كلمات في الرقائق 3
نورجيمى- مشرف عام القسم الاسلامي
- زقم العضويه : 11
عدد المساهمات : 1059
نقاظ : 7068
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
- مساهمة رقم 1
كلمات في الرقائق 3
الله – جل وعلا – قادر على أن يبعثك ، لأنه خلقك ولم تك شيئا .
روى البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي r قال: (( قال الله تعالى – في الحديث القدسي : كذبني ابن آدم ، ولم يكن له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني – قال – وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته ، أما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد )) ([1]).
وقد ضرب الله لنا بعض الأمثلة في القرآن على البعث بعد الموت فهذا العاصي العاص بن وائل الذي جاء بعظام بالية ، يفتتها يوما بين يديه أمام رسول الله r وهو يقول: يا محمد أتزعم أن ربك يحي هذه بعد ما صارت رميما فقال له النبي r: ((نعم يميتك ثم يبعثك ثم يدخلك جهنم)) فنزل قول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ{78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [ يس / 77-79] الآيات .
فبعد البرزخ بعث ، وآه من البعث ومشهده ! فبعد البعث حشر إلى أرض ستقف عليها لتحاسب بين يدي الحق – جل وعلا .
تدبر قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوىr كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه)) فمن مات على طاعة بعث يوم القيامة على ذات الطاعة ومن مات على معصية بعث يوم القيامة على ذات المعصية (( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) ([2])فمنهم من يبعث والنور يشرق من وجهه ، ومن يمينه ومن بين يديه ، اللهم اجعلنا من أهل الأنوار : { يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التحريم/8].
قال ابن مسعود – والأثر رواه أحمد في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وابن مردويه وغيرهم: منهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم ، ومنهم من يكون نوره على إبهامه، يوقد مرة ويطفأ مرة، ومنهم من تحيط به الظلمة من كل ناحية ([3]).
قال – جل وعلا: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ{13} يُنَادُونَهُمْ} [الحديد/14،13] . أي ينادون أهل الأنوار ، ينادي أهل الظلمات أهل الأنوار . أي ينادي أهل النفاق ، أهل الإيمان {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } أي : ألم نكن معكم نشهد الجمعات ؟ ألم نحضر معكم الجماعات ؟ ألم نشهد معكم الغزوات ؟ { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } فتنتم أنفسكم بالشرك أو النفاق {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ } أي بالإيمان ولأهله {وَارْتَبْتُمْ } أي تشككتم في وعد الله ورسوله {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [ الحديد /14] .
فمنهم من تحيط به الظلمة من كل ناحية ، نسأل الله – جل وعلا – إلا يحرمنا نوراً في الدنيا والآخرة ، اللهم لا تحرمنا النور ، يوم تقسم الأنوار برحمتك يا عزيز يا غفار.
ومنهم من يبعث من قبره وهو يقول لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك، إلى أين ؟ أنت في أرض المحشر ، ولست في أرض عرفة من هذا ؟ هذا الذي مات في الحج والعمرة بملابس الإحرام .
وحديثه في الصحيحين من حديث ابن عباس قال r: ((فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا)) ([4]).
ومنهم من يبعث ينبعث منه دم، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، من هؤلاء؟ هؤلاء الشهداء في سبيل الله والحديث في الصحيحين ([5]).
ومنهم من يبعث وهو لا يقوى على القيام ، إذا وقف وقع على الأرض ، وإذا وقع وأراد أن يستوي على الأرض تلبط في الأرض يمنة ويسرة ، لا يستطيع قياماً ولا جلوساً ، منظر يخلع القلوب من هذا ؟ هذا آكل الربا .
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } لا ، لا ، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة/275] .
ومنهم من يبعث ، ترى مجموعة من الأطفال يجرونه جراً ويدفعونه دفعاً ، ليقدموه في أرض المحشر ليوقفوه بين يدي الله عز وجل من هذا ؟ ومن هؤلاء ؟ هذا آكل أموال اليتامى ، وهؤلاء هم اليتامى يدفعونه دفعاً ليوقفوه بين يدي الله : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء/10] .
ومنهم من يبعث وكأس الخمر في يده ، مات وكأس الخمر في يده فيبعث وكأس الخمر في يده ، من أين جاء ؟ الله أعلم . ومنهم من يبعث وقد سرق في الدنيا تراه يمشي في أرض المحشر ، وهو يحمل بيضة سرقها أو يحمل دجاجة ، أو يحمل شاة أو ناقة أو يحمل بنكا ، أو يحمل أمة ، فهناك من سرق بنكا ، وهناك من سرق أمة ، يبعث يوم القيامة ، وهو يحمل ما سرق ، إن لم يتب إلى الله قال – جل وعلا : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [آل عمران/161] .
تصور هذه المشاهد التي تخلع القلوب ، ونحن نقص حقيقتها ، كيف لو عايناها ؟ كيف لو شاهدناها ، ولا تتصور أن الخلق سيبعثون بثياب ، أو بمراكز أو بمناصب، كلا.
قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كما في الصحيحين من حديث عائشة: ((يحشر الناس حفاة عراة غرلا )) ((حفاة)) نعرف معنى اللفظة ، من لا يلبس في قدميه نعلا ((عراة)) من لا يحمل على بدنه ثوباً ، ((غرلا)) حتى هذا ((غرلا)): جمع أغرل والأغرل هو الصبي قبل ختانه، حتى هذه القطعة التى قطعت يوم ختانك ترد إليك، قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء/104] (( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا)) .
قالت عائشة – تلك الزهرة التي تفتحت في بستان الحياء : يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟!! فقال لها رسول الله r : (( يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك لكل أمريء منهم يومئذ شأن يغنيه))(1) .
أقسم بالله لو تدبرتها لطاش عقلك، أقسم بالله لو تدبرتها لارتجف فؤادك تصور زحاماً خانقاً من رجال عراة ونساء عراة، ومع ذلك لا يلتفت رجل إلى امرأة، ولا تلتفت امرأة إلى رجل، تصور الهول الذي نزل بالقلوب، فأنسى البشر جميعها هذا المشهد العاري ((الأمر أشد من أن يهمهم ذلك لكل أمريء منهم يومئذ شأن يغنيه)) .
قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم : (( يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفاً مشاة ، وصنفاً ركباناً ، وصنفاً على وجوههم ))([6]) أما الركبان فهم أهل التقى اللهم اجعلنا من المتقين {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً{85} وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} [مريم/86،85] { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} [مريم /85] { وَفْداً } أي: ركبانا، التقي التقي الذي وحد الرب العلي ، وتابع في الدنيا حبيبه النبي.
ربما لم يجد دراجة في الدنيا ، ليركبها من شدة فقره ، بل ربما والله لا يجد حماراً ليركبه من شدة فقره، هذا يوم القيامة إذا بعث الناس وحشر الناس، لا يمشي على قدميه في أرض المحشر خطوة واحدة، بل يرى ملائكة الله– جل وعلا– قد أعدت له ركوبة من ركوب الآخرة، لا يعلم حقيقتها وعظمتها وجمالها إلا من أعدها ، وهيأها – جل وعلا – فيركب المؤمن التقي ويحشر إلى الرب العلي ، ليظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وصنف يحشر على قدميه في أرض المحشر ، وقد دنت الشمس من الرؤوس والزحام وحده يكاد يخنق الأنفاس بل ويكاد العرق أن يغرق كل الناس .
فمنهم من يقوم والعرق قد وصل إلى كعبيه ، ومنهم من بلغ العرق وسطه، ومنهم من ألجمه العرق إلجاماً ، ومنهم من يصل العرق إلى أذنيه ، يغرق الناس في عرقهم، فالشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل ، كما في صحيح مسلم من حديث المقداد بن الأسود قال رسول الله r: (( تُدنى الشمس من الرؤوس بمقدار ميل)) ([7]) قال سليم بن عامر: والله ما أدري أهو الميل المسافة المعروفة أم الميل الذي تكتحل به العيون ، تكون الشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل، ولولا أن الله قدر ألا نموت بعد الموت، لمتنا جميعا من حرارة الشمس، لصهرت الشمس رؤوسنا وعظامنا، ورب الكعبة في هذا المشهد الرهيب، يُحشر صنف إلى الله على الأقدام.
وانظر إلى الصنف الثالث الذي يخلع القلب، تصور وأنت تمشي وأنت عار ترى صنفاً يركب إلى جوارك، وترى صنفا يمشي، وترى صنفا يمشي على وجهه ويديه.
تخيل معي يا أخي: ترى صنفاً يحشر على وجهه ، رجلاه إلى أعلى ووجهه إلى أسفل كيف ذلك ؟! سئل النبي r في ذلك، والحديث في الصحيحين من حديث أنس قيل: يا رسول كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ قال r: ((أليس الذي أمشاه في الدنيا على قدمين قادرا على أن يمشيه يوم القيامة على وجهه )) ([8]) قال قتادة: قلت: بلى وعزة ربنا .
وأنا أقول بلسانكم جميعا : بلى وعزة ربنا إنه لقادر تدبر معي قول ربي: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء/97] سنحشر على أرض تختلف عن هذه الأرض، وستقف للحساب على أرض ليست هي هذه الأرض: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم48] .
تصور البشرية كلها من لدن آدم إلى آخر رجل تقوم عليه الساعة، تصور البشرية كلها، وهي تقف في أرض المحشر في أرض بيضاء نقية، كقرص نقي أي: بيضاء كبياض الدقيق الذي نخل من الغش والنخال، أرض بيضاء لم يعص ربنا عليها ولم يرتكب ذنب عليها، يحشر الخلق جميعا عليها للسؤال بين يدي الكبير المتعال – جل وعلا.
تصور معي هذه المشاهد التي تخلع القلوب، لنستعد من الآن للقاء علام الغيوب، بالتوبة والأوبة، والعمل الصالح، كما سأذكر في نهاية اللقاء إن شاء الله تعالى، فالذكرى لا تنفع إلا من وحد الله ولا تنفع إلا من حقق الإيمان بالله قال الله – عز وجل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات/55] . اللهم اجعلنا من المؤمنين الصادقين الذي ينتفعون بالذكر ، برحمتك يا أرحم الراحمين .