..
عاد باتريك إلى مقعده في الصف الأخير و انتبه إلى أن سبب هذه الضجة هو دخول لورا المسرح.. لورا بفستان أرجواني و شعر أشقر مرفوع و جسد مثير ممشوق .. أخذ يحملق فيها .. لقد خطفت أنفاسه و هو يرى لورا على حقيقتها .. لورا الجميلة البهية الطلة .. لم يكن يعرف بأن لها معجبين لهذه الدرجة .. يذوبون مثله كلما خطت لورا أمامهم بثقة .. و كأنها تعرف بأنها تثيرهم و تغريهم أخذ يتمعن النظر فيها و في مشيتها على الرواق الأبيض الطويل ..
حاولت أن تنظر في وجوه الجالسين لكنها لم تستطع أن تلمح أي أحد بسبب فلاشات آلات التصوير و الضوء الأبيض الساطع المسلط عليها ..
همس بصوت خافت يسأل بن عندما رأى سام واقف أمام لورا يحيها و يحاول أن يبعث الهدوء إليها بابتسامته و من ثم تغمز له بعينيها بحركة شيطانية مما جعلت قلب باتريك يثور بالداخل و يشعر بحرارة غمزتها على بعد أمتار عنها ...
- " ألم تعرف ممن ستتزوج لورا غدا ؟ هل هو سام ؟ "
- " تقصد سام ديكاري .. مدير أعمالها الفرنسي ؟ "
- " نعم هذا هو "
و أشار ناحيته فانفجر بن ضاحكا .. و قال
- " إن سام ليس من النوع الذي يهتم بالفتيات الجميلات .. إن كنت تفهم ما أعني "
صدم باتريك لكنه مع ذلك ضحك على غباءه فلقد شعر بالغيرة منه لفترة طويلة ..
انتهى العرض بعد أن دخل مصمم الأزياء المشهور مارك جيكوبس ممسكا بيد لورا و كانت قد غيرت فستانها لترتدي فستان أسود قصير و منفوش في النهاية بطريقة غريبة و بوسطه حزام أبيض ذو نقشات ذهبية .. و كانت قد غيرت طريقة تصفيف شعرها ليكون مسدولا و لاول مرة يراها تضع مكياج ذو ألوان غامقة..
دخلا و قد أحدثا ضجة أخرى كبيرة .. و كان المصورين يتهاجمون على إلتقطات أكبر عدد من الصور لهذين النجمين ..
توقفا أمام آلات التصوير و الجمهور .. ثم انحنى المصمم يحي الجمهور الذين وقفوا مصفقين له لإبداعاته في تصميم الأزياء .. ثم تنحى جانبا و أشار على لورا و قال بصوت عال .. لكن بسبب الضوضاء لم يسمع من صوته شيئا ..
- " لورا آغنر "
فصفق الجمهور أكثر .. و من بينهم باتريك .. الذي لم يبعد عينيه عنها و لا ثانية .. حتى أنه لم يرمش خوفا من أن يفوته شيء من النظر إلى معذبته ..
و بعد ذلك العرض الرائع ذهبت لورا مع الأصدقاء و الأقارب إلى حفل عشاء الذي تقيمه جاكلين بمناسبة حفل زفافها في الغد ( عشاء تدريب) (ري هيرسال دينير ) .. و هناك تلقت لورا العديد من التهنيئات و المباركات على نجاحها اليوم و كيف أنها بدت ساحرة و مبهرة .. رقصت و استمتعت حتى وقت متأخر من الليل محاولة بذلك نسيان باتريك ..
قفزت من فراشها في الصباح .. فلقد تأخرت بالاستيقاظ بسبب تأخرها بالنوم أمس و كل ذلك أنها كانت تحلم أحلام مزعجة .. فلقد رأت باتريك يدخل إلى غرفة التبديل و يأخذها بين يديه قائلا لها بأنه يحبها و من ثم يقبلها ..
بسرعة استحمت و جذبت فستانها الذي سترتديه اليوم معها و اتجهت إلى منزل والديها حيث يقام الحفل هناك .. استقبلتها والدتها التي كانت مشغولة بإعطاء الأوامر للطباخين و النادلين.. و صاحب الزهور عندما دخلت لورا راكضة .. فصاحت عليها معاتبة
- " لورا لقد تأخرت يا عزيزتي .. هيا أسرعي فجاكلين ستصاب بنوبة جنون "
- " لم ؟ ما بها ؟ "
لكنها صعدت الدرج ركضا دون أن تسمع جواب والدتها ... دخلت الحجرة حيث جاكلين واقفة بملابسها الداخلية و هي تبكي
- " ماذا يجري يا جاكي ؟ هل كل شيء بخير ؟ "
- " لا .. لقد تمزق الفستان ..."
ثم أشارت ناحية التمزق .. عندما رأته لورا حبست ضحكتها فلقد اعتقدت لورا بأنه كبير جدا و الذي جعلها تعتقد ذلك هو منظر جاكي منهارة على شق بسيط في الفستان صعب رؤيته ..
- " اهدئي عزيزتي .. سوف أتصل بالخياطة التي تعمل بالأستوديو "
أخذت لورا الهاتف و قامت بالاتصال بالخياطة التي أجابتها على الفور ..
- " قالت بأنها ستصل خلال دقائق .. اهدئي .."
- " كيف أهدأ يا لورا كيف و لم تأتي مصممة الشعر بعد .. و .. "
قاطعتها .. و أجلستها على الكرسي
- " جاكلين .. أنظري إلي .. سأحضر لك فنجان قهوة .. فأعصابك مشدودة جدا .. و هذا شيء طبيعي .. لكن كل شيء سيكون على ما يرام .. لقد عانيت من لحظات محرجة في عروض الأزياء .. و كدت أصاب بالجنون مثلك .. و أصبت فعلا .. فقد كنت أتوهم شخص بالأمس .. "
نظرت إليها جاكلين و قد توقفت عن البكاء .. و هي تسألها
- " توهمت شخص ؟! من ؟! "
حاولت أن تطرد تلك الذكرى من مخيلها فقالت
- " لا عليك .. اهدئي الآن .. فاليوم هو يومك .. و لن يبدأ الحفل إلا بعد أن تكوني أنت مستعدة و جاهزة .."
مسحت دموعها و هي تبتسم لها عندها دخل سام .. و شهق بصوت عال عندما رأى الاثنتين غير مستعدتان ...و قال و كأنه الآمر الناهي هنا ..
- " ما هذا؟ .. "
ثم صفق بيديه
- " هيا يا لورا إلى حجرتك للاستعداد.. جاكي توقفي عن البكاء الذي سيجعل عيناك تنتفخان بشيء غير معقول بيوم عرسك .. و ستكون الصور بشعة و قبيحة .."
لم تستطع أن تكبح ضحكتها فضحكت لورا معها أيضا ..سألته و قد تمكن منها القلق من جديد ..
- " و براد .."
أردف قائلا مقاطعا إياها
- " براد يستعد بدوره و هو لا يستطيع الانتظار كي يتزوج بك يا عزيزتي .."
اقترب ليحضنها و يقبل عينيها المتورمتين ..
-" يا حلوتي .. أنا مسيطر على الوضع .. و السيدة آغنر تقوم بكل شيء .. سيكون الحفل ساحرا مثلما تمنيت .."
ثم جذب لورا و أخرجها و دفعها لحجرتها حتى تستعد ...
و ما هي إلا دقائق حتى حضرت الخياطة و مصممة الشعر و دخلتا حجرة جاكلين .. عندئذ اطمأنت لورا و دخلت حجرتها كي تستعد بدورها ..