كلمات في الرقائق 1
نورجيمى- مشرف عام القسم الاسلامي
- زقم العضويه : 11
عدد المساهمات : 1059
نقاظ : 7068
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
- مساهمة رقم 1
كلمات في الرقائق 1
إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ]
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد ..
فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الفضلاء وأيتها الأخوات الفاضلات ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك ومولاه ..
أحبتي في الله : كلمات في الرقائق :
هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الأغر المبارك ، فقد ألح عليّ كثير من إخواننا إلحاحا شديدا بعد سنوات طويلة ، هجرنا فيها التذكير بالرقائق ، أن أذكر نفسي وإخواني بكلمات رقراقة ، نرجو أن ترق بها قلوبنا ، وأن تدمع عيوننا وأن يذهب الله بها قسوة قلوبنا ، لا لاسيما ونحن نعيش الآن عصراً ، طغت فيه الماديات والشهوات ، وانحرف فيه كثير من الناس عن رب الأرض والسماوات ، وقست فيه القلوب وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب وقل فيه الخوف من علام الغيوب . فما أحوجنا في مثل هذا الزمن الذي طغت فيه فتن الشهوات والشبهات ، إلى أن نتذكر هذه الكلمات التي تذكرنا بالآخرة ، في زمن قل فيه من يتذكر الآخرة ، أسأل الله أن أكون من أهل الآخرة ، فالحياة تمضي مسرعة ومعظم أهلها في غفلة عما هو آت .
نعم ! أرحام تدفع ، وأرض تبلع ، مثلهم في ذلك كمثل أمواج البحر المتلاحقة، كلما انكسرت على الشط تبعتهم موجة وموجة ، مثلهم في ذلك كمثل ماء نهر متدفق، فالماء الذي تراه اللحظة يختلف نمام الاختلاف عن الماء الذي وقعت عليه عينك قبل لحظة.
الحياة على ظهر الأرض موقوتة محدودة بأجل ، ثم تأتي نهايتها حتماً ، فيموت الصالحون، ويموت الطالحون، يموت المجاهدون المستعلون بالعقيدة ، ويموت القاعدون المستذلون للعبيد ، يموت أصحاب الأهداف الكبيرة ، والاهتمامات العالية ، ويموت التافهون الحريصون على الحياة ، بأي ثمن يموت الجبناء الذين يحرصون على الحياة بأية صورة ، ويموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ويكرهون الذل الكل يموت { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [ الرحمن /27،26] .
إنها الحقيقة التي تصبغ الحياة البشرية كلها ، بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض ، إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان والمكان ، في أذن كل سامع، وعقل كل مفكر ، أنه لا بقاء إلا للحي الذي لا يموت ، إنها الحقيقة التي تسربل بها طوعاً أو كرهاً – العصاة والطائعون ، وشرب كأسها الأنبياء والمرسلون .
كل باك فسيُبكى وكل ناع فسينُعى
وكل مدخور سيفُنى وكل مذكور سينُسى
ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى
قال – جل وعلا: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق/19] والحق أنك تموت والله حي لا يموت والحق أنك ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران { ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } أي ذلك ما كنت منه تهرب وتفر ، وتجري تحيد إلى الطبيب ، إذا جاءك المرض خوفاً من الموت ، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع ، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ .
ثم ماذا أيها القوي ، أيها الذكي العبقري ، يا أيها الكبير ، يا أيها الأمير ، يا أيها الوزير ، يا أيها الغني ، يا أيها الفقير .
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حسن نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب
الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيهما تعد وتحسب
وصدق ربي إذ يقول: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ{26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ{27} وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ{28} وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ{29} إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة/30،26] ويُفتح سجلك أبها اللاهي ، ويفتح كتابك أبها الغافل عن لقاء ربك وإذا به {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى{31} وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [ القيامة /32،31] تدبر {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ{26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } .
قال ابن عباس – رضي الله عنهما – أي : من يرقى بروحه من ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب : قال قتادة : { كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ{26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } أي : من يبذل له الرقية ، من يبذل له الطب والعلاج ، انظر إليه وهو على فراش الموت ، وقد التف الأطباء من حوله ، وداروا بل وحار الأطباء في أمره ، وحاروا انظر إليه وهو من هو ، صاحب المنصب ، صاحب الجاه ، صاحب السلطان ، صاحب الأموال ، صاحب الوزارة ، صاحب الملك ، شحب وجهه وتجعد جلده وبردت أطرافه ، وبدأ يشعر على فراش الموت بزمهرير قارس ، يزحف إلى أنامل يديه وقدميه .
يحاول جاهداً أن يحرك شفتيه بكلمة التوحيد ، فيشعر أن الشفتين كالجبل لا يريد أن يتزحزح إلا لمن يسر الله له النطق بلا إله إلا الله ، فإذا أفاق في لحظة من لحظات الصحوات بين السكرات والكربات ، ووعى ما حوله نظر إلى الأطباء تارة ، بل ونظر إلى أهله تارة ، وقال بهم بلسان الحال وأحياناً بلسان المقال : يا أولادي يا أحبابي لا تتركوني وحدي ولا تفردوني في لحدي لا تتركوني ، أنا أبوكم ، أنا أخوكم ، أنا حبيبكم ، أنا ، أنا الذي بنيت لكم القصور ، أنا الذي عمرت لكم الدور ، أنا الذي نميت لكم التجارة ، أنا صاحب الأموال ، أنا صاحب الجاه والسلطان ، من منكم يزيد في عمري ساعة ، أو ساعتين ؟ وهنا يعلو صوت الحق : { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ{83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ{84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ{85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ{86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الواقعة/83-87] .
من يستطيع أن يزيد في عمره ساعة أو ساعتين ؟ لا أحد {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس/49] إذاًَ حان الأجل المحدد الذي حدده الله جل وعلا .